القولبة اليهودية للعملية السياسية الأمريكية وتسخيرها لخدمة أهداف اليهودية، تجربة هي الأكثر مكراً في العلوم السياسية
لم يختر مستشار الرئيس الأمريكي الأسبق جيرارد كوشنر الخوض في غمار تجربة سياسية
ضخمة مع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، لمجرد الحصول على رفاهية المنصب
للتكسب الشخصي بقدر ما أكدت خطواته الفعلية أنه كان يهودياً مخلصاً لهويته الدينية
ومستميتاً في الدفاع عنها مقابل مساحة واسعة من الخلافات الإسلامية والعربية
الداعية للتسامح والتشكيك في أصول الهوية الإسلامية لقولبتها بما يتناسب مع ظاهرة
"التسامح" التي يعول عليها البعض لنفي صفة "الإرهاب" المبتدعة عن الحضارة الإسلامية
بكل مكوناتها لإرضاء أتباع " الإبراهيمية".
كوشنر كيهودي على العكس تماماً من قائمة المتأسلمين الذين يتملكهم دائماً الشعور
بالنقص أمام الأديان الأخرى وهذا الأمر قد يكون واقعاً فرضه الجهل أو الضعف، لذلك
سنترك مجارتهم ومناقشتهم في ما يسوقون إليه ونركز على ماقدمه كوشنر وعائلته خلال
توليه منصب مستشار الرئيس ترامب وماقبله لديانته اليهودية ومشروعها الإستيطاني في
فلسطين، فهو صنيعة مدرسة ثانوية يهودية أرثوذكسية في شمال نيوجيرسي، وهي نفس
المدرسة التي أرسل تلامذتها رسائل شكر للرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب عقب
إعترافه بــ" القدس المحتلة" عاصمة للدولة العبرية. وبحسب تقرير نشرته صحيفة هأرتس
العبرية فإن تلك الرسالة صاغها الحاخام المتطرف "ديفيد شير"، فما جاء في الرسالة
حقيقة لا يمكن نفيها تتعلق بقدرة المدارس اليهودية التي يديرها طائفة من الحاخامات
اليهود الأكثر تطرفاً، على التأثير في الأحداث السياسية لصالح المشروع الإستيطاني
اليهودي في فلسطين. وبحسب الصحيفة فإن المدارس اليهودية تركز على تدريب طلابها على
دعم "إسرائيل" و الاستثمار في المنظمات اليهودية لمكافحة حركات المقاطعة والتصدي
للعقوبات التي تفرض على الدولة العبرية.
أحد هذه النماذج مؤسسة "آفي تشاي"، وهي أبرز المنظمات اليهودية الداعمة للمدارسة
اليهودية وتضع على موقعها الرسمي تعهداً يشترط على جميع المدارس التي تحصل على دعم
منها أن تلتزم به وينص على " أن تسعى جميع المدارس إلى غرس الإرتباط في طلابها
بدولة إسرائيل وشعبها والشعور بالمسؤولية تجاه رفاهيتهم".
إستيفاءً لما سبق يقول سيفان زكاي، أستاذ التربية اليهودية في المعهد اليهودي بلوس
أنجلوس الأمريكية، إن معظم الدارس اليهودية تركز على التضامن العام مع "إسرائيل"
بدلاً من اتخاذ موقف محدد داخل الطيف السياسي الإسرائيلي.
وتحظى تلك المدارس بدعم سخي من العائلات اليهودية الغنية سواء في الولايات المتحدة
أو غيرها، فالمؤسسة الخيرية لوالدي جاريد كوشنر، تبرعت بسخاء لمجموعة مؤسسات ومدارس
في المستوطنات الإسرائيلية بالضفة المحتلة، ووفقاً لتقرير نشرته "هأرتس" فإن مؤسسة
تشارلز وسيريل كوشنر تبرعت ببضعة ملايين من الدولارات سنويًا لمؤسسات خيرية يهودية،
مثل تبرعها بــ20 ألف دولار لجمعية أصدقاء بيت اليشيفا الأمريكية في عام 2013،
وكذلك مبالغ مماثلة لمؤسسة تدريب المعلمين في كلية هرتسوغ بمستوطنات غوش
عتصيون،وتعهدت بتقديم 18 مليون دولار لمركز شعاري تسيديك الطبي في القدس المحتلة.
وتبرعت بــ315 ألف دولار للجيش الإسرائيلي.
القولبة اليهودية للعملية السياسية الأمريكية وتسخيرها لخدمة أهداف اليهودية، تجربة
هي الأكثر مكراً في العلوم السياسية، فقبل أيام قليلة من نقل السفارة الأمريكية إلى
القدس المحتلة، وأثناء شغله منصب السفير الأمريكي في "إسرائيل"، كان ديفيد فريدمان،
يرأس مركز أصدقاء بيت اليشيفا، الممول الرئيس لمنظمة كوميميوت اليهودية المتطرفة
والذي بدوره يحصل على الدعم من عائلة كوشنر، وهي منظمة متطرفة يديرها أشخاص يعتنقون
فكر الإرهابي المتطرف مائير كاهانا. وتدعم عائلة كوشنر أيضاً مدرسة "اود يوسف تشاي"
الدينية وهي في الضفة المحتلة يرئسها الحاخام يتسحاق شابيرا مؤلف كتائب "شريعة
الملك، وهو يدعو إلى قتل العرب ويستبيح أموالهم..
وليس عائلة كوشنر وحدها تدعم التطرف الديني في الدولة العبرية بل في عام 2013 منحت
ملكة إنجلترا، إليزابيت الثانية، الحاخام اليهودي المتطرف إسحاق شابيراً، نجل
الحاخام أبراهام يوسف شابيرا، وسام الإمبراطورية البريطانية لدوره في "تقوية
العلاقات بين المملكة المتحدة والمجتمع اليهودي الحريدي"!.