• - الموافق2025/06/26م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
غُول الرِّبا  وفكّه المفترس وسمومه الفتّاكة

وموضوعنا هنا عن الآثار الضارة والنتائج الخطيرة التي تترتب على التعامل بالربا، وتلك الآثار والنتائج كثيرة؛ حيث تمتد لتشمل جميع مجالات الحياة، سواء على المستوى الفردي أو المستوى الاجتماعي، ومن آثاره الضارة والخطيرة في المجالات الأخلاقية والروحية والاجتماعية


جاء الإسلام لإخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ولإرساء دعائم العدل والإخاء والمحبة والمساواة بينهم، وإقامة المجتمع الإسلامي المتكافل والمتعاون والمتراحم، وإزالة كل أشكال الظلم والاستغلال والأنانية والجشع من بينهم.

والربا ضد ذلك كله، فهو مرض خطير مُعْدٍ من أدواء الجاهلية المعضلة، التي تفتك بالفرد، كما تفتك بالمجتمع، على حدٍّ سواء، ويَلحق ضررها حتى غير المصابين بها.

كما أن الربا من معاملات اليهود الأثيمة والدنيئة، ومن الوسائل الشريرة والخبيثة التي يستخدمونها لاستعباد الشعوب الأخرى أو الأفراد الآخرين، من غير اليهود، أو على الأقل استغلالهم ونَهْب خيراتهم ومواردهم وإفقارهم وتجويعهم والاستعلاء عليهم والتلذُّذ بمآسيهم، كما هو دأبهم في كلّ العصور، وبخاصة منذ ظهور النقود الورقية، والنقود الائتمانية، والبنوك الربوية، وصكوك الأسهم والسندات، وأسواق البورصة، وصناديق الاستثمار، والشركات متعدية القومية والعابرة للحدود، والتي يسيطر على معظمها اليهود، والذين وصلوا في الوقت الحاضر -نتيجةً لكل ذلك وغيره- إلى قمة طغيانهم وعدوانيتهم وصَلفهم وعربدتهم وفسادهم، وهذا إملاء من الله لهم، حتى يبلغ الكتاب أجله، فيأخذهم أخذ عزيز مقتدر، ويردّ كيدهم إلى نحورهم، ويجعل تدميرهم في تدبيرهم.

ولأن الله -سبحانه وتعالى-، حكيم عليم، وخبير بما يُصلح العباد وبما يضرّهم وينفعهم في دنياهم وأخراهم، فقد حرَّم الربا في القرآن الكريم، تحريمًا مطلقًا، وندَّد به أشد تنديد، وجعل تحريمه مقترنًا بضروب شديدة من التهديد والزجر والوعيد، وأنذر المتعاملين به بحرب من الله ورسوله، وهو إنذارٌ لم يَرِد مثله في تحريم الخمر وهي أُمّ الخبائث، ولا في تحريم كبيرة الزنا وهي رأس الفواحش؛ فقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 278-279].

وجاء موقف الرسول صلى الله عليه وسلم ، مؤكدًا لذلك التحريم المطلق، وذلك التنديد الشديد والتهديد والزجر والوعيد، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه-، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال: «اجتنبوا السبع الموبقات»؛ أي: المهلكات، وذكر منها: «وأكل الربا»[1].

وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: «لعن رسول الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه. وقال: هم سواء»[2]. وعن عبد الله بن حنظلة -رضي الله عنه-، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال: «درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشدّ عند الله من ست وثلاثين زنية»[3].

وموضوعنا هنا عن الآثار الضارة والنتائج الخطيرة التي تترتب على التعامل بالربا، وتلك الآثار والنتائج كثيرة؛ حيث تمتد لتشمل جميع مجالات الحياة، سواء على المستوى الفردي أو المستوى الاجتماعي، ومن آثاره الضارة والخطيرة في المجالات الأخلاقية والروحية والاجتماعية والمدنية نذكر الآتي:

1-أخذ مال الغير بالباطل ودون أيّ مقابل:

لمال الإنسان عند الله -سبحانه وتعالى- حُرمة عظيمة، كحرمة دَمه وعِرْضه، وبالتالي، لا يجوز المساس بهذا المال إلا بطيب نفس من صاحبه. ولهذا يُعدّ الربا انتهاكًا لحرمة مال الغير، وأخذه منهم بدون مقابل أو عِوَض. وذلك أن الزيادة أو الفائدة التي يأخذها المقرض من المقترض، إنما تكون بسبب تأخير سداد قيمة القرض، وليس مقابل أيّ عِوَض آخر، فهي، بالتالي، غُنْم بغير غرم، وكسب بلا جهد، وإتاوة يدفعها المقترض مُرغمًا تحت إلحاح الحاجة الشديدة إلى المال، وبغير طيبٍ نفس منه، بطبيعة الحال، وكأنما هي تُنتَزع منه انتزاعًا، وتُسلَب سلبًا من جهده وعرقه، ويستولي عليه المقرض بالباطل، لا لشيء إلا لكونه ربّ المال.

وقد تكون الحاجات التي دفعت هذا المقترض للقرض كثيرة؛ منها حاجته لبناء مسكن أو شراء الأثاث الضروري، أو حاجته للطعام، وكذا حاجته للزواج، وحاجته للعلاج، وحاجته للتجارة، وحاجته لنفقة طلب العلم، ولغير ذلك من الحاجات، فإما أن يتعطل هذا كله، وإما أن يتحكم صاحب المال في هذا المحتاج، فيمنحه القليل، ويسترد منه الكثير، ويظلمه بذلك جهده، فيكدّ ويعمل ليؤدي للمُرابي ربَاه، أو يتضاعف الدَّيْن عامًا بعد عام.

ومن هنا فقد حرَّم الإسلام الربا؛ للتأكيد على حُرمة مال الغير، والحفاظ عليه، وعدم أخذه بالباطل، وبهذا يأمن كل إنسان على ماله، ويقنع بما عنده، فيعيش الناس آمنين مطمئنين، ويحصل التكافل المطلوب بينهم.

2-التجرُّد من المروءة والمشاعر الإنسانية

إن الربا يؤدي إلى استغلال حاجة الفقير والمحتاج إلى القرض بفرض الزيادة عليه، وهذا ضد المروءة والإنسانية؛ لأن الأَوْلَى والأحرى بصاحب المال، في مثل هذه الحالة، مساعدة هذا المحتاج وإسعافه بالصدقة أو الهبة، أو مدّ يد العون له، من خلال القرض الحسن للتنفيس عن كُربته، وسدّ حاجته التي دفعته لطلب المال من دون اشتراط أيّ زيادة عليه؛ حيث إنّ اشتراط أيّ زيادة، في هذه الحالة، يُعدّ قسوةً شديدةً على هذا المحتاج، وظلمًا كبيرًا له، وهذا بعيد كلّ البعد عن المروءة والإنسانية وحسن الجوار وآداب الاجتماع.

وذلك أن كل واحد منا يستنكف أن يطالب بتعويض مالي عن ماعون يُعيره لمَن يحتاج إليه أو مساعدة أدبية، كائنةً ما كانت، يُقدّمها لغيره عملاً بقواعد حُسْن الجوار وأدب الاجتماع، ولا يختلف النظر في الأمر حينما تكون المعاونة على وجه القرض للأشياء التي يمكن أن تُرَدّ أمثالها؛ لأن المقصود في القرض -كما في الإعارة-، هو استرداد المال نفسه إما بعينه أو بمال مماثل له تمامًا من جنسه، وبالتالي، فليس من المروءة والإنسانية أن يُطالب المقرض بزيادة على مقدار ما أقرضه من مال. ولأن القرض أساسًا عقد إرفاق وقربة، فالهدف منه هو إعانة الفقير والمحتاج والتنفيس عن المكروب، وهذه الزيادة تُخرجه عن موضوعه، ولهذا لا تجوز الزيادة فيه بمقاييس المروءة والإنسانية، فضلاً عن الشرع والدين.

3-تنمية الشُّحّ والأنانية والجشع في الإنسان

إن التعامل بالربا، يجعل صاحب المال أو المقرض يَعتبر المال في حد ذاته غاية وليس وسيلة، بحيث يصبح وهو يُفكّر فيه، ويُمسي وهو يُفكّر فيه، وفي كيفية جَمْعه والاستزادة منه وتكثيره بأيّ وسيلة من الوسائل، ولو كان ذلك على حساب الإضرار بالناس وابتزازهم وامتصاص عَرَقهم وجهدهم ودمائهم، وأكل أموالهم بالباطل ودون وجه حق، وقد يتطوَّر الأمر ليصل إلى ما هو أبعد من ذلك؛ بحيث يصير المال طاغوتًا يَعْبُده صاحبه من دون الله، والعياذ بالله.

ولهذا فليس بغريب أن يكون آكل الربا منبوذًا ومحتقرًا عند الناس؛ وذلك لما للربا من دور في إبراز عيوبه النفسية والخُلقية، وإظهارها علنًا لكل الناس، فكل إناء بما فيه ينضح، وكلّ مستنقع بما فيه يفيض ويطفح، ولهذا فقد حرَّم الإسلام الربا تحريمًا مطلقًا وقاطعًا، ونفَّر منه أيما تنفير، وهدَّد المتعاملين به بأشد ضروب التهديد والزجر والوعيد، لما ينجم عنه من فساد وخراب.

ولتطهير نفس الإنسان من الشحّ والأنانية والأثرة والجشع المالي، وغير ذلك من الصفات الأخلاقية الممقوتة؛ وتنمية الأخلاق المحمودة بين المسلمين؛ فقد شرّع الإسلام القرض والصدقة والهبة، ورغَّب فيهما؛ لما لهما من أثر في شيوع الرحمة والمحبة والألفة بين الناس، ولدورهما الإيجابي في تنمية الجود والسخاء والإيثار في شخصية الإنسان، وستر وتغطية ما به من عيوب خَلقية أو جسدية؛ بحيث يرتفع قَدْره ويزيد قربًا من الله ومن الناس.

4- القلق والاضطراب النفسي والروحي

ذكرت سابقًا، أن الزيادة التي يدفعها المُقترِض، لصاحب المال، إنما يدفعها تحت إلحاح حاجته للمال، وبغير طيب نفس منه. والشيء الذي يُدفَع بغير طيب نفس صاحبه تزول منه البركة، وتنعدم منه الجدوى، ولن يهنأ آخِذه، وهو صاحب المال، بأكله؛ لأن نفس صاحبه تظل مُعلّقة به ومشدودة إليه، ومن هنا قد يكون الربا شؤمًا على مَن يتعاطاه، ومصدر بلاء وقلق وإزعاج له.

كما أن الحرام في داخل النفس يُرهقها ويُؤرّقها، ولو لم يُبْدُ ذلك على السطح، لكنّه الإحساس العميق بالذنب، الذي يَهُزّ النفس هزًّا، بكل عنف وشدة، مهما حاولت التظاهر بالسعادة، وهذا بعكس الحلال، فإنه ينعكس على النفس فيجعلها مستريحة، ويُضْفِي عليها مشاعر الأمان والاطمئنان، مهما قلَّت مواردها، يكفي أنها تشعر أنها لم تقترف إثمًا. وفوق ذلك، يكون المُرابي مضطربًا نفسيًّا وروحيًّا، وفي قلق مستمر لتفكيره الدائم في الربا ومشكلاته الاقتصادية الكثيرة.

ولو استُبْدِلَ هذا النظام الاقتصادي المادي، الذي يجعل المُقرض آكلًا غانمًا دائمًا، والمقترض مأكولًا غارمًا، بنظام اقتصادي أساسه التعاون بينهما (المقرض والمقترض)، والاشتراك معًا في المغنم والمغرم، لكان أجلب للاطمئنان والهدوء والراحة النفسية، وأعدل وأقوم وأهدى سبيلًا.

وقد اتفق الفقهاء على أنّ كل ربح يحصل بطريق الربا فهو مال حرام لا يبارك الله فيه؛ لأن الإسلام أمر بالسعي والعمل، وبارك في الربح الذي يحصل نتيجة لذلك؛ لأنه ربح حلال اكتسبه صاحبه بجهده وعرقه وتعبه.

5- انقطاع المودة والتراحم بين الجماعة

يُقيم الدين الإسلامي الحنيف العلاقة بين الجماعة الإسلامية، على أساس التعاون والتكافل والتراحم والأُخوَّة والإيثار والبِرّ، وغير ذلك من القِيَم والفضائل، التي تُؤدّي إلى استقرار حياة الجماعة وتقوية الأواصر وتعميق الصلات بين أعضائها، بعد إزالة بذور الحقد والكراهية والعداوة والبغض من قلوبهم، وبذلك يحصل الرقي المطلوب والتقدم المنشود للجماعة، ويسود الأمن والازدهار والرخاء في حياتها.

ولذلك وغيره، فقد حرَّم الإسلام الربا تحريمًا مطلقًا، وندَّد به أشد تنديد، ونفَّر منه أيما تنفير؛ لأن الربا ضد ذلك كله؛ كونه يقوم على استغلال حاجة المحتاجين إلى المال، ويترتب عليه اغتصاب عَرقهم وجهدهم، بدون عِوَض أو مقابل، وبناء على ذلك، فإن الربا شُحّ وأنانية وأثَرة وفردية ودَنس وهَدْم لروابط وأواصر المجتمع، ولذلك فإن الإسلام، لم يبلغ في تفظيع وتبشيع أمرٍ أراد إبطاله وإزالته ما بلغ في معاملة الربا؛ هذه المعاملة الأثيمة والخطيرة، التي تُعدّ كبيرة من الكبائر المُهلكة، والتي لم يتوعد الله أحدًا بحربه وحرب رسوله، إلا مَن يقترفها أو يستمر في تعاطيها، بعد أن بلغه النهي الإلهي عنها، ويا ويل مَن حارب الله ورسوله أو حاربه الله ورسوله!

6- تضخيم الثروات وتفريق الطبقات

إن الربا وسيلة غير مشروعة من وسائل زيادة الأموال وتضخيمها تضخيمًا شديدًا، دون أن يكون ذلك مرتبطًا بمجهود أو ناشئًا عن عمل مُنتِج أو مُختزن، الأمر الذي يجعل طائفة من أصحاب الأموال يقعدون عن العمل وعن الاستثمار والإنتاج، ويعتمدون على هذه الوسيلة السيئة وحدها في تنمية أموالهم وتكثيرها وتضخيمها. ومن هنا يشيع بينهم الترهل والبطالة والترف، وذلك على حساب الكادحين والمحتاجين من العمال والفقراء وذوي الدخل المحدود، والذين يحتاجون إلى المال، فيأخذونه بالربا في ساعة الشدة والعسرة مرغمين.

وينشأ عن ذلك مرضان اجتماعيان خطيران؛ الأول: زيادة الثروات إلى غير حدّ، والثاني: تفريق المجتمع إلى طبقات نحو الأعلى والأسفل، بغير قوام أو قيد أو نظام، ثم وجود طبقة عاطلة مترهلة مترفة، لا تعمل شيئًا ولا تُنتج شيئًا، ولا تقوم بأيّ مجهود، وتحصل على كل شيء، وكأنما المال الذي في أيديها فخاخ منصوبة لصيد المزيد والمزيد من المال، دون أن تتكلف حتى الطُّعم اللازم لهذه الفخاخ، وإنما يقع فيها المحتاجون والمعسرون عفوًا، ويُساقون إليها بأقدامهم، تدفعهم الضرورات والحاجات المُلِحَّة دفعًا، لذلك فإن آكل الربا يخالف القاعدة الأساسية للتصور الإسلامي، وهي أن المال مال الله، وهو الذي جعل الناس مستخلَفين فيه، وفق شرط المُستَخْلِف، وهو الله -سبحانه وتعالى-، لا كما يشاء الناس.

7- فتح أبواب الرذيلة والشر في المجتمع

ومن مظاهر ذلك أن بعض المرابين يذهبون إلى نوادي القمار، ويجلسون بجانب المتقامرين ليمدّوهم بما يلزمهم من المال للاستمرار في قمارهم، فيكون المرابي قد اكتسب إثم الفائدة (الربا)، وإثم التشجيع على القمار وهو مُحرَّم؛ لأن ما أتى من حرام ضاع أيضًا في الحرام، كما أن الذين دخلوا عالم الربا، دخل كثير منهم أيضًا عالم الخمر، وعالم المخدرات، وعالم الدياثة والدعارة، وهذا غير عجيب ولا مستغرَب؛ لأن أبواب الشر أوانٍ مستطرقة.

وأبسط مثال على ذلك: أن بعضًا من أولئك الذين جمعوا الأموال من غير وجهها في أيامنا هذه، يُنشئون في بيوتهم البارات، ويقيمون حفلات الغناء والرقص التي يختلط فيها الرجال بالنساء، ويطلقون الحبل على الغارب لزوجاتهم وبناتهم.

والله -سبحانه وتعالى- عندما حرَّم الربا وضع للمسلمين قواعد للتعامُل المالي السليم، واتباع هذه القواعد الشرعية من شأنه أن يبارك لهم في أموالهم، ويجعل مكاسبهم تطيب بإخراج الزكاة. وفي المقابل فإن الله -جل جلاله- يمحق الربا ويربي الصدقات.

وفوق ذلك، فإن الربا يُعدّ الدافع الأول لتوجيه رأس المال إلى أحطّ وأقذر وجوه الاستثمار، كالاستثمار في الأفلام الخليعة، والصحافة الصفراء، والمراقص والملاهي الليلية، والرقيق الأبيض، وسائر الحِرَف والاتجاهات التي تُحطِّم أخلاق البشرية، وذلك كي يستطيع رأس المال المسَتدَان أن يربح ربحًا مضمونًا فيؤدي الفائدة الربوية، ويفضل منه شيء للمستدين، فالمال المسَتدَان بالربا ليس همّه أن ينشئ أنفع المشروعات للبشرية، بل همه أن ينشئ أكثرها ربحًا، ولو كان الربح إنما يجيء من استثمار أحطّ الغرائز، وأقذر الميول، وهو المشاهد اليوم في أنحاء الأرض، وسببه الأول هو التعامل الربوي.

8- ارتفاع الأسعار وتدهور قيمة النقود

وذلك أن الفوائد المصرفية على القروض الاستثمارية والإنتاجية، لا يتحمّلها التجار والمنتجون، وإنما يتحمّلها المستهلك، فهذه الفوائد تُضاف على تكلفة المُنتَج، وقد يتم اعتبار هذه الفوائد مصروفًا تمويليًّا أو إداريًّا غير مرتبط بتكلفة المُنتَج مباشرة، وهو ما يؤدي إلى زيادة التكاليف العامة للشركة، وهذا بدوره ينعكس على السعر، مما يجعل المستهلك، هو الذي يتحمَّل عبء هذه الفوائد.

ولا يخفى ما أصبحت تعاني منه المجتمعات اليوم من الغلاء الفاحش، فقد أصبح كابوسًا ثقيلًا جاثمًا على صدور الفقراء والكادحين، في معظم المجتمعات. علمًا بأن ارتفاع الأسعار، يؤدي إلى تدهور القوة الشرائية للنقود، وهذا في ذاته مرض اجتماعي خطير؛ لأن تدهور القوة الشرائية للنقود يُفقِد النقود وظائفها الأساسية، كمخزن للقيمة، وأداة للادخار، ووسيلة للتبادل، فتفقد هذه النقود، بالتالي، ثقة الجمهور بها، أي تفقد أهم خاصية من خواصها، وهي «القبول العام»، وهو ما يؤدي إلى فساد أمر الناس، وإلى تعقيد عملية التبادل بينهم.

كما يؤدي ذلك أيضًا إلى فقدان الدولة لمظهر من مظاهر سيادتها، وهو استخدام عُملتها المحلية في عملية التبادل في نطاق أراضيها؛ حيث سيلجأ تجار هذه الدولة ورجال الأعمال فيها، إلى استخدام عملة أخرى غير عُملتهم المحلية في تسوية معاملاتهم وديونهم، وهذا هو الحاصل حاليًّا، فقد حلَّ الدولار الأمريكي محل الكثير من العملات المحلية في غالبية الدول النامية، ومنها الدول الإسلامية، ويعزو بعض الاقتصاديين هذه الظاهرة إلى التضخم الذي تعاني منه اقتصادات هذه الدول. والصحيح أن الربا هو السبب الأساسي لهذه الظاهرة، فليس التضخم سوى نتيجة من نتائج التعامل بالربا، وعليه فإن تحريم الربا يُعدّ وسيلة فعّالة لمحاربة التضخم. والله -تعالى- أعلم.


 


[1] أخرجه البخاري (٢٧٦٦)، ومسلم (٨٩).

[2] أخرجه مسلم (١٥٩٨).

[3] أخرجه أحمد (٢٢٠٠٧)، والبزار (٣٣٨١)، وقال الألباني في السلسلة الصحيحة (١٠٣٣): إسناده صحيح موقوفًا.

 

  

أعلى