• - الموافق2024/11/21م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
خريطة

هناك حلم صهيوني قديم يرى أصحاب القرار في إسرائيل أنه قد أتى موعد تنفيذه ولا يجوز تأخيره أكثر من ذلك، فما هو هذا الحلم وما خطوات إسرائيل لتنفيذه، وما العقبات التي تقف أمام تطبيقه وما حجم تداعياته على المنطقة؟

 

إن المتابع لخطوات إسرائيل على أرض الواقع وفي جبهة الميدان منذ أحداث عملية "طوفان الأقصى" وحتى يومنا هذا، سيجد أن ثمة غرابة في الأمر، حيث الإصرار من قبل الإدارة السياسية على إنهاك الجيش الإسرائيلي على مستوى عدة جبهات مختلفة، ولكن عند الوقوف على مثل هذه القرارات ومحاولة فهمها، تتجلى الحقيقة الكامنة التي ينطلق من خلالها قادة الاحتلال وتتضح أهدافهم من تلك التحركات، التي ربما يراها البعض غير مدروسة ويظن أنها عشوائية نتيجة للصدمة التي تعرضوا لها على حين غرة في أكتوبر الماضي.

الحلم يخرج للعلن

تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو قديمًا لوزير المالية الإسرائيلي اليميني المتطرف "بتسلئيل سموتريتش" -وهو أحد الوزراء المتطرفين بحكومة نتنياهو الحالية-، يقول فيه إن حدود إسرائيل يجب أن تمتد لتشمل أراضي من 6 دول عربية، وكان سموتريتش أدلى بتلك التصريحات عام 2016 للقناة الثانية الإسرائيلية، التي توقفت عن البث عام 2017 وانقسمت إلى قناتين جديدتين هما "12" و"13.

وقتها كان سموتريتش عضوًا بالكنيست (البرلمان الإسرائيلي) عن حزب "البيت اليهودي"، الذي اندمج عام 2023 مع حزب "الاتحاد الوطني- تكوما" في حزب واحد حمل اسم "الصهيونية الدينية" ويرأسه سموتريتش حاليًا، وقد جاء في تصريحاته أن دولة إسرائيل يجب أن تضم العاصمة السورية "دمشق" والأردن وأجزاء من مصر ولبنان والسعودية والعراق.

 

 إذ يزعم معهد "التوراة والأرض" الإسرائيلي عبر موقعه الإلكتروني أن "أرض إسرائيل الكبرى تمتد من نهر الفرات شرقًا إلى نهر النيل جنوبًا".

سياسة التوسع شيئًا فشيئًا

خلال المقابلة ذاتها قال سموتريتش نصًا: "سيتم بناء الهيكل في أيامنا"، وسألته المذيعة حينها "هل سنرى الهيكل ونحن أحياء؟"، فأجاب: "نعم بالتأكيد، ربما يحدث ذلك صباح الغد".

ومثل هذه التصريحات تترجم بوضوح سبب هذا الطموح الزائد لدى اليهود المتطرفين لبناء الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى المبارك بمدينة القدس المحتلة في أقرب وقت ممكن.

ودعا سموتريتش إلى حل السلطة الفلسطينية وضم جميع الأراضي في الضفة الغربية المحتلة إلى إسرائيل، وقال إن "أرض إسرائيل الكبرى يجب أن تمتد الآن من البحر إلى الأردن".

وسألته المذيعة "حدود إسرائيل تمتد الآن من البحر وتنتهي في نهر الأردن؟ أم هل نريد في هذه المرحلة أيضًا (احتلال) شرق الأردن؟"، فأجاب سموتريتش: "نعم، شيئًا فشيئًا".

وكشفت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية في يونيو الماضي، عن حصولها على تسجيل صوتي لسموتريتش يؤكد فيه امتلاكه "خطة سرية" لتعزيز السيطرة الإسرائيلية على "الضفة الغربية"، وإجهاض أي محاولة لأن تكون جزءًا من الدولة الفلسطينية، ولاحقًا أكد سموتريتش صحة هذا التسجيل الصوتي.

كما ظهر سموتريتش، في خطاب ألقاه يوم 19 مارس 2023، بالعاصمة الفرنسية باريس، وأمامه منصة عليها خريطة متداخلة بين فلسطين والأردن، في إشارة إلى أن إسرائيل تتكون من فلسطين والأردن.

 الخلفية التاريخية للحلم الصهيوني

تاريخيًا، تعود جذور هذه الأوهام التوسعية لليمين المتطرف إلى معتقدات دينية تفيد بأن الأرض الموعودة تمتد من نهر النيل في مصر إلى نهر الفرات بالعراق، إذ يزعم معهد "التوراة والأرض" الإسرائيلي عبر موقعه الإلكتروني أن "أرض إسرائيل الكبرى تمتد من نهر الفرات شرقًا إلى نهر النيل جنوبًا".

وهذه المعتقدات أرساها وأصّل لها قادة الحركة الصهيونية منذ بدايتها قبل أكثر من 120 عامًا، فمؤسس الحركة الصهيونية "ثيودور هرتزل" حين أعلن مشروعه التوسعي عام 1904، زعم أن "حدود دولة إسرائيل تمتد من نهر النيل إلى نهر الفرات".

 

 تركّز خطة "عوديد ينون" على إضعاف الدول العربية وتقسيمها لاحقًا كجزء من المشروع التوسعي الصهيوني، وتؤكد أن "إسرائيل الكبرى" ستضم أجزاء من لبنان وسوريا والأردن والعراق ومصر

ومن هذا المنطلق طالبت عصابة "أرغون" الصهيونية المتطرفة، التي ظهرت خلال فترة الانتداب البريطاني بأرض فلسطين (1922-1948) والتي أُدمجت في الجيش الإسرائيلي لاحقًا، بأن تكون دولة فلسطين التاريخية والأردن دولة يهودية يُطلق عليها اسم "إتسل".

ومن أخطر المخططات الصهيونية في هذا السياق خطة "ينون" التي كتبها "عوديد ينون" الصحفي والدبلوماسي ومستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرييل شارون.

وظهرت هذه الخطة للمرة الأولى في فبراير 1982 في مجلة "كيفونيم" التي تصدرها المنظمة الصهيونية العالمية، واستندت إلى رؤية هرتزل ومؤسسي دولة الكيان الصهيوني نهاية الأربعينيات.

خطة "ينون"                     

تركّز خطة "عوديد ينون" على إضعاف الدول العربية وتقسيمها لاحقًا كجزء من المشروع التوسعي الصهيوني، وتؤكد أن "إسرائيل الكبرى" ستضم أجزاء من لبنان وسوريا والأردن والعراق ومصر، وستنشئ عددًا من الدول الوكيلة لضمان تفوقها في المنطقة.

وترى وثيقة خطة "ينون" ضرورة تقسيم العراق إلى دولة كردية ودولتين عربيتين واحدة للشيعة وأخرى للسنة، وتقسيم لبنان وسوريا ومصر وإيران وتركيا والصومال وباكستان ودول شمال أفريقيا، إلى دويلات صغيرة، على أسس عرقية أو طائفية.

كما أشارت الوثيقة إلى ضرورة أن تكون هذه الدويلات معتمدة على إسرائيل في بقائها، وتحت قيادات منفصلة تمامًا عن مواطنيها، وجاهزة لقمع أي محاولة للتمرد.

الظهور الأخير للخريطة

وفي خريطة "إسرائيل الكبرى" التي نشرها ليبكين والتي سُميت "حلم صهيون"، تظهر الصهيونية على شكل ثعبان عملاق، وظهره مزين بنمط من المثلثات الموصوفة بأنها عين الماسونيين "رمز اليهودية"، ويحدد هذا الثعبان الحدود المقترحة لإسرائيل الكبرى.

تضم المنطقة التي يضمها "الثعبان" كل الأردن ولبنان وسوريا وشبه جزيرة سيناء؛ ومنطقة دلتا النيل في مصر على طول قناة السويس وشمال غرب القاهرة؛ والكويت وكل العراق تقريبًا، بما في ذلك الوصول إلى الخليج العربي.

وتشمل كذلك أراضي سوريا ولبنان وأراضي من تركيا تضم بشكل رئيسي ولايات جنوبية مثل هاتاي وأضنة ومرسين، وبحسب "جامعة كورنل" الأمريكية فقد ظهرت هذه الخريطة لأول مرة في كتاب "بروتوكولات حكماء صهيون" بنسخته الإنجليزية.

إجراءات حكومة نتنياهو تؤكد

منذ أحداث 7 أكتوبر 2023، وما تركته عملية "طوفان الأقصى" من أثرٍ على الاحتلال بعد أن هزت مؤسساته الأمنية والاستخباراتية ووجهت لها ضربة قوية، تنامت توجهات "الصهيونية الدينية" في تل أبيب الداعية إلى تدمير القرى الفلسطينية وقتل وتشريد الفلسطينيين سواء في غزة أو الضفة الغربية.

وركز وزير الأمن القومي المتطرف "إيتمار بن غفير" على دعم مخطط تهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية، حيث وزع نحو 26 ألف بندقية آلية على المدنيين الإسرائيليين، وهو ما انعكس على زيادة اعتداءات المستوطنين المسلحة في الضفة الغربية.

فيما تعالت أصوات بين وزراء ونواب في الائتلاف الحكومي تدعو إلى إعادة الاستيطان في قطاع غزة، بعد أن دمرت طائرات الاحتلال مساحات شاسعة من أحياء الفلسطينيين وقتلت عشرات الآلاف بين نساء وأطفال في الحرب المستمرة منذ عام كامل.

كذلك اقتطع وزير المالية المتطرف "سموتريتش" أكثر من 260 مليون شيكل من أموال عائدات الضرائب الخاصة بالسلطة الفلسطينية بحجة أنها تُدفع لعائلات الأسرى والشهداء، وكثف جهوده بهدف مضاعفة عدد المستوطنين اليهود في الضفة من نصف مليون إلى مليون مستوطن.

وقد أسهمت سياسات وزراء "الصهيونية الدينية" في دفع حكومة نتنياهو الحالية إلى مزيد من القتل والدمار، حيث يرفض كل من سموتريتش وبن غفير -الوزيران المتطرفان بالحكومة- والأحزاب التي تدعمهما وقف الحرب في قطاع غزة أو حتى القيام بـ"هدنة مؤقتة"، وسبق أن عطلوا محاولات لعقد اتفاق تبادل أسرى مع المقاومة في غزة.

وحاليًا بعد إعلان الاحتلال قيامه بعملية عسكرية ضد لبنان، تعالت الأصوات بين نواب أحزاب "الصهيونية الدينية" للسيطرة على المناطق التي يتقدم فيها جيش الاحتلال وإقامة مستوطنات هناك.

بالتزامن مع كل ذلك، يواصل الاحتلال قصفه لمواقع مختلفة في سوريا، وقد هدد مسؤول إسرائيلي أمني رفيع بأن جيش الاحتلال سيدخل سوريا، مبررًا ذلك بوجود مسلحين في الجولان السوري بالقرب من الحدود.

ووسط كل هذه المعارك الممتدة من قطاع غزة إلى جنوب لبنان، والتوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، تكشف تخوفات دولية وعربية من أن سيطرة "الصهيونية الدينية" على الحكم في تل أبيب تختبئ تحت عباءته "نية دفينة" لإعادة إحياء "خطة ينون" ضد الدول العربية والإسلامية.

أدلة جديدة من أرض الميدان

أثناء الحرب على قطاع غزة، أثارت صور جندي من قوات الاحتلال الإسرائيلية يرتدي شارة عسكرية تحتوي على خريطة "إسرائيل الكبرى" جدلًا واسعًا على منصات التواصل الاجتماعي في الدول العربية.

حيث اشتمل الشعار الذي حمله الجندي على خريطة تشمل مساحات شاسعة من الأراضي التابعة لعدد من الدول الإسلامية المجاورة بالإضافة إلى الأراضي المحتلة في فلسطين، لتشمل الخريطة الأردن وفلسطين ولبنان وأجزاء من سوريا والعراق ومصر.

كلمة أخيرة

إن أهداف حكومة نتنياهو التي أعلنها الوزراء المتطرفون منها لم تعد خفية أو طي الكتمان كما كان يحدث من ذي قبل، كما أن الإجراءات التي يتم تنفيذها على أرض الواقع تشير إلى خطر كبير قادم، وأصبحت قرارات هذه الحكومة بمثابة أدلة وشواهد حقيقية تؤكد تلك النوايا الصهيونية في التوسع لاحتلال دول إسلامية جديدة، وما لم يتم التحرك العاجل للدول والمنظمات الإسلامية للتوحد وإيقاف هذا التوغل الصهيوني والتوحش الإسرائيلي، فإن المنطقة ستكون على موعد مع أحداث عظام لا يمكن التنبؤ بمآلاتها في الوقت الراهن.

أعلى