• - الموافق2024/07/18م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
لغز المنطاد الصيني!

ما حقيقة المنطاد الصيني ولماذا أرسلته؟ ولماذا حرصت أمريكا على تصدير تلك الصورة؟ وما حقيقة الرسائل التي تبعثها من خلال الإعلان عنه ثم اسقاطه؟ هل هذه الرسائل تتعلق بالداخل الأمريكي؟ أما بالصراع العالمي،


منطاد مجهول يجول في سماء الولايات المتحدة، وتتبارى تليفزيونات وقنوات العالم في نقل الحدث، وفجأة تقول سلطات أمريكا أنه ينتمي للصين ويشتبه في أنه يقوم بالتجسس، وتخرج الحكومة الصينية لتؤكد أنه بالفعل ينتمي لها ولكنه ليس لغرض التجسس ولكن لأهداف علمية.

ويخرج البيت الأبيض ليعلن أن المنطاد سيتم إسقاطه، ويتم بالفعل إرسال طائرة إف 22، والتي تطلق صواريخها على المنطاد، وتستمر كاميرات العالم وقنواته في نقل عملية الإسقاط على الهواء مباشرة، لتخرج الصين بعدها وتستنكر ما جرى لمنطادها، وتؤكد على حقيقة أنه كان منطادًا دون طيار مخصص لأبحاث الأرصاد الجوية وقد خرج عن مساره.

هذا المشهد جرى تصديره للعالم أجمع المندهش بما يحدث وبما تنقله الصورة على الشاشات... وهنا تثار الأسئلة، ما حقيقة المنطاد الصيني ولماذا أرسلته؟ ولماذا حرصت أمريكا على تصدير تلك الصورة؟ وما حقيقة الرسائل التي تبعثها من خلال الإعلان عنه ثم اسقاطه؟

هل هذه الرسائل تتعلق بالداخل الأمريكي؟ أما بالصراع العالمي، والتنافس الدولي بين أمريكا والصين وحتى روسيا على شكل النظام الدولي؟

 

منذ وصول إدارة بايدن للبيت الأبيض، فقد وضعت الخطط والاستراتيجيات للمحافظة على التربع الأمريكي في العالم، خاصة بعد أن بلغ التحدي الصيني والروسي كبيرًا في وجهة نظرها

إنه ليس منطادًا واحدًا بل مناطيد عدة

قد يظن البعض ان هناك منطادًا واحدًا كان يجوب سماء الولايات المتحدة وقد جرى تصويره ورصده، ولكن الموضوع كان أكبر مما يتخيله البعض:

فقد صرح مسؤول بوزارة الخارجية الأمريكية أن الولايات المتحدة تعتقد أن المنطاد كان تحت سيطرة جيش التحرير الشعبي الصيني (الاسم الرسمي للجيش الصيني)، هو جزء من أسطول مناطيد أرسلته الصين فوق أكثر من 40 دولة في القارات الخمس لجمع معلومات استخبارية.

وبالفعل قالت كندا إنها سمحت لمقاتلات أمريكية بإسقاط جسم غامض فوق أراضيها مثّل خطرًا على الرحلات الجوية المدنية.

كما تم إغلاق المجال الجوي في مولدوفا (دولة أوروبية، تقع شرق أوروبا بين أوكرانيا و‌رومانيا) بعد رصد طائرة بدون طيار مجهولة في سماء البلاد.

فيما أعلنت وزارة الدفاع التايوانية: أنها تحتفظ بحق إسقاط أي بالون صيني إذا كان يشكل تهديداً.

ودخلت بريطانيا في مشهد المناطيد عندما قال وزير النقل البريطاني ريتشارد هولدن، منذ ما يقرب من عشرة أيام، إنه من الممكن أن تكون الصين أرسلت مناطيد تجسس عبر المجال الجوي البريطاني.

حتى اليابان صرحت ‏قائلة: ان الصين أرسلت مناطيد تجسس على أراضينا، وطالبت بالوقف الفوري لهذه الانتهاكات.

فيما أكد البنتاغون أن منطادًا صينيًا ثانيًا رُصد أثناء تحليقه فوق أمريكا اللاتينية.

من يرسل المناطيد

لقد صورت وسائل الإعلام الغربية أن الصين هي التي ترسل تلك المناطيد، حتى أن أمين عام منظمة حلف الناتو قد أضاف لها طرفًا جديدًا، فقد صرح بأن البالونات التي تم رصدها، وراءها استخبارات الصين وروسيا، فها هي روسيا تدخل على خط الاتهامات الغربية.

ولكن الصين ما لبثت أن أعلنت أنها لم تكن هي التي ترسل المناطيد لوحدها، فقد أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانج وينبين، أن السلطات الصينية رصدت مناطيد أمريكية اخترقت المجال الجوي الصيني، بشكل غير قانوني، أكثر من 10 مرات، منذ تاريخ 1 يناير 2022 وفقًا لصحيفة جلوبال تايمز الحكومية الصينية.

صراع عالمي

لا شك أن أي مراقب لما يدول في العالم الآن، يدرك أن هناك درجة مسبوقة في التصعيد بين القوى الكبرى، حتى أن بعض المراقبين يتوقعون اندلاع حرب عالمية وشيكة.

 

ثمّ تفاعلات في الداخل الأمريكي تشي بأن التصعيد الإعلامي لحدث اختراق المنطاد الصيني للأجواء الأمريكية، لم يكن يأخذ هذه الإثارة لولا اشتعال التقاطع والتدافع بين قطبي السياسة الأمريكية مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية القادمة.

فمنذ وصول إدارة بايدن للبيت الأبيض، فقد وضعت الخطط والاستراتيجيات للمحافظة على التربع الأمريكي في العالم، خاصة بعد أن بلغ التحدي الصيني والروسي كبيرًا في وجهة نظرها، فكانت حرب أوكرانيا لاستنزاف الدب الروسي ومحاولة تحجيمه وقصقصة أجنحته للهيمنة والانتشار، ثم ما لبثت أن صعدت الولايات المتحدة في تايوان وكادت أن تحدث حربًا مع الصين، وتحدت رئيس مجلس النواب الأمريكي وأصرت على زيارة تايوان رغم التحذير والإنذار الصيني بإسقاط طائرتها، فاستكمال رحلتها كانت لإثبات القوة الأمريكية.

ومن أدوات الصراع والتنافس وإظهار القوة بين هذه الدول الكبرى، هو محاولة اختراق أجواء الدولة الأخرى، والتأثير النفسي عليها بأنها غير بعيدة عن أذرعها وأن دفاعاتها الجوية غير مجدية أمام هذه الاختراقات، وهذا ما قامت به الولايات المتحدة وترد عليه الصين، كما استخدمته على ما يبدو روسيا في اختراق شرق أوروبا بالمناطيد بالرغم من اعتبار تلك المنطقة باتت كمحمية غربية.

ويحذر الكاتب باتريك كوكبيرن في صحيفة آي البريطانية في مقال له بأن الأزمة في العلاقات بين الولايات المتحدة والصين بسبب المنطاد الصيني هي أبعد خطرًا مما تبدو عليه؛ لأنها تُظهر كيف يمكن لحادثة تافهة أن تدفع قوتين نوويتين إلى حافة مواجهة عسكرية.

وقد ظهر هذا القلق الغربي من هذا المنطاد الصيني في تصريحات رئيس جهاز المخابرات الداخلية الألماني توماس هالدنفانغ لصحيفة دي فيلت الألمانية، عندما علق على هذه الأنباء المتعلق بالاختراق الصيني للأجواء الأمريكي قائلاً: الصين تطور أنشطة تجسس ونفوذ واسعة النطاق، يجب أن نكون مستعدين لزيادة هذه الأنشطة في السنوات القادمة.

وقال المسئول الألماني: تنتهج الصين استراتيجية طويلة الأمد لتحقيق أهدافها... القيادة السياسية تستغل بالفعل قوتها الاقتصادية، الناتجة أيضًا عن العلاقات المكثفة مع الاقتصادات الألمانية والأوروبية، لتحقيق أهداف سياسية.

المنطاد الصيني وصراع ترامب مع الدمقراطيين

ثمّ تفاعلات في الداخل الأمريكي تشي بأن التصعيد الإعلامي لحدث اختراق المنطاد الصيني للأجواء الأمريكية، لم يكن يأخذ هذه الإثارة لولا اشتعال التقاطع والتدافع بين قطبي السياسة الأمريكية مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية القادمة.

فقد بدأ الأمر بسخرية نجل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، من تأخر إدارة الرئيس جو بايدن في إسقاط البالون الصيني، ونشر عبر حسابه على إنستغرام مرفقاً صورة ساخرة من بايدن: انتظر حتى ينهي بالون التجسس لأعدائك مهمته قبل إسقاطه في المياه العميقة، واستعادة حمولته.

فخرج بعدها مسئول كبير في إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن كاشفًا لقناة فوكس نيوز الأمريكية، 

أن المخابرات الأمريكية تقدر أن بالونات التجسس الصينية عبرت أجواء الولايات المتحدة لفترة وجيزة ثلاث مرات على الأقل خلال إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب ومرة واحدة خلال الإدارة الحالية، وأوضح المسئول أن المعلومات اكتشفت بعد مغادرة إدارة ترامب التي ذهبت دون أن تكتشف الأمر...ترامب نفى بدوره هذه التصريحات، قائلاً إن هذا لم يحدث مطلقًا ولم يكن ليحدث أبدًا، مشددًا على أن بكين كانت تحترم أمريكا كثيرًا أثناء فترة ولايته.

نفْي ترامب أكده مستشار الأمن القومي السابق في البيت الأبيض جون بولتون، الذي قال إنه لم يسمع قط بأمر كهذا، خلال فترة وجوده في منصبه السابق، وبدوره قال روبرت أوبراين الذي كان مستشاراً للأمن القومي في البيت الأبيض بين عامي 2019-2021 إنه لا علم له أيضاً بحدوث أي شيء كهذا.

وتحاول إدارة بايدن إظهار أنها كانت على علم بالمنطاد من ساعة إطلاقه حتى سقوطه.

فقد سربت الاستخبارات الأمريكية لصحيفة واشنطن بوست أن تلك الاستخبارات كانت على دراية بشأن تحرك المنطاد الصيني، منذ لحظة إطلاقه، فحرصت على مراقبته عن كثب، إلى حين عبوره أجواء الولايات المتحدة، واتخاذ قرار بإسقاطه.

ويأتي هذا التقرير، فيما كان البيت الأبيض قد واجه اتهامات بالتأخر والارتباك، لأن المنطاد دخل المجال الجوي الأميركي وظل يتحرك فيه لأيام قبل إسقاطه.

من جانبها، ردت السلطات الأمريكية بأنها تفادت إسقاط المنطاد في بعض المناطق تفاديًا لمخاطر السقوط المحتملة، فيما تحدثت تقارير أخرى عن تأخر الخطوة بدافع رصد الإشارات المنبعثة من المنطاد ومعرفة المزيد عن طريقة تحركه.

وأوردت الصحيفة أن وكالات المخابرات، إلى جانب الجيش الأميركي، كانت على اطلاع بشأن المنطاد منذ أن جرى إطلاقه من قاعدة في جزيرة هينان، على مقربة من الساحل الجنوبي للصين.

في الختام يبدو أن السبب الأكثر احتمالاً لتلك الصورة المثيرة المتعلقة بالمنطاد الصيني التي ظهرت للعالم في وسائل الإعلام، كان لها هدفان:

الأول دولي، في محاولة صينية لتأكيد قوتها وتفوقها في وقت لا تسير فيه الأوضاع على ما يرام بالنسبة لها، بسبب تباطؤ النمو الاقتصادي والاحتجاج السياسي العام وسوء إدارة جائحة فيروس كورونا.

والثاني محلي، يتعلق بالصراع السياسي المحتدم في الداخل الأمريكي، بين اتجاه يميني أمريكي يتلهف على تحويل كل ظاهرة سياسية إلى أزمة تمثل ضعف للفريق الذي يدير السياسة الأمريكية الحالية، وبين اتجاه يساري يرد عليه بأنها أزمة قديمة تتعلق بإدارة سابقة، وقد كشفتها إدارة جديدة تحاول استعادة الهيمنة الأمريكية والدفاع عنها.

 

أعلى