• - الموافق2024/11/23م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
29 عاماً على مجزرة الحرم الإبراهيمي..

ارتكب السفاح باروخ غولدشتاين مجزرة مروعة داخل المسجد الإبراهيمي، أسفرت عن ارتقاء 29من المصلين، وإصابة العشرات، ولا يزال مسلسل المجازر المماثلة مستمراً بأيد مجرمين يسيرون على نهجه المثير أن تلاميذ غولدشتاين أصبحوا اليوم وزراء مثل بن غفير، فماذا سيفعلون؟

 

فجر يوم الجمعة 25 فبراير عام 1994 الموافق 15 رمضان 1415 للهجرة، كانت مدينة الخليل الفلسطينية جنوب الضفة الغربية المحتلة، مسرحاً لواحدة من أبشع الجرائم الصهيونية منذ احتلال فلسطين التاريخية في العام 1948، ضحيتها عشرات المصلين الأبرياء داخل المسجد الإبراهيمي.

قبيل وقوع المجزرة، كانت هناك مؤشرات توحي بأن حدثاً غير عادي سيقع، غير أن أحداً من سكان هذه المدينة لم يتوقع أن تكون مجزرة داخل الحرم، حيث كان الجو العام في محيط الحرم غريباً وغامضاً، والأنوار التي تنير الطرق المؤدية للحرم غير مضاءة كما هي جرت العادة خاصة في شهر رمضان، ولم يكن إغلاق بعض أبواب المسجد الإبراهيمي اعتيادياً، حتى انتشار الجنود الصهيانة في محيط المكان كان مكثفاً على غير المعتاد.

 

كانت مجزرة الحرم الإبراهيمي بداية مخطط صهيوني لتنفيذ تطهير عرقي للفصل والعزل وتشريد الفلسطينيين من البلدة القديمة لبناء ما يمكن تسميتها بمدينة الخليل اليهودية، إذ تعطلت حياة الفلسطينيين في الأزقة بعدما قررت الحكومة الصهيونية إغلاق البلدة القديمة بشوارعها وأسواقها، وتقسيم الحرم بين المسلمين واليهود

أقيمت صلاة ذلك الفجر، وقد اختبأ المجرم غولدشتاين خلف أحد أعمدة المسجد، وانتظر حتى سجد المصلون وفتح نيران سلاحه الرشاش على الساجدين الأبرياء، وفي الوقت نفسه كان مجرمون آخرون يساعدونه في تعبئة الذخيرة التي احتوت على نوعية من الرصاص المتفجر، قاصداً إيقاع أكبر عدد من الضحايا، وهو ما حدث فقد اخترقت شظايا القنابل والرصاص رؤوس المصلين ورقابهم وظهورهم، فارتقى على الفور 29 مصلياً وأصيب 15 بجروح متفاوتة، قبل أن ينقضّ مصلون على غولدشتاين ويسيطرون عليه ويقتلوه.

ولأن سيناريو الجريمة كان جاهزاً بشكل مسبق، سارع جنود الاحتلال المنتشرين داخل الحرم الإبراهيمي بإغلاق أبواب المسجد ومنع المصلين من الخروج، ومنع القادمين من الخارج من إسعاف المصابين، وفيما بعد وأثناء تشييع ضحايا المجزرة لم يكتف الجنود الصهاينة بما جرى، وفتحوا نيران أسلحتهم على المشيعين فقتلوا عددا آخر منهم، لترتفع حصيلة الضحايا إلى 50 شهيداً، و150 جريح.

انتفضت يومها مدينة الخليل وكل مدن فلسطين المحتلة وحتى مدن وقرى الداخل المحتل عام 1948، ووقعت مواجهات قوية مع جيش الاحتلال الصهيوني أسفرت عن 60 شهيدا إضافياً.

وكعادة دولة الكيان الصهيوني وبدلاً من معاقبة الجاني المجرم عاقبت الضحايا، فقد أغلقت الحرم الإبراهيمي والبلدة القديمة في مدينة الخليل ستة شهور كاملة بدعوى التحقيق في المجزرة، وشكلت لجنة من طرف واحد للتحقيق في المجزرة وأسبابها، ولاحقاً أصدرت اللجنة عدة توصيات، منها تقسيم الحرم الإبراهيمي إلى كنيس يهودي ومسجد، بحيث يفتح الحرم كاملاً عشرة أيام في السنة فقط للمسلمين، ويفتح الكنيس المدة نفسها لليهود.

وفرضت دولة الكيان واقعاً جديداً على حياة الفلسطينيين في البلدة القديمة بالخليل، ووضعت حراسات مشددة على الحرم ونصبت على مداخله بوابات إلكترونية، وأعطت اليهود الحق في السيادة على الجزء الأكبر منه بنسبة تزيد عن 60% من المساحة الإجمالية بهدف تهويده والاستيلاء عليه، وتضم هذه المساحة مقامات وقبور أنبياء، وشخصيات تاريخية، إلى جانب صحن المسجد، وهي المنطقة المكشوفة فيه.

كما وضعت كاميرات مراقبة وبوابات إلكترونية على كافة المداخل، وأغلقت معظم الطرق المؤدية إلى الحرم بوجه المسلمين، باستثناء بوابة واحدة فرضت عليها إجراءات أمنية مشددة، إضافة إلى إغلاق سوق الحسبة، وخان الخليل وشاهين، وشارعي الشهداء والسهلة، وبهذه الإجراءات فصلت المدينة والبلدة القديمة عن محيطها بالكامل.

29 عاماً انقضت منذ وقوع المجزرة، لم تتوقف خلالها الاعتداءات على الحرم الإبراهيمي وأغلقت البلدة القديمة في محيطه، وأغلق شارع الشهداء الذي يعتبر الشريان الرئيسي وعصب الحياة للفلسطينيين، ما أدى لإغلاق 1800 محل تجاري بالبلدة القديمة، كما تمنع سلطات الاحتلال رفع الأذان في الحرم عشرات المرات شهرياً.

 

لا تزال دولة الكيان الصهيوني تحاول ضمن سياسة ممنهجة، السيطرة على الحرم الإبراهيمي وإلغاء السيادة الفلسطينية، وإلغاء اعتباره وقفا إسلامياً خالصاً، وذلك من خلال تكرار إغلاقه في وجه المصلين المسلمين، ومنع رفع الأذان فيه تحت مبررات واهية

وكانت مجزرة الحرم الإبراهيمي بداية مخطط صهيوني لتنفيذ تطهير عرقي للفصل والعزل وتشريد الفلسطينيين من البلدة القديمة لبناء ما يمكن تسميتها بمدينة الخليل اليهودية، إذ تعطلت حياة الفلسطينيين في الأزقة بعدما قررت الحكومة الصهيونية إغلاق البلدة القديمة بشوارعها وأسواقها، وتقسيم الحرم بين المسلمين واليهود.

ولتحقيق هذه الغاية، وظفت دولة الكيان "اتفاقية الخليل" الموقعة مع السلطة الفلسطينية عام 1997 لتعميق الاستيطان بالبلدة القديمة التي يسكنها نحو 40 ألف فلسطيني، وهي المصنفة ضمن المناطق الواقعة تحت السيطرة الصهيونية الأمنية، ويحتلها كذلك نحو 35 ألف يهودي موزعين على 27 مستوطنة وعشرات البؤر الاستيطانية والعسكرية بالبلدة القديمة ومحيط مدينة الخليل التي يسكنها قرابة 500 ألف فلسطيني.

ولا تزال دولة الكيان الصهيوني تحاول ضمن سياسة ممنهجة، السيطرة على الحرم الإبراهيمي وإلغاء السيادة الفلسطينية، وإلغاء اعتباره وقفا إسلامياً خالصاً، وذلك من خلال تكرار إغلاقه في وجه المصلين المسلمين، ومنع رفع الأذان فيه تحت مبررات واهية، فضلاً عن عميات الاقتحام المتكررة سواء من جانب المستوطنين المتدنيين المتشددين، أو حتى من مستويات سياسية ورسمية، كما جرى في العام 2020 عندما اقتحم رئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتنياهو، يرافقه عدد من وزرائه، الحرم، وهو شجع على زيادة الاقتحامات والانتهاكات للحرم، وتجرؤ المستوطنين على نصب "شمعدان" كبير على سطح الحرم الابراهيمي، وإقامة طقوس دينية يهودية.

هذه الانتهاكات للحرم الإبراهيمي ليست وليدة مجزرة غولدشتاين، وتعود إلى بدايات احتلال مدينة الخليل في العام 1967.

 

ونرصد هنا وعبر تسلسل زمني أبرز هذه الانتهاكات:

 

-      في نوفمبر عام 1967 منعت سلطات الاحتلال الصهيوني دائرة الأوقاف الإسلامية من فرش المسجد بالسجاد، وبعد نحو شهر أدخلت إليه خزانة حديدية فيها أدوات عبادة يهودية.

-      في شهر يونيو من العام 1968 أدخلت سلطات الاحتلال كراسي خاصة إلى القاعة الإبراهيمية، وبعدها بثلاثة شهور في سبتمبر من العام نفسه سمحت لفئة يهودية بالصلاة فيه.

-      نسفت سلطات الاحتلال في أكتوبر من العام 1968 درع الحرم الإبراهيمي والبوابة الرئيسية المؤدية إليه وهما أثران تاريخيان.

-      وبتاريخ 9 سبتمبر عام 1972 منعت السلطات الصهيونية المصلين المسلمون من أداء صلاة العصر في الحرم لأن المستوطنين كانوا ينشدون الأناشيد الدينية بأصوات مرتفعة وينفخون في البوق، وفي 17 ديسمبر من العام نفسه أصدر الحاكم العسكري الصهيوني أوامره بإغلاق الباب الشرقي للحرم.

-      وفي الأول من شهر أكتوبر 1973 سمح الحاكم العسكري الصهيوني بإدخال 50 كرسياً خشبياً إلى القاعة اليعقوبية من الحرم الإبراهيمي الشريف، أعقب ذلك بنحو شهر قيام السلطات الصهيونية بتغطية صحن الحرم في محاولة لتغيير معالمه الإسلامية.

-      وابتداء من يونيو عام 1974 شرعت السلطات الصهيونية بسلسلة من الحفريات في محيط الحرم الإبراهيمي، وأسفل الباب الثلاثي إلى الداخل، وإلى الغرب منه، وأسفل المدرسة الحنفية.

-      وفي مطلع عام 1976 اقتحم ثلاثة مسلحين يهود الحرم برفقة سبعة مستوطنين وعبثوا بمحتوياته، وبعدها بنحو ثلاثة شهور منع المستوطنون المسلمين من أداء الصلاة في القاعتين اليعقوبية والإبراهيمية.

-      وبتاريخ 21 أكتوبر من العام 1976، حولت السلطات الصهيونية جزءاً من الحرم إلى ثكنة عسكرية، وبعد ذلك بأيام قليلة اعتدى مستوطنون على الحرم وداسوا نسخاً من القرآن الكريم بأقدامهم، واعتدوا على المصلين بالضرب، وكان هذا العام من الأصعب على المسلمين في مدينة الخليل بإعلان الحاخام المتطرف مائير كهانا أنه سيحول الحرم الإبراهيمي إلى قلعة للمتدينين اليهود بهدف ترحيل الفلسطينيين من مدينة الخليل.

-      أعلنت الهيئة الإسلامية يوم 18 مارس عام 1977 عن اختفاء مفقودات ذات قيمة بعد فترة من منع المسلمين دخول الحرم الشريف.

-      بتاريخ 16 مايو عام 1977 اقتحم مستوطنون الحرم برفقة حاخام متطرف وقاموا بالرقص داخل القاعة الإبراهيمية.

-      وفي 27 فبراير من العام 1978 اقتحم أحد المستوطنين الحرم وعبث بمحتوياته، وبعد ذلك بنحو شهرين وفي 24 أبريل أدخل مستوطنان إليه نسخة جديدة من التوراة وأقاما احتفالاً كبيراً بحماية جيش الاحتلال الصهيوني.

-      وبتاريخ 31 مايو 1979 اقتحم جنود الاحتلال القاعة الإبراهيمية، ووضعوا فيها الكراسي، ومنعوا المسلمين من الوصول إلى الحرم، وقاموا بتركيب كاميرات لمراقبة المصلين المسلمين، وتخلل تلك الفترة اقتحامات للمستوطنين للحرم وهم يلوحون بالأعلام الصهيونية.

 

وخلال العقود الماضية، زرعت دولة الكيان الصهيوني في الحرم الإبراهيمي ومحيطه عدداً من البؤر الاستيطانية، وأغلقت شوارع البلدة القديمة من الخليل، ولا تزال ترتكب انتهاكات واعتداءات شبه يومية، من قتل وتدمير، وحظر للتجول، وحصار اقتصادي، إضافة إلى جرائم هدم المباني الأثرية والتاريخية في أبشع مذبحة تستهدف طمس المعالم الحضارية وتغيير الهوية العربية الإسلامية لواحدة من أقدم المدن التاريخية في العالم.

وفي هذا الإطار التهويدي لمدينة الخليل، شرعت دولة الكيان الصهيوني أواخر العام 2021 بتنفيذ مشروع على مساحة 300 متر مربع من ساحات المسجد الإبراهيمي ومرافقه، يشمل تركيب مصعد كهربائي، لتسهيل اقتحامات المستوطنين.

هذا السيناريو التهويدي، ومسلسل الجرائم الذي ترتكبه دولة الكيان في الحرم الإبراهيمي، متواصل، والمجرم غولدشتاين الذي نفذ مجزرة الحرم الإبراهيمي، له أتباع من مدرسته المتطرفة ويؤمنون بنهجه، من أمثال بن غفير، الذي أعلن مراراً أنه يتخذ من غولدشتاين قدوة له، ويعلق صوراً كبيرة له في منزله ومكتبه، وممارساته منذ توليه منصب وزير الأمن القومي في الحكومة الصهيونية المتطرفة، تؤكد أن يسير على ذات الطريق من الإجرام والبطش وتهويد مقدسات المسلمين، حيث كان أول وزير في هذه الحكومة يقتحم المسجد الأقصى المبارك، المستهدف صهيونياً بالتقسيم الزماني والمكاني بين المسلمين واليهود على غرار الحرم الإبراهيمي.

 

 

 

أعلى