• - الموافق2024/11/27م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
هل تتحول أوكرانيا لفيتنام أخرى؟!

البعض رأى أن أوكرانيا بالنسبة لروسيا هي أفغانستان جديدة، في حين يرى آخرون أن أوكرانيا ربما هي فيتنام جديدة للولايات المتحدة والغرب؟ ما هو الجديد في مسارات هذا الحرب التي تدفع في هذا الاتجاه؟


مع الكثير من الدعاية الغربية والتسويق الذكي للهجمات الميدانية التي يشنها الجيش الأوكراني على الجبهة، كانت نشوة المنتصر تخيم على الرأي العام الأوكراني والغربي وحتى على مستوى الخطاب الرسمي الأوكراني في يوليو 2022. كانت تبريرات النصر تتحدث عن التدهور السريع للجيش الروسي لكن بالنظر إلى النتائج التفصيلية فإن الأوكرانيين أصبح لديهم قناعة أن الروس يعملون وفق استراتيجية شاملة لا تستهدف الاستيلاء على الأرض بقدر ما تجر التحالف الغربي بأكمله إلى مستنقع.

عقب سلسلة انسحابات روسية، بدأ صانع القرار العسكري الروسي يعزز التعبئة الجزئية لجنود الاحتياط التي أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باستدعائهم في سبتمبر الماضي. بالتوازي مع ذلك كانت آلة الحرب الروسية تستهدف منذ أكتوبر البنية التحتية الأوكرانية وخصوصاً مصادر الطاقة لتصبح أزمة الموارد عائق مربك لحركة الجيش الأوكراني وسط شتاء قارس يزداد سوء مع انقطاع الكهرباء. في نفس الوقت سحبت روسيا جيشها من مدينة خيرسون في نوفمبر وأنقذت عدد من وحداتها العسكرية من الهلاك، وبعد أن كانت الحرب تتجه إلى طريق مسدود في ظل نجاحات ميدانية لأوكرانيا، عقب الانسحاب الروسي من خيرسون وخاركيف وما حولهما، تبقى الأرقام والتي قد تظهر تقييماً حقيقياً للحرب هي الأكثر فاعلية في معرفة نتيجة هذا الصراع، فقد أظهرت تقديرات الولايات المتحدة هي أن الخسائر الروسية الأوكرانية متساوية بمعدل واحد يقابله واحد. هذه الحرب وفقاً للباحث الأمريكي باري بوزن، هي حرب استنزاف تكلفتها باهظة وسط صعوبة إقناع طرفي الصراع للجلوس للتفاوض، لذلك الحل الوحيد لهذا الأمر هو أن تبادر الولايات المتحدة التي أشعلت شرارة الحرب أن تضغط على الطرفين للجلوس إلى طاولة المفاوضات لكن هذا الأمر رهينة بالمكاسب والخسائر المترتبة عن هذه الخطوة.

 

عقب سلسلة انسحابات روسية، بدأ صانع القرار العسكري الروسي يعزز التعبئة الجزئية لجنود الاحتياط التي أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باستدعائهم في سبتمبر الماضي. بالتوازي مع ذلك كانت آلة الحرب الروسية تستهدف منذ أكتوبر البنية التحتية الأوكرانية وخصوصاً مصادر الطاقة

حاول بوتين في بداية الحرب الإطاحة بالحكومة الأوكرانية من خلال عملية إنزال للقوات الخاصة لكنها فشلت، واضطر لإنقاذ المشاركين في العملية للدفع بأعداد كبيرة من الدبابات والمدفعية والقوات البرية للمشاركة في هذه العملية للخروج من هذا الكمين. عقب فقدان روسيا تحقيق نتائج سريعة وتصاعد الخسائر بين الجانبين، حيث أصدرت المخابرات الأمريكية تقديرات غير معلومة المصدر تشير إلى سقوط أكثر من 100 ألف جندي روسي يقابله نفس العدد من الجانب الأوكراني، سارعت روسيا لتجديد فاعلية جيشها وتحركاته العسكرية من خلال الدفع بمئات الآلاف للتطوع للقتال.

في السابق كانـت أبرز أخطاء بوتين هي إرسال أفضل قواته إلى أوكرانيا مع البدايات الأولى للقتال وكان تعداد هؤلاء يقدر بنصف تشكيلات الجيش الروسي القتالية وتقدر بــ 40 لواءً، ومع حالة الاستنزاف التي أصابت الجيش الروسي على طول جبهات القتال، انطلق الاوكرانيون بدعم غربي كثيف لاستعادة خاركيف، الأمر الذي استدعى مراجعة شاملة للأداء العسكري الروسي على الجبهة الأوكرانية بدأت باستدعاء الاحتياط وحدات من النخبة لا تزال لم تكن مشاركة في العمليات العسكرية وعملية إعادة انتشار كاملة، ولكونها كانت تستعد لحرب طويلة الأمد كانت روسيا تدرب بصورة شهرية 250 ألف عسكري من صفوف الاحتياط ووفقاً لإفادات نشرتها أجهزة الاستخبارات الأمريكية فإن الجيش الروسي لديه القدرة على تعبئة جنود الاحتياط خلال شهر تقريباً وهذه أحد الدروس المستفادة من سقوط الإتحاد السوفيتي، لذلك عقب هذه التحركات اعتمد الجيش الروسي في الآونة الأخيرة استراتيجية فاعلة تتعلق برفع التكلفة التي يمكن أن يدفعها الجيش الأوكراني لاستعادة أراضي المقاطعات الأربع التي تسيطر عليها روسيا.

 

تعتمد أوكرانيا بصورة شبه كاملة في إمداداتها العسكرية على الناتو والولايات المتحدة سواء من حيث التمويل او التصنيع، وهذا الأمر يختلف كثيراً بالنسبة لروسيا التي تمتلك طاقة تصنيعية عسكرية هائلة بالإضافة إلى مواردها الاقتصادية التي تعتمد على الطاقة التي تبيعها إلى حلفائها في الصين والهند

كان الانسحاب الروسي في نوفمبر منطقياً من الناحية العسكرية بحسب تقرير مجلة "فورين آفيرز"، لكون الجيش الروسي استنزف في معارك على طول مسافة تمتد لــ1000 ميل، هذا الأمر سمح للجيش الأوكراني باختراق الجبهة الروسية واستعادة خاركيف في سبتمبر، وفي سبتمبر أقدمت روسيا على تغيير قواعد اللعبة وسحبت جيشها لتقصير مسافة جبهات القتال بعد أن كانت قواتها عالقة في الجانب الغربي من نهر دنيبر في خيرسون. تمكن الجيش الروسي من الانسحاب والحفاظ على عنصر المفاجأة عبر استخدام العبرات والجسور العائمة دون أن يستوعب ذلك الجيش الأوكراني، وبدأت بإعادة نشر قواتها وتحصين مواقعها بالعوائق الخرسانية مع قصف جوي مكثف على محطات توليد الكهرباء، وأصبح أمام أوكرانيا أزمة أخرى بخلاف ضرر الإمدادات العسكرية وهي تضرر المدنيين من الحرب وتشكيل ضغط شعبي لسرعة إنهائها، وكل ذلك يزيد من تكلفة الحرب ليس على أوكرانيا وحدها بل أيضاً على حلفائها في الناتو.  رغم توقعات البريطانيين والأمريكيين التي تشي بسرعة انهيار الجيش الروسي إلا أن ما يجري يشكك في صحة هذه النظرية، فالنتائج الحالية تظهر ان موسكو أصبحت متصالحة مع الحرب وتبحث عن تحقيق أهداف جديدة وهي خلق قوة دفاعية هائلة تضغط على الجبهة الأوكرانية واستغلال استهداف البنية التحتية مثل الوقود والطاقة الكهربائية لجعل الحرب باهظة الثمن بالنسبة للشعب الأوكراني وأكثر كلفة بالنسبة لحلفاء كييف.

تعتمد أوكرانيا بصورة شبه كاملة في إمداداتها العسكرية على الناتو والولايات المتحدة سواء من حيث التمويل او التصنيع، وهذا الأمر يختلف كثيراً بالنسبة لروسيا التي تمتلك طاقة تصنيعية عسكرية هائلة بالإضافة إلى مواردها الاقتصادية التي تعتمد على الطاقة التي تبيعها إلى حلفائها في الصين والهند، لذلك هي من خلال استراتيجيتها الجديدة تحاول تقليل الإنفاق على الحرب من خلال تقليص مساحة المواجهة العسكرية والتركيز على أهداف انتقائية في أوكرانيا لكن ذات تأثيرات فاعلة في مجريات المعارك وهذا الأمر سيكون استنزاف كبير لحلفاء أوكرانيا، لذلك لا يمكن الجزم بأن هذه الحرب سوف تنتهي في الوقت الراهن على طاولة المفاوضات مع استمرار  النظرة الأمريكية للتحالف الصيني الروسي على أنه منافس للهيمنة الأمريكية على العالم بالتزامن مع هشاشة وضعف التأثير السياسي الأوروبي.

 

 

أعلى