قال شيخ الإسلام ابن تيمية في ( العقيدة الواسطية ) : « من تدبر القرآن طالباً للهدى
منه تبيّن له طريق الحق » .
الحياة مع القرآن لها طعم خاص ، وإحساس خاص ، لا يدرك حقيقة تلك الحياة القرآنية إلا
من أنار الله بصيرته فوفقه للتأمل في آياته ، والتفكر في كلامه المنزّل على خير
خلقه ، وصفوة رسله صلى الله عليه وسلم .
إن تدبر القرآن عبادة حثنا الله عليها لما تشتمل عليه من حِكَم وفوائد تربي المسلم
وتأخذ بيده لالتماس الخير واقتباس الدروس والعِبَر .
فمن حِكَم التدبر :
- أنه يدفعك للعمل بقناعة ويقين .
- يجعلك مرهف الذوق رقيق الحسّ .
- يفتح لك أبواب البيان وسبل الإبداع في العمل والدعوة .
وحين تتدبر القرآن الكريم وأنت تتلوه في هدأة الليل وصفاء الكون تأتيك حقائق ، وتنكشف
لك أسرار تزيدك إيماناً بأنه كلام المولى - تعالى - منه بدأ وإليه يعود ، وتضيء لك
أنوار الحق ، وتنبثق أفكار الهداية وأنت تقرأ فيه قصص الأنبياء والأمم السابقة ،
تكون لك عوناً على الثبات والدعوة والجهاد .
ومن فوائده أنه ميسّر لكل تالٍ وحافظ { وَلَقَدْ
يَسَّرْنَا القُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } (
القمر : 17 ) ، ويربطك بالحياة ويعالج مشكلاتها : { وَأَنزَلْنَا
إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ } ( النحل : 44 ) ، ويهبُك فطنة وذكاءً وسرعة بديهة { إِنَّ
الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا
رَزَقْنَاهُمْ سِراًّ وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ *
لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ }(فاطر:29-30).
ألا ترى معي إلى ذلك الصبيّ وهو يترنم بآيات من الكتاب العزيز يتلوها
ويستظهرها في حِلَق التحفيظ ولمَّا يصل سن البلوغ بعدُ ، وقد استظهر آيات تتعلق
بأحكام الطلاق والنكاح ، وأخرى بالغنائم والقتال .. ونحو ذلك مما قد يُشكِلُ عليه
فهم معانيها لكنه ميسّر له حفظها وتلاوتها .
إنه أمر يدعو إلى التأمل في عظيم هذا الكتاب المعجز ، والحث على
العيش مع آياته وتوجيهاته بتدبر وتفكر ، وقد قال أحد محفِّظي القرآن من باكستان مرة
: « والله ما تدبرنا القرآن وتذوقنا حلاوته حتى تعلمنا العربية والتفسير » .