• - الموافق2024/11/21م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
( قال فرعون ) ( وقال الملك )

( قال فرعون ) ( وقال الملك )


يلاحظ القارئ لأسفار «العهد القديم» أنها تستعمل لقب «فَرْعُه» - أي «فرعون» - للإشارة إلى ملوك مصر القديمة، يستوي في ذلك مَلك مصر في زمن يوسف عليه السلام ومَلكها في زمن موسى عليه السلام.

نقرأ – على سبيل المثال – في سفر التكوين (41: 14): «فأرسل فرعونُ ودعا يوسف، فأسرعوا به من السجن». وفي قصة موسى عليه السلام نقرأ في سفر التكوين (2: 15): «وسمع فرعون بهذا الخبر فطلب أن يقتل موسى». إلى غير ذلك من النصوص المطَّردة في وصف مَلِك مصر بـ «فرعون» بغض النظر عن الزمن الذي عاش فيه.

لكنّ الحال تختلف مع كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. فعندما ذكر الله عز وجل قصة موسى عليه السلام في سورة الأعراف قال: {قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُم} [الأعراف: 123] . فلما ذكر قصة يوسف عليه السلام قال: {وَقَالَ الْـمَلِكُ إنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ} [يوسف: 43].

قال صاحب «التحرير والتنوير» معلقاً: «والتعريف في (الْمَلِكُ) للعهد، أي ملك مصر. وسماه القرآن هنا ملكاً ولم يسمه فرعون لأن هذا الملك لم يكن من الفراعنة ملوك مصر القبط، وإنما كان ملكاً لمصر أيام حَكَمها «الهكسوس»، وهم العمالقة، وهم من الكنعانيين، أو من العرب، ويعبر عنهم مؤرخو الإغريق بملوك الرعاة، أي البدو»[1].

فهل ما علل به ابن عاشور ثابتٌ فعلاً عند علماء الآثار والمؤرخين؟

يحدد عالم الآثار «كينيث كِتْشن» تاريخ دخول يوسف عليه السلام إلى مصر بما يعرف بـ «الحقبة الوسطى الثانية» التي امتدت بين (1674-1553ق. م) تقريباً[2]. ويعلل قاموس الكتاب المقدس (Nelson's Illustrated Bible Dictionary) اختيار هذه الحقبة كمُرَشّح لأحداث قصة يوسف عليه السلام بقوله:
«في أثناء هذا المرحلة من الضعف [الحقبة الوسطى الثانية] دخل البلادَ كثيرٌ من غير المصريين. وقامت جماعةٌ تدعى الهِكسوس - أي: الحكام الغرباء - بالاستيلاء على تلك الأمة. فأمكن رُقِيّ يوسفَ إلى منصبٍ رفيعٍ في بيت «فوطيفار» (تكوين: 39) وتوليته مهمةَ جمعِ الغلال في أعوام الغوث (تكوين: 41)؛ وذلك لأن غرباء آخرين نالوا مناصب مهمة في حكومة الهكسوس»
[3].

كما تنص «دائرة المعارف اليهودية» على أن «أولئك الذين يَعتبرون قصة يوسف واقعة تاريخية يذهبون في عمومهم إلى أن الفرعون الذي جعل يوسف حاكماً فعلياً لمصر كان أحد ملوك الهكسوس»[4].

ومما يعزز الرأي القائل بأن دخول يوسف عليه السلام إلى مصر كان في زمن الهكسوس وجود الاسم السامي - العربي القديم - «يعقوب» على قائمة ملوك تلك الحقبة. يقول القاموس الكتابي (The Interpreter's Dictionary of The Bible): «إن تَولّي أحد الغرباء منصباً رفيعاً في الحكومة المصرية يشير أيضاً إلى حكم الهكسوس الذين كانوا غرباء كذلك. بل إنّ أحد حكامهم كان يدعى (يعقوب - هَر)»[5].

فلمّا لم يكن الهكسوس من الفراعنة كان حكامهم يعرفون بلقب «الملك» مجرداً.

أما كليم الله موسى عليه السلام فعاش - وفقاً لأغلب المصادر الأجنبية المعتمدة - في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، أي: في «حقبة المملكة الجديدة». تقول «الموسوعة اليهودية العالمية»:
«إن الحقبة التي عاش فيها موسى [عليه السلام] - فيما يبدو - كانت الربع الثالث أو الرابع من القرن الثالث عشر ق. م...»
[6].

فما علاقة هذه الحقبة من حكم الأسر المصرية بلقب «فرعون» الذي استعمله القرآن الكريم لملك مصر في قصة موسى عليه السلام وخروج بني إسرائيل. يحدثنا عن ذلك «قاموس المتحف البريطاني لمصر القديمة» بقوله:

«فرعون: لقب يستعمله الكُتاب المعاصرون بشكل مطرد للإشارة إلى ملك مصر ... وكانت تستعمل في أصلها للإشارة إلى القصر الملكي وليس الملك.. وابتداء من «المملكة الجديدة» (1550- 1069 ق. م) أصبح اللقب مستعملاً للإشارة إلى الملك بنفسه»[7].

يؤيد هذا قاموس الكتاب المقدس (Nelson's Illustrated Bible Dictionary) بقوله:
«تعني كلمة «فرعه» [فرعون] في اللغة المصرية (البيت العظيم). وكانت هذه الكلمة في أصلها تستعمل لنعت قَصر المَلك. وحوالي 1500 ق. م أُطلق هذا الوصف على الملك»
[8].

فتبينَ أن «فرعون» لقبٌ لملوك مصر إبان المملكة الجديدة التي عاش أثناءها موسى عليه السلام كما بينتُ آنفاً، وأما من استعمله في زمن الهكسوس الذي عاش فيه يوسف عليه السلام فقد غلط. ولذا صرح قاموس (The Thames & Hudson Dictionary Of Ancient Egypt) بأن «استعمال (فرعون) لقباً لحكام مصر قبل المملكة الجديدة مفارقةٌ تاريخيةٌ صريحةٌ ينبغي تجنبها»[9].

فإذا علم المسلم هذا أدرك نعمة الله عليه إذ أكرمه بكتاب من عنده لم يجعل له عوجاً، ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً. ولذا امتن الله تعالى على نبيه بما أطلعه عليه وقومَه من غيوب تخبطت في سبيل معرفتها الأمم وجاءتنا بيضاء نقية؛ قال تعالى: {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلا قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ } [هود: 49]

 

 


(*)  انظر دراسة مفصلة قيمة لهذا الموضوع على الرابط التالي:

http://www.islamic-awareness.org/Quran/Contrad/External/josephdetail.html

[1]   ابن عاشور، التحرير والتنوير (بيروت – لبنان: مؤسسة التاريخ العربي، 1420هـ) 12/68 [ترقيم المكتبة الشاملة، الإصدار الثاني].

 [2] Kitchen, K. A. The Bible in Its World: Archaeology and the Bible Today (Exeter: The Paternoster Press, 1977), p. 74.

 [3] F. F. Bruce et al. Nelson>s Illustrated Bible Dictionary (Thomas Nelson Publishers, 1986), p. 324.

 [4] The Jewish Encyclopedia (London & New York: Funk & Wagnalls Company, 1916) vol. VII, p. 252.

 [5] The Interpreter>s Dictionary Of The Bible (Nashville: Abingdon Press, 1996) vol. II, p. 985.

[6]  The Universal Jewish Encyclopedia, (New York: Ktav Publishing House, Inc., 1969), p. 4.

 [7] I. Shaw & P. Nicholson. British Museum Dictionary of Ancient Egypt (London: British Museum Press, 1995), p. 222.

 [8] Nelson>s Illustrated Bible Dictionary, p. 828.

 [9] Wilkinson, T. The Thames & Hudson Dictionary of Ancient Egypt (London: Thames & Hudson, 2005), p. 186.


أعلى