• - الموافق2024/11/27م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
هل يقود سوناك سفينة غارقة؟!

من وجهة نظر الباحث الأمريكي فإن الأزمة السياسية التي دفعت سوناك إلى السطح هي مؤشر واضح على نوع الاضطراب العاصف الذي يضرب المملكة وعدم قدرتها على العثور على دورها في العالم


استجمع الليبراليين العرب كعادتهم قواهم ونهضوا سوياً للصفيق بقوة للديمقراطية البريطانية التي سمحت رجل أعمال من أصل هندي الانحناء أمام تشارلز الثالث لتقديم قسم الولاء تمهيداً لتوليه حقيبة رئاسة الوزراء خلفاً لليز تراس التي تعرضت لضغوط لتقديم استقالتها لأسباب تتعلق بالتصارع حول نفوذ نخبة المال في لندن.  يقول الصحفي البريطاني، ريتشارد ميدهرست: "لدينا رئيس وزراء جديد، غير منتخب من قبل الشعب البريطاني، أو حتى من المحافظين، لم يقدم أي بيان أو مقابلة حول برنامجه، كل ما نعرفه هو أنه ثري وعمل لدى جولدمان ساكس، هو أول رئيس وزراء غير أبيض!"، ما قاله الصحفي البريطاني هو فضح واضح لديمقراطية النخبة أو الدولة العميقة التي تقود المؤسسات الغربية وهي ديمقراطية لا يرها الليبراليين العرب رغم تصفيقهم الحار لها.

 

كانت خطة حكومة تراس خفض الضرائب لتحفيز الاقتصاد البريطاني، لكن هذه التخفيضات كانت ستجر الحكومة إلى المزيد من الإقراض وتضخ سيولة في السوق ستؤدي إلى التضخم

تولى سوناك منصب وزير الخزانة في عام 2020 في عهد بوريس جونسن، وسط أزمة تفشي كورونا ويبدو أن الإنجليز كعادتهم لا يفضلون اللعب في العلن وقت الأزمات لذلك كانت الفرصة أمام رتشي سوناك ليقدم نفسه عبر خطة دعم بقيمة 350 مليار جنيه إسترليني لإنقاذ اقتصاد البلاد المنهار، لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فقد كانت مجرد شعارات علقتها الصراعات السياسية المتواصلة التي صنعتها الديمقراطية داخل مجلس العموم البريطاني، واستمرت الأزمة حتى أصبح بعض أعضاء حزب المحافظين يشككون في قدرة سوناك بصفته رجل أعمال على تقدير حجم الضغط الذي تواجهه الأسرة البريطانية!. في تلك الفترة تم التدقيق في الملف الضريبي لسوناك وزوجته وهي وريثة عائلة ثرية من أصول هندية في لندن وهي أحد أهم مفاتيح الرجل للوصول على نخبة لندن السياسية. لكن أكشاتا مورتي أعلنت لاحقًا أنها ستبدأ بدفع ضرائب للمملكة المتحدة على أرباحها الخارجية، لتخفيف الضغط السياسي على زوجها.

مرَّت 60 عاماً على تصريح وزير خارجية إنجلترا العظمى السابق، دين آتشيسون الذي قال فيه: إن بريطانيا فقدت إمبراطورية ولم تجد دورها في العالم بعد، يقول مايكل وليامز ، الباحث في مركز الدراسات الإستراتيجية والسياسية الدولية: لا تزال بريطانيا تسير " على غير هدى" ، فهي تتشبث بهوية المعتدل الوطني الذي يبحث عن سياسة خارجية صحيحة ومستقبل مشرق، وتتجاهل مجموعة حقائق أهمها أن الاقتصاد البريطاني لا يشبه الاقتصاد الأمريكي، بالإضافة إلى أن نخبة لندن يتجاهلون موقف بلادهم الضعيف في العالم. من وجهة نظر الباحث الأمريكي فإن الأزمة السياسية التي دفعت سوناك إلى السطح هي مؤشر واضح على نوع الاضطراب العاصف الذي يضرب المملكة وعدم قدرتها على العثور على دورها في العالم، فواشنطن تخلت عنها تمامًا وترفض توقيع اتفاقية للتجارة الحرة بين البلدين وهي بمثابة منقذ للاقتصاد البريطاني، وربما يكون ذلك أحد مؤشرات أفول نجم التحالف البريطاني الأمريكي على مستوى العالم.

 عندما اختارت أغلبية ضئيلة من البريطانيين مغادرة الاتحاد الأوروبي عام 2016 كانت خطوة شعبوية إنجليزية وليس إجماعاً وطنياً، هذه الضربة كانت قاسية على الاقتصاد البريطاني فقد خسرت لندن دورها كقوة داخل أكبر كتلة اقتصادية في العالم، وهذا الأمر أضعفها كثيراً على المستوى السياسي. كان هناك خطط لدى الإنجليز للتوسع نحو الاقتصاد المعولم ومنافسة أدوات السوق الأمريكية لكن هجوم الروس على أوكرانيا وهي أزمة سرَّعت فيها الولايات المتحدة لغاية استعادة نفوذها في أوروبا، نسف الحلم البريطاني وضخم الأزمة الاقتصادية، فقد تم تقسيم العالم إلى مناطق نفوذ اقتصادية لم يكن للندن القدرة على المنافسة أو التأثير في ذلك، فهي تلهث بحتاً عن الطاقة وعالقة تماماً بين الصين والولايات المتحدة اللتان تتصارعان على تشكيل النظام العالمي الجديد.

 

 الهزة الاقتصادية التي يشهدها العالم تؤكد عدم قدرة واشنطن على تشكيل تحالف عسكري غربي قوي في ظل اعتماد حلفائها على الصين وروسيا اقتصاديا

كانت خطة حكومة تراس خفض الضرائب لتحفيز الاقتصاد البريطاني، لكن هذه التخفيضات كانت ستجر الحكومة إلى المزيد من الإقراض وتضخ سيولة في السوق ستؤدي إلى التضخم، ورفع أسعار الفائدة بشكل أكبر، لكن لم تنجح خطة رئيسة الوزراء المستقيلة وتمت الإطاحة بها، فالاقتصاد البريطاني يقدر ب2,8 ترليون دولار أقل بقليل من اقتصاد ولاية كاليفورنيا الأمريكية، ووفقاً لمركز الدراسات الإستراتيجية والدولية فإنه اقتصاد شديد الاستدانة المالية والنفطية لا سيماً في ظل تعمق أزمة الطاقة العالمية. تتعرض بريطانيا أيضاً لضغوط أمريكية جعلتها تخسر اتفاقية التجارة الحرة، بسبب الاستقرار في إيرلندا الشمالية، فلندن تريد التخلي عن الاتفاقية الموقعة مع الاتحاد الأوروبي والتي تحدد النظام الجمركي بين الاتحاد الأوروبي وإيرلندا الشمالية لكن واشنطن ترفض ذلك وتضغط باتجاه عدم تجدد الصراع السياسي هناك.

الرئيس الأمريكي، جوزيف بايدن، لديه ميراث إيرلندي وقد صرح في مارس 2021 قائلاً: "إن عائلتي غادرت إيرلندا بسبب سياسيات بريطانيا"، وفي نفس الوقت صوت مجلس الشيوخ الأمريكي على دعم اتفاقية "الجمعة العظيمة" بدافع الحفاظ على السلام في الجزيرة على حد وصف براندان بويل، زعيم مجموعة أصدقاء إيرلندا في مجلس النواب الأمريكي. وكانت رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي، قد صرحت قائلة: "لن تبرم صفقة تجارية بين الولايات المتحدة وبريطانيا في حال أوقفت الأخيرة اتفاقية الاتحاد الأوروبي بشأن إيرلندا".

تنظر واشنطن إلى بريطانيا بصفتها أحد أعمدة النظام العالمي الليبرالي وضعفها يمثل عائق وتجدد الصراع في إيرلندا الشمالية سيكون كارثة على الكتلة الغربية، لكن في الوضع الراهن الذي يمر فيه الصراع الاقتصادي الأمريكي في منحنى خطير لا سيما بوجود أزمة الطاقة فإن الولايات المتحدة كعادتها يبدو أنها تفضل عدم تقديم مكاسب لأي من حلفائها في سبيل الحفاظ على تماسكها، وهو أمر أشار إليه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حينما قال: إن أمريكا عرضت علينا بيع الغاز بثلاث أضعاف الثمن الذي تبيعه لنا روسيا!

الهزة الاقتصادية التي يشهدها العالم تؤكد عدم قدرة واشنطن على تشكيل تحالف عسكري غربي قوي في ظل اعتماد حلفائها على الصين وروسيا اقتصادياً، والأزمة التي صنعتها المواجهة مع أوكرانيا هي مجرد هزة مقارنة بأي مواجهة قد تجبر واشنطن على خوضها مع الصين مستقبلاً، ربما يسعنا القول: إن التصارع الذي يشهده العالم هو بداية تساقط أعمدة النظام العالمي الذي صنعته واشنطن للهيمنة ولا يمكن أن تنقذ هذه الأعمدة من السقوط طالما أنها عاجزة عن إيقاف أزمتها مع الصين. فقد صرح الرئيس الصيني،شي جينبينغ، خلال مؤتمر الحزب الشيوعي الأخير، مخاطباً أعضاء الحزب، "علينا أن نستعد لما هو أصعب"..

 

أعلى