تتواصل تداعيات محاولة نتنياهو الانقلاب على السلطة القضائية، وهو ما أدى أزمة كبيرة في المجتمع اليهودي، وشيوع حالة من الفوضى السياسية والصدام بين مكونات المجتمع، إلى ذلك تتباين سيناريوهات هذا الصدام على مستقبل الدولة العبرية.
تجد دولة الكيان الصهيوني حالياً نفسها في أزمة عميقة تهدد إستقرارها تتعلق بتصدعات
إجتماعية وسياسية بأبعاد مختلفة نتجت عن خلافات عميقة بين اليمين اليهودي الذي أصبح
يسيطر على مؤسسات الدولة بعد الانتخابات الخامسة التي جرت خلال السنوات الثلاث
الماضية واليسار الذي كان يتجسد في حزب العمل وميرتس وتمزق وتحولا فيما بعد إلى
كنتونات سياسية صهيونية صغيرة أصبحت هشة التأثير على صناعة القرار الصهيوني.
أبرز جوانب الأزمة التي يعيشها الكيان الصهيوني تتعلق بهلالك الجيل المؤسس للدولة
العبرية وظهور جيل جديد غير قادر على احتواء الخلاف داخل المجتمع حول القضايا
الأساسية مثل تسيس مشروع يهودية الدولة
والتنظير المزيف لكون المشروع الصهيوني مشروع ديمقراطي وهنا يبرز التصادم بين
هويتين مختلفتين تشهدان المزيد من الضغوط الدولية. يقول معهد دراسات الأمن القومي
الصهيوني في دراسة مؤخراً إن الكتلة الأرثوذكسية المتطرفة التي قادها الليكود
بزعامة بنيامين نتنياهو شكلت مزيج سياسي مصادم للمحيط العالمي لا سيما في ظل تأييد
بعض الوزراء لأجندة متطرفة ستؤثر كثيراً على استقرار الحكومة وبقائها وزيادة
الخلافات السياسية مع حلفاء الدولة العبرية قبل أعدائها، فقد خرجت تصريحات من
واشنطن تؤكد رفضها استقبال وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، عقب تهديده بمحو بلدة
"حوارة" الفلسطينية عن الخارطة الأمر الذي أجبره على التراجع عن تصريحاته.
الجانب الآخر المظلم هو استمرار ما يعرف بــ" الثورة القضائية" التي يقودها
نتنياهو، فوفقاً لرواية الائتلاف الحاكم تمتلك المحكمة العليا صلاحيات واسعة لتحجيم
قرارات الحكومة والكنيست وتعطل جدول أعمالها لذلك يسعى إلى تعطيل دورها، فنظام
الحكم في الدولة العبرية قائم على أساس الفصل بين السلطات ويختصر دور الحكومة كسلطة
تنفيذية بالتقيد بقوانين الكنيست التي بدورها تشرف على أداء الحكومة بينما تقوم
المحكمة العليا بالتأكد من تطبيق النظام وبذلك تكون الحكومة ملزمة بتطبيق الأحكام
التي تُقرها المحكمة العليا.
|
الجانب الأهم في هذا الملف هو تزايد الفجوة بين فئات المجتمع الصهيوني
وزيادة مستويات العنف فوفقاً للمعهد الصهيوني للإحصاء هناك 61 في المائة من
الجمهور الصهيوني يعتقدون بأن الشعور بالتضامن انخفض داخل المجتمع |
التغييرات التي طالب بها الإئتلاف الحاكم تتعلق بإلغاء إشراف المحكمة العليا على
أعمال الكنيست والحكومة وتقييد صلاحياتها وهذا الأمر فسرته المعارضة على أنه تحويل
النظام السياسي في الدولة العبرية من نظام سياسي إلى نظام أوتقراطي يهمش النظام
القضائي الذي تمثله المحكمة الأمر الذي تسبب في إندلاع مظاهرات عنيفة متواصلة منذ
عدة أسابيع إحتجاجاً على هذه الخطوة . يقول،مايكل بلومبرغ، عمدة نيويورك السابق،
وهو رجل أعمال يهودي ومستثمر كبير في الدولة العبرية، تعقيباً على ما يجري "هذه
الخطوة ستعرض تحالفات إسرائيل حول العالم للخطر، كما ستهدد أمنها في المنطقة،
واقتصادها في الداخل، والديمقراطية التي بنيت عليها دولة إسرائيل".
تفسر هذه الخطوة بالنسبة للنخب التشريعية والسياسية على أنها محاولة من الائتلاف
الحاكم لعدم إخضاع الحكومة للرقابة التشريعية والقضائية وهذا الأمر من شأنه إحداث
تغيير عميق للنظام السياسي في الدولة العبرية، ووفقاً للمعهد الصهيوني للإحصاء فإن
ما يجري هو محاولة لتحصين بنيامين نتنياهو في معركته القانونية لذلك ترى أغلبية
الجماهير الصهيونية ضرورة إلغاء هذه الخطوة وتدارك تداعياتها.
هناك تشاؤم كبير بشأن نتائج هذه المعركة التي يعتبرها اليمين اليهودي الذي يسيطر
على الائتلاف خطوة مهمة في سبيل دعم خططته السياسية وتنفيذها وورقة حاسمة تقرر
استمرار مكتسباته السياسية التي يحصل عليها لأول مرة في تاريخه السياسي منذ تأسيس
الكيان الصهيوني، لذلك تفسر على أنها مرحلة انهيار قانوني واجتماعي للمجتمع
الصهيوني وتؤثر على مرونة النظام السياسي والأمن القومي. تقول صحيفة كالكاليست
الاقتصادية العبرية، إن شهر فبراير المنصرم كان عاصفًا بالنسبة للأسواق الصهيونية
في ظل القوانين المتعلقة بـ"الإصلاحات القضائية"، فقد قفز سعر صرف الدولار مقابل
الشيكل، وارتفعت عوائد السندات وانخفضت البورصة المحلية، إلى جانب انسحاب العديد من
المستثمرين ورجال الأعمال بأموالهم إلى خارج البلاد، مشيرة إلى أن 8.5 مليار شيكل
خرجت من الصناديق الائتمانية الصهيونية.
الجانب الأهم في هذا الملف هو تزايد الفجوة بين فئات المجتمع الصهيوني وزيادة
مستويات العنف فوفقاً للمعهد الصهيوني للإحصاء هناك 61 في المائة من الجمهور
الصهيوني يعتقدون بأن الشعور بالتضامن انخفض داخل المجتمع
إلى جانب انخفاض الثقة في النظام القضائي والسياسي، كذلك فإن هذه الأزمة التي قد
تعكس نتائجها المستدامة على مكانة الدولة العبرية القضائية الدولية، ويسمح تضرر
النظام القضائي والنظام السياسي لمحكمة الجنايات الدولية بمحاكمة الجنود الصهاينة
بتهم جرائم حرب ارتكبت خلال الهجوم على غزة في يونيو 2014، لأن تضرر النظام
"الديمقراطي" في الدولة العبرية سيخل أيضاً بالحصانة التي توفرها الولايات المتحدة
لهذا النظام، وكل ذلك يأتي بالتوازي مع أخطر مرحلة تشهدها السلطة الفلسطينية الشريك
الأمني للدولة العبرية في الضفة المحتلة وكذلك المتغيرات على الساحة الدولية نتيجة
الصراع الغربي الروسي في أوكرانيا من جهة والصراع الصيني الأمريكي من جهة أخرى
وتأثير ذلك على المساندة التي اعتادت عليها دولة الاحتلال من قبل حلفائها.