الصهاينة والذعر من المد الإسلامي
كتبه: إسلام عبده
في ظل تعالي صرخات
الصهاينة من تزايده:
- هل يسارع المد
الإسلامي بنهاية الدولة العبرية؟
-
قادة إسرائيل بين احتراف التهويل وآفة الابتزاز؟
في
الوقت الذي تنفست فيه شعوبُ ثورات الربيع العربي الحريةَ والطمأنينة بعد سقوط الأنظمة
الدكتاتورية؛ زاد الرعب الإسرائيلي من صعود نجم الإسلاميين، ليس في دول الربيع
العربي فقط بل في العديد من الدول الأخرى مثل المغرب والسودان، حتى وصل الأمر
بمائير داغان (رئيس الموساد السابق) إلى التأكيد على أن إسرائيل تتعرض لمخاطر غير
مسبوقة بسبب الثورات العربية التي ستزيد خطر الإرهاب ضدها بالبلاد المجاورة، وهي
تهديدات لم تعهدها إسرائيل، بل إن الجيش الإسرائيلي أصبح مُواجَهًا بتحدياتٍ للحرب
من ثلاث جبهات.
وقالت صحيفة «معاريف» الإسرائيلية أن تعيين وزارة الخارجية
الإسرائيلية لسفيرٍ لأول مرة بدولة جنوب السودان يأتي في سياق الجهود الإسرائيلية
للوقوف أمام محور الإسلام السياسي الذي بدأ ينتشر بقوة في القرن الإفريقي خاصة عقب
فوز الإسلاميين في مصر في الانتخابات البرلمانية الأخيرة بأغلبيةٍ ساحقة، وكذلك في
تونس والمغرب وليبيا.
وأضافت الصحيفة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين
نتنياهو يعمل بشكلٍ كبير على تعميق التحالفات مع الدول المسيحية في القارة
الإفريقية خوفًا من تصاعد الإسلام السياسي في شمال إفريقيا. ولهذا اختارت إسرائيل
حاييم كورين ليكون أول سفير لها في دولة جنوب السودان، وهو يتحدث العربية ويتقن
عدة لهجات سودانية، وسيكون سفيرًا متنقلاً مقره في القدس. بل واعتزمت
إسرائيل إنشاء قاعدةٍ جوية في جنوب
السودان ومساعدة إثيوبيا وغيرها من دول حوض النيل لإحكام الخناق على مصر والسودان
تحت حكم الإسلاميين، وذلك بعد التغييرات التي بدأت في شمال أفريقيا وتصاعد المد
الإسلامي ويُخشَى أن يؤثر في باقي دول إفريقيا.
ولاشك أن الثورات
العربية أدت إلى خلخلة القوة الأمريكية في المنطقة وزيادة التغلغل التركي والروسي،
والذي تزامن مع زيادة معاداة الرأي العام الشعبي العربي لإسرائيل، وعبَّر ذلك عن
نفسه باقتحام سفارتها بالقاهرة، والعمليات المتتالية لتفجير خط الغاز الواصل من مصر
إليها، وكذلك تزايد المطالبات بإلغاء اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل واتفاقية
وادي عربة بين الأردن وإسرائيل، مما أدى إلى تراجع نسبة التجارة مع مصر والأردن والتي
تشكل 92.7% من إجمالي التجارة العربية مع إسرائيل وقيمتها 400 مليون دولار.
وكان
بنيامين نتيناهو قد أعلن تخوفه من وصول المد الثوري العربي إلى داخل الكيان
الصهيوني، وتحوُّل الربيع العربي إلى شتاءٍ إسلامي «حار» مما يقلب موازين القوة
التي تتمتع بها الدولة العبرية. بل إن نتنياهو هاجم السياسيين الإسرائيليين وزعماء
العالم الغربي الذين يؤيدون الثورات العربية والتي لن تأتي بأنظمةٍ ديمقراطية صديقة
لإسرائيل مثلما كان نظام حسني مبارك في مصر.
ويحرص
بنيامين نتنياهو على إثارة مخاوف العالم من تكرار تجاربَ يبدي الغرب تجاهها
حساسيّةً شديدة مثل الثّورة الإسلاميّة في إيران، والتي انطلقت بحركة احتجاجٍ ضدّ
نظام الشّاه، وانتهت إلى إقامة الجمهوريّة الإسلاميّة. ولم يَفُتْه التّحذير من
أنّ مصر تنتظر مصيرًا مشابهًا في حال صعود الإسلاميّين إلى الحكم فيها كنِتاجٍ
للثّورة. ولهذا دعا نتنياهو إلى تأسيس صندوق دوليّ لدعم خصوم الإسلاميّين في
العالم العربيّ ممّن أسماهم «ذوي التّوجّهات اللّيبراليّة» لأنه سيكون أشبه بخطّة «مارشال»
التي نفّذتها الولايات المتّحدة في أعقاب الحرب العالميّة الثّانية لدعم أوروبا
الغربيّة. وقد أرسل نتنياهو مساعد مستشاره للأمن القوميّ عيران ليرمان إلى
الولايات المتّحدة لبحث هذا المقترح مع قادة الكونجرس.
وكشفت
صحيفة معاريف أن المنظومة الأمنية الإسرائيلية ووزارة الخارجية على حد سواء تجريان
في الآونة الأخيرة نقاشات محورها بحث إمكانية التغيير الإيجابي لعلاقة إسرائيل
بحركة حماس بعد المصالحة الفلسطينية، وإمكانية تشكيل حكومة وحدة وطنية، وتعاظم قوة
الإخوان المسلمين التي تخشى إسرائيل من أن تخلق واقعًا أسوء من القائم حاليًّا مع
حماس، بل إن تلك النقاشات ترى أنه لا مانع من محاولة تملقٍ مستقبلية للحركات
الثورية الإسلامية وركوب موجتها بدلاً من الاصطدام بها وبشعبيتها المتعاظمة.
أكد بحث تحليليّ لمركز
الدراسات المعاصرة بالداخل الفلسطيني أن إسرائيل تخشى التحولات الحاصلة بالدول
العربية وتراها تهديدًا وجوديًّا لكيانها، ولهذا
تسعى إسرائيل لتجنيد الإدارة الأمريكية للضغط على القيادات العسكرية بالعالم
العربي وخاصة مصر لضمان استمرار العلاقات والاتفاقيات والتعاون الأمني، وفي نفس
الوقت التنسيق مع الدول الكبرى لإفشال الثورات العربية ومنع تكرارها في الدول
الصديقة لإسرائيل حتى لا يؤثر ذلك سلبًا على مستقبلها. ولهذا فهي تُلَوِّح بفزاعة
الإسلام والتخوف من أن تتحول الأنظمة الثورية لدُولٍ غير تابعة للغرب وإنهاء الدور
النشط لأمريكا بالمنطقة. وتسعى القيادات السياسية والأمنية والعسكرية الإسرائيلية سعيها
لشيطنة الثورات العربية وتصويرها على أنها ماردٌ خرج من قمقمه لتدمير الغرب؛
والبداية ستكون بحليفته الأولى بالمنطقة، وبعد تحول النظم الجديدة إلى نُسَخٍ
مكررة من حماس وإيران وحزب الله.
وتصف
غالبية القيادات الإسرائيلية ما حدث في الدول العربية بأنها «انقلابات» وليست «ثورات»،
وأن وصول جماعة الإخوان المسلمين إلى الحكم فيها سيحولها إلى النّسخ السنّيّة
للجمهوريّة الإسلاميّة في إيران.
وقد
حذّر يوسي بيلين من تسليم العالَم بنقل مقاليد الأمور للإسلاميّين، وأنّ الرئيس
أوباما يتحمل الخطأ الأكبر في ذلك لأنه سمح بسقوط أنظمةٍ صديقة مُكررًا ما فعله
الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر حين تخلّى عن الشّاه، حيث كانت الأنظمة العربية
الموالية للتطبيع تؤمن بأن تل أبيب هي الطريق الآمن إلى قلب البيت الأبيض.
نائب
رئيس الوزراء الإسرائيلي سيلفان شالوم هدَّد خلال حديثه للتلفزيون الإسرائيلي باقتحام
قطاع غزة برًّا مجددًا قائلاً: إن تل أبيب لن تتردد في خوض معركةٍ برية ضد القطاع
لوقف استمرار إطلاق الصواريخ من القطاع على إسرائيل. وقال: إن الثورات القائمة في
المنطقة العربية كانت بمنزلة كارثةٍ على إسرائيل ولاسيما بعد تنحي قادةٍ كبار
موالين للغرب ولإسرائيل، وإن الربيع العربي أتى بقيادةٍ عكس ما نريد، وإن ما يحدث على الحدود مع غزة
أمرٌ لا يطاق ولا يمكن السكوت عنه ويجب وضع حدٍّ له وإلى الأبد.
ورد
إسماعيل هنية رئيس الحكومة الفلسطينية التي تُسيِّر الأمور في غزة على مزاعم شالوم
وذلك خلال زيارته لمصر وتونس، حيث قال: إن إسرائيل تنتظرها أيامًا حالكة بعد ربيع
الثورات العربية، ولست مُبالِغًا إذا قلت إن غزة السببُ الرئيسي للربيع العربي، والمفاوضات
مع الاحتلال فاشلة، والمقاومة هي الطريق لتحرير القدس، ولا مستقبل لإسرائيل على أرض
فلسطين لأن الثورات العربية ساهمت في تغيير الأوضاع الإستراتيجية للمنطقة، وكانت
السبب في تصدع البنية الإستراتيجية في محيط إسرائيل والتغيير الكبير في المواقف
التركية حيال القضية الفلسطينية.
ولم
تتوقف إسرائيل عن توظيف الثورات العربية لابتزاز أمريكا؛ حيث هاجمت نُخَبُها سلوك
الرئيس الأمريكي باراك أوباما وحَمَّلتْه المسؤولية عن إضعاف وسقوط أنظمة «الاعتدال»
العربية (مثلما تردد في دعم نظام مبارك) مما قلص قدراته على الضغط على إسرائيل في
كل ما يتعلق باستحقاقات التسوية مع الفلسطينيين والعرب، كما حملته قدرًا من
المسؤولية عن تعاظم شأن «الجماعات المتطرفة» في العالم العربي. وتؤكد أن الرئيس
بوش الابن تحدث عن الديمقراطية في العالم العربي إلا أنه لم يَمَس أنظمة الحكم الموالية. وتستهدف إسرائيل إضعاف الرئيس أوباما
داخليًا وتأجيج الرأي العام الأمريكي ضده وتصويره على أنه أسهم في توفير الظروف
المواتية لسيطرة الإسلاميين على مقاليد الأمور في العالم العربي مما يضر بالمصالح الإستراتيجية
للولايات المتحدة الأمريكية ذاتها، بل إن سياسة أوباما ستُمَكِّن الإسلام المتطرف
من الإضرار بالمصالح الغربية في البحر الأحمر والقرن الإفريقي والسودان والأردن.
ولم
يتوقف ما تستهدفه إسرائيل من الإدارة الأمريكية عند هذا الحد؛ بل إنها تطالب بمضاعفة
مساعداتها العسكرية لها مبررةً ذلك بإثارة الفزع من الثورات العربية وأن تولي
الإسلاميين مقاليدَ الحكم في العالم العربي سيمثل ضربةً قاصمة لاستقرار المنطقة، وأن
إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي بإمكان الغرب وخاصة الولايات المتحدة الاعتماد
عليها في تحقيق مصالحهم، وهذا
يتطلب دعمًا عسكريًا واقتصاديًا غير محدود. حتى أن وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك
طالب الإدارة الأمريكية بدفع عشرين مليار دولار إضافية لموازنة الأمن الإسرائيلية لحماية
أمنها القومي في مرحلة ما بعد الثورات العربية.
ويصل الكاتب الإسرائيلي آرييه شافيت إلى حد رثاء
الولايات المتحدة لصعود الإسلاميين، وأن الولايات المتحدة تنتظر نفس المصير الذي
انتهى إليه الاتحاد السوفييتي لأن وصول الإسلاميين للحكم يعني بداية غرق سفينة
الغرب بأسره وليس الولايات المتحدة فحسب، خاصةً أن سيطرة الإسلاميين على الحكم
يعني تهديد اتفاقية السلام مع مصر.
واتفق
معه في التحذير دوف فايسغلاس (مدير ديوان رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرييل
شارون) والذي رأى أن مشاركة الحركات الإسلامية في العملية السياسية في العالم
العربي في مرحلة ما بعد الثورات يمثل مصيبةً لإسرائيل حيث يؤدي إلى زيادة التطرف
وخلق ظروفٍ لا تسمح باحترام الاتفاقيات التي تم توقيعها بين إسرائيل والعالم
العربي.
ولم
يتوقف الابتزاز الإسرائيلي عند الولايات المتحدة فقط؛ وإنما امتدَّ إلى أوروبا حيث
تسعى إسرائيل إلى توظيف فزاعة الإسلاميين لاستمالة الحكومات الأوروبية إلى مواقفها،
ووصل الأمر إلى تكثيف نتنياهو من حديثه حول منظومة القيم المشتركة التي تربط
إسرائيل بأوروبا.
ومن
المفارَقات المبشرات تزايد الحديث لدى الإسرائيليين -وخاصة رجال الدين منهم- حول نهاية
دولة إسرائيل وأنها قد أصبحت وشيكة، والتوقعات الغربية بانهيار الحضارة الأمريكية
ومن ورائها انهيار دولة إسرائيل. وكان آخر من روَّج لذلك العالم اليهودي الأمريكي
المتخصص في علم المستقبل جيرالد سيلانتي والذي أكد أن ثورةً في الولايات المتحدة
على الطريق، وستكون سببًا في انهيار النظام العالمي الجديد الذي يقع مركزه في
الولايات المتحدة الأمريكية. بل إن بنيامين نتنياهو مع سقوط كل نظام عربي عميل
يطالب الولايات المتحدة بالتدخل لإنقاذه مُحذّرًا من أن الزلزال الذي يضرب المنطقة
العربية هذه الأيام سيؤدي إلى ثوراتٍ دينية على النمط الإيراني.
وفي
النهاية لخص اليميني المتطرف موشي أرينز القضية كلها بشأن المد الإسلامي تجاه بلاده
قائلاً: إن تل أبيب لا تستطيع صُنع السلام سوى مع الدكتاتوريين العرب!