• - الموافق2024/04/27م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
موقف السلطة الإسلامية من الوجود الأوربي في إفريقيا الغربية

لم يكن الوجود الأوروبي بالسواحل الغربية لإفريقيا يُشكِّل خطرًا ثقافيًّا على الإسلام خلال القرن العاشر الهجري (16م)، ولم يبلغ هذه الخطورة إلا عندما عمدت الدول الأوروبية إلى التدخل العسكري داخل ممالك إفريقيا الغربية

 

يتَّفقُ الباحثون على أنَّ وصول الأوروبيين إلى السواحل الغربية لإفريقيا قد شكَّل -نتيجة الكشوفات الجغرافية- نقطةَ تحوُّل حاسمة في التاريخ الاقتصادي للإمبراطوريات التي عرفتها منطقة إفريقيا الغربية إلى حدود القرن العاشر الهجري (16م)، ومنعطفًا خطيرًا في تاريخ العلاقات التجارية المغربية – الإفريقية؛ إذ حُرِمَ المغرب من جزء كبير من عائدات الوساطة التجارية التي كان يقوم بها بين إفريقيا الغربية وأوروبا، مما أشَّر على بداية تراجُع دوره كوسيط بين الطرفين.[1] 

كما لقيت هذه الكشوفات الجغرافية اهتمامًا كبيرًا من لدن كثير من الباحثين، والذين فصَّلوا القول حول أسبابها ونتائجها، وما كانت تُدِرّه على الدول الأوروبية من الأرباح، كما قدَّم هؤلاء معلومات مُهمَّة حول انعكاساتها على التجارة المغربية - الإفريقية.

فقد أشار إبراهيم بوطالب[2] إلى أنَّ الغزو البرتغالي لسواحل إفريقيا الغربية قد جعل المغرب مُطوَّقًا من ناحية الجنوب، وهكذا فقد أدرك السلطان «أحمد المنصور السعدي» أنَّ أبعاد ذلك أصبح يُحدق بالمغرب الكثير من الأخطار، فحاول أنْ يحتفظ له بسابق نفوذ على حوض النيجر، لكنَّ محاولته باءت بالفشل لوقوع أسباب المنافسة والمضايقة الأوروبية بعيدًا عن متناول السلاح المغربي. كما أضاف نفس الباحث، أنَّ المبادلات التجارية عبر الساحل الأطلسي أصبحت تدمج في حركة أساطيلها المبادلات بالقوافل عبر الصحراء؛ حيث انتقلت هنالك التجارة رأسًا على عقب، وأتت الكرافيل على القافلة بعد حين.[3]

في الجهة المقابلة، اعتبر الباحث «مبارك آيت عدي» الحملة السعدية على مملكة سنغاي عملًا استراتيجيًّا يهدف إلى مقاومة سياسة التطويق التي كان الأوروبيون يرغبون في ضربها على المغرب دون الاستفادة من التجارة مع إفريقيا الغربية، لهذا فإنَّ ذهاب السلطان أحمد المنصور السعدي إلى إفريقيا الغربية، كان الغرض منه هو التقليل من أهمية الوجود البرتغالي على الساحل الغربي لإفريقيا، وإفشال المخططات البرتغالية بالمنطقة.[4]

بينما افترض الباحث «عبد المجيد القدوري»، أنَّ تجاوز أوروبا لخدمات المغرب الاقتصادية، والوساطة التي كان يقوم بها في ربطها بإفريقيا الغربية، هي التي جعلت هذا السلطان يتشبث بغزو مملكة سنغاي؛ دفاعًا عن النمط الاقتصادي والاجتماعي المألوف الذي كان يعتمد على تجارة القوافل. فرأى السلطان «أحمد المنصور السعدي» في هذا الغزو الرد الطبيعي والمنطقي والمباشر على المبادرة الأوروبية، وتحكُّمها في التجارة مع إفريقيا الغربية عبر الساحل الأطلسي.[5]

كما أشارت الباحثة «فاطمة الزهراء طموح»، بالمقابل إلى أنَّ تجارة المغرب مع إفريقيا الغربية، لم تنتهِ بالاكتشافات الجغرافية، بل استمرت إلى نهاية القرن الثالث عشر الهجري (19م).[6]

من جهةٍ أخرى، أشارت بعض المصادر الأوروبية إلى المواد التجارية التي لقيت رواجًا كبيرًا بمنطقة إفريقيا الغربية انطلاقًا من الساحل الأطلسي، والتي حلّت محل المواد المغربية؛ حيث ذكر المؤرخ ريموند موني (R. Mauny) أنَّ البرتغاليين يبيعون الخيول لملك مملكة سان سالوم بالسنغال مقابل العبيد، وكان الفرس الواحد يساوي ما بين (6 و12 من العبيد)، وأحيانًا ما بين (14 و15).[7]

ونفس الشيء، أكد عليه فالنتين فرنانديس (V. Fernandes)، حيث أورد أنَّ الخيول البرتغالية وسِلعًا أخرى كانت تَلْقَى إقبالًا داخل منطقة إفريقيا الغربية عبر نهر غامبيا، وأشار إلى أنَّ البرتغاليين يبيعون الخيول لملك مالي: (فرس واحد مقابل سبعة من العبيد)، وإنْ لم يكن الفرس جيدًا[8]، وذلك في الوقت الذي كان فيه المغرب هو المزوّد الأساسي لإفريقيا الغربية؛ حسب الوزان صاحب كتاب «وصف إفريقيا».[9] 

لا شك أنَّ هذه المحاولات الأوروبية لعزل المغرب تجاريًّا عن منطقة إفريقيا الغربية، هي التي كانت وراء مجموعة من الإجراءات الاحترازية التي أقدم عليها السلطان «أحمد المنصور» قبل القيام بضم سنغاي؛ حيث قام بتعزيز الوحدة الترابية مع الأقاليم المغربية الصحراوية مثل توات، وتيكورارين[10]، والصحراء الجنوبية الغربية حتى نهر السنغال، كما سيطر على مناجم الملح في الصحراء باعتبار المادة المستخرجة منها تَجِد رواجًا في إفريقيا الغربية أكثر من غيرها.[11]

انطلاقًا من المعطيات السالفة الذكر، يبقى السؤال المطروح هنا: هل استطاعت السلطة الإسلامية، متمثلةً بالسلطان «أحمد المنصور السعدي» أنْ تقف في وجه المدّ الاقتصادي الأوروبي هذا؟ وأنْ تضع حدًّا له؟

إنَّه سؤال -حقيقةً- لا نستطيع الحصول على جواب مقنع حوله؛ لصمت المصادر المحلية عنه، غير أنَّ  أمر المواجهة العسكرية المباشرة بين السلطة الأسكية والأوروبيين يعتبر أمرًا مستبعدًا على الأقل خلال هذه المرحلة؛ لعدة اعتبارات منها:

1- إنَّ الأوروبيين الموجودين بالسواحل الغربية لإفريقيا لم يفكّروا في التوغل داخل الأراضي الأسكية، وبالتالي، فإنَّ الفكرة التي ترسَّخت في أذهان كثير من الباحثين حول ارتباط الكشوفات الجغرافية باستعمار مجالنا الجغرافي، فيها كثيرٌ من المبالغة؛ لأنَّ مفهوم الاستعمار لم يتبلور إلا في منتصف القرن الثالث عشر للهجرة (19م)، وأما قبل هذا التاريخ فقد اقتصرت علاقة الأوروبيين بالشعوب والقبائل الإفريقية، وخاصةً الأجزاء الغربية منها، على الجانب التجاري فقط، وما يدفع الباحث إلى مثل هذه الأخطاء -في نظرنا- هو معرفته القبلية للتراكمات الزمنية للأحداث.

2- ثم إنَّ عامل البُعد بين العاصمة كاو وسواحل إفريقيا الغربية قد يكون ساهم -بشكلٍ أو بآخر- في تأخير هذه المواجهة بين الأسكيين والأوروبيين، إلى الفترات اللاحقة.

لكن العاملين السابقين، لم يمنعا السلطة الإسلامية من أخذ بعض الاحتياطات اللازمة، واستنفار كل الطاقات العسكرية لمواجهة أيّ طارئ محتمل. ثم بماذا يمكننا تفسير هجوم الأسكيا[12] «الحاج محمد» مرارًا على أملاك مملكة مالي المحاذية للسواحل الإفريقية[13]؛ ألا يمكننا أنْ نقول بأنَّ تلك الهجمات جاءت لمعاقبة الماليين على تعاملهم التجاري مع البرتغاليين؟ هذا أمر غير مستبعَد.

وعلى أي حال، لم يكن الوجود الأوروبي بالسواحل الغربية لإفريقيا يُشكِّل خطرًا ثقافيًّا على الإسلام خلال القرن العاشر الهجري (16م)، ولم يبلغ هذه الخطورة إلا عندما عمدت الدول الأوروبية إلى التدخل العسكري داخل ممالك إفريقيا الغربية خلال النصف الثاني من القرن 19م، في إطار تسابقها وتكالبها الاستعماري؛ فاحتلت معظم مراكز الثقافة العربية الإسلامية النشيطة بالبلاد، وعملت على استبدال اللغة العربية باللغات الأوروبية، مما أدى إلى إبعاد الإفريقيين عن الثقافة العربية الإسلامية، التي ألفوها وتعلقوا بها.

خلاصة القول:

 إنَّ اتخاذ السلطة الإسلامية في منطقة إفريقيا الغربية، خلال القرن العاشر الهجري (16م) موقفًا مضادًّا من المسيحيين يعني بالنسبة إلينا العديد من الأمور والقضايا التي وجب علينا كمؤرخين إبرازها، والوقوف عندها، ألا وهي:

- إنَّ هناك وعيًا دينيًّا بمفهوم العقيدة الإسلامية لدى الشعوب الإفريقية في القرن العاشر الهجري (16م)؛ سواءً على المستوى الرسمي (السلطة الحاكمة)، أو على المستوى الشعبي (عامة الناس)؛ فالإسلام قد انتشر وأصبح الديانة الغالبة في إفريقيا الغربية، وأصبح العلماء المسلمون يُوجِّهون السَّاسة والعامَّة، الذين يعملون بنصائحهم، فهناك إذًا «وعي بالذات» من كل عنصر دخيل قد يعمل على تفكيك وحدة هذه الذات أو الكيان.

- وإذا كان العلماء والحُكام الأساكي والأهالي الذين تعرضوا لليهود، قد شكَّلوا حركة دينية ببلاد إفريقيا الغربية، عبّرت عن تنامي الإسلام بالمنطقة؛ فإنَّ التعرض لليهود والمسيحيين يعني لنا أيضًا خوف هذه الحركة من تنامي نفوذهم بشكل يتَّخذ صبغة الخطورة الدينية والثقافية، فلا مفرّ إذًا من المواجهة في المستقبل القريب.

- إذا قلنا بأنَّ الإسلام قد انتشر وقوي كدين وممارسة عقائدية بشكل كبير في إفريقيا الغربية خلال القرن العاشر الهجري (16م)، فإنَّه قد عمل -أيضًا- على القضاء على أغلب المظاهر الدينية الأخرى؛ فحاولت السلطة الإسلامية في منطقة إفريقيا الغربية، أنْ تصدَّ كلَّ خطر محتمل للنصرانية وثقافتها، كما عملت في المقابل على نشر المعرفة الدينية الإسلامية لتحقيق أهداف متنوعة.


 


[1]   Barry (B.),1988, La Sénégambie du XVe au XIXe siégle : Traite négriére, Islam et conquête coloniale, Paris, éd. LHarmattan, p. 70.

[2] إبراهيم بوطالب، 1985م، «الصحراء في تاريخ المغرب»، مجلة دار النيابة، عدد7، السنة الثانية، ص34.

[3] إبراهيم بوطالب، «الصحراء في تاريخ المغرب»، م.س، ص35.

[4] مبارك آيت عدي، «حملة أحمد المنصور السعدي إلى بلاد السودان 9998 هـ/1591م»، أطروحة لنيل الدكتوراه في الآداب: تخصص تاريخ، جامعة محمد الخامس ــ أكدال، الرباط، السنة الدراسية 2002ــ2003م (مرقونة)، ص149.

[5] عبد المجيد القدوري، 2000م، المغرب وأوروبا ما بين القرنين 15 و18 (مسألة التجاوز)، الدار البيضاء، المركز الثقافي العربي، ط. 1،  ص79.

[6] فاطمة الزهراء طموح، 1989م،  «إفريقيا والمغرب»، معلمة المغرب، ج2، سلا، مطابع سلا، ص555.

[7] Mauny (R), 1961, Tableau Géographique de louest Africain au moyen âge Mem , de I.F.A.N.P, No 61, Dakar, p. 285.

[8] Cenival.(P.DE), et (M. TH), 1983, « Description de la cote dAfrique de Ceuta au Sénégal, par Valentin Fernandes 1506- 1507 «, Librairie Larousse, p. 65.  

[9] الحسن بن محمد (المعروف بليون الإفريقي)، 1983م، وصف إفريقيا، ترجمة عن الفرنسية: محمد حجي ومحمد الأخضر، بيروت، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الثانية. ج2، ص166ــ 167.

[10] تعني لفظة تيكورارين بالأمازيغية، الثكنات العسكرية، وتُسمى اليوم كورارة وتقع شمال توات. راجع: الحسن الوزان، وصف إفريقيا، ج1، ص32.

[11] «حملة أحمد المنصور السعدي على بلاد السودان»، ص150.

[12] الأسكيا: تعني الملك في المفهوم الإفريقي.

[13] محمود كعت، 1981م، تاريخ الفتاش في أخبار البلدان والجيوش وأكابر الناس وذكر وقائع التكرور وعظائم الأمور وتفريق أنساب العبيد من الأحرار، وقف على طبعة من غير تغيير نصه مع ترجمته للفرنسية أوكتاف هوداس و موريس دولافوس، باريس، ميزونوف، ص70.

 

 


أعلى