مع تصاعد حدة الاحتجاجات ضد حكومة نتنياهو داخليًا، والانتقادات الغربية خارجيًا بدا نتنياهو مأزومًا، ولم يجد مخرجًا إلا بتأجيل الصراع مع المعارضة حتى يلتقط أنفاسه، فهل ينجح بالفعل باحتواء حركة الاحتجاجات ضده وتمرير قانون إصلاح القضاء، أم تقضي عليه المعارضة؟
أعلن رئيس الحكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، خلال مؤتمر صحفي عقده
مساء الاثنين الماضي، بعد التنسيق مع شركائه في الائتلاف الحكومي أنه قرر تعليق
التشريعات الرامية لإضعاف جهاز القضاء التي يدفع لها ائتلافه الحكومي، إلى الدورة
البرلمانية المقبلة. وجاء قرار إرجاء تشريعات إضعاف جهاز القضاء ومشروع قانون إحكام
سيطرته على لجنة تعيين القضاء لفترة محدودة، في محاولة للتوصل إلى تسوية مع
المعارضة، وتوافق واسع في القرار، ومنع شقاق واسع في الأمة اليهودية على حد تعبيره،
مؤكدًا أن قراره جاء لأخذ وقفة قصيرة لإتاحة الفرصة للحوار.
|
منتقدو التغييرات اعتبروها ستضعف المحاكم وتمنح الحكومة سلطة مطلقة، ما
يعرض الحقوق والحريات الديمقراطية للخطر، وتكون له آثار كارثية على
الاقتصاد والعلاقات مع الحلفاء الغربيين الذين عبّروا بالفعل عن قلقهم |
جاء ذلك في أعقاب تصاعد حالة الغليان في الشارع الصهيوني، مع انزلاق حكومة نتنياهو
إلى حالة من فقدان السيطرة، بعد خروج مظاهرات حاشدة في الشوارع تعد من أكبر
الاحتجاجات في دولة الكيان، حيث حشد اليمين المتطرف أنصاره في القدس، فيما تظاهر
المعارضون في مراكز المدن وتقاطعات الطرق الرئيسة، تزامنًا مع الضغوطات التي مارسها
وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير الذي حصل مقابل موافقته على خطوة نتنياهو على
التزامات من الأخير بزيادة ميزانيات وزارته بما في ذلك إقامة حرس قومي.
التعديلات التي تسعى الحكومة اليمينية المتطرفة برئاسة نتنياهو لإدخالها من شأنها
أن تحد من قدرة المحكمة العليا على إصدار أحكام ضد السلطتين التشريعية والتنفيذية،
وتمنح نواب أحزاب الحكومة الائتلافية مزيدًا من الصلاحيات في تعيين القضاة، وتعطي
الحكومة الائتلافية رأيًا حاسمًا، وتعتبرها تحقق التوازن والتنوع بين أعضاء هيئة
المحكمة العليا بيد أنها ترى أن إعلام المعارضة سعى لتشويهها من أجل الإطاحة
بالحكومة ونتنياهو التي يواجه تهما بالفساد.
منتقدو التغييرات اعتبروها ستضعف المحاكم وتمنح الحكومة سلطة مطلقة، ما يعرض الحقوق
والحريات الديمقراطية للخطر، وتكون له آثار كارثية على الاقتصاد والعلاقات مع
الحلفاء الغربيين الذين عبّروا بالفعل عن قلقهم، ومنهم من
يخشى أن يستفيد نتنياهو من هذه التعديلات للنجاة من محاكمته في قضايا الفساد التي
تعصف به أو ممارسة نفوذ على المحكمة لتبرئته.
|
أشار يائير لابيد إلى أن المعارضة بحاجة للتأكد من أن نتنياهو لا ينغمس في
الحيل أو الخداع لأن لديها تجارب سيئة معه في الماضي، مشددًا على ضرورة
إجراء حوار حقيقي عادل من أجل الخروج من هذه الأزمة التي تعصف بالبلاد |
في مقابل خطوة نتنياهو رحب الرئيس الصهيوني يتسحاق هرتسوغ بمبادرة البدء بعملية
تفاوض فورية تنطلق برعاية ديوان الرئاسة، في محاولة للتوصل إلى اتفاق واسع حول مخطط
لإصلاح القضاء، مطالبًا لهذا الغرض تشكيل فرق عمل نيابة عن كل جانب، وموضحًا أنه
ينوي الاستمرار في السماح لممثلي مختلف الكتل في الكنيست، ومنظمات المجتمع المدني،
والجهات المعنية بعرض مواقفهم وأفكارهم المختلفة بكل حرية دون المساس بحقوق الجميع،
ولكن وفق النظام والقانون وعدم اللجوء للعنف والتخريب مع المحافظة على أمن واستقرار
البلاد. كما هنأ بيني غانتس نتنياهو على قراره بوقف التشريعات، استجابة لمطالب
المعارضة، وتجنبًا لأي مواجهة محتملة قد تودي إلى نتائج لا يُحمد عقباها، مع ضرورة
التراجع عن قرار إقالة وزير الأمن، يواف غالانت، وإبقائه في منصبه، لأن ذلك أمر
ضروري للأمن القومي ويساهم في تهدئة الأرواح. كما قرر تعيين عضو الكنيست، جدعون
ساعر، وعضو الكنيست حيلي طروبر، وعضو الكنيست، أوريت فركاش هكوهين، والمحامي رونان
أفياني، في فريق تفاوض ينوب عنه في المناقشات المرتقبة في ديوان الرئاسة، معربًا عن
دعمه لإنجاح الحوار من أجل مصلحة دولة الكيان.
وأشار يائير لابيد إلى أن المعارضة بحاجة للتأكد من أن نتنياهو لا ينغمس في الحيل
أو الخداع لأن لديها تجارب سيئة معه في الماضي، مشددًا على ضرورة إجراء حوار حقيقي
عادل من أجل الخروج من هذه الأزمة التي تعصف بالبلاد، وتحويلها
إلى لحظات حاسمة، تبرهن فيها دولة الكيان أن لديها معارضة قوية قادرة على التغيير
وفق القانون، ودون المساس بحقوق الآخرين والمحافظة على قوة الدولة وأمنها والعيش
معا في ظلها. في حين أبدت أحزاب المعارضة الصهيونية ترحيبًا حذرًا بقرار نتنياهو
تأجيل خطته للتعديلات القضائية، وقالت إنها ستعمل من أجل التوصل إلى اتفاق إذا كانت
الحكومة صادقة.
وفي السياق رحّب البيت الأبيض، بقرار نتنياهو، إرجاء تشريعات خطة إضعاف القضاء، وحث
زعماء العدو الصهاينة على إيجاد تسوية في أقرب وقت ممكن، كما دعاهم لحضور قمة من
أجل الديمقراطية تنظمها الولايات المتحدة هذا الأسبوع.
كما أعربت العديد من دول الاتحاد الأوروبي عن قلقها إزاء ما يحدث في دولة الكيان
ورحبوا بقرار نتنياهو وقف التعديلات القضائية وفتح حوار ودعوا زعمائها الصهاينة
لإنجاحه من أجل التوصل إلى تسوية بأسرع وقت ممكن لضمان أمن واستقرار بلادهم.
نتنياهو رضخ للمعارضة مؤقتًا وقام بتجميد التشريعات القضائية حتى لا يُنظر إليه على
أنه الشخص الذي تسبب بانشقاق غير مسبوق بين الصهاينة، لكنه سيقاتل للنهاية للحفاظ
على حكومته من الانهيار لأنها قارب النجاة الوحيد له لتمكين نفسه في قادم الأيام،
ربما يكون قد انحنى مؤقتًا لتمر العاصفة ويمنح نفسه وقتًا يسمح له بتدبير أموره أو
تأخير نهايته بعض الوقت، إذا ما تملكت منه المعارضة وأصرت على مواقفها والتي تعتبر
نفسها انتصرت انتصارًا كبيرًا عليه في هذه الجولة، مما يمنحها قوة وثقة أكبر من أجل
الإطاحة به وبحكومته في قادم الأيام.