رفض التدخل الأجنبي والتأكيد على سيادة الدول وخصوصياتها
أول مؤتمر إسلامي يناقش اتفاقياتِ ومؤتمرات المرأة الدولية وأثرَها على العالم الإسلامي.
عُقِدَ في العاصمة البحرينية (المنامة) أول مؤتمرٍ إسلاميٍّ ناقـش الاتفاقيـات الدولية والمـؤتمـرات المتعلقة بالمرأة وتأثيرها على العالـم الإسلامي فـي الفتـرة ما بين 28 ربيع الآخر إلى 1 جمادى الأُولَى 1431هـ الموافق لـ: 13 إلى 15 أبريل 2010م.
وقد نظَّم مؤتمرَ «اتفاقياتُ ومؤتمراتُ المرأة الدولية وأثرُها على العالم الإسلامي» مركزُ باحثات لدراسات المرأة بالتعاون مع جمعية مودَّة للعلاقات الأسرية، تحت رعاية سموِّ الشيخ (عبد الله بن خالد آل خليفة) رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في البحرين.
وقد حاول المؤتمر البحثَ في إمكانية توظيف المؤتمرات الدولية بما يعود على الدول الإسلامية بالخير، والعمل على صيانة المجتمعات المسلمة من آثارها السلبية، بمشاركة عدد كبير من العلماء والباحثين والمهتمين من 12 دولة عربية؛ حيث ناقش مجموعة محاور تدور حول نشأة مثل هذه الاتفاقيات ومستقبلها، وأثرِها على الدول الإسلامية، ودورِ وسائل الإعلام والمؤسسات الدينية والقانونية في التصدي لمثل هذه الاتفاقيات.
وقد قُدِّمت في المؤتمر 14 ورقةَ عملٍ، وشهد ثلاث وُرَشِ عمل، وثلاث محاضراتٍ، مقدَّمَة من مفكرين ومتخصصين، ناقشت آثار تطبيقات الاتفاقيات الدولية على خمس دول عربية، هي: (مصر، والسودان، واليمن، والمغرب، والأردن)، وكيفية التصدي لآثارها السلبية.
وقد أكد الشيخ عبد الله بن خالد آل خليفة (رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالبحرين) خلال افتتاحه للمؤتمر، على أن المرأة المسلمة ما زالت متمسِّكة بأخلاقها ودينها في مواجهة الواقع الجديد الذي طرأ على الأمة خلال الآونة الأخيرة، وأكد كذلك على أن المرأة المسلمة لن تتأثر بالاتفاقيات أو المؤتمرات التي تخالف في مطالباتها الشريعة الإسلامية، مضيفاً: «كنا ننتظر إقامة مثل هذا المؤتمر الخاص بالمرأة للعمل على الارتقاء بحقوقها وَفْقَ ما دعت إليه الشريعة الإسلامية الغراء، بحضور نخبة من العلماء والمفكرين، ونتمنى خروج المؤتمر بتوصيات لها تأثير يَصُبُّ في صالح المرأة والمجتمعات العربية والإسلامية».
وأوصى البيان الختامي للمؤتمر بالتأكيد على الالتزام بالمرجعية الإسلامية في التعامل مع قضايا المرأة ومطالبها ومشكلاتها، ودعوة حكومات الدول الإسلامية والمفكرين إلى الاعتزاز بهوية الأمة، وصياغة مدوَّناتٍ للأسرة والمرأة وَفْقَ الشريعة الإسلامية وتعديل ما يناقضها.
وشدَّد أيضاً على رفض التدخل الأجنبي في قضايا المرأة والأسرة في الدول الإسلامية، وأكد على سيادة الدول وخصوصيات الشعوب في الحفاظ على هويتها، كما رفض كافة الاتفاقيات والمواثيق التي تخالف الشريعة الإسلامية، ولا تتفق مع فطرة المرأة، أو تهدف إلى إلغاء الفوارق الفطرية بين الرجل والمرأة، أو تهدِّد كِيان الأسرة.
ودعا الحكومات الإسلامية ومؤسسات المجتمع المدني إلى تفعيل المادة 26 من اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة «السيداو»، التي تمنح الأطراف الموقِّعة عليها حق إعادة النظر في الاتفاقية.
وشدد البيان على ضرورة إصدار وثيقة إسلامية لحقوق المرأة وواجباتها في الإسلام، ويُستفاد فيها من الوثيقة المعدَّة من قِبَل مركز باحثات لدراسات المرأة، داعياً إلى تشكيل تجمُّعٍ للمنظمات والجمعيات الأهلية، والشخصيات الاعتبارية؛ بهدف توحيد الرؤى، وتنسيق جهود المتخصصين في قضايا الأسرة والمرأة.
ودعا إلى توجيه بيانٍ إلى هيئة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية؛ لاحترام خصوصية الشعوب والتحذير من خطورة إكراه الشعوب على تطبيق ما يخالف معتقداتها وهويَّاتها.
ونبَّه إلى ضرورة الإسهام الفاعل الإيجابيِّ في تبنِّي قضايا المرأة المسلمة وحقوقها الشرعية، ورَفْعِ الظلم عنها، وتصحيح المفاهيم المغلوطة في العادات والتقاليد الاجتماعية، ودعوة المؤسسات المتخصصة في العالم الإسلامي إلى إبراز قيم الإسلام الاجتماعية والأسرية وتقديمها للعالم، كما أكد على دور المؤسسات الشرعية، كمؤسسات الفتوى والمجامع الفقيهة في العالم الإسلامي في بيان حكم الشرع في مضامين الاتفاقيات والمواثيق الدولية.
ودعا إلى إنشاء مؤسسات أهلية للحفاظ على هوية الأمة وتعزيزها ورَفْعِ مستوى الوعي لدى فئات المجتمع ، كما تُعْنَى (هذه المؤسسات) بتشخيص المشكلات التي تواجه المرأة وتعمل على حَلِّها، وإنشاءِ المراكز العلمية والبحثية التي تُعْنَى بدراسة واقع ا لمرأة والمؤتمرات الدولية التي تُعْقَد من أجلها، وَرَصْدِ كل التغيرات (الثقافية والاجتماعية والقانونية) المتعلقة بالمرأة والعمل على وضع الخطط المستقبلية التي تنهض بها وتدفعها للمشاركة الفاعلة.
كما دعا إلى مخاطبة الجامعات في العالم الإسلامي للتصدي للدعوات الأممية التي تستهدف وجود الأمة حاضراً ومستقبلاً؛ وذلك بدراسة قضايا المرأة في أبحاثهم العلمية، وتوجيه الباحثين لنقد الاتفاقيات والمؤتمرات الدولية، وتنمية الوعي بين الدعاة، والتربويين، والإعلاميين، وأهل الرأي بواقع الاتفاقيات والمؤتمرات الدولية المتعلقة بالمرأة، وحثِّهم على أن تكون ضمن أطروحاتهم بشكل دائم، والتأكيد على دور الإعلام في ترسيخ هوية المرأة المسلمة والدفاع عن قيمها.
وشكر المؤتمر جهودَ المنظمات الإسلامية، ومنها جهود اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل في إصدار ميثاق الأسرة في الإسلام، موضحاً أهمية التواصل مع المؤسسات والمنظمات المناهضة لمؤتمرات واتفاقيات المرأة الدولية على الصعيدين (المحلي والعالمي).
وأوصى بضرورة عَقْد المؤتمر وما ينبثق عنه من ندوات ووُرَش عمل بشكل دوري في عدد من دول العالم الإسلامي، وتشكيل لجنة لمتابعة التوصيات وتفعيلها.
وخلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، قال الدكتور عادل الحسن الحمد (رئيس المؤتمر ومدير جمعية مودَّة بالبحرين): «إن المؤتمر يستهدف التعامل مع مقررات المؤتمرات الأممية والدولية من خلال توضيح الرؤية الشرعية في هذه المقررات؛ بهدف الاستفادة منها ومواجهة ما لا يتوافق معنا».
من جهة أخرى قال الدكتور فؤاد عبد الكريم مدير مركز باحثات لدراسات المرأة والأمين العام للمؤتمر: إن المؤتمر يهدف إلى إطلاع العلماء والمفكرين والمهتمين بشأن الأسرة المسلمة على خطورة هذه الاتفاقيات والمؤتمرات، والتوصل إلى بعض الوسائل العملية المناسبة لدراسة هذه المؤتمرات، والتواصل مع الباحثين والمهتمين بشأن المرأة في العالم الإسلامي، والكشف عن الأضرار الكبيرة التي تمثلها التوصيات التي صدرت عن العديد من مؤتمرات المرأة التي نُظِّمَت تحت مظلة الأمم المتحدة على الأسرة المسلمة.
وتحدث أيضاً عن الجهود التي تبذلها المؤسسات الدولية في نشر ثقافة أصحابها وواضعيها مستهدِفة استبدال بعض أحكام الأسرة في بعض البلدان الإسلامية والعربية، مشيراً إلى انتشار عدد من الأمراض التي تفشت في العالم الإسلامي، والتي كانت محصورة في دول الغرب، ولكنها زحفت مؤخراً إلى ديار المسلمين، مثل: الشذوذ والاغتصاب والتفكك الأسري... وغيرها من الأمراض.
وأكد الدكتور فؤاد كذلك على أن هذه المستجدات دعت إلى ضرورة وجوب التعامل معها بكل جدية، وخاصة أن تلك التغيرات بدت مصحوبةً بضغوط على بعض الحكومات الإسلامية ومدعومةً من فريقٍ من المتأثرين بهذه الأفكار في الدول العربية والإسلامية.
وقد ابتدئت أعمال المؤتمر بمحاضرة ثلاثية، بدأها الشيخ الدكتور ناصر بن سليمان العمر بالحديث عن: (ماذا يريدون من المرأة؟)، ثم الدكتور عادل الحمد في: (ماذا نريد من المرأة؟)، ثم الدكتورة أميمة الجلاهمة في: (ماذا تريد المرأة؟).
ثم عُقِدَت جلسة عن (اتفاقيات ومؤتمرات المرأة: النشأة والإلزام) تحدثت فيه الدكتورة نورة السعد، والدكتور فؤاد العبد الكريم، والدكتورة نهى قاطرجي.
وفي اليوم الثاني من المؤتمر عُقِدَت جلسة تناولت آثار هذه المؤتمرات على عددٍ من بلدان العالم الإسلامي، وهي: (الأردن، والمغرب، واليمن، والسودان، ومصر)، وعَرَضَت للتجارب التي قامت في هذه الدول لمواجهة مثل هذه المؤتمرات.
كما عُقِد بعد ذلك عدَّة جلسات نقاش وحوار بين أعضاء المؤتمر حول كيفية مواجهة الشبهات التي يثيرها أعداء المرأة المسلمة في مؤتمراتهم، والوسائل الفاعلة لصيانة المجتمعات المسلمة من تأثير تلك الشبهات، أو التأثُّر السلبي بقرارات واتفاقيات هذه المؤتمرات بشكل عام، وجرى عَرْضٌ لبعض التجارب الناجحة لمواجهة هذه المؤتمرات. وأعدت المهندسة كاميليا حلمي ورشة عملٍ مفصَّلة عن مشاريع بناءٍ وتصدٍّ قابلةٍ للتنفيذ
كما بحث المؤتمر في جلسة أخرى موضوع (التوظيف ووسائل المواجهة)؛ حيث تناولت فيه أوراقُ العمل إمكانيةَ التوظيف الإيجابي لهذه القرارات والمؤتمرات الدولية؛ بما يحقق الخير لمجتمعاتنا المسلمة، ودورَ المؤسسات الشرعية والحقوقية والقانونية في هذا التوظيف والمعالجة.
وفي اليوم الثالث: قُدِّمت أوراق عمل حول واجب المؤسسات الاجتماعية والتربوية والتعليمية ومؤسسات الثقافة والإعلام في مواجهة هذه المؤتمرات. وخُصِّصت جلسة خاصة لمناقشة وثيقة عن المرأة المسلمة (حقوقها وواجباتها).
من أفكار المؤتمر:
لقد طُرِح في محاضرات المؤتمرات وأوراق عمله وفي مداخلات المشاركين عددٌ كبير من المشاريع والأفكار والتوصيات المهمة في سبيل المعالجة الواعية لآثار هذه المؤتمرات، ومن هذه الأفكار:
1 - أهمية العناية بالجانب الإيجابي في هذه المؤتمرات وتوظيفه بما يفيد مجتمعاتنا الإسلامية، مع مراعاة أن هذه الجوانب الإيجابية مع كثرتها في هذه المؤتمرات إلا أنَّ هذه الاتفاقيات لا تحرص عليها كثيراً، وإنما تحاسِب وتلاحِق وتتابِع القضايا السلبية المنافية للشرع والفطرة والعقل: كالشذوذ والفواحش والإجهاض.
2 - أن المؤتمرات الدولية ترفع من سقف مطالبها في العالم الإسلامي حتى يتحفَّظ على بعضها ويستسلم للبقية، مع أن هذه المؤتمرات لم تكن تريد تطبيق كل هذه المطالب؛ وإنمـا كـان رَفْعُ سـقف المطـالب؛ ليضمنوا تحقيق مطالبهم ولا تكون خاضعة لضغط الاعتراض.
3 - التركيز على أهمية عناية أعضاء الهيئات التشريعية في العالم الإسلامي بموضوع الاتفاقيات الدولية ضد المرأة؛ ليكونوا خط دفاعٍ أوَّلٍ عن حقوق المرأة الشرعية والفطرية ضد الاعتداء عليها من خلال تغيير القوانين بما يتوافق مع هذه المؤتمرات.
4 - أن الولايات المتحدة الأمريكية لم توقِّع على اتفاقية السيداو التي هي حاضنة هذه الاتفاقيات والمؤتمرات بسبب أن الكونجرس الأمريكي يرفض تعديل الأحوال الشخصية بناءً على أمر خارج عن الدستور الأمريكي، ويعتبر هذا تدخُّلاً وانتهاكاً لسيادته.
5 - أهمية المشاركة والحضور في هذه المؤتمرات من قِبَل المنظمات والهيئات الإسلامية؛ ليكون صوتها عالياً في هذه المؤتمرات، وأن غياب هذه المنظمات ورفضَها المشاركة سيُملأ فراغُه بمنظمات نسوية متطرفة تزيد من مطالبها وضراوة إفسادها للمرأة، مع أهمية أن تكون المشاركة إيجابية واثقة، وليست دفاعية تبريرية.
6 - أن الحديث عن ضمان حقوق المرأة في الإسلام لا يكفي ما دامت المرأة تعاني من ظلمٍ واقعيٍّ وعدم التزامٍ بأحكام الإسلام في التعامل مع المرأة، وأن التقصير في رعاية حقوق المرأة الشرعية مما يمهد الطريق لمرور مخططات أعداء المرأة.
7 - أن شناعة قرارات هذه المؤتمرات لا يصحُّ أن يكون مسوِّغاً للتهاون بها؛ فقد كان طرح ما تريده هذه المؤتمرات يُعدُّ أمراً غريباً قبل سنوات ثم أصبح كثير من مفاهيم هذه المؤتمرات يناقَش في الصحف والإعلام بشكل مستمر.
8 - أن هذه المؤتمرات ركَّزت على حقوق المرأة، وأغفلت جانب واجباتها؛ فالحقوق تقابَل بالواجبات، ولا تكتمل إلا بها.
9 - أن هيئة الأمم تضغط على الدول بكل ما يمكن لتطبيق هذه القرارات، حتى وصل الحال إلى ممارسة الضغط الاقتصادي؛ بحيث تكون القروض والمساعدات الحياتية مرهونةً بشرط الالتزام بتطبيق هذه الاتفاقيات.
10 - خطورة الخلاف الفقهي المتهاون، وسيل الفتاوى غير المنضبط، كلُّ ذلك يهيئ البيئة المناسبة لتطبيق قرارات هذه الاتفاقيات.
من مميزات المؤتمر:
تميز المؤتمر بجوانب قوة كثيرة، من أهمها:
أولاً: جميع الأوراق المقدَّمة كتبها متخصصون في موضوع المؤتمر؛ ولهذا كان التميز العلمي سِمَة بارزة، مؤثرة في المؤتمر.
ثانياً: شارك في المؤتمر كثيرٌ من المتخصصين والمتخصصات الذين حضروا كثيراً من المؤتمرات الدولية التي تعقدها الأمم المتحدة؛ فهم يتكلمون بعلم وإدراك.
ثالثاً: شارك في المؤتمر شخصيات علمية وفكرية - رجالاً ونساءً - من 12 دولة عربية؛ وهو ما أثرى المؤتمر بتجارب خِصبَة، وحوارات جادَّة عميقةٍ، ورؤى واسعةِ الأفق.
رابعاً: كان للمشاركات النسائية نصيب كبير في أوراق المؤتمر، وفي المداخلات والحوارات، وقد كان لهذه المشاركات صدىً إيجابيٌّ محمودٌ؛ فوعي المرأة بالتحديات التي تواجهها من أهم الخطوات العملية للتدافع الحضاري.
خامساً: سمحت وُرَش العمل بمزيد من الحوار الفكري الجاد، وركزت على الجوانب العملية والميدانية؛ وهو ما حقق التوازن بين الأطروحات النظرية والعملية.
سادساً: جاء هذا المؤتمر في توقيت غاية في الأهمية؛ فالعالم الإسلامي يتعرض لهجمة دولية شرسة تستهدف هويته، وثقافته، وأخلاقه الاجتماعية؛ ولهذا ساد شعور كبير بين أعضاء المؤتمر بالفراغ الكبير لمواجهة مشاريع الأمم المتحدة، وأكدوا على أهمية التعاون لإنجاح رسالته وطموحاته.
سابعاً: تميز المؤتمر بوجود قاعتين منفصلتين: الأولى للرجال والأخرى للنساء، وهو ما أوجد ارتياحاً واطمئناناً عند جميع المشاركين والمشاركات.
ثامناً: كانت توصيات المؤتمر متوازنة، وتضمنت جوانبَ إيجابيةً وطموحةً تُحمَد كثيراً للمؤسسات المنظِّمة للمؤتمر.