عاد دوناد ترامب مرة ثانية لرئاسة الولايات المتحدة الامريكية، ومع هذه العودة تزايدت التحليلات حول التبعات المتوقعة لهذا الفوز على العلاقة الأمريكية مع دولة الكيان الصهيوني، وكذلك على النهج والسلوك الأمريكي الجديد والمتوقّع تجاه الحرب على غزة ولبنان
سياسية أمريكية ثابتة:
لا يختلف اثنان على الانحياز الصارخ للسياسة الأمريكية لدولة الكيان، والتأكيد على الالتزام الحديدي بأمنها والدفاع عنها، وهي سياسة ثابتة لا تتغير بتغير الرؤساء الأمريكيين نظرا لتغلغل اللوبي الصهيوني في تلك السياسة، وسيطرته الكاملة والتامة على القرار في مجلسي الشيوخ والنواب في الكونجرس الأمريكي، بيد أن التأثير المباشر لفوز ترامب على العلاقات الصهيونية الأمريكية يعيد للأذهان ولايته الأولى التي أسفرت عن قرارات مهمة لدولة الكيان، أهمها نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، والاعتراف الأمريكي بسيادة الاحتلال على هضبة الجولان، وشرعنة الاستيطان، واطلاق صفقة القرن المشبوهة، وانسحابه من الاتفاق النووي مع إيران، وتقليله من دعم دولته لحل الدولتين، وهو الحل الذي طالما دعت اليه الولايات المتحدة باعتباره السبيل الأمثل لتحقيق السلام في الشرق الأوسط، الامر الذي عزّز علاقته مع رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو، ووفّر دعم دبلوماسي غير مسبوق للاحتلال، وأثار موجة غضب عارمة في الأوساط الفلسطينية والعربية.
تعزيز النهج السابق:
إن عودة ترامب لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية يعني العودة لسياسته "أمريكا أولا"، ما يعني انخراط أقل في الشرق الأوسط، لكنه في الوقت نفسه سيواصل النهج المتشدد تجاه ايران، وسيدعم فرض عقوبات أكثر صرامة عليها، ما قد يضع ضغوطا إضافية عليها وخاصة على جناحها العسكري المتمثل في الحرس الثوري وعلى حزب الله، وسيعمل على زيادة الدعم العسكري والسياسي الذي تتلقاه دولة الكيان في حربها ضد حماس في غزة، وحزب الله على الحدود الشمالية في لبنان، وسينتهج موقفًا صارمًا ضد منظمتي حماس وحزب الله، وسيستمر في هذا النهج، وربما يدفع باتجاه تسوية جديدة تعتمد على التوسع الصهيوني في الضفة الغربية والقدس وتهميش المطالب الفلسطينية، ولكنه سيطالب الاحتلال بالتصرف بشكل أكثر استقلالية من الناحية السياسية والأمنية، الأمر الذي سيكون له تداعيات كبيرة على مستقبل الضفة الغربية وقطاع غزة، ومستقبل الصراع الصهيوني الفلسطيني، ومستقبل الشرق الأوسط برمته ومن ضمنها الحرب الجارية الآن في غزة ولبنان، وباختصار فإن هذه التداعيات الكبيرة التي ستتبع فوز ترمب، سيكون لها تأثيرات كبيرة وعميقة ليس فقط على الناحية السياسية والدبلوماسية، وإنما ستمتد إلى النواحي الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية ويمكن فهمها من خلال:
استمرار سياسة الدعم الكامل لدولة الكيان وتعزيز النهج القائم على تعزيز القوة العسكرية والأمنية، من خلال تزويدها بكافة الأسلحة المتنوعة، ما قد يؤدي إلى تعزيز المواقف الصهيونية المتشددة تجاه الفلسطينيين ويزيد من التحديات أمامهم.
مواصلة السعي لتعزيز التحالفات بين دولة الكيان والعديد من الدول العربية على شكل اتفاقيات التطبيع على حساب القضية الفلسطينية، ما قد يساهم في التأثير على تحالفات المنطقة وتهميش الدعم العربي للقضية الفلسطينية.
منح القوة والحرية الكاملة لحكومة نتنياهو اليمينية المتشددة الحالية، وبالتالي دعم سياستها في الاستيطان وتوسيع المستوطنات القائمة وضم الأراضي، وهو ما قد يفاقم من معاناة الفلسطينيين ويزيد من التوترات، ويقوض الاستقرار في المنطقة.
الاستمرار في قطع تمويل المساعدات الإنسانية للفلسطينيين، وذلك بعدما قطع تمويل الأونروا في ولايته السابقة، ما قد يساهم بشكل كبير في التأثير عليها، ويزيد من الضغوط الاقتصادية على الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.
استمرار الجمود في عملية السلام، وتضاؤل فرص الحل السياسي لها في المستقبل القريب على أساس حل الدولتين، عندما أبدى ترامب ميله للحل الأحادي الجانب الذي يخدم المصالح الصهيونية على حساب الحقوق الفلسطينية.
مفاقمة التحديات أمام الفلسطينيين وزيادة الضغوط عليهم سياسيا واقتصاديا، مع تراجع الدعم الدولي والعربي للقضية الفلسطينية والحلول السياسية الممكنة.
مواصلة سياسته المتشددة تجاه التنظيمات الفلسطينية وحركات المقاومة وعلى رأسها حركة حماس، والتي صنفتها الولايات المتحدة الأمريكية منظمة إرهابية، وسيمارس مزيدًا من الضغط العسكري عليها لإضعافها وقبولها بالشروط الصهيونية لإنهاء الحرب على غزة، وهو الذي أكد في لقائه السابق مع نتنياهو على ضرورة انهاء الحرب، وإيقاف الأنشطة العسكرية الصهيونية في غزة، وعودة المختطفين، مما يفسح المجال للحديث عن كيفية تحقيق كل ذلك مع حلول يناير 2025، وهو موعد تنصيبه، وهل تصبح مطالبه واقعا على الأرض أم ستكون هناك فجوة بين تصريحاته الكبيرة والواقع الدموي للمجتمع الصهيوني؟
في المجمل فإن فوز ترامب يعني استمرار السياسات التي تدعم حليفته الصهيونية على حساب الحقوق الفلسطينية، وتزيد من الانقسام في المنطقة، وتفاقم المعاناة الإنسانية في غزة، وإشغال منطقة الشرق الأوسط بقضايا الأمن والتحالفات، والقبول بالأفكار الأمريكية دون مناقشتها، وفي هذا الإطار من المهم ملاحظة غياب الوحدة الفلسطينية في مواجهة هذه السياسة والتعامل معها، وغياب الاستراتيجية الوطنية الشاملة للتصدي لها، وهو ما يتطلب تعزيز الوحدة الفلسطينية وتوحيد الصف الداخلي وتحقيق المصالحة الفلسطينية، من أجل إحداث تنسيق مرحلي وموحد للتصدي للإملاءات الخارجية التي من الممكن أن تُفرض على الشعب الفلسطيني.