ينبغي اتخاذ جميع الوسائل الممكنة في وقت الحرب كالاستعانة بضباط الجنود من بين الملل والأقوام الذين هم أكثر تقدمًا في أوربا، كما ينبغي تنفيذ ذلك على سائر الممالك لتحسين الأوضاع بها.
هي وصايا
شهيرة ومهمة، يقف القارئ من خلالها على الإستراتيجية الروسية القائمة على استدامة
الحرب، من أجل إضعاف الدول المحيطة بها. وضعها بطرس العظيم، وهو خامس قياصرة روسيا،
وأعظم من حكموها عبر كل تاريخها، ولد سنة 1672م، وتسلم الحكم سنة 1696م، وحكم روسيا
حوالي 30 سنة. عرف عنه الذكاء الشديد، والقسوة وروح الانتقام، ويحسب له أنه أول من
حول روسيا من القيصرية إلى الإمبراطورية، وقد شن حروبًا كثيرة، كما قاد زيارات إلى
أوربا لتحريضها ضد الخلافة العثمانية، التي شن حروبًا متواصلة ضدها لإسقاطها، كما
أجرى إصلاحات كثيرة ومصيرية في نظام الحكم جعلت روسيا تستمر إلى اليوم ولم تتفكك
برغم ضمها عرقيات كثيرة ومتناقضة.
وقد تم تحقيق أغلب الوصايا
التي أوصى بها حتى إن السياسة الروسية لم تحد عن هذه الوصايا إلى اليوم، وما
الأحداث الأخيرة التي وقعت خلال العقود الثلاثة إلا دليل ظاهر على ذلك، فعلى سبيل
المثال: هاجم الأرمن أذربيجان بتحريض من الروس، واحتلوا
«ناغورني قره
باخ»، وفي جورجيا
احتلوا أوسيتيا الجنوبية، ولم توقع روسيا حتى الآن على إنهاء الحرب العالمية
الثانية مع اليابان بسبب احتلالها لجزر الكوريل، كما احتلت شبه جزيرة القرم وشرق
أوكرانيا العام الماضي، وكذلك تهديدها لدول البلطيق واختراق أجوائها وحدودها،
واختراق مياه السويد، وتهديد فنلندا، وإثارة النزاعات في أوربا، والهجوم على سوريا،
واعتماد إستراتيجية الدبلوماسية العسكرية، وتصريح الكنيسة الروسية أن روسيا يجب أن
تكون روما الثالثة ومحج المسيحيين بالعالم.
كل ذلك أمثلة تجد مستندها
في وصايا بطرس الأكبر أو بيتر العظيم، الذي يفتخر الروس به ويقدسون وصاياه.
فما هي وصاياه التي حض
حكام روسيا على انتهاجها لاستمرار روسيا كقوة عظيمة؟ وهل يمكن قراءة الروس من
خلالها؟
المادة الأولى:
من الضروري أن تعتاد
العساكر على الحرب والقتال دائمًا، وينبغي على الأمة الروسية أن تكون على أهبة
الاستعداد في حالة الحرب لكي تكون يقظة، وترك وقت لراحة العساكر من أجل إصلاح
الشؤون المالية، مع تنظيم العساكر باستمرار لتحين الوقت المناسب للهجوم، وعلى هذه
الصورة ينبغي على روسيا أن تستفيد من وقت الصلح والأمان في زيادة مؤنها وتوسيع مجال
منافعها فتتخذ من الصلح وسيلة للحرب.
المادة الثانية:
ينبغي اتخاذ جميع الوسائل
الممكنة في وقت الحرب كالاستعانة بضباط الجنود من بين الملل والأقوام الذين هم أكثر
تقدمًا في أوربا، كما ينبغي تنفيذ ذلك على سائر الممالك لتحسين الأوضاع بها.
المادة الثالثة:
ينبغي التدخل في مجريات
الأمور والأوضاع في أوربا كلما لاحت الفرصة، كما ينبغي التدخل في الخلافات
والمنازعات الجارية بها، وخاصة ما يجري في ألمانيا القريبة منا للاستفادة من ذلك
مباشرة.
المادة الرابعة:
ينبغي استعمال الرشوة
لإلقاء الفتنة والفساد وإثارة الاضطرابات الداخلية في بولونيا، واستمالة أعيانها عن
طريق تقديم الأموال لهم، والعمل على السيطرة على مجلس الحكومة، حتى يمكن التدخل في
انتخاب الملك وبعد حصول من هو من أنصار روسيا على الملك ينبغي دخول عساكر روسيا إلى
بولونيا بحجة حمايتها، مع الاهتمام بإقامة العساكر هناك فترة طويلة. وإذا حدث تنافس
من دولة مجاورة، فالواجب يقتضي تقسيم النفوذ حرصًا على إخماد نار الفتن والقلاقل
مؤقتًا، وتحين الفرصة لاسترجاع النفوذ لروسيا كاملًا.
المادة الخامسة:
ينبغي الاستيلاء على بعض
مناطق السويد بقدر الإمكان، ثم نسعى بعد ذلك لاغتنام الفرصة للاستيلاء على
الباقي. ولا يتأتى ذلك إلا عن طريق استفزاز السويد لمهاجمة روسيا. وعلينا أن نزرع
بذور الفتنة والفساد والخلاف بين السويد والدنمارك على الدوام لتحقيق الفرقة
بينهما.
المادة السادسة:
يجب على أسرة الإمبراطورية
الروسية أن يتزوج أفرادها من بنات العائلة الملكية الألمانية لتقوية الروابط مع
ألمانيا، تمهيدًا لزيادة النفوذ فيها واستغلال ذلك لمصلحة روسيا.
المادة السابعة:
تعتبر إنجلترا أكثر الدول
احتياجًا إلينا في الأمور البحرية، ولهذه الدولة أيضًا نفع كبير في زيادة قوتنا
البحرية، ومن الضروري الاتفاق معها في أمور التجارة وتفضيلها في ذلك على سائر
الدول، وبيع إنتاج بلادنا من الأخشاب وسائر الأشياء إلى إنجلترا، وشراء الذهب منها،
وينبغي تقوية الروابط التجارية بين البلدين لترويج التجارة والملاحة البحرية في
بلادنا.
المادة الثامنة:
على الروس أن ينتشروا
شمالًا على سواحل بحر البلطيق وجنوبًا على سواحل البحر الأسود يومًا فيومًا.
المادة التاسعة:
ينبغي الاقتراب بقدر
الإمكان من إستانبول والهند، ولأن من يحكم إستانبول يستطيع أن يحكم العالم بأسره،
فلذلك ينبغي إعلان الحرب باستمرار على الدولة العثمانية تارة وعلى بلاد فارس تارة
أخرى، ومن الضروري السيطرة على البحر الأسود شيئًا فشيئًا، لإنشاء دار للصناعات
البحرية عليه، والاستيلاء على البلطيق أيضًا لأنه من ألزم الضروريات للوصول إلى
المقصود. وينبغي العمل بسرعة على إضعاف إيران بل إزالتها من الوجود لكي يسهل علينا
الوصول إلى خليج البصرة، ومن الممكن إعادة تجارة الممالك الشرقية القديمة إلى بلاد
الشام للوصول إلى بلاد الهند التي تعد بمثابة مخزن للعالم وبهذا نستغني عن ذهب
إنجلترا.
المادة العاشرة:
ينبغي العمل على عقد
اتفاقيات صداقة واتحاد مع النمسا، وتشجيعها على التدخل في ألمانيا وعلى زيادة
نفوذها فيها في الظاهر، أما في الباطن فيقتضي الأمر منا أن نزرع بذور الشك والعداوة
بين النمسا وألمانيا، لدفع كل منهما لطلب العون والمدد من روسيا حتى يمكن التغلب
عليهما في المستقبل.
المادة الحادية عشرة:
ينبغي تحريض العائلة
المالكة في النمسا على طرد الأتراك من الروملي [الأراضي العثمانية في أوربا]،
وعندما نستولي على إستانبول علينا أن نسلط دول أوربا القديمة على دولة النمسا
لمحاربتها، أو نعمل على تسكين حقدها وحسدها لنا بإعطائها جزءًا صغيرًا مما نكون قد
استولينا عليه، ثم نسعى بعد ذلك لنزع ما أعطيناه لها.
المادة الثانية عشرة:
ينبغي أن نستميل جميع
المسيحيين الذين هم من مذهب الروم (الكاثوليك) المنكرين رياسة البابا الروحية
والمنتشرين في بلاد المجر والممالك العثمانية وفي جنوب بولونيا، ونجعلهم يتخذون من
روسيا مرجعًا لهم وملاذًا، ونقيم لهم في بلادنا رياسة مذهبية تجمعهم حتى نتمكن من
توطيد نفوذنا وسيطرتنا على أعدائنا.
المادة الثالثة عشرة:
حينما يصبح السويديون
مشتتين والإيرانيون مغلوبين والبولونيون محكومين والممالك العثمانية مستولى عليها
أيضًا، نجمع عساكرنا ومعسكراتنا في مكان واحد مع المحافظة على البحر الأسود وبحر
البلطيق عن طريق قواتنا البحرية، ثم نتباحث مع فرنسا في كيفية اقتسام دول العالم
فيما بيننا وكذلك نتباحث مع النمسا في الموضوع نفسه على حدة سرًّا. والدولة التي
تقبل شروطنا منهما نساعدها على التنكيل بالأخرى. وحينئذ تستولي روسيا على جميع
الممالك الشرقية وتكون أعظم دول أوربا تحت سيطرتها، وبهذا يسهل عليها أن تقهر
الدولة التي تبقى في الميدان منهما [أي فرنسا والنمسا].
المادة الرابعة عشرة:
على فرص أن كلا الدولتين
المشار إليهما لم تقبلا بما عرضته عليهما روسيا، فينبغي على روسيا أن تراقب الموقف
حتى يحدث نزاع بين الدولتين، وفي هذه الحالة تنتهز روسيا الفرصة، وتهاجم النمسا
بجنود كثيرة، ثم تهجم السفن الروسية على سواحل فرنسا، في الوقت الذي تكون فيه
النمسا مشغولة بأحوالها، وبهذا يمكن التغلب على القوتين الموجودتين في أوربا [فرنسا
والنمسا]، أما ما يتبقى من الدول الأوربية فإنه يدخل طواعية تحت نفوذ روسيا وبهذا
تتم السيطرة على أوربا.