حكاية الأم الأمريكية و الأم اليهودية
إعداد: أحمد أبو دقة
بين رئيس الدولة شمعون بيريس ومرشح الرئاسة في
مصر عمرو موسى شيء واحد مشترك على الأقل. فلبيريس كما تعلمون أم عربية ولعمرو موسى
كما علمنا هذا الأسبوع أم يهودية. وليست مجرد يهودية بل هي واحدة من الممثلات المصريات
الكبيرات، هي راقية إبراهيم التي اسمها الحقيقي رشيل ابراهام ليفي.
وقد تزوجت إبراهيم بحسب المزاعم والد موسى، ومن
هنا يأتي النسب اليهودي للأمين العام للجامعة العربية السابق الذي ما كان ينقصه إلا
هذا الآن في ذروة حملة الانتخابات.
وأضافت مواقع الانترنت في مصر التي نشرت هذه المعلومة
أيضاً ادعاء أن راقية إبراهيم كانت عميلة للموساد الذي نجح بفضلها في اغتيال عالمة
الذرة المصرية سميرة موسى في الخمسينيات من القرن الماضي. ومن اجل إثبات هذه
المعلومة عثر موقع الانترنت "محيط" على حفيدة إبراهيم، ريتا ديفيد توماس
التي صادقت في مقابلة صحافية مع الموقع أن جدتها كانت الصديقة القريبة للعالمة سميرة
موسى وأنه بحسب يوميات إبراهيم التي أُخفيت في مكتبة بيتها في كاليفورنيا، التقطت صورا
في عدة مناسبات لبيت موسى بل إنها نجحت في نقش مفتاح بيتها في قطعة صابون سلمتها إلى
عميل الموساد في مصر. وبعد ذلك بزمن قصير خرجتا لقضاء وقت في دار الأوبرا في القاهرة
وهكذا استطاع عملاء الموساد دخول الشقة وتصوير أبحاث العالمة.
وانتهت العلاقة بين الممثلة والعالمة في 1952 بعد
أن اقترحت إبراهيم على سميرة موسى التوسط بينها وبين السلطات الأمريكية التي حاولت
إقناعها بالانتقال إلى الولايات المتحدة والحصول على جنسية والعمل على التطوير الذري.
وحينما رفضت موسى هددتها إبراهيم بأن النتائج ستكون أليمة. وهكذا تعقبت إبراهيم كما
تقول حفيدة موسى حينما جاءت لزيارة الولايات المتحدة في 1952 بواسطة صديقة مشتركة أبلغتها
عن جميع تنقلات العالمة. ونجح الموساد بمساعدة هذه المعلومة في اغتيال موسى.
أغرقت قصة تجسس وخيانة الفنانة اليهودية التي هاجرت
بعد ذلك إلى الولايات المتحدة وتزوجت من منتج يهودي في هوليوود، أغرقت هذا الأسبوع
وسائل الإعلام المصرية، واضطر عمرو موسى إلى كل قدرته على الإقناع لينكر العلاقة العائلية
بينه وبين الممثلة التي أدت الأدوار في عشرين فيلما مصريا في الثلاثينيات والأربعينيات
من القرن الماضي.
في الأنباء المنشورة عن زواج والد موسى من راقية
إبراهيم لا يوجد شيء من الحقيقة، قال متحدثو موسى، فأم موسى هي ثورية حسين الهرميل
ووالده هو الدكتور محمود موسى الذي كان عضوا في مجلس الشعب في الماضي'.
بل إن موسى هدد بأنه سيرفع دعوى قضائية على من
أشاعوا زعم أن أمه يهودية. ولم يكتف الباحثون عن الإساءة له بقذفه بتهمة أصله اليهودي
فحسب بل ذكروا أيضا انه لم يخدم في الجيش. واضطر موسى إلى تقديم تفسير لدفع هذه التهمة
التي تعتبر عارا كما هي الحال في الكيان الصهيوني، وقال انه طلب أن يُجند للجيش لكنه حصل على إعفاء
لأنه كان وحيد أمه والعائل الوحيد للعائلة بعد أن توفي والده حينما كان في الثامنة
من عمروه.
إن أصل الوالدين والقرابة والجنسية المختلف فيها
والخدمة العسكرية، كل ذلك جزء لا ينفصل من حملة الانتخابات الرئاسية التي ستزعزع مصر
إلى نهاية مايو القادم. فهكذا على سبيل المثال سقط منافس موسى المتدين الواعظ والباحث
في الشريعة حازم صلاح أبو إسماعيل من الترشيح بعد أن أشيع أن أمه أمريكية. واحتاج مرشح
آخر هو الدكتور محمد سليم العوا إلى إنكار معلومات قالت إن المرحوم أباه كان ذا جنسية
سورية ولهذا لا يستطيع هو أيضاً بحسب الدستور المصري أن يكون مرشحاً للرئاسة.
يقضي الدستور في الحقيقة بأن من لم يكن والداه
مصريين لا يستطيع أن يكون رئيس الدولة، لكن هذه القضية تبدو غريبة عند فريق من الجمهور
على الأقل. 'هل أصبحنا فجأة من مواليد سويسرا بحيث يجب علينا الحفاظ على نقاء عِرقنا؟'،
تساءل واحد من متصفحي موقع العربية على الشبكة العنكبوتية. "أنظروا إلى ما يحدث
في أمريكا حيث الرئيس ابن لأب إفريقي مسلم وهو زعيم أقوى دولة مسيحية في العالم".
"اجل ولدت العنصرية عندنا ورسخت في مجتمعنا"،
رد آخر. "أنظروا إلى مبارك، كان مصرياً ووالداه مصريين، لكن هذا لم ينفع مصر"،
كتبت متصفحة من الإسكندرية."آمل ألا يتبين أن أصل أبي من والد تزوج بأنجلينا جولي"،
لخص متصفح من القاهرة قضية 'أم موسى اليهودية".
ومع كل ذلك وبرغم العناوين الصحافية المجلجلة التي
تثير الاختلاف في أصل المرشحين، لا يمكن ألا أن نتأثر بأنه لأول مرة في السنين الستين
الأخيرة تنشغل مصر بمرشحين للرئاسة لا بمرشح معروف سلفا. وهذا أهم تجديد أحدثته الثورة
الشعبية وهو أنها وضعت أسس انتخابات متعددة الأحزاب حقيقية ومعرفة المرشحين من كل تيار
واتجاه. وقد انتقل احتكار المنصب الأعلى من ضباط الجيش إلى المدنيين ويستطيع أن يكون
رئيسا حتى من يُنكر أن "أمه يهودية". وبقي الآن أن نرى هل سيحتفظ الجنرال
عمرو سليمان، وهو الجنرال الوحيد في الأثناء الذي ينافس في الانتخابات، بترشيحه برغم
الانتقاد الشديد له من قبل حركات الاحتجاج التي هتفت أول أمس به قائلة "مكانك
السجن لا كرسي الرئاسة".
هآرتس 9/4/2012 - ترجمة القدس
العربي