نجح فريق من المهندسين والخبراء في (معهد ماساشوستس للتكنولوجيا) و(جامعة إلينوي) بالولايات المتحدة الأمريكية في تصنيع روبوت يمكنه دَفْع أشياء ثقيلة أمامه دون أن يفقد اتزانه أو يسقط أرضًا
في بعض الكوارث والأزمات، وأثناء ممارسة أطقم الإغاثة لمهامها الإغاثية؛ تكون هناك
صعوبات ومخاطر ميدانية في وصول أعضاء فرق الإغاثة إلى بعض المناطق في ميدان
الكارثة، والتعامل مع الجرحى والمصابين؛ تتمثل أبرزها في حالات احتمالات الانهيارات
والهبوط الأرضي والغرق، والحرائق والانفجارات، والعدوى بالأمراض الخطرة حال
الاحتكاك المباشر بالمصابين، وغيرها.
وجميعها مخاطر تُهدِّد سلامة أطقم الإغاثة، الأمر الذي سينعكس على اكتمال عمليات
الإغاثة والإنقاذ، وسيؤدي لخسارة شخصيات إغاثية مُدرَّبة ومُعَدَّة إعدادًا متخصصًا
طويل المدى. الأمر الذي دفع الدول والمؤسسات الإغاثية الدولية إلى محاولة الاستفادة
من التقنيات الحديثة في عمليات الإغاثة أثناء الكوارث والأزمات التي تُبتَلى بها
المجتمعات؛ ومن هذه التقنيات تأتي تقنية (الروبوت) وهو آلة ميكانيكية إلكترونية يتم
التحكم فيها عن بُعْد مِن قِبَل الإنسان أو مِن خلال جهاز حاسوب مُبَرْمَج
ومُثَبَّت بداخل تلك الآلة.
فقد وجدت معاهد الأبحاث والتطوير التقني أن تلك الآلة الإلكترونية يمكن توظيفها في
عمليات الإغاثة؛ بحيث تسير ميدانيًّا، وتصل إلى المناطق الخطرة التي تعجز أطقم
الإغاثة عن الوصول إليها.
وقد نجح هذا التوظيف مؤخرًا في الصين أثناء تعاملها مع أزمة فيروس كورونا؛ حيث
مكَّنت تلك الروبوتات السلطات الصينية من توصيل الاحتياجات اللوجستية والطبية
للمستشفيات المُحتَجز بها المصابون بالفيروس؛ وذلك من أجل تقليل الاحتكاك البشري
ببيئة المرض.
وداخل المستشفيات الصينية نجحت الروبوتات في توصيل العلاج والطعام وباقي المستلزمات
للمصابين المعزولين، وتَمكَّن الأطباء من متابعة الحالات المرضية عبر تقنية
الفيديو، ومن خلال الصُّور التي تنقلها الكاميرات المُثبَّتة بالروبوتات؛ مستهدفين
من ذلك المساهمة في تقليل فرص انتقال عدوى (كورونا) من المرضى لأطقم العلاج من
الأطباء والتمريض. وقد كان لافتًا في هذا الإطار تبرُّع الشركات التكنولوجية
الصينية بأعداد كبيرة من الروبوتات للمستشفيات والسلطات لتحقيق هذا الغرض الإغاثي.
وهذه الحالة التوظيفية للروبوتات في الإغاثة الطبية بالصين تعد الأكبر من نوعها في
حالات استخدام الروبوت في ميدان الكوارث والأزمات؛ وهي حالة تستدعي مزيدًا من
الدراسة لتقييم التجربة، ومِن ثَم تطوير الأداء المستقبلي في ضوء عمليات التقييم.
لكن يبقى أن التجربة الموسعة تم تجربتها في ميدان كارثة ملموسة، وأثبتت نجاحات في
جوانب متعددة، الأمر الذي يُبشِّر بأهمية مستقبلية لتوظيف الروبوتات في ميدان
الإغاثة بصفة عامة، وفي ذات التوقيت يزيد من حماسة الشركات التقنية والمراكز
البحثية المتخصصة في تطوير تقنية الروبوتات من أجل توظيفها في الحقل الإغاثي.
فقبل عامين عكفت شركة (هوندا) العالمية على تطوير روبوت مُخصَّص لعلميات الإغاثة،
وبالفعل نجحت الشركة في إنتاج روبوت يناسب -بحسب الشركة- حالات الكوارث؛ كونه
مضادًّا للماء، ويمكن أن يعمل في أقصى درجات الحرارة، ويتسلق السلالم، ويزحف حول
العقبات والحطام، ويمكنه أيضًا استخدام أجهزة الاستشعار للرؤية في ظروف الإضاءة
السيئة، وببطارية تُمكّنه من العمل لفترة طويلة من الزمن. الروبوت بطول (1.68
مترًا) ووزن (87 كيلوجرامًا)، مما قد يسمح له بالمناورة في مناطق الكوارث بسهولة.
في ذات التوقيت أعلن (مركز بحوث الروبوتكس) بتكساس في الولايات المتحدة الأمريكية
عن محاولات تطوير روبوت جديد يتم التحكم فيه عن بُعْد، ويعمل على إنقاذ الشخصيات
العالقة بالبحار جرَّاء غرق السفن؛ بحيث يتشبث به الشخص العالق بالبحار ويعمل
الروبوت على إنقاذه دون أن يؤدي ذلك لمخاطر على أطقم الإنقاذ البشرية.
كما نجح فريق من المهندسين والخبراء في (معهد ماساشوستس للتكنولوجيا) و(جامعة
إلينوي) بالولايات المتحدة الأمريكية في تصنيع روبوت يمكنه دَفْع أشياء ثقيلة أمامه
دون أن يفقد اتزانه أو يسقط أرضًا. وفي هذا الإطار أيضًا تأتي تجارب تطوير روبوتات
الألغام التي تعمل على اكتشاف الألغام وإزالتها من حقول الألغام دون تعريض البشر
لمخاطر انفجار الألغام.
كما تأتي تجارب روبوتات الأنفاق، والتي تتمكن من الدخول للأنفاق أثناء الكوارث
وإنقاذ العالقين بها حال وجود صعوبات ومخاطر على أطقم الإغاثة في دخول الأنفاق، وقد
نجحت بعض الدول في تطوير هذا النوع من الروبوتات، وتم توظيفه بالفعل في حالات أزمات
داخل الأنفاق. وكذلك عمليات تطوير روبوتات الحرائق والتي يمكنها تحمُّل درجات حرارة
عالية، والدخول للحرائق والعمل على إطفائها، وإنقاذ مَن بداخلها. وغيرها من التجارب
التقنية التطويرية التي تُبشِّر نتائجها الأولية بأن الروبوت سيكون له أدوار بارزة
في الحقل الإغاثي في القريب العاجل؛ إن شاء الله.
وقد تنبَّهت العديد من الدول لأهمية هذه التقنية؛ سواء في حالات الحرب أو السِّلم،
ومِن ثَم سعت لمزيد من الاهتمام بهذا الميدان التقني والعمل على تطوير صناعته،
وخصَّصت له الميزانيات الضخمة لتحقيق هذا الهدف. وأبرز مثالين للاهتمام المكثَّف
بهذا القطاع التقني؛ هما: الولايات المتحدة الأمريكية واليابان؛ لكن أمريكا يميل
اهتمامها للتوظيف العسكري للروبوتات، بينما يميل الاهتمام الياباني للتوظيف
الإنساني للروبوتات. ولأن تطوير الروبوتات مرتبط بالدرجة الأولى بالإبداع والابتكار
والاختراع، فقد أطلقت بعض الحكومات والمعاهد البحثية والشركات التقنية العديد من
المسابقات والمِنَح لتحفيز أصحاب المواهب والمخترعين على تطوير الروبوتات وبصفة
خاصة تطويرها بما يناسب أعمال الإغاثة أثناء الكوارث والأزمات.
فنحن إذن أمام تقنية دقيقة ستُحْدِث طفرةً عالميةً في ميدان الإغاثة الإنسانية؛
الأمر الذي قد يفرض على الدول العربية والإسلامية ومؤسسات الإغاثة في العالم
الإسلامي ضرورة وضع استراتيجية متكاملة لتوظيف الروبوتات في الحقل الإغاثي؛ سواء في
الكوارث والنكبات والأزمات التي قد تحل بالعالم الإسلامي، أو تلك التي تحدث
عالميًّا، وتساهم المنظمات الإغاثة الإسلامية في معالجة تداعياتها؛ وهذا بدوره
سيحتاج إلى عدة أمور:
التكييف الشرعي لتوظيف الروبوتات في الحقل الإغاثي من أجل محاولة الخروج من الحرج
الشرعي المتعلق بقضية الروبوتات بصفة عامة، وما قد يرتبط بها من إشكالات مثل:
«مضاهاة
خلق الله للإنسان»،
«التجسيم».
وهنا التساؤل المقترح: هل من الممكن أن يكون لدينا آلة إلكترونية تحقق نفس وظائف
الروبوتات، ولا تأخذ الشكل المجسم المشابه للإنسان أو المخلوقات؟ ومِن ثَم تفرض
الهوية الإسلامية والأحكام الشرعية على تلك التقنية المستحدثة؟ مسألة شرعية أحسب
أنها تحتاج إلى دراسة فقهية متعمقة.
إذا تم التكييف الشرعي لتوظيف تلك التقنية بعد معالجة المحاذير الشرعية؛ فإننا
سنكون بحاجة لتأسيس معهد بحوث تقني إغاثي عربي تُسْنَد إليه كافة المهام التي من
شأنها تحقيق الريادة العربية والإسلامية في قطاع التوظيف الفعال لروبوتات الإغاثة،
مع توفير كافة الإمكانيات المادية لتحقيق هذا الهدف.
السعي لاكتشاف المواهب الشابة والمبدعة في العالم العربي والإسلامي في قطاع
الروبوتات، والسعي لتوفير مظلة تقنية لتلك المواهب في ضوئها يتم رعاية تلك المواهب
وتوفير كافة السبل التي تعينهم على مزيد من الإبداع والتطوير.
تأسيس شركة تكنولوجية لتصنيع الروبوتات الإغاثية لصالح مؤسسات الإغاثة في العالم
العربي والإسلامي، بما يسمح بتوافر أعداد كبيرة من الروبوتات التي يمكن استخدامها
باستقلالية وسرعة أثناء الكوارث والأزمات التي قد تُصيب العالم الإسلامي؛ كما أن
منتجات هذه الشركة يمكنها الدخول في ميدان المنافسة العالمية في قطاع روبوتات
الإغاثة، ومِن ثَم تحقيق أرباح مالية تضمن لها الاستمرارية.
توفير مظلة عبر المعهد التقني وشركة التكنولوجيا المقترح إنشاؤهما للمبتعثين
المسلمين في قطاع الروبوتات حول العالم، وكذلك للمهندسين والمطورين المسلمين
المتخصصين في قطاع تقنية الروبوتات.
تخصيص وتوفير تكاليف المِنَح الدراسية والبعثات العلمية والتدريبية للكوادر
المسلمة للدراسة والتدريب في المعاهد والشركات الدولية المعنية بتطوير وتصنيع
الروبوتات المستخدمة في أغراض الإغاثة الإنسانية، مع وضع التدابير والاحترازات التي
تضمن عودة تلك الكفاءات العربية والإسلامية مرة أخرى، وعدم استقرارها في الخارج،
وذلك من أجل نَقْل الخبرات التقنية التي تلقَّتها في بعثاتها ودوراتها التدريبية
إلى المعهد التقني وشركة تكنولوجيا الروبوتات الإغاثية المقترحة.
توفير الدعم المالي اللازم لعلميات تطوير وتصنيع روبوتات الإغاثة؛ سواءٌ كان هذا
الدعم حكوميًّا في صورة مخصَّصات مالية مباشرة؛ أو أهليًّا عبر وقفية بنظام الأسهم
تخضع لكافة الضوابط الشرعية.
وفي الختام؛
هذه مجموعة من الأفكار العملية التي تَستهدف التوظيف الإيجابي للروبوتات في حقل
الإغاثة مِن قِبَل مؤسسات الإغاثة في العالم العربي والإسلامي؛ وهي بحاجة للعديد من
جلسات العصف الذهني وورش العمل المتخصصة لبلورتها، فقهيًّا وتقنيًّا وإغاثيًّا،
وذلك من أجل الخروج باستراتيجية شاملة تَسْعَى لتحقيق الريادة الإغاثية الإسلامية
في توظيف التقنيات الحديثة إغاثيًّا، وعلى رأسها تقنية الروبوتات.