تماماً
كما توقف هدير الطائرات فوق بغداد منذ أعوام، توقف هدير غسالتي الصغيرة، واحتل
السكون أرجاء المنزل، ولم أعد أسمع إلا صوت عقارب ساعتي الجدارية (هذه هي الساعة
التي أحضرْتَها - يا زوجي - في ذكرى لقائنا الرابع).
وبعد
هذا العناء الفكري، جلست مرهقة على تلك الأريكة ذات اللون الأبيض، بل ناصعة البياض
من قلَّة اللاعبين عليها، وأمعنتُ النظرَ في منزلي الواسع الممتد المليء
بالجداريات والخزفيات والزخرفات.
آهٍ
كم تمنيت أن تسقط جدارية واحدة على الأرض، وأُهرَع للملمتها، أو تتحطم هذه
الخزفيات الجاثمة أمامي منذ أعوام.
كم
تمنيت أن يرميَ باسل كُرَتَه على كل أشيائي ليحطمها، أو تقذفَ سارة لعبتها على كل
جدارياتي فتبعثرها إلى فتافيت وأشلاء.
آهٍ
كم تمنيت - يا حبيبي - أن تقرع جرس البيت فيُهرَع أطفالنا (الذين لم ينالوا تذكرة
القدوم إلى عالمنا بعد) فرحين بقدومك.
آهٍ
يا زوجي الحبيب! كم تمنيت أن ينهار الصمت المطبق في غرفة الجلوس الباردة؛ كما
انهارت أبراج نيويورك.
آهٍ
كم تمنيت أن أذهب إلى إحدى جاراتي وأشكو لها ألم أسنان رقية.
آهٍ
يا رقية! رقية التي صنعتْ كلَّ آلامي ببقائها في عالم الغيب.
آهٍ
يا زوجي الحبيب! لو تراني وأنا أرقب الشارع الملاصق لنافذة مجلسنا بعد ذهابك للعمل
في الصباح، وأرى الأطفال وهم ذاهبون إلى المدرسة؛ كأني أرى باسلاً ذاك الطفل
الممتلئ ذا الشعر الأسود الكثيف، وهو يحمل حقيبته محدِّثاً أصدقاءه عن الفطيرة
التي صنعتها له أمه... نعم أمه التي هي أنا.
لو
تعلم - يا زوجي الحبيب - أن كثيراً من البشر يرتعون في نعم الله ولا يُلقُون لها
بالاً.
فإليكَ القرار يا
حبيبي فالحياة تذكرة سفر لمرة واحدة لن نعود بعدها إليها.