• - الموافق2024/11/23م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الثالوث اليهودي وأثره على مصير الدولة العبرية

ظهر نتنياهو دائماً بصفته الراديكالي البراغماتي العقلاني محاولاً التجاوب مع الظروف الدولية المحيطة، لكنه في حقيقة الأمر يرى أن الكيان الصهيوني دولة يهودية ويعتبر الفلسطينيين أخطر عدو لها


عاد بنيامين نتنياهو إلى السلطة مع هوية سياسية أكثر يمينية تضع اليهودية الأرثوذكسية في مقدمة أولويات وأهداف الحكومة الحالية، وتلغي الوجه المصطنع لدولة الاحتلال التي لطالما روجت لنفسها في سياق ليبرالي وديمقراطي لتركز حالياً على وجهة واحدة تستهدف إعلاء الخطاب القومي اليهودي وسحق أي مشروعات أخرى وأولها الوجود الفلسطيني. وقد نجح نتنياهو في العودة إلى الحكم من خلال مجموعة من الاتفاقيات مع قادة اليمين اليهودي أولها أن " العرب هم تحدي ديموغرافي يجب التخلص منه"، ووفقاً لإجماع وسائل الإعلام العبرية فإن الائتلاف الحالي هو الأكثر يمينية في تاريخ دولة الاحتلال.

يتصدر هذا الائتلاف ثلاثة سياسيين، يبدو بنيامين نتنياهو ثعلب مراوغ ورقيق بحسب وصف مجلة " فورين آفير" له أمام شركائه الآخرين، فالأول هو إيتمار بن غفير، الذي كان أحد القادة المؤسسين منظمة كاخ اليهودية التي صنفتها واشنطن بأنها منظمة إرهابية عقب قتلها 29 فلسطينياً في أحد مساجد الخليل عام 1994م، كما أن الرجل لديه سجلاً حافلاً من الإدانات والاعتقالات بسبب جرائمه العنصرية. والشخصية الثانية في الائتلاف هو بتسائيل سموتريتش، أحد أهم قادة الجماعات الاستيطانية في الضفة المحتلة، وقد تم اعتقاله عام 2005 وبحوزته كميات من الوقود قبل قيامه بإحراق مزارع في قطاع غزة.

 

ما شكله نتنياهو ليس مجرد ائتلاف سياسي قد يطيل مدة بقائه بعيداً عن السجن بسبب تهم الفساد التي تلاحقه، بل إنها ثورة ستفكك نظام الحكم الحالي للدولة العبرية

أما الرقم الثالث فهو  آفي ماعوز ويقود حزباً دينياً متطرفاً يريد تطهير نظام التعليم اليهودي من الليبراليين والنسويات،  ونظراً للسجل الحافل من المراوغة الذي يمتلكه نتنياهو، طالب الثلاثة بسلطات دستورية جديدة تحمي الوعود والمكاسب الذي تحصلوا عليها مقابل الانضمام للائتلاف الحالي.

فقد حصل "بن غفير" على منصب وزير الأمن القومي الصهيوني وبذلك سيكون له صلاحيات كبيرة على قوات حرس الحدود والشرطة وبذلك سيتحكم بصورة كبيرة بحركة المصلين في المسجد الأقصى، وقد استهل منصبه بزيارة المسجد الأقصى برفقة جماعة من المستوطنين. أما سموتريتش فسيكون له القدرة على توسيع المستوطنات وتعزيز ضم أراضي الضفة المحتلة للكيان الصهيوني، أما معوز فقد حصل على ميزانية خاصة لتقوية " هوية إسرائيل اليهودية" .

ما شكله نتنياهو ليس مجرد ائتلاف سياسي قد يطيل مدة بقائه بعيداً عن السجن بسبب تهم الفساد التي تلاحقه، بل إنها ثورة ستفكك نظام الحكم الحالي للدولة العبرية، وقد أكد ذلك من خلال تعيينه لمجموعة من الموالين له أمثال وزير العدل باريف ليفين، وسمح كذلك بتغيير الوضع الحالي في المسجد الأقصى من خلال السماح لليهود بالصلاة فيه، وبالتوازي مع تحول النظام السياسي في الدولة العبرية إلى نظام استبدادي ديني مطلق يستره الفساد فإن الضفة الغربية على وشك انفجار شديد قد يشعله وفاة الرئيس الفلسطيني محمود عباس.

ظهر نتنياهو دائماً بصفته الراديكالي البراغماتي العقلاني محاولاً التجاوب مع الظروف الدولية المحيطة، لكنه في حقيقة الأمر يرى أن الكيان الصهيوني دولة يهودية ويعتبر الفلسطينيين أخطر عدو لها، لذلك ينظر إلى مؤسسات الدولة الحالية التي تتعاطى مع الفلسطينيين بصفتهم طرف آخر بأنها "دولة عميقة" ومعقل للدولة اليسارية والعلمانية والصهيونية تستهدف بتشكيلتها المتناقضة إرضاء الأمريكيين والأوروبيين، لكن قراءة السيرة الذاتية لنتنياهو تشير إلى أن الرجل ولد في مركز الفكري اليهودي في القدس المحتلة وكان ضابطاً في القوات الخاصة الصهيونية، وبرز دوره السياسي حينما تولى رئاسة الوزراء عام 1999 وحاول تقويض تنفيذ اتفاقيات أوسلو برفع شعارات اليمين، وعاد مرة أخرى إلى السلطة عام 2009 من خلال تشكيل مع أيهود باراك، وفي عام 2013 مدد ولايته من خلال التعاون مع أحزاب الوسط، لكنه فشل في الترويج لضربة عسكرية تستهدف إيران في عهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما.

نجح في عام 2015 في جر النظام السياسي الصهيوني إلى اليمين بعد ما يقارب من 20 عاماً في المعترك السياسي، وبحث مع حلفائه في اليمين " استبدال النخب" من خلال مساندة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عبر نبذ القضية الفلسطينية والتركيز على تعزيز قوة اليهود في المجتمعات العربية، ونشر ما يعرف بقانون " الدولة القومية للشعب اليهودي" عام 2018، وكان تمرير هذا القانون هدفه إنهاء هيمنة المساواة المدنية في قرارات المحكمة العليا الصهيونية خلال إجراءات التقاضي بين العرب واليهود.

عقب توقيع مشروع القانون الجديد غرق تحالف نتنياهو وانهار عقب توجيه اتهامات للرجل بارتكاب ثلاث جرائم فساد. وانقسم المجتمع الصهيوني إلى قسمين، الأولى يتزعمه الليكود الذي أصبح نتنياهو بالنسبة له زعيمًا أوحدًا وركز على اتهام المحكمة المركزية في القدس على أنها جزء من الدولة العميقة التي تستهدف عدوها السياسي عبر القانون. وقد صرح في حينه، يائير نتنياهو أن القائمين على النظام القضائي في الدولة العبرية يستحقون الإعدام. بينما اتحد قسم آخر كان يدعم الإطاحة بنتنياهو وتم تشكيل تحالف بقيادة نفتالي بينيت ويائير لبيد وصف نفسه بأنه " ائتلاف تغيير" لكن الخلافات الكبيرة في الرؤية السياسية والمكتسبات الحزبية قضت على هذه الحكومة وفشل أعداء نتنياهو في ركوب نفس السفينة مرة أخرى ليسمحوا بذلك لصعود بن غفير بعد أن كان مهمشاً في أقصى اليمين الصهيوني، وجاءت أحزاب بن غفير وسموتريتش وماعوز في المقدمة بعد الليكود وياش عتيد بزعامة لبيد، الأمر الذي ساعد نتنياهو على جمع 64 مقعداً في الكنيست من أصل 120 دون الإقتراب من أحزاب الوسط.

 

 لكن أخطر القوانين التي يمكن إقرارها تتعلق بدمج المستوطنات الصهيونية في النظام القانوني والاعتراف بقانونية البؤر الاستيطانية التي أقيمت دون موافقة الحكومة الصهيونية

يسمح التفوق اليميني في الائتلاف الحالي لنتنياهو بتدمير النظام القضائي الحالي في الدولة العبرية وتفكيك نظام يتمتع به المستشار القضائي الصهيوني يمنحه الاعتراض على أي قرارات وزارية والمكسب الشخصي من وراء ذلك بالنسبة لنتنياهو هو عرقلة محاكمته.

لكن سيحصل الائتلاف الواسع من المتطرفين على امتيازات كبيرة ستزيد من سطوتهم على السلطة السياسية في الكيان، وأولها الإعفاء من الخدمة العسكرية بصورة مطلقة، بالإضافة إلى زيادة ميزانية المؤسسات الدينية وستنظر الحكومة في معادلة دراسات المعاهد الحاخامية مقارنة بالسلَّم الأكاديمي للجامعات عند التقييم لوظائف القطاع العام، وستجبر المدارس العلمانية على تلقي دروس دينية يهودية وستجبر وسائل النقل العام على الفصل بين الجنسين كما سيفرض على النساء الجلوس في مؤخرة حافلات النقل، كل تلك المطالب كانت شعارات سابقاً يرددها اليمين لكنها اليوم ستصبح قوانين يقرها النظام السياسي الصهيوني.

لكن أخطر القوانين التي يمكن إقرارها تتعلق بدمج المستوطنات الصهيونية في النظام القانوني والاعتراف بقانونية البؤر الاستيطانية التي أقيمت دون موافقة الحكومة الصهيونية، وبالتزامن مع المتغيرات على الساحة الفلسطينية فقد شهد العام الماضي مقتل 29 صهيونياً في اشتباكات مع مجموعات فدائية فلسطينية في كلاً من جنين ونابلس، بينما أكدت مصادر طبية فلسطينية أن 147 شهيداً فلسطينياً قتلوا برصاص الاحتلال الصهيوني.

لذلك يمكن التأكيد على أن مؤشر الأحداث يقود إلى مواجهة حتمية في الفترة المقبلة مع تصاعد إجراءات اليمين اليهودي ضد الفلسطينيين مقابل زيادة الخلافات الداخلية في منظمات السلطة الفلسطينية، ومع تردي الحالة الصحية للرئيس محمود عباس فإن الأراضي الخاضعة للسلطة الفلسطينية ستشهد تخفيف القبضة الأمنية المرتبطة بالتنسيق الأمني مع الاحتلال وهذا الأمر سينعكس على العمليات الفدائية المنطلقة منها. وبالتزامن مع انشغال الولايات المتحدة بالصراع في أوكرانيا وتركيزها على تقويض التمدد الصيني والروسي فإن الملف الفلسطيني لن يكون له تأثير طالماً لم يتفاعل معه المحيط العربي والإسلامي لذلك دعمت في الفترة الماضية واشنطن بشدة ملف التطبيع واتفاقية " أبراهام" بهدف بتخدير المنطقة تمهيداً لمواجهتها مع الصين، لكن سيتحول نتنياهو إلى نسخة صهيونية من فيكتور أوروبان ويقود النظام السياسي الصهيوني إلى تجربة دكتاتورية هي الأسوأ منذ عقود ستنعكس بصورة إيجابية على مسار التحرر الفلسطيني وصورة دولة الاحتلال الخارجية .

أعلى