ثبت
عنه -صلى الله عليه وسلم- أن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قلّ ، وأخبر : (أن أحب
الدين إلى الله ما داوم عليه صاحبه) [1]
وكان
هديه -صلى الله عليه وسلم- المداومة على العمل ، وكان -صلى الله عليه وسلم- إذا عمل
عملاً أثبته [2]
،
وحين سئلت عائشة رضي الله عنها عن عمله -صلى الله عليه وسلم- قالت : كان عمله ديمة
[3] .
والعمل
الذي يداوم عليه صاحبه ، مع أنه أحب إلى الله تبارك وتعالى وأنه هدي النبي ؛ ففيه
ما أخبر عنه بقوله : (إذا مرض العبد أو سافر كُتِبَ له مثل ما كان يعمل مقيماً
صحيحاً ) [4]
، وهذا إنما يتأتى لمن له عمل يداوم عليه .
ويتحدث أرباب السلوك عن هذا الحديث ومعانيه ، ويمثلون له كثيراً بالصلاة والذكر
والصيام والصدقة ، ولا شك أن هذه الأعمال أوْلى ما تدخل فيه ، بل هي تدخل فيه
بالنص .
لكن
: ألا يمكن أن
يستضيء الدعاة إلى الله تبارك وتعالى في دعوتهم بمعاني هذا الحديث ويتمثلوها ؟
ويعلموا أنه ما دام أن أحب العمل إلى الله أدومه ؛ فالدعوة إليه تبارك وتعالى وهي
من أفضل الأعمال ، ينبغي أن تسلك هذا المسلك . والمداومة في الدعوة تعني معاني عدة
، منها :
1- أن يكون للدعوة عموماً أهدافٌ واضحة محددة ،
لا أن تكون خطوات مرتجلة مبعثرة .
2- أن لا تكون الدعوة مجرد ردود فعل لمواقف
معينة ؛ إذ يتوجب أن تأخذ ردود الأفعال موقعها الطبيعي ؛ فلا تكون مصدراً لرسم
برامج الدعوة وأهدافها .
3- أن لا تكون الدعوة دعوة مواسم ومناسبات ، أو
محصورة بأوقات فراغ الداعية وإجازاته ، بل ينبغي أن تكون جزءاً أساساً من وقته ،
ليسمع الناس داعي الخير في كل زمان ومكان .
4- لزوم الداعية موقعه والمحافظة عليه ؛ ذلك أنه
تبدو أمامه كل وقت مجالات وفرص متعددة هنا وهناك ، وحين يتاح له موقع من المواقع
يسد فيه ثغرة ، فينبغي أن يحافظ عليه ،
ولا يجاوزه إلا لمصلحة ظاهرة ، أما أولئك الذين ينتقلون كل يوم من ميدان إلى آخر
فما أقلّ إنتاجهم .
5- عدم احتقار الميادين المهمة التي لها أثر
عميق لكنه غير عاجل الثمرة ، كميادين التربية والبناء ، فهي وإن قلّ أثرها القريب
الظاهر ، إلا أنها ضرورة لا غنى للدعوة عنها . والذي يعي مفهوم المداومة يرى أنه
ليس بالضرورة أن تكون الأعمال ذات الأثر العاجل السريع خيراً منها وأوْلى .
ومما
يتأكد على الدعاة إلى سبيل الله تبارك وتعالى في ميدان المداومة : أن يكون لأحدهم
نصيب وقدر من العمل الصالح ، من الصلاة والذكر والتلاوة والصيام والصدقة وإن كان
قليلاً لا يخلّ به ؛ فهم أحوج الناس للصلة بالله تبارك وتعالى ، ولهم في ذلك أسوة
بنبيهم محمد .
(1) رواه مسلم ، ح/785 .
(2) رواه مسلم ، ح/746 .
(3) رواه البخاري ، ح/1987 .
(4) رواه البخاري ، ح/2996 .