• - الموافق2024/12/21م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
هل يصمد اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل

بالتزامن مع الحديث عن اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه بين لبنان وإسرائيل برعاية أمريكية، كثرت التوقعات حول مدى صمود هذا الاتفاق المؤقت بمدة 60 يومًا لحين الانتقال إلى اتفاق طويل الأمد في حال التزام الطرفين بما حمله هذا الاتفاق من شروط ملزمة.


رغم ما أحاط بهذا الاتفاق من عوامل التفاؤل فإن عوامل عدم استمراره ليست بالقليلة في ذات الوقت، ومن هذا المنطلق سنتجول معًا حول شروط هذا الاتفاق ومستقبله على أرض الواقع من خلال ما يحكيه لنا الميدان بعد مرور أيام من بدء سريانه، في محاولة لفهم طبيعة المرحلة القادمة من الصراع بين حزب الله وإسرائيل.

نهاية أم استراحة محارب؟

حظي اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله اللبناني بدعم من كلا الطرفين، حيث قبل به أصحاب القرار في الكيان الصهيوني، كما رضي به قادة حزب الله، ومن ثم كان الاتفاق الذي بدأ سريانه بعد توسط الولايات المتحدة بين الطرفين.

وتثير هذه المواقف الأولية الآمال بوقف الحرب، ولكنها في ذات الوقت تجدد الأسئلة الصعبة في منطقة تجتاحها الصراعات، ولذلك يرى مراقبون أن الاتفاق الذي دخل حيز التنفيذ منذ أيام قليلة قد يهدئ بشكل مؤقت التوترات التي أشعلت المنطقة، إلا أنه قد لا يفعل الكثير بشكل مباشر لحل الحرب الأكثر دموية التي اندلعت في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023.

لذلك يعتقد المراقبون أن وقف إطلاق النار يوفر الراحة لكلا الجانبين، مما يمنح جيش إسرائيل المنهك استراحة، ويسمح لقادة حزب الله بالتفاخر بالحفاظ على أرضهم، على الرغم من الخسائر الهائلة التي منيت بها.

بدء السريان   

بدأ وقف الأعمال القتالية صباح الأربعاء 27 نوفمبر 2024، مع إلزام إسرائيل بالتوقف عن تنفيذ أي عمليات عسكرية ضد الأراضي اللبنانية، بما في ذلك استهداف المواقع المدنية والعسكرية ومؤسسات الدولة اللبنانية برًا وبحرًا وجوًا، وعلى الجانب الآخر توقف كل الجماعات المسلحة في لبنان وعلى رأسها حزب الله وحلفائه- عملياتها ضد إسرائيل.

انسحاب قوات الطرفين

اشترط الاتفاق انسحاب الجيش الإسرائيلي تدريجيًا من جنوب لبنان على أن يكمل انسحابه في أجل لا يتعدى 60 يومًا، مع ضمان بدء عودة المدنيين النازحين من الجانبين إلى ديارهم، كما تضمن الاتفاق نصوصًا تحفظ حق لبنان وإسرائيل في الدفاع عن النفس.

كما اشترط الاتفاق أن ينسحب حزب الله إلى شمال نهر الليطاني، الذي يبعد نحو 30 كيلومترًا شمالي الحدود مع إسرائيل، بالإضافة إلى نشر الجيش اللبناني قواته في جنوب الليطاني (نحو 10 آلاف جندي) بما يشمل 33 موقعًا على الحدود مع إسرائيل.

آلية المراقبة

تشرف على مراقبة تنفيذ الاتفاق آلية ثلاثية قائمة مسبقًا بين قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان "اليونيفيل" والجيش اللبناني والجيش الإسرائيلي، وسيجري توسيعها لتشمل الولايات المتحدة وفرنسا، وسترأس واشنطن هذه المجموعة.

سيتم الإبلاغ عن أي انتهاكات محتملة لآلية المراقبة، وستحدد فرنسا والولايات المتحدة معًا ما إذا كان قد حدث انتهاك أم لا، حسب المعطيات والمؤشرات الميدانية المصاحبة لهذه الانتهاكات.  

 

وقف إطلاق النار في لبنان هش ومُتباطئ بشكل متعمد؛ لمنح إسرائيل مزيدًا من الوقت لتحقيق الأهداف، وعندما تنتهي مدة الـ 60 يومًا، سيكون "ترامب" قد عاد إلى البيت الأبيض، وستتغير المواقف فالرجل هدد الشرق الأوسط بالحرق.

الدعم الأمريكي والفرنسي

ذكرت وسائل إعلام غربية أن الاتفاق ينص على أمور من أبرزها، أن يقدم الجيشان الأمريكي والفرنسي دعمًا عسكريًا للجيش اللبناني، بجانب اعتراف إسرائيل ولبنان بأهمية القرار 1701 والتشديد على أن الالتزامات التي ينص عليها لا تنفي حق الطرفين في الدفاع عن النفس بما يتفق مع القانون الدولي.

ومما جاء بنصوص الاتفاق أن يتم تفكيك كل المنشآت العسكرية غير المرخصة والمعنية بصناعة السلاح في لبنان، ومصادرة جميع الأسلحة غير المرخصة بدءًا من منطقة جنوب الليطاني.

وبالتوازي مع ذلك تعتزم الولايات المتحدة وفرنسا قيادة الجهود الدولية لدعم بناء القدرات والتنمية الاقتصادية في جميع أنحاء لبنان لتعزيز الاستقرار والازدهار في المنطقة.

التوتر سيد الموقف

لم يجلب اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان الهدوء المنشود خصوصًا بالنسبة إلى جنوب لبنان الذي لا يزال مسرحًا لتوتر متصاعد، في ظل استمرار التحركات العسكرية الإسرائيلية المترافقة مع قصف مدفعي وإطلاق نار في مواقع متفرقة، وهو ما يضعه الجيش الإسرائيلي في إطار التصدي للخروق حسب ما يسمح به الاتفاق.

لكن هناك سوء فهم بشأن هذه الترتيبات، فالجيش الإسرائيلي حدد المواقع التي منع اللبنانيين من الوصول إليها، وربط انسحابه بعد 60 يومًا في حال تم الالتزام ببنود الاتفاقية، وكشف الجيش اللبناني عن "خروقات إسرائيلية" وحوادث إطلاق نار استهدفت لبنانيين في جنوب البلاد رغم حصولهم على أذونات أمنية وموافقة قوات اليونيفل.

وتعد المشكلة الأبرز في هذا الوضع المتأزم هي تبادل الاتهامات بين إسرائيل وحزب الله بشأن تورط الحزب بتحريك منصات إطلاق الصواريخ من جهة، وإطلاق الجيش الإسرائيلي النار على اللبنانيين العائدين إلى مناطقهم من جهة أخرى.

معادلة نتنياهو

النجاح العسكري هو واحد من عوامل عدة اجتمعت لإقناع نتنياهو بأن الوقت قد حان للتوقف، حيث إن أجندة إسرائيل في لبنان أقل طموحًا مقارنة بغزة وبقية الأراضي الفلسطينية المحتلة، فهي تهدف إلى دفع حزب الله بعيدًا عن حدودها الشمالية والسماح للمدنيين بالعودة إلى البلدات في الشمال، وإذا قرر حزب الله أن يهاجم مجددًا، فإن إسرائيل لديها رسالة من الأمريكيين مفادها أنه يمكنها اتخاذ إجراءات عسكرية.

وفي بيان مسجل أعلن نتنياهو الأسباب التي جعلت الوقت مناسبًا لاتخاذ قرار وقف إطلاق النار، وقال: "إن إسرائيل جعلت الأرض تهتز في بيروت، والآن هناك فرصة لإعطاء قواتنا قسطًا من الراحة وتجديد المخزون".

استطاعت إسرائيل قطع الارتباط بين غزة ولبنان، فبعد أن أمر "حسن نصرالله" بشن هجمات على شمال إسرائيل في اليوم التالي للسابع من أكتوبر من العام الماضي، صرح بأن هجماته ستستمر حتى يتم التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة، والآن يصرح نتنياهو بأن حماس في غزة ستكون تحت ضغط أكبر، ويرى نتنياهو أن الفلسطينيين أنفسهم أصبحوا يخشون من تصعيد آخر في الهجوم الإسرائيلي على غزة.

وكان هناك سبب آخر خلف قرار نتنياهو لقبول هذا الاتفاق، وهو التركيز على ما سمّاه "التهديد الإيراني"، فإلحاق الضرر بحزب الله يعني إلحاق الضرر بإيران، إذ أن الحزب تأسس على يد الإيرانيين لخلق تهديد على حدود إسرائيل، وقد أصبح "حزب الله" أقوى جماعة في محور المقاومة الإيراني.

علاقة وثيقة

إن الولايات المتحدة هي جزء من هذا النزاع وبالتالي لها مصلحة كبيرة في وقف إطلاق النار، وهذا المبدأ تطبقه إدارة الرئيس "جو بايدن"، وستعتمده إدارة الرئيس المنتخب "دونالد ترامب".

ولذلك يتضح أن تنسيق الولايات المتحدة مع الجهات ذات العلاقة أمر مهم جدًا ويخدم جهود إنجاح ترتيبات وقف اطلاق النار، كما أن الولايات المتحدة ستراقب الوضع وتحدد الجهات المتورطة بارتكاب الخروق من قبل الجيش اللبناني أو إسرائيل أو حزب الله.

وبما أن الولايات المتحدة في نهاية المطاف هي حليف لإسرائيل والعلاقة بين الطرفين هي الأقوى مقارنة بأي طرف آخر في المنطقة، فإن إسرائيل سوف تسعى دائمًا للاستفادة من هذه العلاقة، ومن المعلوم أن الولايات المتحدة لا ترغب في استمرار الحرب في لبنان وسوف تضغط على إسرائيل لتحقيق ذلك.

أما بشأن تهديدات رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" بإمكانية استمرار الحرب رغم اتفاق وقف إطلاق النار، فهذا يرجع إلى أن نتنياهو له حسابات سياسية ولا يريد أن يظهر للعالم على أنه "دمية" بيد الولايات المتحدة، لذلك سيقوم بالكثير من الضجيج والتهويل حول استقلاليته في اتخاذ القرارات، ليظهر أمام العالم بمظهر القائد الذي يتخذ قراره من تلقاء نفسه.

خروقات بالجملة

ارتكب الجيش الإسرائيلي يوم الجمعة الماضي وحده 14 خرقًا لاتفاق وقف إطلاق النار، ليرتفع إجمالي خروقاته منذ فجر الأربعاء الماضي إلى 32، وفق حصيلة أعدتها وكالة الأناضول استنادًا إلى بيانات وكالة الأنباء اللبنانية.

ووفق أخبار متفرقة نشرتها الوكالة وبيان للجيش الإسرائيلي، تركزت خروقات الجمعة بقضاء مرجعيون في محافظة النبطية وقضاء صور في محافظة الجنوب، وتنوعت بين قصف بالمدفعية والدبابات والطيران الحربي، وإطلاق نار من أسلحة رشاشة، وتوغلات وتجريف أراض ومنازل واقتلاع أشجار زيتون، وتحليق للطيران المسير والاستطلاعي.

وعلى سبيل المثال ففي قضاء "مرجعيون" قصفت دبابة إسرائيلية من نوع ميركافا أحد المنازل في بلدة برج الملوك أثناء عودة صاحبه إليه لتفقده لكنه نجا بأعجوبة، وفي بلدة "كفركلا" قامت جرافات تابعة للجيش الإسرائيلي بعملية تجريف لأراض زراعية واقتلاع أشجار الزيتون بمنطقة العبارة.

وفي بلدة "الخيام" توغلت 4 دبابات إسرائيلية في الحي الغربي، فيما سقطت قذيفة مدفعية إسرائيلية بها، كما أطلق الجيش الإسرائيلي النار على مواطنين خلال تشييعهم أحد أبناء البلدة.

والجدير بالذكر أن الجيش الإسرائيلي قد منع سكان نحو 62 بلدة في جنوب لبنان من العودة إلى قراهم حتى إشعار آخر، في ظل مواصلة انتهاكه وقف إطلاق النار في المنطقة.

نزوح من الجانبين

بعد أشهر من دوي صفارات الانذار وصواريخ حزب الله، استعادت مستوطنة "كريات شمونة" في شمال إسرائيل هدوءًا نسبيًا مع وقف إطلاق النار، لكن شوارع هذه البلدة القريبة من الحدود يطغى فيها التوتر من حين لآخر، ويؤكد سكانها أنهم لن يعودوا للإقامة فيها بشكل دائم ما لم يتحقق بها أمان تام، وقد نزح غالبية سكان كريات شمونة منذ بدء التصعيد بين إسرائيل وحزب الله.

تسبّب التصعيد منذ بدايته بين الطرفين قبل نحو 13 شهرًا، بحركة نزوح واسعة من المناطق الواقعة على جانبي الحدود، ومع بدء سريان وقف إطلاق النار امتلأت  الطرق في لبنان بالنازحين العائدين إلى منازلهم، خصوصًا في الجنوب الحدودي مع إسرائيل.

أما على الجانب الإسرائيلي فقد أبدت الحكومة رغبتها في عودة السكان إلى المناطق الشمالية من دون تشجيعهم على ذلك في الوقت الراهن، وهو ما أكده المتحدث باسم بلدية كريات شمونة بتصريحه أن السكان لم يعودوا ولن يقوموا بذلك طالما لم يتم الإعلان رسميًا عن نهاية الحرب.

كلمة أخيرة

وقف إطلاق النار في لبنان ليس بالضرورة تمهيدًا لوقف مشابه في غزة، إذ إن معادلة غزة مختلفة من عدة جوانب، فالحرب فيها تتعلق بأكثر من مجرد أمن الحدود أو عودة الرهائن الإسرائيليين؛ لأنها أصبحت مسألة انتقام بجانب كونها تتعلق ببقاء نتنياهو السياسي في ظل رفض حكومته المطلق لطموحات الفلسطينيين لتحقيق استقلالهم.

يبدو للعيان حاليًا أن وقف إطلاق النار في لبنان هش ومُتباطئ بشكل متعمد؛ لمنح إسرائيل مزيدًا من الوقت لتحقيق الأهداف، وعندما تنتهي مدة الـ 60 يومًا، سيكون "ترامب" قد عاد إلى البيت الأبيض، وستتغير المواقف فالرجل هدد الشرق الأوسط بالحرق. صحيح أنه أشار سابقًا إلى أنه يريد وقف إطلاق نار في لبنان لكن خططه لم تتضح بعد.

في صراع دام لأكثر من قرن حاولت أجيال من العرب واليهود تحقيق السلام من خلال الحل العسكري وأخفقت في كل مراحلها، والعواقب الكارثية لهجمات السابع من أكتوبر أثبتت أنه لا يمكن إدارة الصراع في الوقت الذي تواصل فيه إسرائيل رفض حقوق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، ولذلك يتضح بجلاء أن وقف إطلاق النار في لبنان هو مجرد "هدنة" وليس حلًا لهذا الصراع الأزلي.

أعلى