• - الموافق2024/11/21م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الاستعلائية  في الشخصية اليهودية

وكذلك فإنهم يسمون أنفسهم «الشعـب الأزلي»؛ حيث يعتـقـدون أنـهـم مثل الله -تعالى- لا أول لهم ولا آخر، ولا بداية ولا نهاية، وأنهم «الشعب المُقدس»ـ


إن الوجود الإنساني لأيّ شعب وجماعة يمكن تأطيره وقياسه بمجموعة من الأُطر القياسية بمضمونها الاجتماعي والديني والثقافي، بهذه المقاييس البسيطة والمُتشعِّبة يمكن لنا فَهْم الوجود الإنساني المُتمثل بجماعة بعينها أو شعب بمكوّناته، وبالتطرق إلى الشخصية اليهودية في إطار هذه المقاييس والمفاهيم، يُصبح أمرًا مُعقدًا بقدر تعقيد هذه الشخصية!

فالشخصية اليهودية بسماتها وخصائصها، وعواملها المُتداخلة المتناقضة في نفسها، لا تتصل اتصالًا مباشرًا بواقع الظروف التي ساهمت في تشكيل هذه الشخصية لذلك الشعب، بسمة أساسية تتمثل في التناقض بين الشعور بالاستعلاء والشعور بالدُّونية والاضطهاد والانعزالية.

وبسبب هذا الموقف الاستعلائي العنصري تعطّل جدل الوجود لدى الشخصية اليهودي، وظهر عالم عاجز عن فهم الشخصية اليهودية، وهُنا أقتبس -للاستدلال- مقولة غولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيلية سابقة: «لن نغفر للعرب أنهم أجبرونا على قتل أطفالهم»، وبهذا التناقض أصبحت الشخصية اليهودية تتَّسم بالروح العدائية غير المفهومة تجاه الآخر.

لقد شقَّت عقدة الانعزال عن البشر والامتياز والاستعلاء عـلى العالم طريقها إلى النفسية اليهودية، وأصبحت عاملًا أساسيًّا في تكوين شخصية هذه الجماعة من البشر منذ القدم عن طريق الأنساب والأعراق، وعن طريق الذكريات الدينية والسياسية التي تضخَّمت وغلظت مع الزمن.

وهنا يتضح مدى أهمية الخرافـة والأسطورة في خَلْق الإطار النفسي في الشخصية اليهودية في إطار الانعزالية الجيتوية للعنصر اليهودي، لدرجةٍ تتجاوز الحقيقة التاريخيـة، وخـاصـةً لأن هـذه الخرافة والأسطورة اصطبغتا مع الزمن بقدسية الديـن.

فظهرت في تعبيراتهم اللغوية ألفاظ يطلقونها على أنفسهم لتؤكد هذا الاستعلاء المرافق للعدائية تجاه الأغيار «غير اليهود»، وتزيد من الالتحام والتضامن اللذين يربطان بعضهم ببعض، وجعلوا هذه الظاهرة مرتبطة باختيار إلهي دون سائر شعوب الأرض، وبإرادة إلهية لا قِبَل للبشر بمقاومتها. ومن هنا لا يتردد اليهود في تسمية أنفسهم «شعب الله المُختار»؛ حيث يَعتقدون أن هذا الاختيار هـو اصطفاء إلهي، فبِهِمْ يُعاقب الله الآخر، وهم الذين يبقون وحدهم فـي آخر الزمان مُتسلّطين على رقاب العالم.

وكذلك فإنهم يسمون أنفسهم «الشعـب الأزلي»؛ حيث يعتـقـدون أنـهـم مثل الله -تعالى- لا أول لهم ولا آخر، ولا بداية ولا نهاية، وأنهم «الشعب المُقدس»ـ

ولا تقف فكرة الشعور بالاستعلاء العنصري في التكوين النفسي اليهودي عند ذلك الحد، بل تنعكس في العديد من التعبيرات التي تعكس الإيمان العميق لدى اليهودي بحقارة العـالـم مـثـل: «جوي» التي يُشار بها إلى الشخص غير اليهودي، وتعني القذارة الجسدية والروحية والكفر، وهكذا نجد أن الفكر الديني اليهودي قد صاغ العقلية اليهودية بشخصيتها الحالية فـي إطارٍ من العنصرية العدائية التي أفرزت مُجتمع استيطان يهود إسرائيل «مُقاول»؛ كما يُسميه المُفكر الإسرائيلي المغربي المُعارض للصهيونية «أبراهام السرفاتي»، ولها تاريخ في قتل رعاياها، والاتجار بمآسيهم دون أيّ اعتبار لأي قِيَم دينية.

وبالتعريج على التعريف السابق؛ تجدر الإشارة إلى أن الشخصية اليهودية العدائية، لم تتوقف عند الأغيار «غير اليهود»، بل امتدت إلى اليهود أنفسهم أيضًا. ففي بحثٍ أعدَّه مجموعة من الأكاديميين اليهود في مقال بعنوان: «لماذا يجب افتداء الرهائن؟»، تم نشره في 20 أكتوبر/ تشرين الأول 2023م، أي بعد 13 يومًا فقط من «طوفان الأقصى»؛ جاء فيه: «إن اليهود مأمورون بالعمل على فداء أَسْراهم، وإن القيام بذلك عمل عظيم ونبيل للغاية، ونظرًا للظروف التاريخية التي عاش في ظلها اليهود، أقلية ثقافية وسياسية؛ فإن مسألة معاملة اليهود الأسرى -فضلًا عن اهتمام المجتمع بأعضائه في الأَسْر- كانت دائمًا ذات أهمية كبيرة، مما جعل أفراد مجتمعهم يرفضون البقاء مكتوفي الأيدي، ويبذلون كلّ ما في وُسْعهم لتأمين فداء أحبائهم».
ويرى الأكاديميون الخمسة أنه مع قيام كيان إسرائيل؛ تغيَّر الالتزام بتخليص الأسرى، وتكثَّف أيضًا بطرق عديدة؛ لأن هذه الوصية الدينية تغيرت، وأصبحت فجأة مرتبطة في الحسابات السياسية؛ حيث أصبح الالتزام بتحرير الأسرى -حتى بثمن باهظ، وهو الثمن الذي كلّف المجتمع غاليًا- اختبارًا حقيقيًّا للترابط المجتمعي والاعتماد على الذات، واختبارًا لمسميات المُعتقد الديني للنصوص الدينية -من التوراة والتلمود والأدبيات الحاخامية-؛ التي تؤكد أهمية فداء الأسرى «الرهائن»؛ حيث جاء فيه: «السيف أسوأ من الموت» المجاعة أسوأ من السيف، والأَسْر أسوأ منهما جميعًا».

يُشير هذا الاختبار إلى حقيقة الشخصية اليهودية المُنقسمة على نفسها؛ حيث يُظهر هذا الاختبار من ناحية دينية، أنه مُجتمع من الملاحدة وظّفوا أساطير دينية، لتحقيق مصالح سياسية استعلائية.

ومن ناحية أخرى، يُسلّط الضوء على التوتر بين مصالح الأفراد: «الأَسْرَى والأُسَر» من ناحية، والمصالح المتنافسة داخل المجتمع من ناحية أخرى. وما يُعانيه المجتمع الإسرائيلي اليوم -من شرخ وفقدان ثقة في مؤسسات الكيان بسبب قضية الأسرى-، يُظهر جليًّا عُقدة اللا فهم لطبيعة الشخصية اليهودية! ويُؤكِّد أنها شخصية غير مفهومة، شخصية المُقاول، شخصية انعزالية، شخصية يجمعها الاختلاف واللا ترابط.

لم ينتهِ طول هذا الشرخ بهذا الاختبار، فبالرجوع لذاكرة التاريخ من صفقات تبادل الأسرى بين الكيان الإسرائيلي وأعدائه يظهر جليًّا كيف وظَّفت الحكومة الأساطير الدينية في تبرير دفع أثمان باهظة؛ فقد اضطرت لفك أَسْر الجندي جلعاد شاليط -الذي أَسَرته حركة المقاومة الإسلامية حماس في 2006م- إلى الإفراج عن أكثر من 1000 أسير فلسطيني؛ حيثُ صرح رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وقت إبرام الصفقة بقوله: «إن شعب إسرائيل فريد في نوعه، إنها الخصوصية اليهودية».

بالإشارة إلى خُرافة الأساطير الدينية التي تعكس جانبًا من التناقضات الأخلاقية التي تعانيها الحكومة الإسرائيلية، فهي تحاول أن تُفهم شعبها والعالم أن أرواح جنودها مقدَّسة ومستعدة لتقديم الغالي والنفيس لفك أسْرهم.

في حين نجد أن الحكومة الإسرائيلية وافقت بالإجماع على بروتوكول «هانيبال»؛ ووفقًا لهذا البروتوكول فإن «جنديًّا قتيلًا أفضل من أسير»؛ أي: أن البروتوكول يُخوِّل للجيش قتل أيّ جندي وقع في الأَسْر. أذكر على سبيل الاستدلال ما جرى للملازم «هدار غولدين» الذي أَسَرته المقاومة في غزة سنة 2014م؛ حيث تم قصفه مع آسريه.

ما أريدُ أن أخلص له في هذا المقال؛ إن الشخصية اليهودية التي صنعتها الأسطورة الدينية الاستعلائية، أنتجت مُجتمعًا في حالة تصادم دائم مع نفسه ومع الحكومة باختلاف توجهاتها التي تُقرّر سياسة المُجتمع وفقًا لمصالح «المُقاول»، لا بحسب الخصوصية اليهودية التي تُغنيها الأساطير الدينية؛ فهي شخصية استعلائية تفضّل قتل المواطن اليهودي على دفع ثمن افتدائه. وهو ما أدَّى إلى صُنع شخصية تفتقد الثقة في نفسها، وتحاول إخفاء هواجسها الداخلية عن الأغيار باتخاذ الغطرسة والاستعلائية، في تجسيدٍ جليٍّ لظاهرة مُعروفة في علم النفس باسم «التوحد في المُعتدي»؛ ومعناها أن يغدو اليهودي الضحية نازيًّا له ضحاياه، يَقتل بدلًا من أن يُقتَل.

  

أعلى