شهدت العاصمة اليمنية صنعاء
خلال اليومين الماضيين تصعيداً في الصراع السياسي القائم بين الثوار اليمنيين
الذين يطالبون بتنحي الرئيس "علي عبدالله صالح" الذي يحكم البلاد منذ
أكثر من ثلاثين عاماً، و الحرس الجمهوري الذي يقوده نجل الرئيس اليمني "أحمد
علي عبدالله صالح" وآخرين في أجهزة الدولة مؤيدين للنظام.
وبحسب المصادر الطبية
اليمنية فقد راح ضحية ما وصف بالمجزرة التي ارتكبها الحرس الجمهوري الاثنين 19 سبتمبر،
17 فرداً على الأقل ويوم الأحد قتل 26 فرداً آخرين، بينما قالت وكالة الأنباء رويترز إن صاروخين
اثنين على الأقل أصابا ساحة التغيير في العاصمة اليمنية صنعاء يوم الثلاثاء فقتلا شخصين
وسط اشتباكات عنيفة بين جنود الحرس الجمهوري الموالين للرئيس "صالح"،
وجنود من الفرقة الأولى التي يقودها اللواء "علي محسن الأحمر" الذي يشك
الجميع في أسباب مناصرته وتأييده للثورة، فبينما يتهمه البعض باستغلال ثورة الشباب
في ميدان التحرير بصنعاء لتحقيق مكاسب سياسية بعد تهميشه من قبل الرئيس "صالح".
يثني عليه آخرين بسبب موقفه المساند للثورة وحماية الثوار من قبل جنوده.
وتنبأ الأحداث الجارية بتحول
كبير في مسار المواجهة بين "صالح" ومعارضيه بعد دخول الأفراد التابعين للفرقة الأولى
مدرَّع على خط المواجهة، وعدم اكتفائهم بموقف المتفرج حيال ما يجري لشباب الثورة، إذ
إنّ استيلاء الشباب على جسر الزبيري الرئيسي، والمباني الحكومية القريبة منه، التي
كانت تستخدم لإيواء المسلحين بزي مدني، ونجاحهم في طردهم من هناك واعتقال عدد منهم،
لم يكن ممكناً بغير تدخُّل من أولئك الأفراد التابعين للفرقة أولى مدّرع.
وبحسب ما نشرته صحيفة الأخبار
فإن مصدر في نفس الفرقة كشف أنّ الأوامر الصادرة من القيادة العليا للفرقة تقضي بعدم
التدخل مباشرة في المواجهات، والامتناع عن البدء بإطلاق الرصاص مهما كانت الظروف، وذلك
منعاً لأي تصعيد محتمل من قبل الطرف الآخر، لأنه قد يؤدي إلى (حرب مفتوحة).
وبحسب المصدر نفسه فإنه من
المرجح أن يكون بعض الأفراد قد عجزوا عن السيطرة على أنفسهم أمام استخدام القوات التابعة
لنجل الرئيس "صالح" أسلحة ثقيلة ومضادة للطيران في قتل المتظاهرين الشباب
ما دفعهم إلى التدخل دون تردد.
واستغل الإعلام الرسمي هذا
التدخل ليروج لفكرة أن النيران التي أصابت المتظاهرين قد أتت من الخلف، ولم تكن صادرة
من القوات التابعة للحرس الجمهوري أو الأمن المركزي.
وسمع دوي انفجارات كبيرة كان
مصدرها مقر الفرقة أولى مدرع بالتزامن مع تحليق لطائرات تابعة لنجل الرئيس اليمني،
وإطلاق مضادات طيران نيرانها في الهواء، ما رجّح فرضية وقوع غارات جوية على مقر الفرقة
القريب من ساحة التغيير.
وبحسب الصحيفة فإن نجل الرئيس،
الذي فتح على نفسه المواجهة على أكثر من جبهة، في منطقة أرحب (شمال صنعاء) وفي مدينة
تعز والآن في صنعاء، قد قرر اللعب بآخر أوراقه المعتمدة على تفجير الوضع عسكرياً، وخلط
الأوراق على الطاولة، ما يؤدي إلى تأجيل مسألة حسم وضع الأزمة اليمنية التي يبدو أن
العالم الخارجي، وعلى وجه الخصوص الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي، قد حسما قرارهما
من ناحية ضرورة التوقيع على المبادرة الخليجية خلال أسبوع، ووضع حد للتدهور الحاصل
في اليمن على مختلف المستويات.
ويقول المحلل السياسي، "فيصل
علي الناشري"، إن مسألة الحسم عبر الدخول في حرب شوارع هي أمر لا يمكن أن يكون
في متناول اليد بسهولة، لأنّ التوازن الذي أحدثه دخول الفرقة أولى مدرَّع في صف الثورة
جعل مسألة حسم الوضع عبر المواجهات المسلحة غاية في الصعوبة مع عدم تجاهل أن معظم الشباب
الموجودين في ساحة التغيير ينتمون إلى قبائل كبيرة ومسلحة جيداً ولن يطول صمتها.
استياء دولي
يشعر المتابع لما يجري في
اليمن أن التعامل مع الوضع يقوم على أساس أن عائلة الرئيس "صالح" تتصرف
بجنون إزاء المظاهرات التي تعارض بقاءه في الحكم، ويقوم نجله بتنفيذ مجازر بشعة
بحق الشعب اليمني منها قصف منازل على ساكنيها، وقتل أطفال ونساء ، وهذا مؤشر خطير
على مدى سوء الطبقة السياسية الحاكمة هناك، وإنها تستند في تحقيق الاستقرار في
الحكم على أعمال البلطجة والقتل ، ومستعدة لإبادة شعب بكامله من أجل الحفاظ على
بقاءها في السلطة، نافية حق الشعب في تقرير مصيره واختيار من يحكمه.
وبعد التطورات الأخيرة في
اليمن وصل مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة جمال بن عمر، إضافة إلى الأمين العام لمجلس
دول التعاون الخليجي "عبد اللطيف الزياني" إلى صنعاء الاثنين وبحسب
الأنباء التي تتداولها الصحف اليمنية فإن الزيارة لمناقشة أقطاب الصراع في الخطوات
النهائية لتوقيع اتفاق نقل السلطة.
واستقبل خادم الحرمين "عبدالله
بن عبدالعزيز" في قصره بالرياض الاثنين الرئيس اليمني وتباحث معه حول
التطورات في اليمن.
وبحسب وكالة الأنباء
السعودية (واس) فقد حضر اللقاء الأمير "مقرن بن عبدالعزيز" رئيس الاستخبارات
العامة, كما حضره من الجانب اليمني رئيس مجلس الوزراء الدكتور "علي محمد مجور"
ورئيس مجلس النواب "يحيى علي الراعي".
وقال مسؤول يمني سابق إن
الإجتماع الذي جمع خادم الحرمين بالرئيس اليمني جاء متأخراً ويظهر حالة البرود في
العلاقة بين الطرفين، وذكر أن السعودية أصبحت تريد إنهاء الأزمة خشية من تدهور
الأوضاع واندلاع حرب أهلية قد تجلب كارثة للبلدان المحيطة باليمن.
وألمحت الولايات المتحدة إلى
وجود إشارات مشجعة لحل الأزمة في اليمن، وأعربت عن أملها في أن تتوصل حكومة صالح إلى
اتفاق لتسليم السلطة للمعارضة خلال أسبوع.
وقالت فيكتوريا نولاند المتحدثة
باسم الخارجية إن قرار صالح الأسبوع الماضي بتفويض نائبه لتوقيع اتفاق مع المعارضة
يمهد لانتقال سلمي للسلطة بوساطة خليجية مؤكدة أن الطرفين توصلا إلى الشكل النهائي
للاتفاق.
وتقضي التعديلات أن ينقل الرئيس
اليمني سلطاته الى نائبه عبد ربه منصور هادي بعد توقيع الاتفاق لكنها تمنحه ثلاثة شهور
ليتنحى رسميا عن السلطة بخلاف خطط سابقة اشترطت أن تكون المهلة 30 يوما.
وبعد ترك صالح السلطة تجرى الانتخابات
وتشكل المعارضة حكومة وحدة مؤقتة لفترة انتقالية تستمر عامين يظل هادي فيها رئيسا مؤقتا
لليمن.
وتعمل الحكومة اليمنية خلال الفترة
الانتقالية على وضع مسودة دستور جديد وإجراء حوار مع كافة القوى السياسية في اليمن
بما في ذلك الحوثيون والحركة الإنفصالية في الجنوب.
مأساة إنسانية
وانعكس سوء الوضع السياسي في
البلاد على الوضع المعيشي للسكان فقد حذرت منظمة أوكسفام الخيرية البريطانية من أن
الوضع في اليمنعلى حافة الانهيار. وقالت إن ثلث اليمنيين –أي ما يعادل 7.5 ملايين شخصا-
يعانون من الجوع، ويضطر 64% من محافظة الحديدة غربي البلاد إلى تقليص عدد وجباتهم اليومية،
وتوقف 19% من الأطفال هناك عن الذهاب للمدرسة وتوجهوا للبحث عن العمل لمساعدة عائلاتهم
في توفير قوت يومهم.
وأضافت المنظمة في تقرير أصدرته أن الكثير من الأسر
بالحديدة أجبرت على اتباع حمية غذائية قوامها الخبز والأرز فقط.
ولاحظت أوكسفام أن بعض الجهات المانحة كالبنك الدولي
أوقف الشهر الماضي معونات بقيمة 542 مليون دولار لليمن، استنادا إلى المخاوف الأمنية
والسياسية بأحد أفقر البلدان العربية، في حين يتطلب الوضع من هذه الجهات زيادة تمويلها
لليمن.
وأضاف تقرير أوكسفام أنه بينما تتعهد جهات مانحة
بمليارات الدولارات لمساعدة دول تونس ومصر وليبيا لإعادة بناء اقتصادها وتلبية احتياجاتها
الغذائية، فإن محنة اليمن تظل في طي النسيان بالنسبة للمجتمع الدولي.
ولم يتلق برنامج غذائي للأمم المتحدة لفائدة اليمن
سوى 57% من المبالغ المطلوبة لتمويله، حيث منح مبلغ 166 مليون دولار من إجمالي 290
مليون دولار للعام الجاري، ويعاني برنامج الغذاء العالمي عجزا تمويليا يقارب 60 مليون
دولار لأداء عمله في اليمن، وهو ما يمثل ثلث ميزانيته المخصصة لهذا البلد.
وكانت دراسة تقييم أجرتها أوكسفام في يوليو/تموز
الماضي بمحافظة الحديدة أظهر تداعيات الأزمة الحالية باليمن على الأوضاع المعيشية للسكان،
حيث فقد 20% وظائفهم ولم يجدوا بديلا عنها، وقال أكثر من 52% من المستجوبين إن دخلهم
يتراجع منذ بداية العام الجاري، بينما ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنحو 60%.
من جانبها طالبت منظمة العفو
الدولية امنستي السلطات اليمنية بوقف قتل المتظاهرين فورا محذرة من انزلاق اليمن إلى
حرب أهلية . وجاءت هذه المطالبة بعد أحداث الاثنين المأساوية.
ودعت امنستي في بيان أصدرته إلى
تشكيل لجنة مستقلة لتقصي حقائق مقتل المدنيين.كما حثت المجتمع الدولي على عدم تغليب
الشأن الأمني في اليمن المرتبط بتنظيم القاعدة على حقوق الإنسان المنتهكة . وأكدت منظمة
امنستي على ضرورة وقف تزويد اليمن بالعتاد والذخيرة ..