• - الموافق2024/04/23م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
إيران والمصالحة التركية السعودية

هذه المنطقة تتنازع الهيمنة عليها أربعة مشروعات إقليمية، كل منها يريد أن يكون له اليد العليا، وهذا لا يمنع أن تتحالف بعض هذه القوى مع بعضها، إذا استشعرت أن قوة من هذه القوى الاقليمية ألحقت بها خسائر كبرى، أو أن القوى العالمية قد أهملتها وتجاوزتها ولم تعد ت


"إيران تنظر إلى الحراك التركي تجاه السعودية بعين الريبة والتشكيك"

هكذا رأى الكاتب حسن فحص وهو القريب من دائرة صناعة القرار الإيراني التقارب التركي السعودي.

ففي أواخر رمضان الماضي وبعد حوالي خمس سنوات من التوتر الذي طبع العلاقات السعودية التركية، زار الرئيس التركي، أخيرا، المملكة العربية السعودية في محاولة لطي صفحة الخلاف واستعادة الدفء في علاقات البلدين، حيث التقى كل من الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

وأضاف حسن فحص المقرب من إيران: إن طهران لا تتوقف عند العناوين التي قدمها أردوغان لتسويغ هذه الزيارة، بخاصة تلك المتعلقة بإمكانية لعب دور في تقريب وجهات النظر بينها وبين السعودية، والعمل على خفض التوتر بينهما فهذا لا يمكن تصديقه، لأن مسار الحوار المباشر والثنائي بين الطرفين (السعودي والإيراني) بدأ منذ أشهر ويتطور بشكل إيجابي، وقد ينتج تحولاً في طبيعة العلاقة المتوترة التي تربط بينهما في المرحلة المقبلة.

وهنا يجيء السؤال ما دوافع هذا القلق الكبير الذي يعتري الدوائر السياسية والاستراتيجية الإيرانية الذي عبرت عنه بأشكال مختلفة سواء بتصريحات مسئوليها أو المقربين منها؟

هل هو الخوف من محاولة تقليص النفوذ الإيراني المتغلغل في المنطقة وقصقصة لأجنحته وتحجيمه؟

هل إيران تخشى من هذا التقارب على دعمها الحوثي في اليمن؟ أم بالهيمنة الإيرانية على العراق؟ أم تدخلها العسكري في سوري؟

لكي نستطيع فهم القلق الإيراني لابد من نظرة شاملة للصراع على النفوذ في منطقة الشرق الأوسط.

فهذه المنطقة تتنازع الهيمنة عليها أربعة مشروعات إقليمية، كل منها يريد أن يكون له اليد العليا، وهذا لا يمنع أن تتحالف بعض هذه القوى مع بعضها، إذا استشعرت أن قوة من هذه القوى الاقليمية ألحقت بها خسائر كبرى، أو أن القوى العالمية قد أهملتها وتجاوزتها ولم تعد تلتفت لمصالحها.

فهناك المشروع الإيراني والتركي والعربي والصهيوني، وسوف نقوم بدراسة المشاريع الثلاثة الأولى لأنها تتعلق مباشرة بهدفنا في المقال.

الطموح الإيراني وحلم الفرس

فمع الانهيار السياسي للأمة الإسلامية والذي بدأ منذ أكثر من قرنين من الزمان تكالبت مشروعات الأعداء من كل حدب وصوب تساعد في تقطيع جسد الأمة وتحاول أن تنال من عقيدتها وتحجم من رسالتها كخير أمة أخرجت للناس، وظهرت امبراطوريات كنا اعتقدنا أنها اندثرت وذهبت ولم يعد لها ذكرا في التاريخ، استيقظت من سباتها لتحاول أن تأخذ ثاراتها من أمة الإسلام، كانت امبراطورية الفرس احداها والتي تسربت باسم الجمهورية الإسلامية الإيرانية متخذة من المذهب الاثني عشري الجعفري طريقا النظام، والذي جاء في أعقاب ثورة أطاحت بالشاه الحاكم السابق لإيران عام 1979 وكان على رأس هذا النظام الجديد ما اعتبره كثير من الإيرانيين زعيم هذه الثورة وهو روح الله الخميني، ومنذ مجيئه وصبغه للنظام بصبغة دينية مذهبية وفي نفس الوقت ثورية بحيث كان له تأثير كبير على الداخل الإيراني بفسيفسائه العرقية والمذهبية والفكرية، وكانت له احتكاكاته وتداخلاته الإقليمية والدولية.

وتخط إيران مشروعها وتتمدد في حواضر المسلمين فتسقط الواحدة تلو الأخرى في أحضانها أو في دائرة نفوذها، فسقطت بغداد ودمشق وصنعاء وبيروت وينتشر دعاتها يجوبون الآفاق في أفريقيا وآسيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية وغيرها من الديار التي يتواجد فيها المسلمون.

تركيا والعثمانية الجديدة

يقارن أحمد دواود أوغلو وزير الخارجية التركي السابق والذي يعتبر منظر الاستراتيجية التي تسير عليها تركيا منذ عشرين عاما في كتابه العمق الاستراتيجي بين وضعية تركيا كدولة مركز وبين الدول الأخرى التي تصنف نفس التصنيف:

فألمانيا دولة أوروبية ليست لصيقة الجوار بآسيا كما انها بعيدة عن أفريقيا، ونجد روسيا ذات عمق أسيوي واوروبي بعيدة عن أفريقيا، وإيطاليا دولة أوروبية قريبة من أفريقيا بعيدة عن آسيا، ونجد مصر دولة أفريقية ضعيفة في عمقها الأسيوي، بينما إيران دولة آسيوية بعيدة عن أوروبا وأفريقيا غير أنها تتمتع بالقدرة على الوصول إليهما بروابط غير مباشرة ...أما تركيا فإن السمة الأهم التي تميزها عن كل هذه الدول تتمثل في كونها الدولة الأقرب إلى القارات الثلاث التي تشكل القارة الأم أفروأوراسيا فتركيا حاضرة بأراضيها في قارتي آسيا وأوروبا وساحة جوار لأفريقيا عبر البحر المتوسط.

وبذلك يشدد أوغلو على أن تركيا يتوجب عليها أن تنخلع من كونها دولة طرفية وأن تكتسب وبسرعة وضعيتها كدولة لا تصرف جهودها فقط من أجل حماية استقرارها بل وتوظفها لحماية نظامها من خلال الاضطلاع بدور يحمي استقرار ونظم الدولة المجاورة.

لذلك ترى في غلاف رؤية الحزب العام 2023 يضع حزب العدالة والتنمية هذين الشعارين:

الشعب العظيم -القوة العظمى.

 بينما يلخص هذه الأهداف الباحث عماد يوسف في ثلاث كلمات تتصف بهم دولة حزب العدالة التنمية المنشودة (حاسمة -مركزية-كبرى)، بينما يشرحها داود أوغلو بأن الهدف من أي استراتيجية تتبعها تركيا يجب أن تركز على اعادتها مرة أخرى إلى المسرح التاريخي وتحافظ على وجودها وتحولها إلى قوة مؤثرة.

العرب والاستيقاظ من النوم

يعتبر شعب أرض الجزيرة هو المرشح أكثر من أي دولة عربية لقيادة الشعوب العربية في الوقت الحاضر أكثر من أي دولة عربية أخرى لسببين رئيسين، الأول تراجع الدور الذي كانت تقوم به المراكز الحضارية العربية الأخرى تاريخيا لأسباب كثيرة، والثاني هو توافر الإمكانيات لدى المملكة للصعود.

بالنسبة للسبب الأول، فمصر والعراق وسوريا كانت دائما هي بؤرة أي نهضة عربية طيلة القرون الماضية، فيسيطر على العراق حاليا حكومة طائفية رهنت قرارها السياسي في طهران وعزلت نفسها عن محيطها العربي، وأصبحت أرض العراق ساحة لتصفية الحسابات بين إيران وأمريكا واسرائيل، وتم تبديد ثروتها ومواردها تحت عصابة من اللصوص والفاسدين، فتم تقزيم دورها وتلاشى تأثيرها.

أما سوريا فهي نتيجة تشبث نظام الأسد العلوي بالسلطة، ورفضه التخلي عن الحكم بعد ثورة شعبه عليه وشروعه في قتل الناس بالطائرات والبراميل المتفجرة، واستعانته بالمسلحين الإيرانيين وأذنابهم ثم بالقوات الروسية عندما عجزت إيران عن دحر المقاومة الشعبية السورية المسلحة، أصبحت سوريا حينها دولة محتلة فكيف تقود الأمة وهي بهذا الحال؟

أما مصر فقد تراجع تأثير نظامها منذ أكثر من نصف قرن بعد أن توالت عليها حكومات تنظر الى مصالح ضيقة وأهملت أدوارها التاريخية في القيادة والزعامة، بالرغم من امكانياتها الجغرافية ومواردها الطبيعية، وبلغ تراجعها الاستراتيجي حدا الى أنها عجزت عن حماية نهرها وشريان حياتها وتجرأت دولة أثيوبيا على إقامة سد يوشك أن يتحكم في تدفق مياهه وذلك لأول مرة في تاريخها الممتد.

أم السعودية فلديها مصدران للقوة، القوة الاقتصادية والقوة الروحية.

فالسعودية تؤدي منذ اكتشافها النفط دورا رئيسا ومهما في سوق الطاقة على المستوى العالمي، بصفتها أكبر مصدّر للنفط عالميا، وثاني أكبر منتج للخام بعد الولايات المتحدة، كما تعدّ أكبر منتج للنفط داخل منظمة أوبك، وقد بلغ إنتاج النفط في السعودية خلال العام الماضي -بحسب رصد أويل آند غاز- نحو 10.6 مليون برميل يوميا، مقابل 10.716 مليون برميل يوميا في العام السابق له، وقفزت إيرادات السعودية من النفط خلال العام الماضي إلى 205.9 مليار دولار، مدعومة بالصعود الكبير الذي شهدته أسعار الخام منذ بدايات العام الماضي، ونتيجة صعود النفط بعد حرب أوكرانيا هذا العام فينتظر أن يتصاعد الإيرادات السعودية وتتعاظم.

أما القوة الروحية السعودية، فتتمثل في كون أرضها مهبط الوحي وظهور النبوة ونشأ على أرضها الصحابة الذين نشروا في العالم نور الإسلام، ولا يزال ملايين المسلمون يحجون الى الكعبة على مدار السنين.

الصراع بين المشاريع على المنطقة

يجيء التحالف التركي السعودي الذي يخدم أجندة كل من البلدين لتحقيق أهدافهما في المنطقة، فتركيا تعاني من مشكلة بوادر تراجع قوي لاقتصادها، بينما السعودية تواجه ايران في حدودها الجنوبية، والاثنان يواجهان معا تمدد ايران في المنطقة في سوريا والعراق ولبنان واليمن، كما يواجهان محاولة القوى العالمية تقزيم دورهما باعتبارهما القوى الأكبر السنية، لذلك فالتحالف بين الدولتين الأقوى إقليميا يتيح لهما وقف التمدد الإيراني وتحجيمه والخلاص من ضغوط الدول الكبرى.

والتكامل بين الدولتين، سواء السعودية بإمكانياتها الاقتصادية الهائلة وتركيا بقاعدتها العسكرية الكبرى يجعلهما باستطاعتهما حسم التنافس الإقليمي لصالحهما، وهذا بدروه يؤدي الى صعود الأمة الإسلامية بشقيها العربي والتركي.

 

 

 

 

 

أعلى