• - الموافق2024/11/27م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
من عوائق الوفاق

من عوائق الوفاق

 

المكتبة الدعوية عامرة بالدراسات والكتب التي تدعو إلى الاجتماع، وتعالج مشكلات الفرقة والتنازع؛ وباستقراء تلك الدراسات تجد أن عامة المدارس الدعوية لها نصيب وافر من تلك الدراسات؛ فالجميع غير راضٍ عن كثير من تلك الصراعات والمماحكات التي أنهكت الدعوة والدعاة بأثقالها وأوزارها!

لقد نجحت تلك الدراسات في صناعة ثقافة عامة في الوسط الدعوي من حيث الجملة؛ لكن اللافت للنظر أنها لم تغيّر شيئاً من الواقع، فالشرخ الدعوي يزداد تجذراً مع مرور الأيام، والفتن تزيد الناس تباعداً وتدابراً.. فما السبب في هذا؟!

أحسب أن لذلك أسباباً رئيسة، من أهمها:

 أولاً: من المقاربات الدعوية التي لا تكاد تخطئها العين أن بعض الدعاة يصف المشكلة بلغة الاتهام للآخرين، ولسان حاله يدلُّ على أن القصور في تقديره إنما هو عند غيره، وهو ومن حوله سالمون منها، فهو يحسن رؤية عيوب الآخرين، وينسى أنه قد يكون في بعض الأحيان جزءاً من المشكلة، وأسهل شيء على بعضهم أن يلقي بالتبعة على غيره، ليقنع نفسه بالسلامة من المسؤولية! وقد صحَّ عن الرسول صلى الله عليه وسلم  قوله: «يبصر أحدكم القذى في عين أخيه، وينسى الجذع في عينه!»[1].

وفي غمرة الخلاف يتجرأ بعضهم في قراءة دوافع الآخرين وتفسيرها بتكلف، لكنه قد يغفل عن رؤية منطلقاته وآرائه، ولذا كان الإنصاف من النفس من الأخلاق العزيزة التي ينبغي ترويض النفس عليها، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَي0ْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [النساء: 135]، ومن لطيف فقه عمار بن ياسر - رضي الله عنه - قوله: «ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان: الإنصاف من نفسك، وبذل السلام للعالم، والإنفاق من إقتار»[2].

ورؤية عيوب الآخرين مع ضعف الإنصاف من النفس أدت إلى تفشي ظاهرة التظالم الدعوي، فإذا ساد الجور والبغي، وبَخْسُ الدعاة حقوقهم، ونسيان فضائلهم، وتضخيم أخطائهم؛ فمن المتوقع أن تحدث القطيعة وتزداد الفجوة!

ولذا فإن إشاعة قيم العدل، وأخلاق الإنصاف والمروءة، من أهم مداخل الإصلاح الدعوي المنشود، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة: ٨].

وقد ذكر أبو محمد بن حزم ميزان الإنصاف بلفتة مهمة، قال فيها: «من أراد الإنصاف فليتوهم نفسه مكان خصمه، فإنه يلوح له وجه تعسفه»[3].

 ثانياً: أكثرنا يجيد الوصف والتنظير المجرد، لكنه يقصِّر في تقديم مبادرات عملية للعلاج ورأب الصدع، تتناسب مع خطورة الواقع الدعوي.

وأحسب أن إحساس كثير من الدعاة النظري بالمشكلة كبير، لكنه لا يتناسب مع جديتهم العملية في علاجها!

وبتأمل سيرة النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم  سنجد أمثلة عملية كثيرة على المبادرة في الإصلاح العملي بين المسلمين، ومن ذلك: ما رواه سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه - قال: إن أهل قباء اقتتلوا حتى تراموا بالحجارة، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم  بذلك، فقال: «اذهبوا بنا نصلح بينهم»[4]، وفي رواية أخرى عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - أنَّ ناساً من بني عمرو بن عوف كان بينهم شيء فخرج إليهم النبي صلى الله عليه وسلم  في أناس من أصحابه يُصلح بينهم[5].

 ثالثاً: علاج ظاهرة التفرق والإصلاح بين الدعاة يتطلب جهداً دؤوباً، وصبراً كبيراً، وسعة علم وصدر، وتحملاً عالياً لأعباء الإصلاح، وقدرة كبيرة على تأليف القلوب، وامتصاص الشحناء والتوتر، وتحويل الخصومة والمكايدة - مهما كانت شديدة - إلى محبة وولاء، وذلك فنٌّ عزيز ليس بالضرورة أن يجيده من يحسن تأليف الكتب، قال الله تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ 34 وَمَا يُلَقَّاهَا إلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت: 34، 35].

 رابعاً: من منطلقات الوفاق الإحساس العميق بالحاجة الماسة إلى الأطراف الأخرى، لكن الشعور بالقوة والتفوق الدعوي في مرحلة ما من المراحل قد يزهد بعض التجمعات الدعوية في التوافق والاجتماع الدعوي، مما يجعل عبادة الإصلاح والاجتماع ليست عندهم في سلم الأولويات!

وحين تتأمل هدي النبي صلى الله عليه وسلم  تجد فيه مثالاً عظيماً على الفاعلية والإيجابية في التعامل مع كل دعوة للخير، فهو يقول في صلح الحديبية: «والذي نفسي بيده لا يسألونني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها»[6]. فلو أن هذا الحديث أصبح شعاراً للدعاة، وسبيلاً لتعاونهم، لانفتحت لهم أبواب من الخير كثيرة، ولسادوا الناس بمبادراتهم وأياديهم الممدودة.

خامساً: ما أكثر ما نتحدث في أدبياتنا عن «الأمة» و«الجماعة»، لكن بعض الدعاة في وقت الرخاء قد لا يستشعر عملياً أهمية الاجتماع، فيضعف الدافع ويقل الحماس. حتى إذا تألب الأعداء على الأمة، وتتابعت النوازل؛ صعب الاجتماع، لأن جسور التواصل ضعيفة، والثقة المتبادلة هشة، وحسن الظن بين الدعاة لم يبنَ على أرض صلبة!

سادساً: التجارب الفاشلة في الاجتماع تزهد فيه بعض التجمعات الدعوية، وبدلاً من دراسة أسباب الفشل ومحاولة تجاوزها، يستصحب الفشل السابق في كل مرحلة ليكون ذريعة للتحذير من الاجتماع. وتصبح المقررات المسبقة عائقاً يحبط المبادرات الجديدة! والمحبطون يستثقلون الإصلاح عادة، ويفقدون التوازن في تقديرهم للواقع!

والجدير بالذكر ها هنا أن الخلافات التاريخية المتراكمة والخصومات العميقة المتجذرة لا يمكن درؤها بمبادرة أو مبادرتين، ولكن ينبغي الأناة والترفق، وسعة الصدر، والتعامل بقدر كبير من التدرج والواقعية مع المشكلات المزمنة، ومن أدلة هذا الباب قول عائشة - رضي الله عنها -: «إنما نزل أول ما نزل من القرآن سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء: لا تشربوا الخمر، لقالوا: لا ندع الخمر أبداً، ولو نزل: لا تزنوا، لقالوا: لا ندع الزنا أبداً. لقد نزل بمكة على محمد صلى الله عليه وسلم  وإني لجارية ألعب: {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} [القمر: 46]، وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده[7]. وحين تولى عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - الخلافة، أدرك ضرورة التلطف والتدرج في الإصلاح، وقال لابنه: «لا تعجل يا بني فإن الله ذمَّ الخمر في القرآن مرتين وحرمها في الثالثة، وإني أخاف أن أحمل الناس على الحق جملة، فيدفعوه جملة، ويكون من ذا فتنة»[8].

 سابعاً: الاجتماع الدعوي يتطلب قدراً كبيراً من التطاوع الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم  بقوله: «تطاوعا ولا تختلفا»[9]. ولا يتحقق التطاوع إلا بالمرونة والملاينة، والاستعداد الجاد للتوافق، والقدرة على التنازل عن الرأي الاجتهادي تأليفاً للصف، وهذا ثقيل على بعض النفوس، ولذا يزهد بعضهم عملياً في الاجتماع لأنه يقتضي امتثاله لاجتهادات إخوانه في بعض المواقف والنوازل، وتراه يعرض عن هذا ويغلب جانب الاعتداد بالرأي والتعصب له!

وفي سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم  مثال عظيم للتنازل مع المشرك المحارب في المسائل التي لا ينبني عليها عمل، فكيف بالمسلم المسالم، ففي صلح الحديبية أنه «جَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، فَقَالَ: هَاتِ اكْتُبْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابًا، فَدَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم  الْكَاتِبَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، قَالَ سُهَيْلٌ: أَمَّا الرَّحْمَنُ، فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا هُوَ، وَلَكِنْ اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ كَمَا كُنْتَ تَكْتُبُ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: وَاللَّهِ لَا نَكْتُبُهَا إِلَّا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ سُهَيْلٌ: وَاللَّهِ لَوْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ مَا صَدَدْنَاكَ عَنِ الْبَيْتِ وَلَا قَاتَلْنَاكَ، وَلَكِنْ اكْتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : وَاللَّهِ إِنِّي لَرَسُولُ اللَّهِ، وَإِنْ كَذَّبْتُمُونِي اكْتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ»[10].

وهذا من أدق الفقه وأعمق البصيرة، وحاجة الدعاة له من أعظم الألويات!

وإذا كان العجب والاعتداد بالرأي من خوارم الأخلاق على مستوى الأفراد فهو في التجمعات والمنظمات العامة أشد سوءاً، وأكثر خطراً، لأن أثره يتعدى الفرد إلى الجماعة!

ومن القواعد التي قررها شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من العلماء أنَّه يستحب ترك المستحبات تأليفاً للقلوب، ومن ذلك قوله: «ويستحب للرجل أن يقصد إلى تأليف القلوب بترك هذه المستحبات؛ لأنَّ مصلحة التأليف في الدين أعظم من مصلحة فعل مثل هذا، كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم  تغيير بناء البيت لما في إبقائه من تأليف القلوب، وكما أنكر ابن مسعود على عثمان إتمام الصلاة في السفر ثم صلى خلفه متماً، وقال: الخلاف شر»[11].

وقال في موضع آخر: «مصلحة الجماعة والائتلاف، ومفسدة الفرقة والاختلاف؛ أعظم من أمر المسائل الجزئية»[12].

والتطاوع ليس فضلاً ولا منَّة من أحد على أحد، بل هو امتثال لسنة النبي صلى الله عليه وسلم  وتعظيم لأمره، وهذا ما فقهه أبو عبيدة - رضي الله عنه - حيث بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم  جيش ذات السلاسل، فاستعمل أبا عبيدة على المهاجرين، وعمرو بن العاص على الأعراب، وقال لهما: «تطاوعا»، فلما اختلفا قال أبو عبيدة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم  أمرنا أن نتطاوع، فأنا أطيع رسول الله صلى الله عليه وسلم  وإن عصاه عمرو[13].

فالتطاوع ترويض للنفس على امتثال السنة، وهو من أهم مداخل الوفاق الدعوي، وفقده يفتح باباً من أوسع أبواب الفرقة!

ثامناً: الاجتماع مع الآخرين يتطلب إقالة عثراتهم، وإعذارهم لبعض اجتهاداتهم، وإشاعة قيم التغافر والتماس المعاذير؛ وإعذار المخالف فقه لا يقوى عليه إلا من آتاه الله علماً وزكاء نفس!

وكثير من معارضي الاجتماع يجدون أسباباً علمية وعملية تسوّغ لهم ذلك، لكنهم يغفلون أو يتغافلون عن أسباب أخرى أكثر أهمية وأعلى قدراً، توجب عليهم الاجتماع والائتلاف، لذلك قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: «وإن ما تكرهون في الجماعة خير مما تحبون في الفرقة»[14].

تاسعاً: تغلب الطبائع الشخصية أحياناً على الواجبات الشرعية، فبعض الدعاة قد يكون حاد الطباع، غضوباً، متعنتاً، متصلباً في آرائه.. ومثل هذا الشخص إذا كان جسراً للتواصل الدعوي فإنه - في الغالب - قد يفسد ولا يصلح، ويقطع ولا يصل، ولذا ينبغي أن يحسن الدعاة اختيار مفاتيح التوافق والإصلاح، ولكل مهمة رجالها، وفي الحديث: «ليس الشديد بالصُّرعة، وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب»[15].

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم  يعتني باختيار رسله إلى الملوك والأقوام، وكذا فعل علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - مع الخوارج حين أرسل لهم عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -؛ ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم  وأصحابه أسوة حسنة.

عاشراً: ينبغي أن يتحلى المصلحون بسعة الأفق، فليس الهدف من التواصل الدعوي تحقيق انتصارات شخصية أو إنجازات حزبية، وإنما الهدف تحقيق مراد الله في الاجتماع، وتغليب المصالح العامة على المصالح الخاصة، والقدرة على الموازنة بين مراعاة المآلات البعيدة مع العناية بتحقيق المصالح القريبة، قال الله تعالى: {وَمَن يُؤْتَ الْـحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة: 269]، وما أحوجنا إلى التخلق بأدب الإمام الشافعي إذ يقول: «وددتُ أنَّ الخلق يتعلمون هذا العلم، ولا ينسب إليَّ منه شيء»[16].

ومن الأمثلة العملية السامقة ما رواه عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: دخلت على حفصة، فقلت: قد كان من أمر الناس ما ترين فلم يُجعل لي من الأمر شيء، فقالت: الْحَقْ، فإنهم ينتظرونك، وأخشى أن يكون في احتباسك عنهم فرقة، فلم تدعه حتى ذهب، فلما تفرق الناس خطب معاوية، فقال: من كان يريد أن يتكلم في هذا الأمر فليطلع لنا قرنه، فنحن أحق به منه ومن أبيه. قال حبيب بن مسلمة لابن عمر: فهلَّا أجبته؟! قال عبد الله: فحللت حبوتي، وهممت أن أقول: أحق بهذا الأمر منك من قاتلك وأباك على الإسلام، فخشيت أن أقول كلمة تفرق بين الجمع، وتسفك الدم، ويحمل عني غير ذلك، فذكرت ما أعد الله في الجنان. فقال حبيب: حفظت وعصمت[17].

فتأمل فقه ابن عمر - رضي الله عنهما - وبصره بالمآلات، وتغاضيه عن بعض الأمور برغم وضوح الخطأ فيها عنده، وحرصه على اجتماع الكلمة، وتحكمه بمشاعره تغليباً لنعيم الآخرة!

ختاماً

لا أعلم واجباً على الإسلاميين أولى وأهم من رصِّ الصفوف وإصلاح ذات البين، ولا أعلم ذنباً تظهر عقوبته عليهم في كل نازلة أشد من داء الفرقة والتنازع!

ولعلَّ جزءاً كبيراً من المشكلة ناتج في الحقيقة عن «الأثرة، وتغليب حظوظ النفس، وقصور تربوي وأخلاقي في بعض المحاضن الدعوية يُلبَّس أحياناً لبوس الخلاف العلمي والمنهجي؛ فقيم الرحمة والمروءة والإنصاف والسماحة.. ونحوها من قيم الاجتماع في حاجة إلى تعزيز وتربية في المحاضن الدعوية، وقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : «واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت»[18]، وفي هذا يقول أبو حامد الغزالي: «اعلم أنَّ الألفة ثمرة حسن الخلق، والتفرق ثمرة سوء الخلق؛ فحسن الخلق يوجب التحاب والتآلف والتوافق، وسوء الخلق يثمر التباغض والتحاسد والتدابر. ومهما كان المثمر محموداً كانت الثمرة محمودة»[19].

فما أجدر الدعاة بالعناية بتطهير القلوب وتزكية النفوس، فهي أعظم أبواب الوفاق والإخاء، كما أن الذنوب سبب للفرقة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «والذي نفسي بيده، ما توادّ اثنان ففُرق بينهما إلا بذنب يحدثه أحدهما»[20].


 


[1] أخرجه ابن حبان في صحيحه رقم (5761)، وأبو نعيم في حلية الأولياء (4/99)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة رقم (33)، وفي صحيح الجامع (8013).

[2] رواه البخاري معلقاً في كتاب الإيمان (1/15)، وانظر شرح الإمام ابن القيم لقول عمار بن ياسر - رضي الله عنه - في زاد المعاد (2/372-375).

[3] الأخلاق والسير (ص80).

[4] أخرجه البخاري في كتاب الصلح رقم (2693).

[5] أخرجه البخاري في كتاب الصلح رقم (2690)، ومسلم في كتاب الصلاة رقم (421).

[6] أخرجه البخاري في كتاب الشروط رقم (2731).

[7] أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن رقم (4993).

[8] الموافقات (2/148).

[9] أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير رقم (3038)، ومسلم في كتاب الجهاد والسير رقم (1733).

[10] أخرجه  البخاري في كتاب الشروط رقم (2542).

[11] مجموع الفتاوى (22/407)، وانظر: خلاف الأمة في العبادات ومذهب أهل السنة والجماعة ضمن مجموعة الرسائل المنيرية (3/115-117)، وقاعدة في توحد الملة وتعدد الشرائع، ضمن مجموعة الرسائل المنيرية أيضاً (3/140-142).

[12] جامع المسائل، المجموعة الخامسة (ص 273-274).

[13] أخرجه أحمد رقم (1698)، وضعفه الأرنؤوط، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/209): مرسل ورجاله رجال الصحيح.

[14] أخرجه اللالكائي في شرح اعتقاد أهل السنة رقم (158-159)، والآجري في الشريعة رقم (13)، وابن جرير الطبري في تفسيره (7/75)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع رقم (3014).

[15] أخرجه البخاري في كتاب الأدب رقم (6114)، ومسلم في كتاب البر والصلة رقم (2609).

[16] حلية الأولياء (9/118).

[17] أخرجه: البخاري في كتاب المغازي رقم (4108).

[18] أخرجه مسلم رقم (771).

[19] إحياء علوم الدين (2/157).

[20] أخرجه أحمد (9/259) رقم (5357)، وصححه الأرنؤوط.

  

أعلى