الأوروبيون آكلو لحوم البشر

الأوروبيون آكلو لحوم البشر، في الأكيد من يقرأ هذه العبارة سيجد مجالا رحبا لتصديقها، وفي الأغلب سيكون المعنى المجازي للعبارة هو الأقرب، فسينصرف عقله مباشرة إلى الاحتلال وفظائعه والاستيلاء على خيرات البلاد وقتل الشعوب أصحاب الأرض أو سجنهم وتعذبيهم.


"آكلو لحوم البشر" لقد تم صنع تصور ذهني جمعي لدى العالم أجمع أن تلك الصفة المرذولة لا تنسحب إلا على الشعوب والقبائل الإفريقية حصريا لأنهم أمم متخلفة بحسب الزعم الغربي، أما الأوربيون فهم أهل الحضارة والتقدم والرقي  فلن تصدر عنهم أمثال هذه الشنائع.

على كل حال سيعرض هذا المقال لجملة من الأحداث التاريخية في أوروبا وربما تختلف الصورة بعدها.

فقد أورد الصحفيان الفرنسيان ضمن تقرير منشور في صحيفة "لي بوين" تحت عنوان "12 ديسمبر 1098.. يوم التهم الصليبيون لحوم سكان معرة النعمان".[1]

في هذا التقرير يؤكد الصحفيان أن غذاء أفراد جيش الصليبيين في حملته للاستيلاء على القدس لم يكن سوى لحوم المسلمين من سكان المدن التي يتم الاستيلاء عليها، وركز التقرير على المجزرة التي راح ضحيتها 20 ألفا من سكان مدينة معرة النعمان يوم دخول الصليبيين إليها في 12 ديسمبر/كانون الأول 1098 ميلادي.

وينقل التقرير عن أحد المشاركين في تلك الحملة أنهم قاموا "بغلي المسلمين في القدور، وحوّلوا لحوم الأطفال إلى أسياخ لالتهامها مشوية"، ويصف آخر ما حدث بقوله "كنا نقطع قطعة أو قطعتين من جثة أحد المسلمين، ومنا من لا ينتظر حتى يحمصها بل يبادر إلى نهشها بأسنانه الوحشية".

ونوغل في التاريخ أكثر لنرى هل كانت ظاهرة أكل لحوم البشر طارئة حياة الأوروبيين أم متجذرة في تاريخهم.

 

 عاشت أوروبا خلال القرون الماضية على وقع حالة هستيرية، حيث اتجه كثيرون لحضور تنفيذ عمليات الإعدام قبل أن يبدأوا بتقديم مبالغ مالية طائلة للحصول على أجزاء من الجثث

حتى نهاية القرن الثامن عشر، لم يكن من غير المألوف بالنسبة للأوروبيين أن يبحثوا عن لحم الإنسان الميت للاستهلاك الدوائي.

خلال القرن السابع عشر، أقبل الأوروبيون بشكل مكثف على استهلاك اللحم البشري، إيمانا منهم بقدرته على علاج مختلف الأمراض.

وامتدت هذه الممارسة لتشمل جميع شرائح المجتمع، حيث لم يتردد رجال الكنيسة، وأفراد العائلات الملكية في دفع مبالغ طائلة للحصول على أجزاء من أجساد الموتى.

وعلى الرغم من سهولة الحصول على أجزاء من الجثث حديثة الوفاة قبل دفنها، إلا أن الأوروبيين اتجهوا غالبا نحو إنفاق مبالغ مالية طائلة للتزود بالمومياوات، والتي لم يتردد الأطباء في طحنها وسحقها وتحويلها لفتات قبل تقديمها للمرضى على أنها دواء فعّال قادر على وقف أي نزيف داخلي، بحسب اعتقادهم.

ولعلاج الصداع وآلام الرأس، عمد الأوروبيون إلى سحق جمجمة رأس المومياء وجعلها بودرة قبل خلطها مع بعض المشروبات الأخرى. وابتكر ملك إنجلترا تشارلز الثاني (Charles II) وصفته الطبية الخاصة، والتي تكونت أساسا من مسحوق جماجم رؤوس الموتى المخلوطة بالكحول.

ولم يقتصر استخدام الأوروبيين للحم البشر عند هذا الحد، حيث اتجه الأطباء حينها لتقديم وصفات غنية بهذه المكونات من أجل علاج عدد من الإصابات الخارجية.

ولعل علاج الجروح المفتوحة، وتسهيل عملية التئامها، هو ما دعا الأطباء الأوروبيين إلى غمس قطع القماش في الشحوم البشرية قبل لفها حول مكان الإصابة، كما قدّم العلاج نفسه لمواجهة الالتهابات الخارجية، وإنهاء معاناة مرضى النقرس.

 إضافة إلى كل ذلك، مثّل الدم البشري عنصرا قادرا على علاج جميع الأمراض بالنسبة للأطباء الأوروبيين الذين لم يترددوا في وصفه لأغلب مرضاهم.

وبالتزامن مع انتشار هذه الممارسات الطبية الغريبة، فقد عاشت أوروبا خلال القرون الماضية على وقع حالة هستيرية، حيث اتجه كثيرون لحضور تنفيذ عمليات الإعدام قبل أن يبدأوا بتقديم مبالغ مالية طائلة للحصول على أجزاء من الجثث.

كما تزايدت عمليات نبش القبور ونهب محتوياتها بشكل ملحوظ، حيث عمد سارقو القبور إلى استخراج الجثث حديثة الدفن لانتزاع أعضائها وبيعها.

وأقدم الفقراء بكثافة على بيع كميات من دمهم للأطباء مقابل حصولهم على مبالغ مالية ضئيلة.

وسجلت عادة تناول أجزاء من جثث الموتى انتشارها بسبب معتقد خاطئ آمن الكثيرون به، حين ظن الجميع أن تناول اللحم البشري كاف لمنحهم حيوية ونشاط صاحب الجثة، ولهذا السبب بلغت أسعار جثث الشباب أرقاما قياسية.

وتواصلت عملية استعمال بقايا الجثث البشرية كأدوية لعلاج المرضى طيلة القرن التاسع عشر، حيث لم يتردد الأطباء في اعتمادها لعلاج عدد من الأمراض كالصرع.

كشفت دراسة جديدة حقيقة "صادمة"، حول ممارسة طقوس أكل لحوم البشر لدى الشعوب الأوروبية، قبل آلاف السنين، على عكس ما كان شائعا، أن هذه الممارسات تكثر في إفريقيا وأميركا الجنوبية فقط.

كما أظهرت دراسات تاريخية أن أكل لحوم البشر كان ممارسة جنائزية روتينية في أوروبا منذ حوالي 15 ألف عام، حيث كان الناس يأكلون موتاهم ليس بسبب الضرورة بل كجزء من ثقافتهم.

وبينما عثر الباحثون سابقا على عظام وجماجم بشرية تم تعديلها إلى أكواب في كهف غوف في إنجلترا، تشير دراسة نشرت في مجلة Quaternary Science Review إلى أن هذا لم يكن حادثا منعزلا.[2]

وركزت أبحاثهم على الفترة المجدلية في أواخر العصر الحجري القديم.

قام الخبراء في متحف التاريخ الوطني بلندن بمراجعة الأدبيات لتحديد 59 موقعا مجدلينيا يحتوي على بقايا بشرية. وكان معظمها في فرنسا، مع وجود مواقع أيضا في ألمانيا وإسبانيا وروسيا وبريطانيا وبلجيكا وبولندا وجمهورية التشيك والبرتغال.

وأظهر 15 دليلا على بقايا بشرية عليها علامات مضغ، وعظام جمجمة عليها علامات قطع، وعظام مكسورة عمدا بنمط مرتبط باستخراج نخاع العظم للحصول على العناصر الغذائية، مما يشير إلى ممارسة أكل لحوم البشر.

وكانت هناك أيا أدلة تشير إلى أنه في بعض الحالات تم خلط الرفات البشرية مع بقايا الحيوانات.

وقال الباحثون إن التلاعب الشعائري بالرفات البشرية وتكرار ذلك في مواقع عبر شمال وغرب أوروبا يشير إلى أن أكل لحوم البشر كان ممارسة دفن.

والخشية هنا أن يكتشف الأوروبيون تاريخهم ويحاولون إعادة تلك الشعائر المقززة فيصبح الرجل وقد أكل لحم أخيه وربما أبيه، ثم يشرعون في فرضها على شعوب العالم بدعوى الحرية والحضارة، ولا عجب في ذلك فمن كان يظن أن يأتي على البشرية يوم ينكح الرجل الرجل وتنكح المرأة المرأة ويتحول الذكر إلى أنثى والأنثى إلى رجل وتسمى هذه الدناءة حرية وحضارة، ويصبح رافضو هذا الشذوذ والتردي البشري متخلفين.


 


[1] يوم التهم الصليبيون لحوم سكان معرة النعمان، موقع الجزيرة نت.

[2] تفاصيل صادمة.. دراسة تكشف عادات أكل لحوم البشر في أوروبا، موقع سكاي نيوز.

 

 

أعلى