عودة وليامز!

أضاف الموقع الاستخباراتي الفرنسي أن غوتيرش يريد أن تتولى ستفاني المهام الأممية في ليبيا إلى حين تعيين خليفة لكوبيش، موضحا أن ويليامز ستكون مهمتها الإشراف على الانتخابات الرئاسية والتشريعية في الرابع والعشرين من ديسمبر الحالي


"رجوع ستيفاني ويليامز لمعرفتها بمفاتيح اللعبة القديمة والجديدة"

بهذه الكلمات الموجزة لخص الخبير العسكري والاستراتيجي عادل عبد الكافي، ما اعتبره في وجهة نظره أسباب الاستعانة بستيفاني ويليامز لحل المعضلة الليبية.

فمنذ عدة أسابيع وقبل حوالي شهر من الانتخابات الليبية والمزمع عقدها في 24 ديسمبر الحالي، أعلن المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا السلوفاكي يان كوبيش استقالته من منصبه، وبعدها قام الأمين العام للأمم المتحدة بتعيين القائمة السابقة بأعمال رئيس البعثة الأممية في العاصمة طرابلس، ستيفاني ويليامز، مستشارة خاصة له بشأن ليبيا.

واتخذ الأمين العام هذه الخطوة بعد صدور فيتو روسي وقف ضد تعيين كل من البريطاني نيكولاس كاي والأمريكية ستيفاني وليامز مبعوثا أمميا إلى ليبيا، فاضطر الأمين العام الى استخدام صلاحياته بتعيين وليامز مستشارة له لشئون ليبيا، وليس مبعوثا أمميا.

وقد كشف موقع أفريكا أنتليجنس الفرنسي أن تعيين الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش للأمريكية ستيفاني ويليامز مناورة لتجاوز الخلافات التي وصفها الموقع الاستخباري بالحادة في مجلس الأمن، مبينة أنها أدت إلى تعطيل تسمية مبعوث جديد إلى ليبيا.

وأضاف الموقع الاستخباراتي الفرنسي أن غوتيرش يريد أن تتولى ستفاني المهام الأممية في ليبيا إلى حين تعيين خليفة لكوبيش، موضحا أن ويليامز ستكون مهمتها الإشراف على الانتخابات الرئاسية والتشريعية في الرابع والعشرين من ديسمبر الحالي.

وكانت الأنباء في السابق كانت قد أشارت إلى أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، يعاني من صراع على منصب الممثل الخاص في ليبيا بين الأمريكيين من ناحية والروس من ناحية أخرى.

وحدد المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، خلال مؤتمر صحفي في نيويورك، مهام ويليامز فقال إنها ستعمل على متابعة تنفيذ مسارات الحوار الليبي الثلاثة، السياسية والأمنية والاقتصادية، وكذلك تقديم الدعم لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.

ولكن ما أهمية عودة ويليامز أو غيرها كمبعوث دولي للأمم المتحدة في ليبيا؟

تكمن أهمية هذا المبعوث الدولي في أن المشكلة أو المعضلة الليبية، هي في الأساس وفي الشق الأكبر منها هي معضلة وتصفية حسابات دولية وإقليمية، تحاول فيها الأطراف المتصارعة تحقيق أجندة كل منها وتحصيل استراتيجيتها على الأرض الليبية محرضة الليبيين على التصارع.

فالثورة الليبية لم تنجح في الإطاحة بالقذافي الا بتدخل طائرات الناتو وقصفها قوات القذافي، كذلك كانت لمخابرات دول إقليمية دورا في تجميع الثوار في كتائب، ووضع الخطط وتسليحها لدخول المدن الليبية تباعا وعلى رأسها حينذاك طرابلس.

ثم جاء الانقلاب على الثورة الليبية بتدخل إقليمي عندما رأت بعض الدول الإقليمية خطورة في انتصار ثورات الشعوب العربية، وبدا لها أن هذه الثورات وصفة لجر المنطقة لفوضى لا تعرف عقباها، حينئذ أتوا بحفتر لكي يخرج عن منظومة الثورة ودخل في حرب أهلية تمكن خلالها من الاستيلاء على الشرق والجنوب الليبي وكادت أن تسقط طرابلس في يده، بمساعدة روسيا وفرنسا مع المحور الإقليمي الذي أتى به، وفي المقابل اختلط الأمر على الطرف الآخر فاستعان بتركيا بموافقة ضمنية أمريكية، لتعاني البلاد من حرب تصفية حسابات إقليمية ودولية بأذرع داخلية.

ولكن عدم استطاعة حسم كل طرف الموقف لصالحه، استلزم تدخل أممي لوقف الصراع والفوضى في دولة تمثل تقاطعات مصالح استراتيجية دولية، لا يسمح فيها بمثل هذه الفوضى.

ولكن لماذا ستيفاني ويليامز بالذات هي التي تم ارجاعها مرة أخرى إلى ليبيا من قبل الأمين العام للأمم المتحدة؟

للإجابة على هذا السؤال ينبغي الالمام ببعدين هامين:

خبرات ويليامز الشخصية، ثم دورها السابق في ليبيا.

خبرات ستيفاني ويليامز الشخصية

بالنسبة لحياتها ومسيرتها العلمية والأكاديمية، حصلت وليامز عام 1989 على شهادة الماجستير في الدراسات العربية من مركز الدراسات العربية المعاصرة بجامعة جورج تاون، وهي خريجة متميزة في الكلية الحربية الوطنية، وشهادة الماجستير في دراسات الأمن القومي في عام 2008، فضلا عن كونها متخصصة في شؤون الشرق الأوسط وتتحدث اللغة العربية.

شغلت في واشنطن منصب الموظف المسؤول المعنى بشؤون الأردن، ونائب مدير شؤون مصر والشام، ومدير مكتب المغرب العربي، وقبيل التحاقها بالعمل في وزارة الخارجية الأمريكية، عملت في القطاع الخاص في البحرين.

ويليامز، تتمتع بخبرة تزيد عن 24 عاما في الشؤون الدولية والمحلية، إذ تقلدت مناصب دبلوماسية عديدة في البعثات الأمريكية ففي العراق عامي 2016 و2017 وفى الأردن من عام 2013 حتى 2015، وفى البحرين من عام 2010 حتى 2013 إضافة إلى بلدان أخرى كثيرة، كل ذلك أهلها لكي تدرك طبيعة الصراع الدولي في المنطقة، وأيضا تفهمها لصراع المحاور والقوى الإقليمية.

فضلا على أنها تعرف اللغة العربية وتفهما جيدا، ولكنها تتحدث بها قليلا بصفة علنية في المؤتمرات الصحفية، خلاف جلسات المباحثات مع الليبيين فإنها تتفاهم معهم جيدا باللغة العربية وتعرف ما يريدون بدقة ومن ثم اقناعهم بما تريد.

 

خلطة استيفاني ويليامز

في مارس من العام الماضي، استقال المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة من منصبه، بعدما استنفد كل ما في جعبته من محاولات للتقريب بين الأفرقاء الليبيين، وبعد أن خدع رئيس وزراء حكومة الوفاق الليبية حينئذ فايز السراج وأفهمه أن حفتر يريد تقاسم السلطة، بعدها أعلن حفتر بدء الهجوم على طرابلس بمساعدة من الفاغنر الروسي.

ولتسيير أعمال البعثة، قررت الأمم المتحدة تعيين نائب رئيس البعثة الأميركية ستيفاني ويليامز مبعوثة دولية بالإنابة مؤقتا، حتى تتفق القوى الدولية المتنازعة على الملف الليبي على اسم مبعوث جديد.

أي أن ويليامز جاءت في لحظة انهيار لجهود الأمم المتحدة، وفشل للمبعوث السابق بصرف النظر عن تعمده أو انخداعه.

لذلك صاغت ويليامز استراتيجيتها في المرحلة الجديدة والتي بدأت من مارس 2020، حتى رحيلها عندما تمكنت من تشكيل حكومة وحدة وطنية، اعترفت بها جميع الدول الإقليمية والدولية والمتداخلة في الصراع، ورضيت عنها أيضا الأطراف الليبية المتصارعة، وتعجب الكثيرون كيف استطاعت تلك المرأة من حل نزاع معقد مثل الصراع الليبي خلال عام واحد، في وقت أخفق ستة مبعوثين دوليين سبقوها في المحاولة.

لقد قامت استراتيجية ستيفاني ويليامز على عدة محاور أهمها:

1- انتظار اللحظة المناسبة، وهي التي اللحظة التي يعجز فيها كل طرف عن الحسم العسكري، حينها تتدخل الدبلوماسية لتحل الإشكالية، وهذا ما حدث بالفعل عندما تدخلت تركيا ونجحت في اجبار قوات حفتر على التراجع، لتمكين حكومة الوفاق الليبية من الغرب الليبي كله، ثم عجزت حكومة الوفاق بمساعدة تركية عن الوصول الى الشرق الليبي بعد التدخل الروسي بقوة في سرت والجفرة، واستغلت ويليامز فرصة أن جميع الفرقاء باتت تدرك أن الحل العسكري مستحيل لحسم صراعها الدامي.

2- استغلال الأوراق والضغوط الأمريكية على جميع الأطراف، لإجبار الفرقاء على التنازل عن بعض مطالبهم للوصول الى صيغة وسط مقبولة من جميع الأطراف، فتواصلت في الداخل الليبي مع حفتر والسراج والقوى السياسية الأخرى ولم تقص أي طرف، كما قامت بزيارات مكوكية الى عواصم الدول المتداخلة في الشأن الليبي سواء دول الجوار أو الدول الكبرى والمؤثرة كروسيا أو ألمانيا وفرنسا وإيطاليا.

فالجنسية التي تحملها المبعوثة الأممية لعبت دورا كبيرا في استجابة الأطراف الليبية لمساعيها، عكس ما فعلوا مع سابقيها، وهذا ما يفسر إصرار السكرتير العام للأمم المتحدة على الاتيان بمبعوث أمريكي لهذا الدور.

3-  اعتمدت ويليامز ثلاثة مسارات لتتحرك من خلالهم ولم تقتصر على مسار واحد، فاعتمدت مسار سياسي واقتصادي وعسكري، ففي المسار العسكري استطاعت تشكيل لجنة خمسة + خمسة تضم كبار القادة العسكريين من الجانبين لتثبيت وقف اطلاق النار ومحاولة توحيد الجيش الليبي، وفي المسار الاقتصادي نجحت في اقناع حفتر بفتح موانئ النفط وإعادة تصديره بعد توقف دام شهورا، الأمر الذي أنعش اقتصاد البلاد الذي كان على حافة الانهيار، وفي المسار السياسي انتزعت من الأطراف الموافقة على تشكيلة من مجلسي الرئاسي والوزراء اللذان حازا بجهودها على اعتراف دولي.

4-  ولكن أخطر استراتيجية مارستها ستيفاني ويليامز هي محاولة لبرلة المجتمع الليبي أي جره نحو الليبرالية بإيجاد طبقة من الليبيين، باتت تؤمن بضرورة ما أطلقوا عليه تحديث المجتمع الليبي ودفعه باتجاه المفاهيم الغربية.

فهل تنجح ستيفاني في ذلك؟

لا أعتقد ذلك لأن المجتمع الليبي معروف بأنه من أكثر المجتمعات العربية تدينا، ويتجذر الإسلام فيه بقوة، وأكثر نسبة من حفاظ القرآن بمقارنة بعدد السكان تتواجد في ليبيا، والشعب الليبي كما تصدى للغزو الأجنبي العسكري، ونجح في اقصاء ديكتاتور مثل القذافي قادر على التصدي لمحاولات تغيير هويته وانتمائه العقدي والحضاري.

أعلى