يعتني
أهل التجارة بمواسم تدر عليهم ما لا تدره غيرها ؛ ولذا تشكل هذه المواسم مصدراً
مهماً من مصادر التجارة ، بل إن كثيراً من تجار
المسلمين يحصلون في موسم الحج ورمضان أضعاف ما يحصلونه في غيرهما ، وبوّب البخاري
رحمه الله في صحيحه (باب : التجارة أيام الموسم والبيع في أسواق الجاهلية) .
وإذا
كان التاجر قد يضحي بفرص كثيرة حاشا فرص المواسم ؛ فالدعاة إلى الله تبارك وتعالى
أوْلى وأحرى بأن يحرصوا على استثمار المواسم واغتنامها في نشر دعوتهم ، وألا
يفرطوا فيها ؛ وها هو الداعية الأول -صلى الله عليه وسلم- يستثمر فرصة اجتماع
الناس في الحج ليعرض عليهم دعوته ، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : كان
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعرض نفسه على الناس في الموسم فيقول : (ألا رجل
يحملني إلى قومه ؛ فإن قريشاً قد منعوني أن أبلغ كلام ربي) [1] .
وعن
ربيعة بن عباد الديلي قال : رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يطوف على الناس
بمنى في منازلهم قبل أن يهاجر إلى المدينة يقول : (يا أيها الناس ! إن الله عز وجل
يأمركم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً) قال : ووراءه رجل يقول : هذا يأمركم أن
تَدَعوا دين آبائكم ، فسألت : مَنْ هذا الرجل ؟
فقيل : هذا أبو لهب [2] .
وثمة
جوانب ومجالات عدة تفتح أمام الدعاة في رمضان
لا تفتح أمامهم في غيره ؛ فالقلوب تصبح أقل قساوة وأكثر قرباً إلى الله تبارك
وتعالى منها في غير رمضان ، ولذا نرى الرجل
الفاسق المعرض ، المسارع في الكبائر تتغير أحواله في رمضان
.
وفي رمضان
يكثر مرتادو المساجد أكثر مما في غيره .
وفي
رمضان يصبح الناس أكثر إصغاءاً وإقبالاً
على الموعظة منهم في غيره .
وفي
رمضان يكثر توافد الناس على بيت الله
الحرام لأداء مناسك العمرة ، مما يتيح
فرصة للخير لأهل البلد الحرام والوافدين عليه ، بل يتيح فرصة لكافة الدعاة في
استثمار هذا الجانب ومرافقة من يريدون دعوته لأداء العمرة ؛ فيتيح السفر لهم ما لا
يتيحه غيره .
وفي
رمضان يقبل الناس على إخراج الزكوات
والصدقات فيكون ذلك فرصة الدعاة في حث الناس وتوجيه الأموال للمصارف المجدية
المفيدة ، وتعد مشاريع تفطير الصوّام ميداناً للإحسان إلى الناس ورعايتهم ، ويمكن
أن يضم لذلك برامج دعوية وتوجيهية .
ويتيح
قدوم المرأة للمسجد في رمضان فرصة لخطاب
شريحة واسعة لم يكن يتيسر خطابها قبل ذلك ؛ فثمة فئة واسعة من النساء لا تأتي إلى
المسجد إلا في صلاة التراويح في رمضان .
إن
كثيراً من المسلمين يعتنون بالصيام أكثر من غيره ولا يفرطون فيه ، بل إنك ترى فئة
كبيرة منهم يصوم وإن كان لا يشهد الصلاة مع المسلمين .
والصيام
يكشف عن جوانب مهمة في النفوس من القدرة على الامتثال ،والقدرة على ضبط النفس والسيطرة
على شهواتها .
وكثرة
أسئلة المسلمين عن أحكام الصيام وعنايتهم بها يكشف جانباً من الخير .
ألا يمكن أن يستثمر ذلك كله في خطاب المسلمين وإقناعهم بأن ثمة جوانب
كامنة في نفوسهم ينبغي أن ينطلقوا منها إلى تصحيح واقعهم ؟
إن مثل هذه الفرص ينبغي أن تدعونا إلى توسيع دائرة الخطاب وموضوعه ؛ فلا يقتصر على
مجرد حث الناس على استثمار رمضان ، وتلاوة
القرآن ، وصلاة التراويح فقط ، فمع أهمية هذه الأمور وضرورة الحديث عنها ، إلا أن
هناك ما لا يقل عنها أهمية ووجوباً في حياة المسلمين كالتوبة ، وإصلاح القلوب ،
واجتناب الموبقات ، وأداء ما أوجب الله تبارك وتعالى وغير ذلك .
(1) رواه الترمذي ، ح/2925 ، وابن ماجه ، ح/201 ، وأبو داود (4734)
.
(2) رواه أحمد ، ح/15594 .