• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
التطبيقات المعاصرة للفلسفة الشرقية

التطبيقات المعاصرة للفلسفة الشرقية

إن استقراء التاريخ والإفادة من دروسه وعبره، من أعظم ما تنتفع به الأمة الإسلامية، فتتشكل لدى أفرادها نظرة استشرافية تتوقع معها تشابه النتائج عند تشابه المقدمات، فتتعامل مع الأحداث والظروف بحنكة تُحقق بها المكاسب وتتجنّب المكاره والأضرار، وكما قال المصطفى عليه الصلاة والسلام: «لا يُلدغ المؤمن من جحر مرتين».

ومن أهم المنعطفات الخطرة في تاريخ الأمة، تلك الحقبة التي ظهر فيها كثيرمن الفرق والمذاهب العقدية، حيث أسهمت عوامل عدة في تشكيل تلك المذاهب المنحرفة، من أبرزها: دخول الفلسفة إلى العالم الإسلامي وانبهار طائفة من المسلمين بها.

ففي منتصف القرن الثاني للهجرة - في عهد الخليفة العباسي المنصور - ازدهرت حركة الترجمة، ثم توسعت بشكل كبير في عهد المأمون، وتناولت أعمال الترجمة كثيراً من كتب الفلسفة التي تضمنت علوم المنطق والطبيعيات وما يُعرف بالمقادير، إلا أن أخطر تلك العلوم على الإطلاق كان ما يتعلق بالإلهيات والعلوم الميتافيزيقية، ومما زاد الطين بلة أن تلك الأعمال لم تُسند إلى أمناء المسلمين، وإنما إلى النصارى من أهل الذمة.

فانقسم الناس حيال تلك الفلسفات الدخيلة إلى ثلاثة أقسام:

- قسم تقبل الفلسفة كما هي وتشربها ودعا إلى مبادئها، وهؤلاء هم زنادقة الفلاسفة، وإن حاول بعضهم أن يكسو مخ الفلسفة بلحاء الشريعة.

- وقسم حاولوا تنقيح الفلسفة والجمع بينها وبين الشرع، فأضافوا إليها ما ظنوا أنه ينقيها مما فيها من الباطل، وهؤلاء هم المتكلمون الذين كان فعلهم سبباً في ظهور كثير من البدع الاعتقادية التي لا نزال نرى آثارها اليوم.

- وقسم رفض الفلسفة بالجملة، ولا سيما ما يتعلق بالغيبيات والإلهيات، فجاهدها بلسانه وقلمه، ومن أبرز هؤلاء الأئمة: ابن الجوزي وابن الصلاح وابن تيمية والذهبي وابن القيم - رحمهم الله -، حيث وضّحوا أوجه مخالفة مقالات الفلاسفة للشريعة بالتفصيل، وانحرافهم في عقيدة الإله ومفهوم العبادة وتصور العالم، مع خلل جلي في تناول النصوص الشرعية وتفسيرها.

ورغم وجود جهود مضادة للمد الفلسفي في العالم الإسلامي منذ ذلك الوقت، حيث أُحرقت كتب الفلسفة ومُنع تداولها وتدريسها، وأُبعد بعض رموزها، وأقيم الحد على من ارتد بسبب تأثره بها؛ إلا أن ذلك المد أحدث تأثيراً كبيراً في تشكيل المنظومة العقدية لكثير من الفرق واسعة الانتشار، وما زالت أمتنا اليوم تعاني تلك الآثار، فهل يُمكن تصور حال الأمة لو لم يقف أمام ذلك الزحف جهابذة علماء السلف؟

فإذا انتقلنا إلى العصر الحديث سنجد مقدمات وإرهاصات لزحف فلسفي من نوع جديد يتمثل في إحدى أشهر الفلسفات القديمة على الإطلاق، وهي الفلسفة الشرقية النابعة من الصين والهند، ومن الهندوسية والبوذية والطاوية تحديداً. ورغم أنه لا يمكن اعتبار تأثير تلك الفلسفة في الفرق المنتسبة إلى الإسلام جديداً بالكلية، حيث كان لها نصيب يسير من الترجمة في العهد العباسي جعلها من أبرز مصادر الفكر الصوفي المغالي الذي يعتمد في كثير من عقائده على الفيدانتا الهندوسية؛ إلا أن دخولها عبر تطبيقات معاصرة إلى من نشؤوا على التوحيد ومنهاج السلف، أمر جديد بلا شك.

فبعد أن انحسر تأثير الفلسفة الشرقية واقتصر على أتباعها في الأعم الأغلب لعدة قرون، ولم يظهر لها أثر يذكر في تشكيل الفكر أو نشأة المذاهب؛ بدأت تُبعث من جديد حينما تُرجمت النصوص الشرقية للغة الإنجليزية، وظهر اهتمام شعبي غير مسبوق بمحتواها من قبل من هم خارج الدوائر العلمية والبحثية الأكاديمية في الغرب.

ومع توالي هجرة كهّان الديانات الشرقية للدول الغربية ومشاركتهم في المناسبات الثقافية، إضافة إلى عدد من العوامل الأخرى الاجتماعية والجغرافية؛ تزايد الاهتمام بروحانيات الشرق لدى الغرب المادي.

ونظراً للطبيعة العلمانية السائدة في العالم الغربي، تم تحوير بعض المفاهيم الفلسفية وإلباسها لبوس الفكر المشترك والعلم التجريبي ليتم نشرها بين الناس بشكل أيسر وبأقل مقاومة ممكنة. فظهر أثرها جلياً في الفكر الثيوصوفي و«الفكر الجديد»، وأخيراً في حركة العصر الجديد التي أحدثت نقلة نوعية في أساليب نشر الفكر الباطني الشرقي.

ومصداقاً لحديث النبي #: «حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه»، انتقل الاهتمام بالفلسفات الشرقية إلى العالم الإسلامي، وبالأساليب ذاتها التي تستخدمها حركة العصر الجديد، فباتت تروج عبر ثلاثة منابر رئيسة:

الاستشفاء والطب البديل.

تطوير الذات والتنمية البشرية.

وفي الفتزة الأخيرة عبر الأطروحات «الروحانية» الصوفية.

لكن المستغرب فعلاً هو عدم التفات كثير من طلاب العلم الشرعي للتطبيقات المعاصرة للفلسفة الشرقية، وعزوف كثير منهم عن التحذير منها وإيضاح الخلل العقدي الكبير الذي تتضمنه، ولعله يمكن إرجاع ذلك لأحد أمرين:

أولهما: عدم  الاطلاع الكافي على التطبيقات ذاتها لكونها في الأصل بعيدة عن التخصص.

والآخر: عدم الإلمام الكافي بالفلسفة الشرقية وتصورها بشكل دقيق، بحيث لا يتمكن من الربط بين الممارسة الحديثة والفلسفة الأم، بخلاف الفلسفة اليونانية التي تعتبر من المناهج المهمة في التخصص بكثير من الجامعات.

ولذلك كان لا بد من تقديم تصور مجمل للفلسفة الشرقية قبل الحديث عن تطبيقاتها المعاصرة.

ترتكز الفلسفة الشرقية على خمسة مبادئ رئيسة:

عقيدة وحدة الوجود، ومنها تتفرع بقية المبادئ.

الاعتقاد بالشرارة الإلهية، وهي «الحقيقة» الدفينة في الذات البشرية.

الإشراق والاستنارة، وهي إدراك «الحقيقة» ووحدة الوجود.

وحدة الأديان.

نسبية الحقائق والقيم.

وهما متقاربتان، ونتيجتان حتميتان للقول بوحدة الوجود.

كما أن للفلسفة الشرقية اصطلاحات خاصة يعبّر بها عن بعض العقائد الشائعة عند القوم؛ كالطاو والبراهمان والين يانغ والشاكرا والكارما والنيرفانا واليوغا وغيرها.

إن تسرب هذه المصطلحات المشبعة بالمفاهيم الفلسفية والخلفيات الثقافية، بل العقائد الشرقية، عبر تطبيقات متنوعة رغم خطورته ؛ لا يمثل الإشكالية الكبرى لدى الشريحة المتبنية لها، بل إن الخلل الأكبر يكمن في اختلال مصادر التلقي ومصادر المعرفة الحسية عند أكثرهم، إذ لا يقتصر التلقي الغيبي على مصادر الوحي المنضبطة بمنهجية السلف في الفهم والتفسير، وإنما يعول فيه على المصادر «الداخلية» والكشوفات والإلهامات والحدوس.

أما المعرفة الحسية فلا يُعتمد فيها على المنهج العلمي التجريبي (Scientific methodولا يلتفت فيها إلى الدراسات المحكمة والاختبارات المعملية المنضبطة، وإنما يُعتمد على التجارب الفردية والأحكام والروايات الشخصية التي تخضع لمتغيرات لا محدودة.

ولعل أبرز النماذج على هذا الخلط المعرفي يظهر في مصطلح «الطاقة» الذي شاع استخدامه في السنوات الأخيرة في سياق غير متخصص، كالطب البديل وتنمية الذات، وهو مصطلح فضفاض حمّال أوجه استُخدم في النسخ المُحدثة من الفلسفة الشرقية للتعبير عن الوجود الكلي، ومادة الكون، ومرر على كثير من الناس بصورة العلم الزائف الذي يستر الفلسفة الباطنية الملحدة، فـ «الطاقة» المعنية لا تثبت بالشرع ولا بالمنهج العلمي.

لكن نظراً لإشكالية هذا المصطلح يحصل الجدل في نسبته إلى جذوره العقدية.

فـ «الطاقة» لها معنى مخصوص في الفيزياء والعلوم التطبيقية، كالطاقة الحرارية أو النووية أو الكهربائية، ونحوها، وهي طاقات محسوسة قابلة للاختبار والقياس.

وهناك «الطاقة» بمعناها اللغوي التي تفسر بالقدرة والوسع كما في قوله تعالى: (ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به).

وهناك «طاقة» تُستخدم على سبيل المجاز في سياقات متعددة، كطاقة الحب وطاقة العبادة، لا تخلو في كثير من الأحيان من إشكالات علمية أو شرعية.

غير أن «الطاقة» المشار إليها في تطبيقات الفلسفة الشرقية ليست شيئاً مما سبق، وإن كانت تُخلط بها وتُمزج في كثير من الأحيان، وإنما هي طاقة روحانية ميتافيزيقية غير قابلة للاختبار والقياس، تُدرك بالتجربة الذاتية والتأملات الباطنية، فهي الوجود المطلق الذي يتجلى في الموجودات المحسوسة، والذي يُعبر عنه أحياناً بالوعي، وأحياناً بـ «الإله»، ولا «إله» في الفلسفات الباطنية إلا هو، إذ الإله المباين للمخلوقات المتصف بصفات الكمال والجلال عقيدة «بدائية» يترفع عنها فلاسفة الشرق!

وأما الإنسان فهو «إله» في الحقيقة، أو هو الوجود الكلي عند من لا يفضل استخدام اصطلاح «الألوهية»، يعتريه النقص وتعترضه الأسقام لابتعاده عن طبيعته الأصلية، وهو ما يعبر عنه باختلال «الطاقة»، ولأجل التغلب على ذلك لا بد من أن يعود إلى تلك الطبيعة بوسائل مختلفة.

فنجد تطبيقات الاستشفاء القائمة على فلسفة «الطاقة الكونية» والمستقاة من الديانات والفلسفات الشرقية، تعمل على «موازنة الطاقة» واستقطابها من الكون عبر طقوس لا علاقة لها بالعلوم التجريبية، وإنما هي أشبه ما تكون بالرياضات والأوراد الصوفية التي تهدف إلى تحقيق الإشراق والفناء. بل يُصرح كثير من الممارسين في الشرق والغرب بأن الهدف من تلك التطبيقات ليس مجرد تحسين الصحة والتخلص من أعراض المرض، وإنما تحقيق السمو الروحي والاتحاد بالمطلق. فهذا مبتكر نظام الماكروبيوتك[1] جورج أوساوا مثلاً يقول في كتابه (دعوة إلى الصحة والسعادة): «إن هدفي في إصدار هذا الكتيب أن أدلك على طريقة اغتذاء واختيار أطعمة ستقودك في آخر الأمر إلى الحقيقة والسعادة الأبدية»! ويقول: إن الماكروبيوتيك هو «إحدى الطرائق الثماني للوصول إلى... النيرفانا»! وإنه «المبدأ الأساسي لأهم الأديان الشرقية».

ومن التطبيقات المعاصرة للفلسفة الشرقية المتعلقة بالتداوي والاستشفاء: البرانيك هيلنغ (العلاج بالبرانا)، والريكي، والأيورفيدا، والتداوي بطاقة الأحجار والألوان والأهرام، والفونغ شوي (طاقة المكان)، والتشي كونغ وغيرها، علماً بأن هذه الممارسات في الجملة لا تخلو تماماً من بعض الحق النافع، إذ لولاه ما راجت بين الناس، لكنها في أساسها لا تستند إلى مصدر سليم من الشرع أو العلم التجريبي.

أما برامج تطوير وتنمية الذات فقد كانت البوابة الأولى التي ولجت عبرها الأفكار الشرقية قبل خمسة عشر عاماً تقريباً، لكن الآثار الفلسفية أصبحت أكثر وضوحاً مع مرور الزمن، ولا يزال أثرها يتفاوت بين دورة وأخرى، فمن مستقل ومستكثر.

يبدأ الانحراف في هذا المجال بالتركيز على الذات البشرية وتعظيمها، والاعتماد على قدرات النفس والتعويل عليها، لكنه يتطور ليصل إلى إخراجها عن حدودها البشرية ووصفها بالقدرات «غير المحدودة» وخوارق العادات، حيث تعتبر النفس وسيلة لتحصيل النجاح والتوفيق والرزق والشفاء، وتظهر المنازعة السافرة لأوصاف الإله وخصائص الربوبية. ويعتبر قانون الجذب، والحديث عن قوى العقل الباطن، أشهر مثالين لهذا الانحراف في مجال التنمية وتطوير الذات.

يقوم قانون الجذب الباطني - المتستر إسلامياً بأحاديث الظن والفأل - على نظرة الفلسفة الشرقية للكون والوجود، والتي تقرر أن الوجود المطلق هو الوعي أو الفكر، وأن العالم الخارجي لا وجود له إلا في الذهن، فهو مجرد انعكاس للفكر (أو التركيز)؛ ولذلك فإن التغير في «الفكر» يوجب التغير في المظاهر الخارجية والعالم المحيط بالإنسان، ومن ثم تتحقق له الرغبات في إرادته المجردة، وبها تتعلق الأرزاق والأقدار. فهو في الواقع - ليس إلا صورة حديثة لمذهب القدرية المتقدمين، بل هو أشد جرأة وبشاعة من سابقه، وهو يخالف الشرع والعقل والحس، وللتفصيل في الرد عليه مقام آخر.

 ويشبه قانون الجذب ما يتعلق بالعقل الباطن بمعناه الفلسفي لا النفسي، فـ «العقل الباطن» كما يُعرّفه جوزيف ميرفي مثلاً - صاحب كتاب (قوة عقلك الباطن)، هو القوة المدبرة للكون، وبالغوص في أعماق الذات يمكن للإنسان التواصل مع هذه القوة غير المحدودة التي تمكنه من التحكم بالرزق والصحة والنجاح والاطلاع على العلوم والمعارف المطلقة. فالعقل الباطن بهذا المعنى الفلسفي نظير «الطاقة» و«الوعي» والوجود الكلي، وصورة من صور تأليه الذات المتفرعة عن الفلسفات الشرقية.

وللأسف يرتبط كثير من الدورات المتعلقة بتطوير الذات بهذين المفهومين وكيفية استغلالهما لتحقيق الأهداف وتطوير القدرات.

أما المجال الأخير والأخطر في رأيي ، فهو ما يتعلق بالطرح «الروحاني» المجرد، حيث تُعرض في تلك الدورات والبرامج روحانيات الشرق بشكل نظري مباشر دون اللجوء لسترها بممارسات أو تطبيقات عملية، ثم تُعطى صفة شرعية من خلال محاولات «الأسلمة» واستعارة المصطلحات. إلا أن نتيجة هذا الخلط بين الفلسفة الشرقية والإسلام أفرزت كما هو متوقع أطروحات صوفية النفس والمضمون.

وأدى هذا التشابه بين التصوف والروحانيات الشرقية المؤسلمة إلى ميل «الروحانيين الجدد» للتراث الصوفي الفلسفي والدعوة إلى تمجيد رموزه وإعادة إحياء تراثهم البائد في بيئات بعيدة عنه ونقية من لوثاته.

تتناول البرامج «الروحانية» قضايا الميتافيزيقيا والإلهيات من منظور غير شرعي، أو بتأويلات غير منضبطة ولا سائغة لنصوص الشريعة، فأصبحت المصطلحات والمفاهيم الشرقية تطرح كقراءات جديدة للدين، وتمثل خروجاً عن القراءات التقليدية التي «عفا عليها الدهر» في نظرهم. وبالطبع لا يتورع أصحاب هذا التوجه عن التنقص من منهج السلف، ووصف أتباعه بالمبرمجين الناهلين من «الأوراق الصفراء»، منفرين من هذا المنهج القويم، داعين إلى الانفلات في قراءة النص والاعتماد على المصادر الباطنية للمعرفة الغيبية والروحانيات.

وللأسف أصبحنا نسمع ونقرأ لمن يحمل سمت طلاب العلم الشرعي كلاماً لا يختلف كثيراً عن أطروحات ابن عربي والحلاج وجلال الدين الرومي، وملاحدة الباطنية، ويكثر فيه الاستشهاد بمقالاتهم المتوافقة مع الفلسفات الشرقية الوافدة واعتبارهم أئمة مبدعين قتلتهم العقول المنغلقة.

إن إبراز تلك النماذج المنحرفة من التراث الإسلامي إنما جاء في محاولة لتمرير الفلسفات الشرقية باعتبارها متوافقة مع الدين، فعقائد الحلول والاتحاد ووحدة الوجود المشتهرة في الشرق ظاهرة في مقالات غلاة الصوفية.

وفي تلك البرامج يتم تسويق الباطنية المحدثة ذات الأصول الشرقية الواضحة وتمجيد روادها أمثال أوشو وديباك شوبرا، وإكهارت تولي وغيرهم.

فكان مما ظهر دورات تتناول مفهوم «الإيجو» وترتكز على نفي الذات الفردية والغوص في الذات الكونية وفقاً للفلسفة البوذية، وأخرى تتناول أسرار «الكينونة» والأقدار والوجود، أو تدعو للتناغم مع الكون والاتحاد به. وأصبح مبدأ «هنا والآن» و«قوة الآن» يطرح في البيئات الإسلامية، وتتم مناقشة أساليب تقوية «الحدس» والإلهام وكيفية التواصل مع مصدر المعرفة المطلقة، وغيرها كثير من العقائد والمفاهيم المعروفة في الفيدانتا الهندوسية وبوذية زن.

ولا شك في أن الانحراف العقدي في الأطروحات الروحانية أظهر منه في تطبيقات الاستشفاء والتنمية، فتلك تخلط بين الدجل والخرافة والفلسفة، بينما هذه مسائل عقدية وفلسفية صرفة.. إلا أن تلك التطبيقات كانت بمنزلة القنطرة التي عبرها المغترون وتدرجوا من خلالها إلى الطرح الفلسفي حتى لم يستنكروه. بل قد ظهر من بني جلدتنا من يُصرح بالألوهية الكامنة في الذات البشرية ثم لا يستنكر قوله إلا نزر يسير من الأتباع، فللشيطان خطوات وأساليب خفية يضلل بها بني آدم ويأتيهم بما لا يستنكرون، حتى ينسلخ أحدهم من دينه وهو لا يشعر.

وفي الختام: أؤكد أن هذا الزحف الباطني الحديث بحاجة إلى وقفة جادة ومواجهة حازمة من قبل طلاب العلم الشرعي والعلماء، وبمؤازرة قوية من أصحاب الهمم من التخصصات التطبيقية؛ كالطب والفيزياء ونحوهما؛ لصد هؤلاء المتطفلين على الشريعة المقتاتين على العلم الحديث.

:: ملف خاص بعنوان " الوثنية الحديثة.. ومحاولات الأسلمة

:: مجلة البيان العدد  329 محرّم  1436هـ، أكتوبر  - نوفمبر  2014م.


[1] نظام غذائي قائم على الفلسفة الشرقية.

 

 

أعلى