• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
أزمة الثقة بين الدعاة (الصومال نموذجاً)

أزمة الثقة بين الدعاة (الصومال نموذجاً)

العلماء والدعاة إلى الله تعالى هم قادة الأمة ومشعل الهداية، فضلهم عظيم وشرفهم جليل، جهودهم مشكورة، ومقامهم محفوظ بين الأمة، وطاعتهم طاعة لله ورسوله؛ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} [النساء: 59]، فوجودهم حفظ للأمة من الضلالة والغواية؛ عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يُبْقِ عالماً اتَّخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسُئِلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأَضَلوا» (متفق عليه).

كلما ظهر اتفاقهم وبرز ائتلافهم في مراعاة مصالح الأمة، كان ذلك سبباً في تقوية أواصر المجتمع وتكاتفه، ولكن إذا ظهر اختلافهم وتنازعهم للعيان وخرج عن إطاره الشرعي واتصل بحب الرئاسة ورعاية المصالح الشخصية سبَّب ذلك زعزعة الثقة فيهم وعدم الارتهان إليهم.

والتنافس والتغاير بين العلماء أمر ملموس ومشاهد في كل العصور، ولم ينج منه إلا القليل منهم، حتى قال عبد الله بن عباس: «خُذُوا الْعِلْمَ حَيْثُ وَجَدْتُمْ، وَلا تَقْبَلُوا قَوْلَ الْفُقَهَاءِ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ، فَإِنَّهُمْ يَتَغَايَرُونَ تَغَايُرَ التِّيُوسِ فِي الزَّرِيبَةِ». ولأجل ذلك لا يقبل قول بعضهم في بعض إلا ببينة ودليل قاطع لا يحتمل التأويل كما قال الإمام الذهبي: «كلام الأقران بعضهم في بعض لا يعبأ به، لاسيما إذا لاح لك أنه لعداوة، أو لمذهب، أو لحسد، وما ينجو منه إلا من عصم الله، وما علمت أن عصراً من الأعصار سلم أهله من ذلك سوى الأنبياء والصديقين». وعلماء ودعاة الصومال جزء من علماء المسلمين في المعمورة، ولهم جهود جبارة في كل ميادين العلم والمعرفة والدعوة، ويعتريهم ما يعتري غيرهم من الأمراض والمصاعب التي تعاني منها الدعوة والدعاة.

وبناء الثقة وتنميتها بين الداعين إلى الإسلام أمر في غاية الأهمية، وبنجاحها وتوكيدها وعدم التهاون فيها تتقدم الدعوة إلى الإمام، وعند تعرضها للهزات وتوهين عُرَاها تتأثر مسيرة الدعوة سلباً، ويسيء الأتباع والمدعوين الظن بالدعاة والعلماء.

وقد عانى الشعب الصومالي الأمرَّين منذ الاستقلال إلى اليوم، ولكن المصيبة الكبرى حلَّت بهم بعد سقوط الحكومة المركزية في مقديشو العاصمة، وذلك في فبراير عام ١٩٩١م، وما أعقبه من ويلات وحروب أهلية أتت على الأخضر واليابس، وقسمت البلد إلى كانتونات طائفية وإقطاعات قَبَلية تتغذى بالحقد وسوء الظن وعدم الثقة بالآخر ما دام لا يشاركه بالانتماء العرقي. وقد أفرز هذ الاحتراب الداخلي بين أبناء البلد الواحد ظهور أمراض وأوجاع وأخلاق لم تكن معهودة من قبل، ومنها عدم الثقة بالآخر، والتوجس منه مهما أظهر من الوعود والأيمان المغلظة والأخلاق العالية والعمل المثمر والتفاني في خدمة الدين والأمة، وهذا الأمر لم يقتصر على فئة معينة من الشعب، بل سرى في غالبية المجتمع الصومالي إلا من رحم ربك. والعلماء والدعاة الصوماليون جزء من المجتمع يؤثرون ويتأثرون سلباً وإيجاباً في مجتمعهم، ولكن عند العالم والداعية حصانة علمية ووازع ديني وأخلاقي ينبِّهه إذا ما أجرم في أمر ما، ولا يستمر في خطئه بل يعود إلى صوابه، وفي التنزيل: {إنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإذَا هُم مُّبْصِرُونَ} [الأعراف: 201].

وأزمة الثقة بين الدعاة الصومالين في الداخل والخارج أمر حقيقي ومشاهد لا تخطئه العين، سواء في الجانب الدعوي أو الاجتماعي أو السياسي، أو التعاطي في الشأن الداخلي الصومالي، ولا يعني ذلك أن كل الدعاة والعلماء على هذا النسق، بل هناك أخيار وأولياء وصُلحاء تتجمل الأمة بوجودهم، لم يوظفوا دينهم ولا دعوتهم بقطف الدنايا من حطام الدنيا، ولم يضعوا أنفسهم في مواقع التهم والشبه كما لم يؤازروا الإقطاعات القبلية والدويلات الطائفية الظالمة.

ويمكن إعادة الأسباب التي أدَّت إلى التنافر بين الدعاة إلى الأمور التالية: التأثير القبلي، العامل الحزبي، المصلحة الشخصية.

التأثير القبلي: لم يلغ الإسلام القبلية بالكلية ولم يحرمها، كما لم يمنع الانتساب إليها، ولكن هذبها وجعلها أداة للتعارف فقط من غير أن يكون لها شأن في دنيا الناس، فليس هناك شريف ونبيل ووضيع إلا بميزان الشرع: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13]، وفي الحديث: «لا فضلَ لعربيٍّ على عجميٍّ، ولا لعجميٍّ على عربيٍّ، ولا لأبيضَ على أسودَ، ولا لأسودَ على أبيضَ؛ إلَّا بالتقوَى، الناسُ من آدمُ، وآدمُ من ترابٍ».

 وتمثل القَبَلية في المجتمع الصومالي الرافد الأكبر والشريان الأعظم للحياة، ولا يستطيع الشخص الوصول إلى مركز مرموق في الدولة والمجتمع إلا إذا وجد سنداً قبلياً يقف معه سواء كان محقاً أو مبطلاً، أو أهلاً للولاية أو لا. والقبيلة في الصومال لا تفرق بين أبنائها، وليس لديها ميزان للتفضيل والتمييز بين أفرادها، فالمصلح والمفسد، والأمين والخائن، والمتدين والفاسق، والعالم والجاهل، وصاحب التخصص والشهادات العليا، والأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب، كلهم سواسية أمام القبيلة، وقد يفوز الأمي الجاهل الأرعن المفسد برضا القبيلة في الغالب، كأنه تحقق فيهم نبوءة نبينا صلى الله عليه وسلم : «سيأتي على الناس سنوات خداعات، يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة. قيل: وما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة» (حديث صحيح).

وقد واجهت الحركة الإسلامية الصومالية منذ انطلاقتها قبل أربعين عاماً مشكلة القبلية، ويعود كثير من متاعبها وخلافاتها والانشقاق عنها أو البقاء في صفوفها إلى أسباب قبلية في غالب الأحيان، لا يتسع المقام إلى ذكرها. وبعد سقوط الحكومة المركزية شارك بعض أبناء الحركة الإسلامية الصومالية بصفة فردية أو جماعية في الحروب التي دارت رحاها بين القبائل الصومالية إما وقوفاً مع قبائلهم أو تنفيذاً لأوامر قادتهم في الحركة الدينية التي ارتأت حمل السلاح لأجل الوصول إلى الحكم وتحكيم الشريعة بحسب رؤيتها وفهمها للنصوص، كما اتهم بعض طلبة العلم والعلماء بالسكوت أو التغاضي عن الانتهاكات التي كانت تُمارسها القبائل المسلحة على القبائل المسالمة التي آثرت الابتعاد عن الفتن القائمة.

وبعد تأسيس بعض الدويلات الطائفية انضم عدد من الدعاة والعلماء إلى إدارات قبائلهم، ولا بأس في ذلك ما دام لا يشارك في الظلم الذي تمارسه هذه الإقطاعات ويستطيع تخفيف أو إزالة المظالم الموجودة بحسب قدرته، ولا يلام أحد في هذا العمل ما دام يقصد الإصلاح، وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن ذلك فقال: «والمقطع الذي يفعل هذا الخير يرفع عن المسلمين ما أمكنه من الظلم، ويدفع شر الشرير بأخذ بعض ما يطلب منهم، فما لا يمكنه رفعه هو محسن إلى المسلمين غير ظالم لهم، يثاب، ولا إثم عليه فيما يأخذه على ما ذكره، ولا ضمان عليه فيما أخذه، ولا إثم عليه في الدنيا والآخرة إذا كان مجتهداً في العدل والإحسان بحسب الإمكان... فهذا المتولي المقطع الذي يدفع بما يوجد من الوظائف، ويصرف إلى من نسبه مستقراً على ولايته وإقطاعه ظلماً وشراً كثيراً عن المسلمين أعظم من ذلك، ولا يمكنه دفعه إلا بذلك، إذا رفع يده تولي من يقره ولا ينقص منه شيئاً، هو مثاب على ذلك، ولا إثم عليه في ذلك ولا ضمان في الدنيا والآخرة... وكذلك الجندي المقطع الذي يخفف الوظائف عن بلاده، ولا يمكنه دفعها كلها، لأنه يطلب منه خيل وسلاح ونفقة لا يمكنه إقامتها إلا بأن يأخذ بعض تلك الوظائف، وهذا مع هذا ينفع المسلمين في الجهاد، فإذا قيل له: لا يحل لك أن تأخذ شيئًا من هذا، بل ارفع يدك عن هذا الإقطاع، فتركه وأخذه من يريد الظلم، ولا ينفع المسلمين، كان هذا القائل مخطئاً جاهلاً بحقائق الدين، بل بقاء الجند من الترك والعرب الذين هم خير من غيرهم، وأنفع للمسلمين، وأقرب للعدل على إقطاعهم، مع تخفيف الظلم بحسب الإمكان، خير للمسلمين من أن يأخذ تلك الإقطاعات من هو أقل نفعاً وأكثر ظلماً.

والمجتهد من هؤلاء المقطعين كلهم في العدل والإحسان بحسب الإمكان، يجزيه الله على ما فعل من الخير، ولا يعاقبه على ما عجز عنه، ولا يؤاخذه بما يأخذ ويصرف، إذا لم يكن إلا ذلك كان ترك ذلك يوجب شراً أعظم منه». (مجموع الفتاوى 30/642).

ولكن الإشكال يكمُن في أن هذه الكيانات لا تقبل في صفوفها والإسهام في أعمالها وإهداء النصح إليها إلا ممن ينتمي إليها عرقياً، كما جاهر بعض الدعاة بفخرهم واعتزازهم بالنظم القبلية القائمة، ضاربين عرض الحائط بوحدة الأمة وعدم التفريق بينها، متناسين قول المولى جلَّ في علاه: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103] برغم تميز الشعب الصومالي عن غيره من الأمم بوحدة الدين الإسلامي، والمذهب العقدي السني، والمذهب الفقهي الشافعي، والانتماء العرقي، واللغة واللسان الصومالي، ووحدة التقاليد والموروث الشعبي.

وهذا الصنيع أوجد الشكوك وعدم الثقة بين طلبة العلم، لذا اعتبر بعضهم أن المحنة التي ألمت بالصوماليين أظهرت أن التدين الذي كان يتظاهر به هذا الصنف من الناس لم يكن إلا سُلَّماً لمآرب قَبَلية وجهوية ومنافع شخصية تُضعف وتوهن الرابطة الدينية بين الأمة الصومالية المسلمة.

الحزبية: تنظيم أمور الدعوة وتولية الأكفاء في إدارتها، وتقديم أهل الاختصاص كل في مجاله، والسعي لتوحيد الجهود وتقوية أواصر المحبة بين الدعاة، والسهر على انسيابية العمل الدعوي، وإتاحة الفرصة أمام الجميع بالتساوي، والتوزيع العادل لموارد الحركة، وعدم التفاضل بين الأتباع إلا بقدر العطاء والإنجاز، والتداول السلمي  للقيادة، وتقديم المصلحة العامة على الخاصة، والتعاون المبني على الثقة، وتطبيق لوائح الحركة على الجميع من غير استثناء، وإعلاء مبدأ الوضوح والشفافية والمحاسبة في عمل الجماعة، واعتماد نظام المراجعة والتصحيح الدوري في إنجازات الحركة وإخفاقاتها، أمر لا خلاف فيه، وهذه حزبية محمودة، ينبغي للجميع أن ينضموا إليها، ومن لم يستطع فليؤازرها وليدع لها بالسداد والتوفيق. ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «وأما رأس الحزب فإنه رأس الطائفة التي تتحزب، أي تصير حزباً، فإن كانوا مجتمعين على ما أمر الله به ورسوله من غير زيادة ولا نقصان فهم مؤمنون لهم ما لهم، وعليهم ما عليهم» (مجموع فتاوى الجزء 11 صفحة 69).

وأما الحزبية التي أوجدت الشك وأحدثت الشرخ وعدم الثقة بين الدعاة والعلماء الصوماليين فهي الحزبية المبنية على المحسوبية، وتقديم أهل الثقة والطاعة العمياء وتمكينهم من مفاصل الحركة، وإبعاد وتشويه كل من لا يتلائم مع هذا الاتجاه، وتحويل الحركة إلى ملكية خاصة لبعض المتنفذين، والانشغال بالمصلحة الخاصة دون العامة، وحصر موارد الجماعة على المقربين، ومحاربة أهل الرأي والعلم والنصح، وغير ذلك من الفواجع التي ترتكب باسم الدعوة ظلماً وعدواناً.

وما من حركة من الحركات الدعوية الصومالية إلا وانشطرت إلى طرائق متعددة، كل واحدة منها تتهم الأُخرى بالحزبية، ولأجل هذه التصرفات البعيدة كل البعد عن أخلاق الدعوة والدعاة آثر عدد كبير من الدعاة والعلماء الوقوف خارج هذه التكتلات وعدم الانضمام إليها مع إيمانهم بأهمية الاجتماع وتوحيد الكلمة ورصِّ الصفوف حتي تتقدم الدعوة بانسيابية، ريثما يعود الوازع الديني إلى القلوب، ويعترف الكل بأن هذا المسلك لا يؤدي إلا إلى الفشل وتمزيق الصفوف وتأخير تقدم الدعوة إلى الأمام، وتوهين أواصر المحبة، وتسلط الأعداء، وتشويه سمعة أهل العلم وطلبة العلم، وغير ذلك من المآسي التي لا تحمد عقباها.

وهذه الحزبية المقيتة سبب من الأسباب التي أذهبت الثقة بين العاملين للإسلام في المجتمع الصومالي في داخل البلاد وخارجها.

المصلحة الشخصية: ليس عيباً أن تكون لدى الإنسان - مهما كان موقعه في المجتمع - طموح ورغبة في التملك سواء كان مادياً كالمال والبيت والمركب، أو أدبياً كالوجاهة والشرف والمنصب، ففي التنزيل: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْـمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْـخَيْلِ الْـمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْـحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْـحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْـمَآبِ} [آل عمران: 14]. وهذا الحب أمر جِبلِّي لا يُلام عليه الشخص ما دام يتحرك ويزاول نشاطه في الإطار المشروع والمباح، ويكون المعتمد في ذلك العمل الدؤوب والعطاء المثمر مع الديانة والنزاهة والبعد عن الشبهات وازدواجية المعايير في التعاطي مع الشأن الدعوي.

ودائما تُلَّبس المصلحة الشخصية والفئوية بلباس الشرع والتدين ومراعاة مصلحة الدعوة وخدمتها، فلا يوجد تمايز بين ممتلكات الحركة وبين وأموال الأفراد أو بين المرافق العامة التي تعود ملكيتها إلى الأمة وبين ما هو خاص وتابع لفرد معين، وكثيراً ما يتم التربح من الوظيفة أو المكانة العلمية، فكأن هؤلاء لم يصل إلى أسماعهم حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه حين قال: استعمَل رسول الله صلى الله عليه وسلم  رجلاً من الأزد على صدقات بني سليم يُدعى ابن اللتبية، فلما جاء حاسبه. قال: هذا مالكم، وهذا هدية! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «فهلا جلست في بيت أبيك وأمك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقاً! ثم خطبنا، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاّني الله، فيأتي فيقول: هذا مالكم، وهذا هدية أهديت لي، أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته؟ والله لا يأخذ أحد منكم شيئاً بغير حقه إلا لقي الله يحمله يوم القيامة، فلأعرفن أحداً منكم لقي الله يحمل بعيراً له رغاء، أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر، ثم رفع يده حتى رُئي بياض إبطه يقول: اللهم هل بلَّغت» (متفق عليه).

ونعني بالمصلحة الشخصية هنا ما يقوم به بعض الدعاة من أعمال تخالف اللوائح الداخلية للحركة الإسلامية الصومالية من توظيف مسؤوليتهم الشرعية للإفادة من مقدرات الحركة لأنفسهم أو أصدقائهم أو أقربائهم.

ومشكلة تقديم المصلحة الشخصية على مصلحة الدعوة والأمة لا تنفرد بها الحركات الإسلامية الصومالية بل هي مرض عضال ينخر في جسم الحركات الإسلامية في العالم، وهو حديث المؤيدين والمعارضين لهذه الحركات في سيطرة المصالح الشخصية في غالب مجريات الحركات. والغريب في الشأن الدعوي الصومالي أنه كلما حدث خلاف أو انشقاق داخل الحركة، فكل مجموعة تأخذ وتحتفظ بما في يدها من ممتلكات الحركة، متعذرة بأن فلان أو علان هو الآخر يحتفظ ببعض المرافق، وهناك مدارس ومراكز علمية ومساجد تحولت إلى ملكية ومزارع شخصية لمجموعات أو أفراد، بعد أن كانت ملكاً للأمة والدعوة.

وتُعد المصلحة الشخصية وتغلغلها في جسم الدعوة أكبر معوق لمسيرة الدعوة وتشويه سمعة الدعاة أمام المجتمع، وهي العقبة الكؤود في مضاعفة وازدياد أزمة عدم الثقة بين العلماء والدعاة الصوماليين في كل مكان.

وأما إذا أردنا تخطي هذه الصعاب وإعادة الثقة بين طلبة العلم والدعاة الصوماليين علينا بالرجوع إلى الله تعالى والتصالح معه، والبعد عن كل ما يشين الدعوة ويذهب الثقة، وأن نحكم أنفسنا بكتاب الله تعالى، وأن نتجنب القبلية وتأثيرها، والحزبية ومؤامراتها، والحظوظ والمصلحة الشخصية وطمعها، وغير ذلك من العقبات في طريق الدعوة، وأن يكون همُّ الدعاة إبلاغ ونشر رسالة الإسلام معتمدين على الكفاءة العلمية والعطاء، وتقديم مصلحة الأمة على المصلحة الشخصية والفئوية، فهذا حري بأن تعود المياه إلى مجاريها، وتثمر الثقة بين الدعاة، ويصلح حال المدعوين، وتسود المحبة والإخاء بين أهل الإيمان والعلم والدعوة. اللهم ألهمنا رشدنا وقنا شر أنفسنا، آمين.

:: مجلة البيان العدد  346 جمادى الآخـرة  1437هـ، مـارس 2016م.

أعلى