• - الموافق2024/11/21م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
كرامة ليست للبيع

في تحليل المشهد تبدو تصريحات الرئيس البرازيلي عن الفلسطينيين أكبر من مجرد كلمات للاستهلاك الإعلامي، -كما يفعل بعض السياسة-، لقد تحوَّلت بالفعل إلى مواقف عملية، وتم سحب السفراء، بل تطوَّر الأمر إلى مرحلة تكسير عظام داخلية مع المعارضة


منذ خسارته الانتخابات لم يشأ المعارض «بولسونارو» أن يطل برأسه من خلال مظاهرات أو تجمُّعات لأنصاره، فما الذي دعاه إلى تنظيم تلك التظاهرة الكبيرة التي تجمّع بها مئات الآلاف من مؤيديه منذ أيام قلائل، في مدينة ساو باولو، رافعين بالطبع عَلم البرازيل، وبجانبه عَلَم آخر وهو علم «إسرائيل». متحدّين بذلك الرئيس «لولا دا سيلفا».

معروفة أسباب بولسونارو من استخدامه العَلم الإسرائيلي، الرجل يريد أن يرسل رسالة سياسية لإسرائيل ومن ورائها الغرب ليستجدي دَعْمهم في مُواجهة خصمه السياسي الرئيس «دا سيلفا».

لكن ما الذي يمثّله العَلم الإسرائيلي بالنسبة للناخب البرازيلي، فهي لا تمثل دولة ذات حدود مشتركة أو تاريخ مشترك أو لغة أو قومية يُرجَى منها التعاون والاتحاد، ولا هي قوة اقتصادية يأمل في استثماراتها أن تنعش خزينة البلاد أو تمتلك قوة عسكرية عظمى يُستعان بها في دَفْع العدوان. لماذا يحمل أنصار بولسونارو أعلام دولة أخرى؟ ما الرمزية في ذلك؟

أما الرئيس «لولا دا سيلفا» فله قصة مع العَلم الإسرائيلي كانت آخر فصولها -وليست الأخيرة بالطبع فما يزال للقصة بقية-: «لن أبيع كرامتي»؛ لقد أعلنها الرجل أمام شعبه قائلًا: «عندما كنت في السجن قلت لهم: إنني لن أقبل بصفقة للخروج من السجن، ولن أستبدل حريتي بكرامتي. وأقول: لن أستبدل كرامتي بالباطل، وأنا أؤيد إنشاء دولة فلسطينية حرة ذات سيادة».

جاء هذا التصريح عقب زيارة وزير الخارجية الأمريكي «بلينكن» إلى البرازيل في أول زيارة له منذ ثلاث سنوات.

أما الزيارة فقد كانت بعد موقف الرئيس البرازيلي الذي وصف ما تفعله إسرائيل بالفلسطينيين بأنه إبادة جماعية يتم قتل الأطفال والنساء. فخلال زيارته إلى إثيوبيا لحضور قمة الاتحاد الإفريقي صرّح الرئيس «دا سيلفا» قائلًا: «ما يحدث في قطاع غزة مع الشعب الفلسطيني لم يحدث في أيّ لحظة أخرى في التاريخ. في الواقع لقد حدث عندما قرر هتلر أن يقتل اليهود».

لقد أثارت هذه المقارنة غضب الدولة الصهيونية التي أعلنت أن «لولا» شخص غير مرغوب فيه. وقال رئيس وزرائها بنيامين نتانياهو: «إن الرئيس البرازيلي تجاوز الخط الأحمر». واستدعى وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس سفير البرازيل فريدريكو ماير. وفي المقابل استدعت البرازيل سفيرها من تل أبيب للتشاور.

ولاحقًا اتّهم وزير الخارجية البرازيلي ماورو فييرا نظيره الإسرائيلي كاتس بـ«الكذب»، واصفًا تصريحاته بأنها «غير مقبولة بطبيعتها وكاذبة بمضمونها» و«مشينة» أيضًا.

هنا تدخلت الدولة الراعية للاحتلال فعبَّرت أولًا عن رفضها لتصريحات «لولا». وقال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية «ماثيو ميلر» للصحافيين: «من الواضح أننا لا نُوافق على هذه التصريحات. كنّا واضحين جدًّا لجهة أننا لا نعتقد بحصول إبادة في غزة». ثم أعقبتها بإرسال وزير خارجيتها مباشرة إلى البرازيل.

بالطبع لا يستطيع أحد خارج الدائرة الضيِّقة المحيطة بالطرفين أن يعرف مضمون الحوار الذي دار بينهما تحديدًا، ماذا طلب بلينكن من «دا سليفا»، وبماذا رد الأخير عليه.

لكن يُنبئك عنها تصريحات الرئيس البرازيلي: «لن أبيع كرامتي»، ومظاهرات معارضه بولسونارو التي جاءت عقب تلك التصريحات مباشرة، وتحديدًا بعد أسبوع واحد.

أما بولسونارو فهو معروف بآرائه اليمينية الشعبوية، وهو مؤيِّد ومدافع عن سياسات ومواقف اليمين المتطرف، ومحسوب أيديولوجيًّا على تيار أقصى اليمين المتطرف، وأطلقت عليه النُّخَب السياسية في البرازيل لقب «ترامب الاستوائي».

وفي تحليل المشهد تبدو تصريحات الرئيس البرازيلي عن الفلسطينيين أكبر من مجرد كلمات للاستهلاك الإعلامي، -كما يفعل بعض السياسة-، لقد تحوَّلت بالفعل إلى مواقف عملية، وتم سحب السفراء، بل تطوَّر الأمر إلى مرحلة تكسير عظام داخلية مع المعارضة، التي تبدو أنها لا تَسْعى للفوز بالانتخابات القادمة فقط، بل تسعى أيضًا إلى إقصاء الرئيس قبل أن يُكْمِل فترته الرئاسية، أو على أقل تقدير جَعلها فترة اضطرابات وعدم استقرار سياسي.

 بقي أن نعرف أن بولسونارو هو رئيس سابق للبرازيل، وأن حزبه السياسي يستحوذ على الأغلبية البرلمانية، ما يعني أنه يملك بالفعل القوة والأدوات التي يستطيع بها أن يُحرّك الأرض باستمرار من تحت أقدام «دا سيلفا»؛ الذي يبدو أنه يدفع ثمن مَواقفه من تأييده لحقوقنا، وتعاطفه مع ضعفائنا، والحفاظ على كرامته أيضًا، والرجل مستعدّ لدفع هذا الثمن، وسيحارب من أجله، ولن يتنازل عن كرامته؛ كما أخبرنا «لن أبيع كرامتي».

وهنا تبدو الأمور أكثر وضوحًا؛ إذ أضحى عَلم فلسطين وكوفيتها رمزية الأحرار في العالم من أقصاه إلى أقصاه، وتعاطف كل صاحب ضمير حي حرّ ذي كرامة مع شعبنا الشعب الفلسطيني؛ ولا داعي هنا لسَرْد قائمة المشاهير الذين فقدوا وظائفهم أو الساسة الذين استقالوا من مناصبهم من أجل أن يفعلوا ما تُمليه ضمائرهم وما تفرضه عليهم كرامتهم. ومن يدري وربما رؤساء يفقدون رئاستهم.

في المقابل أضحت أعلام الصهاينة تلتحف بها الكراهية والحقد في كل مكان، انظر لآراء بولسونارو الذي أعلن كُرْهه للسود والأقليات، ودعوته لطرد المهاجرين؛ تجد أن العلم الإسرائيل شعار مناسب جدًّا لهكذا رجل ولهكذا حزب وأنصار.

كثيرة هي كواشف «طوفان الأقصى»؛ فقد كشفت لنا أصحاب الكرامة الحقيقيين من مدّعيها، فمنهم مَن باع كرامته بثمن بخس، ومنهم من يعرضها، وآخرون افترشوها منذ زمن طويل سجادة يطأها القاتل والمحتل فيتحسرون اليوم ألا يجدوا ما يبيعونه.

 

 

أعلى