تبقى صور البذل والعطاء للمرأة المسلمة مشرقة
منذ بداية الدعوة الإسلامية وحتى يومنا هذا ، ومن فينا ينسى ذلك الموقف الرائع لأم
المؤمنين عائشة بنت الصديق -رضي الله عنهما- حين أتتها خادمة لها بمائة ألف
ففرقتها في يوم واحد وكانت صائمة في ذلك اليوم ، فقالت لها الخادمة : أما استطعت
فيما أنفقت أن تشتري بدرهم لحماً تفطرين
عليه ، فقالت : لو كنت ذكرتني لفعلت[1]
.
ومَنْ يتجاهل جُود النساء بُحليّهن حين بعثن
به يعن به المسلمين في جهازهم يوم العسرة .
ولا زالت صور المرأة للإنفاق في سبيل الله
ناصعة مشرقة يشهد لها لذلك ما تستقبله المعارض والأسواق والمؤسسات الخيرية اليوم
من بذلهن وعطائهن ،خاصة إذا عرفنا أن المرأة ذات عاطفة قوية تدفعها للبذل والعطاء
، وتجعلها أكثر إحساساً بغيرها من الضعفاء
والمعوزين ، لكنها فقط تحتاج لتذكير ، تحتاج المرأة في هذا العصر إلى من يقف بين حين وآخر ليحدثها
ويرغبها في الخير والعطاء ،وتحتاج لمن يحكي لها أحوال أخواتها المسلمات المحتاجات
ويذكرها بواجبها تجاهن ،وكلما ازداد تأكيد ذلك بالصوت والصورة ازدادت بذلاً وعطاء
. ومسألة التذكير هذه تحتاج هي الأخرى لمن يؤكد عليها وينبه لها ، لقد أغفل الدعاة
أمر التذكير - إلا من رحم الله - ونسوا
أننا في زمن ضعفت فيه القلوب ، وطغت عليها جوانب الحياة المادية ، وتعلقت بالدنيا
الفانية وأشربت حبها .
وإذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
يقف بنفسه ليعظ النساء ويذكرهن ، ويحثهن على الصدقة
ويخصصهن بذلك في مجلس منفرد ، قائلاً : ( يا معشر النساء تصدقن وأكثرن الاستغفار
فإني رأيتكن أكثر أهل النار .. )[2]
مع أنه في زمن هو خير القرون ، ونساؤه أفضل
النساء وأتقاهن والقلوب هناك معلقة
بالآخرة . فما أشدَّ حاجتنا لمذكرين ناصحين في زمن قل فيه المذكرون
المخلصون وكثرت فيه الفتن ، وسايرت أحوال المسلمين وخارت قواهم وصاروا مستضعفين
،ونجحت فيه مخططات الأعداء لإفساد المرأة المسلمة وإشغالها عن قضايا أمتها - ولا
حول ولا قوة إلا بالله .
إن على الدعاة وأهل الخير وأصحاب المؤسسات
الإسلامية الإغاثية والدعوية أن تسعى جميعاً لإيصال الصورة الصادقة لأحوال
المسلمين وجراحاتهم في العالم الإسلامي والتي يكاد كثير من نسائنا لا يعرفن عنها
شيئاً ، وعليهم أن يستخدموا في ذلك وسائل العرض المؤثرة لإيقاظ النفوس الغافلة
وحفز الهمم الفاترة لرفع الذل والمهانة عن المستضعفين المضطهدين من أبناء المسلمين
، وإن استجابة الناس واستماعهم لداعي الخير كما هو مشاهد ليعطينا وثيقة صادقة
بتقصيرنا في حق إسلامنا وفي العمل لديننا ، فإلى متى يبقى العمل الإسلامي محتاجاً
لقلوب أبنائه الحانية وإلى عروقهم النابضة بالعطاء ، وسواعدهم القائمة بالبناء ،
وأرواحهم
المقدمة له فداء ؟ !
(1) الإصابة في تمييز الصحابة
لابن حجر 4/350 .
(2) رواه مسلم 11/86 .