التمساح والبحيرة
ذات
صيف وبينما كان العشرات في رحلة استجمام على ضفاف البحيرة، بدأت فصول حكاية يلفها
الغموض، فقد اختفى بعض المصطافين دون العثور على آثارهم. كانت البحيرة آمنة
ومتنفساً للجميع في عطلة نهاية الأسبوع أو الأعياد والمناسبات الاجتماعية
والاحتفالات الشعبية. لم يدر في خلد أحدهم أن تتحول البحيرة إلى كابوس يقضّ
مضاجعهم. وللحفاظ على حياة المصطافين على جوانب البحيرة، وضعت علامات تحذيرية
بمختلف اللغات تدعوهم لعدم الاقتراب من حواف البحيرة.. ظهرت علامات تحذيرية
بالفينيقية والآشورية والعربية واللغات الأوروبية، وثبتت اللوحات على جذوع الأشجار
المجاورة حتى يراها العابرون.
ظلت
هوية الفاعل والمسؤول عن الاختفاء غامضة، وبعد عمليات المراقبة والتمحيص أميط
اللثام وانكشف المستور، فقد ظهر قبيل الغروب في أحد أيام شهر أيار كائن يشبه
التنين، وقيل إنه يشبه عجل البحر؛ انقض فجأة على أحد الأطفال الذين اقتربوا كثيراً
من الشاطئ، والتهم أحد أطرافه، ثم اختفى في الأعماق. هرع المصطافون ببقايا الطفل
وسط عويل وذهول إلى أحد المشافي القريبة.
احتار
القوم، وبعد التداول في الهجوم أشار أحد المختصين إلى أن من قام بالهجوم هو أحد
التماسيح الخطيرة، ولا بد من التصدي لها من خلال خطة محكمة للمواجهة، سواء على
الشاطئ أو في عرض البحيرة.
لم يكن ثمة إجماع على وسيلة محددة لمواجهة شراسة
التمساح..اقترح أحدهم تقاسم البحيرة مع هذه التماسيح وحددوا خطاً وهمياً بحيث يتم
الاتفاق على عدم تجاوزه، وامتدت حبال خضراء وزرقاء لتحديد المواقع. مرت أيام هادئة
تنفَّس الناس فيها الصعداء. في الأسابيع التالية أشار آخر إلى أن البحيرة أصبحت
شحيحة بأسماكها وأن التماسيح أصبحت أكثر نهماً في ظل انحسار الموارد.. لم يكن أمام
القوم إلا أن بادروا ببناء أحواض اصطناعية لتربية الأسماك لدرء الخطر القادم!
اجتهدوا في تربية الأسماك المفضّلة لدى التماسيح، وما إن ازدادت حجماً حتى بدؤوا
بإلقائها في البحيرة. تعايشت التماسيح مع الأوضاع الجديدة وفتحت صفحة من العلاقات
الودية. تدحرجت السنون، وعضَّ القوم على جراحهم، غير أن التماسيح وفي ظل الظروف
الجديدة لم تزدد إلا شرهاً، وازدادت حركاتها في البحيرة، وأصبحت كالكلاب المسعورة،
إلا أن شيئاً ما أثار فيهم الرعب من جديد، إذ بدأت تظهر عليهم بوادر أمراض جلدية
لم يألفوها أبداً، فقد بدأت تظهر قشور تشبه إلى حد ما مرض الصدفية، وانتشرت في
أجسادهم كالنار في الهشيم، جربوا كافة الأدوية الشعبية وراجعوا أرقى المشافي، لكن
بلا جدوى.. عمَّ الارتباك والحيرة. في الأشهر التالية قال الرواة بأنه ظهرت عليهم
زعانف وخياشيم وأصبحوا أقرب إلى الأسماك أشكالاً..ثم بدأت جموعهم تزحف نحو البحيرة
إلى حيث الموت كي تكون وجبة شهية للتماسيح!
::
مجلة البيان العدد 317 محرم 1435هـ،
نوفمبر 2013م.