• - الموافق2024/12/04م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
ركائز التنمية في الإسلام

وضمان الرزق من الله لا يعني التواكل والقعود عن طلب الرزق؛ وإنما هو وعد وضمان من الله للإنسان أنه إذا تحرك يتحقق المطلوب، وهذا التحرك لطلب الرزق جُعِل عبادة وتكليفاً شرعياً في الرؤية الإسلامية.وَفْقَ العدل الذي حذَّر ديننا الحنيف من مغبة التفريط فيه!


التنمية مفهوم شامل ومركَّب لجوانب عديدة (دينية واقتصادية واجتماعية وثقافية وبيئية وأخلاقية... إلخ)؛ إذ لا يقتصر مفهوم التنمية على زيادة دخل الفرد؛ فهذه الزيادة قد لا تضمن تحسين المستوى الصحي أو الثقافي أو التعليمي أو الأخلاقي أو المحيط البيئي للأفراد. كما لا تضمن المزيد من العدالة... كل هذه العوامل تمثل لَبِنات بناء التنمية وتحقيقها. ولا يمكن منح هذه الأشياء للأفراد معونةً أو هبةً؛ وإنما يجب أن تتاح لهم الفرصة في أن يتعلموا كيفية تحقيقهـا، فالمثـل الصيني يؤيد ذلك بقوله: «لا تعطني ســمكة، ولكـن علمنـي كيـف أصطاد» فالتنمية لا تعني تغذية الضعفاء وإنما كيفية جعلهم أقوياء.

 إن نظرة الإسلام إلى الإنسان تختلف عن نظرة الأنظمة الوضعية؛ فبعض الأنظمة مثل الليبرالية المتوحشة التي أخذت أفكارها من «المالتوسية»، ترى في الإنسان عبئاً ثقيلاً وترى في كل مولود جديد ضيفاً غير مرغوب فيه، ترى فيه فماً جديداً يضاف إلى الأفواه التي تطالب بالطعام، هذا هو الإنسان في ظل بعض الأنظمة...!

أما في ظل الإسلام فالإنسان قوة حيوية ونشاط متوقد. فالقرآن الكريم يرى في الإنسان أقوى مخلوق على سطح الكرة الأرضية، ويرى فيه سرَّ التقدم في الدنيا:{وَأَن لَّيْسَ لِلإنسَانِ إلَّا مَا سَعَى 39 وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى 40  ثُمَّ يُجْزَاهُ الْـجَزَاءَ الأَوْفَى} [النجم: 39 - 41]. فالرزق مضمون من الله، والسعي لتحصيله مرتبط بالإنسان:

ولو كانت الأرزاق تجري على الحجى

هلكن إذن من جهلهن البهائم!

وضمان الرزق من الله لا يعني التواكل والقعود عن طلب الرزق؛ وإنما هو وعد وضمان من الله للإنسان أنه إذا تحرك يتحقق المطلوب، وهذا التحرك لطلب الرزق جُعِل عبادة وتكليفاً شرعياً في الرؤية الإسلامية[1]. وَفْقَ العدل الذي حذَّر ديننا الحنيف من مغبة التفريط فيه!

لهذا فمن أهم الركائز الأساسية لتحقيق التنمية في ربوع العالم الإسلامي، ما يلي:

الالتزام بمبادئ الشريعة الإسلامية: باعتبارها المنهج الشامل للحياة الذي ينظم السلوك الإنساني علماً وعملاً وخُلُقاً ويوضح الحقوق والواجبات التي تمس المجتمع على مستوى الفرد والجماعة.

الإيمانُ والتقوى: فلْيضحك العلمانيون ملء أفواههم، فإن الإيمان والتقوى من أعظم الأسباب لحل المشكلة التنموية... كيف ذلك؟ اسمع إلى الحق سبحانه: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} [الأعراف: 96].

الاستغفار: يقول الحق سبحانه على لسان نبيه نوح عليه السلام: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إنَّهُ كَانَ غَفَّاراً 10 يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَاراً 11 وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ} [نوح: 10 - 12].

الاستثمار الأمثل للموارد: بالعدالة في التوزيع، وبكسر الحاجز الجغرافي والنفسي الذي وضعه الاستعمار بين شعوب العالم الإسلامي؛ لتكون خطوة أولى على طريق التكافل والتكامل، لا سيما ونحن نعيش الآن عصراً يسمى بعصر التكتلات.

دور الزكاة في التنمية: تعد الزكاة إحدى أدوات تحقيق الضمان الاجتماعي. وفي العصور الإسلامية الماضية كانت الزكاة في بيت المال مسؤولية الدولة لتوزَّع بالعدل ولسد الاحتياجات الأساسية للفقراء وتوفير وسائل للعمل وكسب العيش. فهي أول مؤسسة للضمان الاجتماعي. وهي كذلك من أهم أدوات الحفاظ على المجتمع وإقامة العدالة الاجتماعية وتقليل الفجوات بين الأغنياء والفقراء.
وقد نجحت الزكاة في تحقيق دورها بصورة رائعة في عصرَي الخليفتين عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز. ومن الملاحظ أن دور الزكاة لم يكن يقتصر على توزيعها على الفقراء فقط؛ إنما كانت تستخدم في ابتداء مشروعات للفقراء وهو ما يجعلها وسيلة مهمة لإيجاد فرص عمل. ومن ثَمَّ فإن للزكاة دوراً حيويّاً يجب أن يستثمر استثماراً سليماً لحل العديد من المشاكل الاقتصادية التي يعاني منها المجتمع في الوقت الحالي؛ مثل مشكلة البطالة، والفقر، والديون، والفجوة الاقتصادية الفاحشة.

إعداد الإنسان من أجل الإعمار والتنمية: جاء الإسلام من أجل سعادة الإنسان وحياته الكريمة لا في الآخرة وحدها بل في الدنيـا قبل ذلك، ولذا فإن مما يهدف إليه الدين هو دفع الإنسان لكي يجعل من إيمانه واعتقاده منطلقاً نحو سعيه في الحياة وبنائه لها وَفْقَ قواعد وأسس سليمة تقوم على الفضائل والأخلاق والمساواة والعدالة، والعمل الذي يعمر الأرض، وينتج الطيبات ويحقق الحياة الكريمة للإنسان؛ بل من أجمل ما قرأت حديث عجيب لن تعثر عليه في قواميس الاقتصاد والخبرة الدولية؛ بل من وحي السماء، يقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم : «إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فاستطاع ألَّا تقوم الساعة حتى يغرسها فلْيغرسها، وله بذلك أجر»[2]، ومن ثَمَّ من سعى في الأرض واجتهد، نال جـزاءه في الدنيا والآخرة وعمَّ عليه الرخاء، ومن امتنع عن السعي والعمل، فليس من حقه أن يلوم الفقر والتخلف؛ بل يلوم نفسه أولاً. وروى البخاري عن الزبير بن العـوام أن النبـي صلى الله عليه وسلم  قـال: «لأن يأخـذ أحـدكم حبلـه، فيأتي بحزمة الحطب على ظهره، فيبيعها فيكف الله بها وجهه، خير من أن يسأل الناس، أعطوه أو منعوه». كما دعا الإسلام إلى تعمير الأرض والاستفادة من خيراتها يقول تعالى: {هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ إنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ} [هود: 61]، قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: «استعمركم فيها أي جعلكم عماراً تعمرونها وتستغلونها»[3]. وقال القرطبي: «أي جعلكم عماراً للأرض، وليس هناك أدق من مفهوم التعمير للتعبير عن التنمية في مفهومها الإسلامي؛ إذ ليس المقصود من ذلك هو التعمير المادي الحسي، بل التعمير بمعنى التطوير والتنمية، وقد ذهب الفقهاء إلى أن التعمير أو التنمية بالمفهوم الدقيق واجب على كل مسلم كما يشير إلى ذلك القرطبي في تفسيره لهذه الآية[4].

والأمثلة على تأثير الاستثمار البشري في تحقيق التقدم والنمو الاقتصادي والاجتماعي متعددة؛ فنجد دولاً مثل الصين واليابان وغيرهما من دول جنوب شرق آسيا حققت معدلات عالية للنمو الاقتصادي واستطاعت أن تتخطى حاجز التخلف وتتبوأ مكانة متقدمة بين دول العالم ارتكازاً على ما لديها من موارد بشرية حرصت على تأهيلها وتنمية مهاراتها وقدراتها، كما أن ما يشهده العالم الآن من تطور علمي كبير خاصة في تكنولوجيا المعلومات المرتبطة باستخدامات الحاسب الآلي والاتصالات والإلكترونيات يرجع إلى ما تم تأهيله من قدرات ومهارات عالية المستوى لأفراد من العنصر البشري. وتظل البطالة الشبحَ الذي يهيمن ويدمر طاقات الشباب وقوتهم، وهي أحد أبرز المشكلات العصيبة التي يواجهها العالم الإسلامي اليوم. إنها أحد الثمار المرَّة للتنمية الاقتصادية على الأصول الفكرية الغربية.

التعليم ودوره في التنمية: وإذا كان الإسلام يجعل من التنمية واجباً على المسلمين؛ فإن رؤيته للتعليم لا تقل عن ذلك؛ بل يعتبر الدين الإسلامي أحد العناصر المؤثرة في التعليم حيث اهتم الإسلام بالتعليم والتعلم وحض عليه، يقول (غوستاف لوبون) في كتابه (حضارة العرب): «إن فلاسفة العرب والمسلمين هم أول من علم العالم كيف تتفق حرية الفكر مع استقامة الدين»[5].ولنرَ حالياً الدول التي اهتمت بالتعليم وشجعت مراكز البحث فيها وما صلت إليه... والأنموذج الأبرز في هذا الباب هو كوريا الجنوبية التي كانت غارقة في التخلف فحوَّلها الاهتمام بالتعليم كقطب رحى إلى نموذج البلدان الصناعية الجديدة، ولا تنسَ - أخي القارئ - أن تلقي نظرة عكسية إلى بلداننا العربية التي صنفتها التقارير الدولية في ذيل القائمة، بسبب غضها الطرف عن هذا المجال الحيوي!

التخطيط عملية مهمة في التنمية: ويعتبر تعلم التخطيط، الذي هو عماد الدراسات المؤسِّسة للتنمية، من المعارف التي حث الإسلام على تعلُّمها، فقد كان سمة الحياة الإسلامية سواء كانت وقت السلم أم الحرب؛ بل هو سمة الرسالات السماوية في كل عهد، ولعل خطط رسول الله صلى الله عليه وسلم  في الدعوة الإسلامية وبناء الدولة مثال ناصع الأَوْلى الاقتداء به بدل الجري وراء سراب النظريات التي أذبلت عوادي الأيام!

فالموارد البشرية تعد من المقاييس الأساسية التي تقاس بها ثروة الأمم باعتبار أن هذه الموارد على رأس المكونات الرأسمالية والأصول المؤثرة في الوضع الاقتصادي والاجتماعي للدول؛ إذ أصبح العنصر البشري ودرجة كفاءته هو العامل الحاسم لتحقيق التقدم.

خلاصة: المفهوم الإسلامي للتنمية له خصائص (الشمولية، والتوازن، والعدالة)؛ بحيث يشمل الجوانب المادية والروحية معاً، ويلبي حاجة الفرد والجماعة في تناسقٍ تامٍّ وتناغمٍ وتعاونٍ بين أفراد المجتمع!

 


 


[1] أحمد ماهر البقري، الزكاة و دورها في التنمية دار الدعوة: الإسكندرية، ط2، 1985م، ص: 21.

[2] صحيح البخاري، كتاب التفسير، رقم 4949، وصحيح مسلم كتاب القدر رقم4787.

[3] تفسير القرآن العظيم - ابن كثير: 2/450.

[4] انظر: الجامع لأحكام القرآن - القرطبي: 1/65.

[5] أثر المسلمين في الحضارة الأوروبية - أحمد علي الملا، ص117.

أعلى