• - الموافق2024/11/21م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
استراتيجية اوباما في افغانستان وباكستان انسحاب مدبر خوفا من الهزيمة الساحقة!

استراتيجية اوباما في افغانستان وباكستان انسحاب مدبر خوفا من الهزيمة الساحقة!

 

 الإستراتيجية الأخيرة للرئيس الأمريكي باراك أوباما، التي أعلنها في السابع والعشرين من مارس/آذار 2009م، تعني بالمصطلح الإستراتيجي العسكري أنها: (انسحاب مدبَّر) للقوات الأمريكية والحليفة لها من أفغانستان وباكستان، خوفاً أو هروباً من الهزيمة الإستراتيجية الساحقة الماحقة التي تنتظر الولايات المتحدة الأمريكية وشركاءها في تلفيقة (الحرب على الإرهاب) التي اخترعتها مجموعة (بوش الابن، وتشيني، ورامسفيلد)، وارتكزت عليها طيلة السنوات الماضية، كإستراتيجية أمريكية وغربية جديدة تحت مظلة أحداث الحادي عشر من أيلول عام 2001م في نيويورك وواشنطن دي سي، وكان ذلك من أجل تحقيق مآربَ ومصالح وأطماع؛ كانت معروفة لدى كثيرين في منطقة الشرق الأوسط ووسط آسيا، قبل شن الحرب وتدمير أفغانستان عام 2001م. ووظفت الإدارة الأمريكية السابقة القوات الأمريكية المسلحة براً وبحراً وجواً، ومعها دول مشاركة أو زعماء شركاء في مشروع (الحرب على الإرهاب) قيل عنها: إنها دول (راغبة) بالحرب على الإرهاب جنباً إلى جنب مع واشنطن، مثل بريطانيا وغيرها؛ وفي فترة لاحقة شاركت قوات من دول أعضاء في منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو).
هنالك مستفيدون كثيرون من توظيف القوات المسلحة الأمريكية والبريطانية وحلفائهما؛ خاصة من بعض الدول الصناعية ذات المصالح المشتركة معهما؛ إذ إن النخب الثلاثة (حسب التسمية الديمقراطية) السائدة داخل المجتمعات الغربية، التي تتحكم في قرارات تلك الدول الصناعية ومقدراتها وعلى رأسها الولايات المتحدة، هي : (النخبة السياسية التي تأتي للحكم عن طريق صناديق الاقتراع وتقوم بخدمة مآرب النخبة الصناعية مقابل مصالح مشتركة بين الطرفين، والنخبة الصناعية التي تتألف من أصحاب شركات الصناعات الدفاعية الكبرى (السلاح)؛ وهمُّها بيع صفقات السلاح ومشاريع التطوير بمليارات الدولارات وليس بالملايين. والنخبة العسكرية التي تنفذ أوامر وتعليمات النخبة السياسية ورغبات النخبة الصناعية إلى حد كبير، بممارسة فنون الحرب وإستراتيجياتها وخططها وتكتيكاتها؛ وإلا فإن مصيرها التسريح والبطالة).
تلك هي الإستراتيجية الأمريكية التي كان قد أطلقها الرئيس الأمريكي باراك أوباما نحو أفغانستان وباكستان قبل أكثر من عام. وهي في حقيقة الأمر مرحلة انتقالية لا بد منها بين الوضع السابق والوضع اللاحق؛ وإلا فإن مصير القوات الأمريكية وقوات حلف الناتو (الأطلسي) المجمَّعة من 22 دولة، سيكون حالكاً مع تزايد هجمات حركة طالبان في كلٍّ من أفغانستان وباكستان بعد مرور عدة سنوات على تلك الحرب الفاشلة.
إن إستراتيجة الرئيس الأمريكي الأخيرة، حملت في طياتها كثيراً من الدلالات الجديدة والمتغيرات العميقة على ساحة القتال ضد حركة (طالبان) في كلٍّ من أفغانستان وباكستان.
تلك الإستراتيجية التي كانت تُسمى في زمن الإدارة الأمريكية السابقة برئاسة جورج بوش الابن (الحرب على الإرهاب العالمي) بقوات أمريكية وقوات من حلف الناتو؛ فماذا تعني تلك الدلالات والمتغيرات؛ لا سيما بعد أن رحلت الإدارة السابقة وحلت محلها الإدارة الأمريكية الجديدة، صاحبة الإستراتيجية الجديدة التي تقول بصريح العبارة : (إن القتال ليس مسؤوليتنا... إنه مسؤولية العالم وباكستان وأفغانستان جميعاً)؟
وفي هذا السياق أوضح الرئيس الأمريكي باراك أوباما؛ عند استعراضه للإستراتيجية الأمريكية الجديدة التي كان قد أطلقها أمام حشد كبير من معاونيه (كل المجتمع الدولي ودول العالم مطالبون منذ اليوم فصاعداً بأن يشاركوا في الجهود الأمريكية والأطلسية لمحاربة الإرهاب في أفغانستان وباكستان، وليس القوات الأمريكية وحلف الناتو فقط).
الرئيس الأمريكي باراك أوباما
ووسائل الإعلام؛ من الغرفة رقم 450 الواقعة في بناء (دوايت أيزنهاور) في العاصمة واشنطن؛ وبما لا يدع مجالاً للشك: أن مشكلة طالبان على طول الحدود (الباكستانية – الأفغانية) لم تعد مشكلة أمريكية أو تهديداً للأمن القومي الأمريكي فحسب، بل هي مشكلة دولية؛ حيث ضربت التفجيرات المدمرة في أوقات سابقة كلاً من لندن ومدريد وبالي وإفريقيا وأهدافاً في الشرق الأوسط، وأماكن أخرى من العالم؛ فكل المجتمع الدولي ودول العالم مطالبون منذ اليوم فصاعداً - على حد قوله - بأن يشاركوا في الجهود الأمريكية والأطلسية لمحاربة الإرهاب في أفغانستان وباكستان، وليس القوات الأمريكية وحلف الناتو فقط.
ولكن المشاركة المحلية الفورية – حسب رؤية الرئيس أوباما - لا بد أن تبدأ من أفغانستان ذاتها ومن باكستان أيضاً؛ إذ إنهما الدولتان المعنيتان مباشرةً بالأمن والاستقرار داخل أراضيهما وعلى حدودهما الدولية.
إن هذا التوجه الجديد يدل دلالة واضحة على مدى التحول الكبير في اتجاه (الإستراتيجية الأمريكية نحو الحرب ضد طالبان، بشكل خاص والإرهاب على الساحة العالمية بشكل عام)، من وجهة نظر جديدة تشـير إلى أن هذه الإسـتراتيجية ما هي إلا انسحاب مدبر كبديل عن الهزيمة الساحقة التي تنتظر القوات الأمريكية والحليفة في أفغانستان وباكستان.
وحتى تزداد الحكومتان الشريكتان في هذه الإستراتيجية في كلٍّ من كابول وإسلام أباد طمأنينة وهدوءاً على الرغم من شعورهما بالكارثة القادمة، إذا ما انسحبت القوات الأمريكية وقوات حلف الناتو من بلديهما، قرر الرئيس أوباما في حينه تعزيز القوات الأمريكية في أفغانستان بنحو أربعة آلاف جندي أمريكي؛ للقيام بمهمة تدريب الجيش والشرطة الأفغانية؛ (إذ من المقرر أن يصل تعداد الجيش الأفغاني إلى 134 ألف جندي والشرطة الأفغانية إلى 82 ألف شرطي) لغاية عام 2011م.  ومن هنا يتبين أن صلب الإستراتيجية الأمريكية الأخيرة تتمثل في تدريب ومساعدة القوات الأفغانية (جيشاً وشرطةً) في الوقت الضائع وهي الفترة الانتقالية قبل الانسحاب النهائي المدبَّر، وليست في قتال طالبان.
مع أن هذا الدور التدريبي الأمريكي لن يستمر إلى الأبد في أفغانستان؛ بل سيبقى إلى مدة قد لا تتجاوز ثلاث سنوات على أقصى حد. وبعدها ستنسحب القوات الأمريكية وقوات حلف الناتو من أفغانستان ومنطقة الحدود مع باكستان، وتترك مسؤولية الأمن فيها على عاتق دولها وحكوماتها.
لقد وصف الرئيس أوباما الإستراتيجية الأمريكية الأخيرة بأنها: (الأقوى، والأذكى، والأكثر شمولاً). ويُستنتج من ذلك أن هذه الإستراتيجية ترتكز على مفهومٍ إستراتيجي جديد، وهو أن الدور المباشر للقوات الأمريكية في أفغانستان قد تقلَّص بحيث تقتصر العمليات القتالية للجنود الأمريكيين على الدفاع عن النفس في قواعدهم العسكرية وأثناء انتشارهم في منطقة الواجب، ثم تنفيذ ضربات جوية أمريكية من بعيد كإسناد فوري ومباشر للقوات الأفغانية والقوات الباكستانية؛ سواء بطائرات من دون طيار، أو طائرات القتال والهجوم الأرضي الأمريكية، أو بالطائرات العمودية المقاتلة أو بصواريخ (أرض، أرض)، ضد مواقع محددة للقاعدة وطالبان، داخل أفغانستان أو على الحدود (الأفغانية – الباكستانية) أو حتى داخل باكستان نفسها، وذلك بعد التشاور والتنسيق مع الحكومة الباكستانية.
إلا أن موافقة الرئيس الأمريكي على تعزيز القوات الأمريكية بحوالي 17 ألف جندي للعمل في المنطقة الجنوبية والشرقية من أفغانستان، كان يهدف منها إلى مساعدة الشرطة الأفغانية في حماية وإنجاح عملية الانتخابات الأفغانية التي جرت في شهر أغسطس 2009م؛ ولذا فإن هذا الهدف كان محدداً سلفاً، وكان مرتبطاً بواجب معيَّن؛ وليس من أجل القيام بعمليات هجومية ضد طالبان في المنطقتين المذكورتين.
وعليه فلن تقوم القوات الأمريكية العاملة في أفغانستان البالغُ تعدادها نحو 68 ألف جندي، بمطاردة قوات طالبان وتنفيذ عمليات أرضية هجومية واسعة النطاق ضد معاقلها كما كانت تقوم به من قبل، إلا في حالات نادرة ومحدودة جداً. إلا أن هذا الوضع الجديد كان له من المخاطر على القوات الأفغانية ما هو أسوأ مما كان عليه قبل ذلك بكثير؛ حيث شجع عناصرَ طالبان على إظهار مزيد من التصميم والإصرار، وتنفيذ العمليات التفجيرية ضد قوات الجيش والشرطة الأفغانية، أكثر من أي وقت مضى، وكذلك الأمر داخل باكستان ضد قوات الشرطة والجيش الباكستاني. وهذا ما حدثت بداياته في نهاية مارس 2009م في كلٍّ من باكستان وأفغانستان، وخلال عام 2010م. ولن تقف تحديات طالبان عند هذا الحد؛ إذ ستزداد حدَّةً مثل تلك العمليات التفجيرية ضد قوات الجيش والشرطة في باكستان وأفغانستان، وهي - بلا شك - من أكبر التحديات التي ستواجه الحكومتين (الأفغانية والباكستانية) من الآن فصاعداً، وربما تكون النهايات بالنسبة لهما أسوا من المتوقع بكثير خلال عامي (2011م - 2012م).
كما أن القوات متعددة الجنسيات بقيادة حلف الناتو التي يصل تعدادها في أفغانستان حوالي 35 ألف جندي؛ لن تُقدِم على التورط في مأزق المطاردة والوقوع في فخ الكمائن البشرية الملغمة، ولا سيما أن عناصر طالبان، هي الأكثر خبرة بطبيعة المنطقة والتضاريس والمسالك الوعرة، وهي الأكثر قدرة على الاختباء والتسلل والتكيف مع ظروف الطقس والأحوال الجوية داخل أفغانستان ومنطقة الحدود مع باكستان؛ إذ إن تلك العناصر ليست غريبة عن المنطقة ولم تأتِ من بعيد أو من خارج أفغانستان أو من (الفضاء الخارجي) بل هم من أبناء القبائل الأفغانية التي عاشت داخل الأراضي الأفغانية أو على حدودها الشرقية مع باكستان، منذ مئات بل آلاف السنين. وهذه الحقيقة تغيب عن أذهان كثيرٍ من السياسيين والعسكريين والمخططين الغربيين عموماً، والأمريكيين بشكل خاص، عن قصد أو غير قصد، أو ربما لا يريدون الاعتراف بها صراحةً، أمام الرأي العام الأمريكي والأوروبي لأسباب متعددة لا مجال للخوض فيها الآن.
ولعل من أهم القراءات الدقيقة في مسألة الإستراتيجية الأمريكية الجديدة؛ أن طالبان لو كانت معزولة عن قاعدة شعبية قبلية قوية تعيش على الأرض الأفغانية أو قريباً منها، لما تمكنت من الإفلات من التدمير الشامل منذ عام 2001م، ولَـمَا استمرت في تصعيد عملياتها المميتة ضد القوات الأمريكية وقوات حلف الناتو حتى اليوم.
 وهنا من حق أي محلل إستراتيجي أن يتساءل عن سرِّ قوة عناصر طالبان التي ما زالت تمارس نشاطاتها ضد القوات العسكرية الأمريكية وقوات حلف الناتو، وضد الجيش الباكستاني على الحدود المشتركة بين باكستان وأفغانستان أو داخل باكستان ذاتها؛ طيلة السنوات الماضية.
وبهذا الصدد؛ اعترف الرئيس الأمريكي أوباما في خطابه حول الإستراتيجية الأمريكية الجديدة عند تسلُّمه السلطة، بأن عام 2008م كان مميتاً وقاتلاً بالنسبة للقوات الأمريكية وشركائها، وأن (العمليات الإرهابية) كانت خلال العام الماضي في تصاعد أكثر من أي وقت مضى خلال الأعوام السبعة المنصرمة.
وثمة خيط دقيق يقود إلى هذه الحقيقة التي كان يجهلها (أو يتجاهلها) كثيرون من أصحاب القرار في وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاغون» وقيادة حلف الناتو، وهو أن الرئيس أوباما طالب الاستخبارات العسكرية الباكستانية صراحةً بقطع صِلاتِها مع عناصر طالبان، وفي مقابل ذلك ستقوم الولايات المتحدة بتعويض باكستان بمبالغ مالية تصل إلى 1.5 مليار دولار سنوياً ولمدة 5 سنوات قادمة، لبناء مشاريع اقتصادية وتنموية ودعم برامج الديمقراطية فيها. وهذا - فعلاً - يدل على وجـود علاقة سرية وتاريخية قوية بين طالبان من جهة والاستخبارات الباكسـتانية من جهة أخرى، وأن هذا الأمر ليس بجديد وطارئ؛ فهو استمرار لمراحل التعاون المباشر والعلاقات المتينة التي كانت قائمة بين الطرفين، إبان عمليات مقاومة الغزو السوفييتي الشيوعي السابق لأفغانستان.
وهي علاقة كانت قائمة بعلمِ وتخطيطِ الحكومات الباكستانية السابقة، وبُنيَت - أصلاً - على قاعدة (دينية - قَبَلية - شعبية) ومصالح مشتركة قوية، لم تنجح فلسفة بوش وفريقه الجمهوري: «الحرب على الإرهاب»  و «عملية الحرية الدائمة»
Operation Enduring Freedom OEF، في حلِّ عرى المودة والتعاون بينهما منذ حرب عام 2001م حتى اليوم. 
وعليه فإن القراءة المتأنية في إستراتيجية أوباما الأخيرة، يُستخلص منها:
أن القوات الأمريكية وقوات حلف الناتو لن تكون رأس الحربة في مقاتلة الإرهاب والقاعد وطالبان من الآن فصاعداً، بل ستكون عاملاً مؤازراً في مجالات التدريب والإسناد الناري الجوي والدعم الاقتصادي لفترة زمنية انتقالية محددة، ويُترك أمر القتال على الأرض لقوات الدول والحكومات المعنيَّة وشرطتها مثل أفغانستان وباكستان، وهذا شأنهما وستتحملان كافة المسؤوليات والتبعات والخسائر البشرية والمادية بعد اليوم.ويعني ذلك توجيه رسالة أمريكية رسمية واضحة الخطوط للحكومتين (الأفغانية والباكستانية) تقول: إما أن تُثبِتُوا جدارتكم في هذا المجال، أو لا مكان لكم في الحكم، والبديل بطبيعة الحال عودة طالبان إلى الحكم من جديد.
 وبذلك يكون الرئيس أوباما قد قلب إستراتيجية الإدارة الأمريكية السابقة في الحرب على الإرهاب العالمي - وكذلك تغيير الأنظمة السياسية بالقوة العسكرية الأمريكية -  رأساً على عقب، على مدى المستقبل المنظور على الأقل. ورمى بالمشكلة برمَّتها على عاتق أصحابها في أفغانستان وباكستان من جديد، ممهداً الطريق لانسحابٍ مدبَّر (منظَّم) تجريه القوات الأمريكية وقوات الناتو، ربما تكون بداياته في عام 2011م؛ إذْ إن هذا التاريخ لم يأتِ من فراغ، كونه آخر مهلة محددة للقوات الأمريكية للانسحاب من العراق أيضاً. 

 

 

المصادر:
- غلوبال سيكيورتي.
www.globalsecurity.org 
- مركز الدراسات الدولية والإستراتيجية
في واشنطن.
www.csis.org    
- مؤسسة ضد الحرب الأمريكية.
www.antiwar.com        
- الصحافة العالمية ووكالات الأنباء.
 
 

 

أعلى