الأذرع الإيرانية لنشر التشيع.. الجزائر نموذجاً
تزايد الحديث خلال الأيام القليلة الماضية عن حركة مشبوهة تقوم بها الأذرع الإيرانية المذهبية لنشر التشيع بشكل سري في دولة الجزائر.
تفكيك أكبر شبكة دولية لنشر التشيع في الجزائر:
توسع نشاط هذه الأذرع في الفترة الأخيرة، بتجنيد خلايا سرية للمتشيعين في البلاد، وإطلاق جمعيات مشبوهة النشاط، وتشجيع السياحة الدينية إلى الأقطاب المركزية للمذهب الشيعي في إيران والعراق، وفككت السلطات الأمنية الجزائرية بداية أكتوبر الماضي أكبر شبكة دولية تعمل على نشر المذهب الشيعي في الجزائر، كان لها علاقة بدوائر إيرانية نافذة.
تقود هذه الشبكة طبيبة لها علاقات مشبوهة مع دبلوماسيين في عدة سفارات، تعمل على تجنيد الفتيات والطلبة الجامعيين إلى جانب رعايا تونسيين ومغاربة، تتكون من أكثر من 20 شخصاً جلهم تجار وطلبة جامعيون، وتعتمد هذه الشبكة التي انطلقت في البداية بأربعة عناصر تتزعمهم طبيبة قبل أن يتضاعف عددها، على الطرق التقليدية، وشبكات التواصل الاجتماعي، وتشجيع سفر الجزائريين إلى المراكز الدينية والأماكن المقدسة لدى الشيعة في العراق وإيران.
قدمت زعيمة هذه الشبكة التي كانت تنشط في سرية تامة اعترافات صادمة عن تمكنها من تشييع عدد من الفتيات من طلاب الجامعات بارتكازها على أساليب الإغراء كالزواج والمال وإكمال الدراسة في جامعات إيرانية، وتمكنت فعلاً هذه الطبيبة من ترحيل جزائريات إلى إيران والعراق وسوريا، وعثر بحوزتها على صور وفيديوهات تعتبر الشيعة تياراً دينياً لا يمارس العنف الدموي.
ومباشرة بعدها وبتاريخ 2 نوفمبر الماضي، أقدمت إدارة صالون الجزائر الدولي للكتاب في دورته الثالثة والعشرين على إغلاق جناح دار المجمع العالمي لأهل البيت، وجاء هذا القرار بعد ثبوت تنافي منشورات الدار المذكورة مع القوانين والنصوص المسيرة للتظاهرة، وتم إبلاغ الجناح الإيراني بتحفظات إدارة الصالون على المنشورات المعنية، وقد تغيب مسؤول الدار عن التظاهرة بدعوى عدم حصوله على تأشيرة دخول الأراضي الجزائرية..
بعد فشل السياحة الدينية مواقع التعارف والزواج سلاح الشيعة:
عن أهم الطرق التي يستعملها الشيعة لاستقطاب الجزائريين، بعد فشل الخطط التي انتهجوها سابقاً، كتشجيع السياحة الدينية إلى الأقطاب المركزية للمذهب الشيعي، يقول إمام رفض الكشف عن هويته في تصريح لمجلة «البيان»: من بين الثغرات التي تستغل في بث ونشر الفكر الشيعي المواقع المخصصة للتعارف والزواج، فهذه المواقع تضم آلاف المنخرطات المسلمات، وأصحابها في الغالب من الشيعة، وخططهم ترتكز على التعرف على فتيات جزائريات لتتحول بعد ذلك العلاقة الافتراضية إلى علاقة حقيقة بعد قدوم المعني للزواج بالفتاة، وهم وفي الغالب من الشيعة، وتدوم تلك العلاقة شهراً أو شهرين، حيث يغادر ويتركها إذا فشل في غرس أفكاره في عقلها البسيط الذي لا يمتلك خلفيات تاريخية أو دراية بالصراع التاريخي بين الشيعة والسنة.
ويضيف المتحدث أن شيعة الجزائر يعيشون في الخفاء، وعددهم يفوق 70 ألفاً، ينتشرون في المدن الكبرى كالجزائر العاصمة ومحافظة وهران غرب الجزائر، وأيضاً ينتشرون بكثرة في محافظة بسكرة التي تضم ضريح خالد بن سنان العبسي المتواجد بمدينة سيدي خالد التابعة للمحافظة ذاتها، ويتزامن تواجدهم الفعلي في الجزائر بشكل علني مع أحدث الثورة التي شهدتها إيران عام 1979م، التي ساهمت بشكل كبير في ظهور هذه المجموعات علانية أمام المجتمع في الجزائر.
يدخلون بيوت المسلمين من غير استئذان عن طريق القنوات:
يقول رئيس المجلس الوطني للأئمة في الجزائر في تصريح لمجلة «البيان»: إن شيعة الجزائر يستعملون وسائل متعددة منها بعض القنوات وما تبثه من برامج شيعية، خاصة أن هذه القنوات كثرت وانتشرت بسرعة وتدخل بيوت المسلمين من غير استئذان، وهناك طرق أخرى كـالابتزاز عن طريق المال استغلالاً للفقراء، وأيضاً هناك وسيلة زواج المتعة. ويؤكد جمال غول أنه من الصعب تقييم حجم الظاهرة بالنظر إلى عدم توفر إحصائيات رسمية، كما أن الأنشطة الدعوية الشيعية تمارس في الغالب سراً لذلك يصعب إحصاؤها.
وينتشر شيعة الجزائر بكثرة في المناطق الحدودية لعدة أسباب، يقول جمال غول: أبرزها الحالة الاجتماعية لسكان هذه المناطق، وبعدها عن العاصمة الجزائر، وسهولة التنقل إلى خارجها باعتبار قربها من الحدود الجنوبية للبلاد والتدفق الكبير للمهاجرين يومياً على تلك المحافظات.
شبكات الاتجار بالبشر إحدى الثغرات:
ترفض السلطات الجزائرية الدخول في مواجهة مباشرة مع الشيعة الجزائريين بالقمع الأمني، أو تصفيتهم داخل الأماكن التي ينتشرون فيها، ويقول الحقوقي الجزائري والنائب السابق في البرلمان رشيد خان في تصريح لمجلة «البيان»: إن الدستور الجزائري يتيح حرية المعتقد والفكر، بما في ذلك اعتناق ديانات أخرى غير الإسلام، لكن هناك نقطة مهمة ينبغي الإشارة إليها تتعلق بضرورة مراعاة خصوصية كل مجتمع وكل دولة، فالقانون الخاص بتنظيم الشعائر الدينية يجرم نشر المطويات وكل ما له علاقة بالمذاهب الدخيلة على المجتمع الجزائري، وكذلك إقامة الشعائر الدينية دون ترخيص أو جمع التبرعات الدينية.
ولحماية النسيج الاجتماعي والأمن الفكري للجزائريين وتفادي تكرار سيناريو العشرية السوداء التي شهدتها الجزائر في التسعينات وتجنب تكرار سيناريو الربيع العربي أيضاً، يقول المتحدث: إن الوصاية الدينية الحكومية بصدد التحضير لمشروع قانون خاص لحماية الجزائريين من الانحراف النحلي والمذهبي. وعن أبرز الثغرات التي تستغلها الأذرع الإيرانية المذهبية، يشير رشيد خان إلى شبكات الاتجار بالبشر التي تحاول إغراق الجزائر بالمهاجرين غير الشرعيين. ويعود تواجد مجموعات شيعية داخل الجزائر إلى وجود الأساتذة العراقيين واللبنانيين الذين قدموا إلى الجزائر للتدريس سنوات السبعينات.
وأوكلت السلطة في الجزائر مهمة محاربة الشيعة ومنع توغلهم في المجتمع للتيار السلفي الدعوي ورجال الدين والأئمة المحسوبين على هذا التيار. وطلبت الوصاية الدينية الحكومية منهم فرض رقابة صارمة على كل الكتب التي تدخل إلى مساجد الجمهورية ومنع تلك التي تخالف المرجعية الدينية الرسمية من التداول داخلها كالكتب التي تدعو إلى التشيع أو تتحدث عن علماء الشيعة ومذهبهم، وبحسب المعلومات المتداولة فأغلب هذه الكتب تأتي عبر بعض الحجاج الذين يتسلمونها من طرف حجاج آخرين بنية صادقة دون علمهم بما تحتويه من أفكار خطيرة.
نسبة الاستجابة محدودة:
برغم الجهود التي تبذلها الأذرع الإيرانية المذهبية لنشر التشيع في الجزائر إلا إن نسبة الاستجابة تبقى محدودة جداً، وهو ما يؤكده رئيس نقابة الأئمة في الجزائر جلول حجيمي، في تصريح لمجلة «البيان» قائلاً: إن الشعب الجزائري مرت عليه أزمات استنتج منها خطر التكفير والتفجير والتقتيل، ولهذا فهو اليوم مهيأ للمحافظة على مرجعيته. ويشير المتحدث إلى أن نسبة التأثير محدودة جداً، فبعض الأشخاص يتأثرون مع سرعة التواصل والفضاء الأزرق، كما يهب البعض منهم للدفاع عن آل البيت كشعار يتأثر به كل مسلم، ويوضح حجيمي: «نحن في بلاد المغرب الإسلامي نحب آل البيت ونحترمهم ونوقرهم في ضوء أفعال أهل السنة من مساجد وزوايا وأربطة وقد يكون تعاطفاً فقط ليس إلا».
التغلغل غير المسبوق للطوائف الدينية يثير مخاوف الجزائر:
برغم محدودية التأثير إلا إن ما يثير مخاوف السلطات العليا في البلاد التغلغل غير المسبوق للطوائف والمذاهب الدينية في المجتمع الجزائري، وتسلل الأفكار الدينية الدخيلة، وظهور موالين لمختلف المذاهب المتنافرة، بشكل يهدد وحدة وتماسك المرجعية الدينية للبلاد، ويضع خطاب الأمن الديني على المحك.
وقد حذر الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، في رسالة وجهها للمشاركين في الأسبوع الوطني الـ20 للقرآن الكريم بمحافظة وهران غرب الجزائر، من المذاهب والفرق الدخيلة على الجزائر، أو التي يتم استيرادها من الخارج، وأكد أنها تعمل على تقسيم الجزائريين وإضعافهم، كما حث الجزائريين على الوفاء لعلمائها ومذهبها.
وخاطب الرئيس الجزائري الرأي العام قائلاً: «لا يصح اليوم أن تتسبب النقاشات الجوفاء، والتشكيك الممنهج، في نكران أبنائنا لتاريخهم، وفي تنكرهم لأسلافهم، وفي انكفائهم عن ثوابت هويتهم. فإن الوفاء للتاريخ والأسلاف مع التطلع إلى آفاق العصر الحديث والتفاعل الجاد مع الواقع هو الذي يعلي للجزائر شأوها ويرفع شأنها».
وبعد أن عدد علماء وفلاسفة الجزائر على مر العصور قال: «إن الجزائر لا يمكنها أن تستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، ولا أن تتخذ ميراث تدينها ظهرياً لتستورد مذهبيات هي أصلح لمجتمعاتها من مجتمعنا، ولا أن تشك في اختيارات أسلافها في العقيدة والفقه والسلوك، وهي اختيارات تقاسمها العالم من حولها، وتوحدت بها المناطق بفضلها، وكانت لآبائنا حصناً حصيناً وسداً منيعاً ضد كل محاولات شراء العقيدة، أو التشكيك في منظومتنا الشرعية، أو النيل من قيمنا وأخلاقنا».