الشيخ بدر الراجحي في حوار مع «البيان»
يعيش العمل الخيري في المملكة العربية السعودية تجربة
متميّزة من خلال تطويره ومحاولة احتوائه ضمن عمل استثماري يؤثر إيجاباً من حيث عدد
المستفيدين منه، وكذلك جودة الأعمال المقدمة لمحتاجيها. ولا يشمل الوقف فقط إطعام
الفقراء والمساكين، بل إنه تخطى ذلك ليصل إلى تشييد الفنادق والشقق السكنية وبناء
محطات تحلية المياه وتمويل البرامج التعليمية واستثمار الأراضي الزراعية ومشاريع
بلغت قيمتها مئات الملايين من الريالات؛ وكل ذلك يسهم بشكل واضح في التنمية
المجتمعية ويعزز من التكافل الاجتماعي داخل المجتمع المسلم، إضافة إلى دوره في
تعزيز اقتصاد البلاد. وفي هذا السياق حاورت مجلة البيان الشيخ بدر الراجحي، رئيس
لجنة الأوقاف في الغرفة التجارية الصناعية بالرياض، ورئيس مجلس نظار أوقاف الشيخ
محمد بن عبد العزيز الراجحي؛ حول عملية التطوير التي شهدتها الأوقاف الخيرية في
السعودية، والطموحات المستقبلية للقائمين عليها، وكان الحوار التالي:
التحوّلات
التي مرّ بها الوقف خلال مسيرته التاريخية الطويلة؟
البداية كانت من الدعم
الحكومي في حماية هذه الأوقاف من خلال عدم التعدي عليها، وتغيير الثقافة والفكر
والبُعد الاستراتيجي في العمل الخيري، ومن ثم سحب التوجه للأوقاف، خصوصاً الجهات
الخيرية التي بدأت تنادي بتأسيس أوقاف لها. وأكثر شيء نفع الأوقاف برأيي هو أحداث
11 سبتمبر، سبحان الله ربَّ ضارة نافعة. لا شك أن أحداث 11 سبتمبر أضرّت كثيراً
العمل الإسلامي، لكنها قد تكون نفعت، لكن النفع لا نراه بشكل واضح. في السعودية
بعد الأحداث أصبحت الناس تخشى من دعم الجهات الخيرية والمؤسسات أو الأشخاص، ومن ثم
تراجع الدعم بسبب التخوّف من العمل «الإرهابي»، وكذلك توجيهات الدولة السعودية
بعدم تقديم الدعم لأشخاص، فبالتالي الجهات الخيرية تأثرت في مواردها المالية،
فبدأت حينها التفكير في إنشاء أوقاف تحمي بها مواردها المالية، وبدأ القائمون
عليها يقنعون المستثمرين والمتبرعين بدعم إنشاء هذه الأوقاف.
أضف إلى ذلك المبادرات
الخيرية من كبار تجار المملكة في إنشاء عدد من الأوقاف، وهذا الأمر حرّك شيئاً
كبيراً في نفوس التجار والمستثمرين، وصار هناك تنافس بينهم فيه، وبدأت تظهر أوقاف
التجار وأنشطتها إعلامياً، وبالتالي أصبحت بصمة الأوقاف واضحة بشكل جيد. والحمد
لله تطمين الدولة بأنه لا يوجد تعدٍّ على الأوقاف ساعد كثيراً على هذا الأمر؛ لأن
ثقافة التخوّف على الوقف الإسلامي سادت وانتشرت بين الناس قبل تأسيس الحكومة
السعودية وبعد الحكم العثماني، ما أدى إلى زهدهم في الوقف.
البيان: إلى أي مدى ترى تفاعل رجال الأعمال، خاصة الشباب منهم، مع
الوقف؟
الشباب في تفاعل كبير جداً،
وأنا أعرف العديد منهم ممن لم يتجاوز عمرهم 35 سنة، أنشؤوا أوقافاً بحجم كبير
جداً؛ حينما وضعت نماذج وصيغ للأوقاف بطريقة مغرية.. فالشخص إذا أراد أن يوقف
شيئاً وتوافرت له صيغة تمكّنه من إدارة هذا الوقف حتى مماته، أو أنه إذا مُنح أن
يتصرف في غلة الوقف متى شاء لصالحه؛ فهو بذلك سيشعر بالإغراء بدلاً من أن يكتب
وصية بوقف ما.
البيان: ما مدى رضاك عن الوضع الحالي للأوقاف من خلال إدارتها
وتنميتها؟
من وجهة نظري، لا يمكن لأحد
أن يرضى في حياتنا الدنيا؛ لأن الذي يرضى معناه أنه لا يمتلك طموحاً وقدرة على
التطوير. وما أعتقده أنا شخصياً أننا الآن - في المملكة - بدأنا بفتح كتاب اسمه «كتاب
الأوقاف»؛ لأن حجم الأوقاف التي أوقفت لا تقارن بحجم استثمارات البلد.. لكن أنا
سعيد بالتصعيد الإعلامي حول موضوع الأوقاف، وأصبحت عندنا لجان ومؤتمرات ولقاءات..
لكن أعود وأكرر لنكن منطقيين، ثرواتنا لا تقارن بالأوقاف، نحن لم نصل إلى نسبة 10٪
من حجم الأوقاف التي من المفترض أن تكون لدينا، وعندما تقارن الدول الغربية،
وخصوصاً أمريكا، بالسعودية، تجد أن الأوقاف لديهم أكثر منا، وهي لغير المسلمين.
ومن هنا نحن مقصرون جداً.. وفي العهد الإسلامي السابق كانت الأوقاف تدعم الدولة،
فهل أوقافنا الآن تستطيع أن تدعم الدولة؟!
هذه المقابلة جزء من زراعة
ثقافة الأوقاف وفكر الأوقاف، بحكم أنني رئيس لجنة الأوقاف في الغرفة التجارية،
والتي من أهم أهدافها زرع التوعية بالأوقاف.. أنا وأنت نفهم الأوقاف، لكن إذا
خرجنا للشارع نجد الكثير لا يفقه معناها وأهميتها، وحالياً نسعى للتنسيق مع وزارة التعليم
لإدراج دروس حول الوقف ونوعه في المراحل الثانوية والمتوسطة والجامعية، فالجيل
الجديد «أمل المستقبل» يجب أن نزرع فيه ثقافة الوقف.
الأوقاف هي جزء من القطاع
الثالث في قطاع المال والأعمال، فعندنا القطاع الحكومي والقطاع الخاص والقطاع
الثالث هو القطاع الخيري، والوقف هو أكبر سند للقطاع الخيري؛ فلما «بل جيتس» أوقف
جزءاً من أمواله للمجتمع كان يعرف دوره في المجتمع ونفعه له.
أرى أن لدينا قصوراً كبيراً،
سواء في التوعية أو التنظيم لهذه الأوقاف وإدارتها باحترافية، فلا يوجد لدينا إلا
شيء نادر وقليل، وإذا ركزت كذلك على محور الأنظمة تجدها أنظمة قديمة جداً وضعت في
زمن كانت السعودية فيه شيئاً لا يذكر في الأوقاف.. الأنظمة الموجودة لا تتوافق مع
الموجود.
وزير التجارة والصناعة أقر
مؤخراً دراسة تأسيس شركات وقفية في وزارة التجارة، فستكون هناك شركات مسؤولية
محدودة، وأخرى تضامنية، وشركات مساهمة، والشركة المساهمة ليست مثل الشركة الخاصة،
وعلى سبيل المثال: فإن الشركات الوقفية ستعفى من الزكاة، وستعفى من الرسوم، «أنا
شركة وقفية وعندي عمال، لماذا أدفع رسوم 2400 ريال؟!».
المشروع الآن بدأ، وعلى وشك
ترسيته على مكتب استشاري لدراسة تأسيس هذا النوع من الشركات من خلال خبرات عالمية.
الآن عندنا مشروع يدرس في مجلس الشورى وهو «هيئة الأوقاف»، وهذا مشروع جديد يدلّل
على أننا في باكورة الإنتاج.
البيان: هناك ملامح لوجود هيئة عامة للأوقاف، ترى ما طموحات وتطلعات
الواقفين من هذه الهيئة؟ ألا تعتقد أن تخضع هذه الهيئة لسيطرة الدولة؟
هذا غير صحيح، وهو ما يخوّف
الكثير من الناس.. فكرة إنشاء هيئة للأوقاف مثل إنشاء هيئة سوق المال وهيئة المدن
الصناعية.. لماذا تنشئ هيئة المدن الصناعية وعندك وزارة الصناعة؟! الهدف هو تحرّر
الهيئة من الأنظمة الموجودة في بعض الوزارات، على سبيل المثال: أنت لديك نظام في
وزارة الشؤون الإسلامية ونظامك يرجع مباشرة إلى نظام وزارة الخدمة المدنية، أما
هيئة الأوقاف فلا ترجع في نظامها إلى الوزارة. الدولة السعودية رأت أن هذه الهيئات
مخرج لكسر المركزية وليكون العمل مرناً، وسيكون للهيئة نظام مستقل وخاص بها، فهي
تستطيع توظيف الموظفين ووضع نظام رواتب خاص بها، كما ستكون مستقلة ومرتبطة بالمقام
السامي مباشرة.
البيان: هل هي خطوة تمهيدية لفصل الأوقاف عن وزارة الشؤون الإسلامية؟
أحسنت.. هي خطوة ستكون بهذا
الاتجاه إلى حد ما. الآن الدولة تملك أوقافاً كثيرة جداً، فهناك أناس أوقفوا في
زمن سابق ولم يضعوا نظّاراً، والدولة الآن ملزمة بإدارة هذه الأوقاف. كما لديك
أوقاف الناظر عليها تغيّرت عدالته أو توفي أو غير كفء لإدارتها، ولديك أوقاف مهملة
وغير معروفة، وبالتالي فإن الدولة ترعى هذه الأوقاف. وزارة الشؤون الإسلامية لا تستطيع
العمل بديناميكية من خلال نظامها الحالي؛ لأنها تخضع لنظام معين، فهي لا تستطيع
تعيين موظفين جدد، أما الهيئة فهي تعمل وكأنها شركة قطاع خاص لها مجلس إدارة مكوّن
من فريق منهم موقفون ورجال أعمال وأعضاء من الدولة ووزارة العدل، ولديها مدير
ورئيس يُحاسَب من مجلس الإدارة، وبالتالي سيكون القرار سريعاً وسهلاً، وفي حال
اعتمادها ستكون نقلة كبيرة للأوقاف، وأهم أهدافها متابعة أوقاف الدولة الموجودة في
كل مكان، وتنظيمها، وترتيبها، وتأسيس استثماراتها، وتعين محاسب قانوني عليها،
وغيرها من الأمور.
مجلس الشورى يحاول التدقيق
والمراجعة بحيث لا يكون هناك ضرر أو تخوف من الموقفين، ونحن في لجنة الأوقاف
شاركنا مجلس الشورى تدقيقه ومراجعته وطرحنا عليه النقاط والملاحظات في النظام
المعدّ لهيئة الأوقاف، ووجدنا تعاوناً أدى إلى تعديل بعض الأنظمة، وجارٍ الآن
تعديل بعض الأشياء قبل الرفع للمقام السامي.
تجدر الإشارة هنا إلى أننا
لا ننشئ شيئاً جديداً، فهذا موجود في دول عدة، والأوقاف في الفترة القادمة بحاجة
لهيئة تدفعها لإنجاز أشياء جديدة وكبيرة.
البيان: هل يوجد أرقام تقريبية
للمال الذي يعمل في الأوقاف الإسلامية، وما مدى تأثير الأوقاف في الاقتصاد
السعودي؟
في وزارة الشؤون الإسلامية
لا يوجد بيان بحجم الأوقاف الموجودة والمعلومة، اليوم هيئة الأوقاف كجزء من عملها
ستقوم بعمل مخزون من المعلومات والدراسات حول الأوقاف؛ كحصرها وإعطاء المؤشرات
عنها ودراستها. والنظام الإلكتروني الذي اعتمده القضاء السعودي في موضوع إصدار
الصكوك الوقفية، أحد الأشياء الذي من الممكن أن يكون مركز معلومات.. لكن ما زال -
من خلال خبرتي واطلاعي - حجم الأوقاف الموجودة قليلاً جداً، خصوصاً المنتجة.
الإيراد الذي يوزّع من
الأوقاف قليل، فعندما تنظر إلى الجمعيات الخيرية وغيرها توقن بوجود مشكلة. أقول
بشكل صريح الناس فيهم خير، لكن عندنا مشكلة توعية ومشكلة ثقافة، تجد أن الناس
يخافون لو أوقفوا شيئاً من أن تستولي الدولة عليه، وهذا غير صحيح، وفي أسوء الظروف
لو أخذته الدولة أين المشكلة؟ الموقف يقدم وأجره ثبت عند الله عزّ وجل.. مصر كان
جزء كبير من أملاكها أوقافاً، وكانت أموالها تصرف على القضاة.
مجلس الغرفة التجارية
بالرياض في دورته السابقة لما تقدمت أوقاف الوالد باقتراح إنشاء لجنة الأوقاف
برئاسة الشيخ عبدالرحمن الجريسي، مباشرة وافق على إنشاء اللجنة؛ وهذه نقلة
للسعودية بأن يكون في الغرفة التجارية لجنة للأوقاف، وأتمنى من الإعلام أن يسلط
الضوء على هذا الموضوع.
البيان: كيف تقيّم أداء وزارة الشؤون الإسلامية في إدارة الأوقاف؟
وزارة الشؤون الإسلامية لم
تتبنَّ موضوع هيئة الأوقاف إلا لمعرفتها التامة بأنها مقصرة في إدارة الأوقاف..
وزير الشؤون الإسلامية متحمس لهيئة الأوقاف، ولما دُعي لرعاية ملتقى الأوقاف الذي
نظمته اللجنة في الغرفة التجارية العام الماضي، حضر وفتح باب النقاش وكان حريصاً
على التعمق في الموضوع، لكن نظام الوزارة وبروتوكولاتها وروتينها يعيقها من القفز
قفزات نوعية.
البيان: هل التشريعات والنظم في المملكة تحد من انطلاق العمل الوقفي؟
الأوقاف تتنازع عليها عدة
جهات، فأنت إذا أردت أن تنشئ وقفاً تذهب إلى القضاء، والقضاء مستقل عن وزارة
الشؤون الإسلامية والأوقاف وعن أي جهة ثانية، وإذا أردت أن تشتري وقفاً تذهب
لوزارة العدل للشراء، ووزارة العدل تحتاج لأخذ إذن من القضاء.. لا نريد أن نلوم
وزارة الشؤون الإسلامية على هذا العمل. مَن الجهة التي تعطل العمل الوقفي؟ جزء منه
عند القضاء، فالأنظمة الموجودة في القضاء تحتاج لتطوير، أعطيك مثالاً على ذلك:
«عندي وقف وأريد نقله لمكان آخر يجب أن أذهب إلى القضاء حتى أحصل على إذن، وهذا
يحتاج لمرحلة طويلة جداً، وخلال ذلك من الممكن أن تضيع عليّ الفرصة الاستثمارية!».
القضاة يرون أن هذا ليس من
مصلحة الوقف، لكن هذا هو النظام؛ لأن النظام حينما وضع قبل أربعين سنة كانت
الأوقاف قليلة، وكان الناظر عليها القاضي، وحتى لو وضعت نظّاراً أو اختلفوا أو
تغيّرت عدالتهم يرجعون للقضاة حتى اليوم.. وزارة الشؤون الإسلامية لا نلومها، لكن
نلومها في أوقاف الدولة التي عندها أو الأوقاف المهملة والموجودة.
أنا ضد كلمة تعطيل الأوقاف
أو هناك عوائق في الأوقاف، لماذا؟ أنا رأيت العديد من التجار والشباب يريدون
الوقف، وأول ما يسمعون أحداً يقول الأوقاف معطلة وكلها مشاكل، تراجعوا.. لدينا
أوقاف للوالد وهي تعمل منذ عشرين عاماً بانتظام ومثالية وحرفية، صحيح العوائق
الروتينية تؤثر، لكن العمل مبارك، وكل جهة لديها إشكالية في جميع القطاعات؛ لذلك
أعتبر أن هيئة الأوقاف تأخرت كثيراً، والعمل الوقفي بأمس الحاجة إليها.
البيان: من خلال الأوقاف التي تشرفون عليها أو ترأسون مجالس نظارتها،
كيف تقيّمون التجربة الوقفية في جانبها الممارسي؟
الأوقاف مثل القطاع الخاص،
لكن الثاني يوزع على المساهمين أو الملاك، والأول يوزع على الفقراء والمحتاجين..
لو ثبتنا هذا الفكر مثلما ثبّته الغرب سننطلق انطلاقة غير طبيعية؛ لأن الأنظمة
المتطورة هي نظام الشركات والمؤسسات الخاصة، والأوقاف أنظمتها متأخرة، ولو لحقت
الركب وأصبحت مثل القطاع الخاص في طريقة مجلس إدارتها؛ ستجد نقلات نوعية.
البيان: تعدّ أسرتكم الكريمة من الأسر التي لها مبادرات في مجال
الأوقاف، هل من إطلالة على هذه الممارسة وبعض الإشراقات فيها؟
سأتكلم عن أوقاف الوالد محمد
الراجحي فقط لأنني أرأس نظارتها، ولأن أوقاف الراجحي باب واسع و«الرواجح» كثير
منهم موقفون.. الوالد حينما أسس الوقف أسسه بشكل استراتيجي ووزعه على عدة
استثمارات، لم تكن عمائر أو فنادق أو أسهماً فقط، وهذا يطلق عليه «استراتيجية
توزيع المخاطر»، بمعنى أنه - لا سمح الله - انهار العقار توجد أسهم وغيرها. الأمر
الآخر: أهم شيء في الوقف عقد التأسيس «الصك الوقفي»، وهناك أربعة أركان للوقف:
الركن الأول: صياغة نموذج
الوقف (صك الوقف)، فلو كان صك الوقفية مختلاً سيختل الوقف، وذلك ممكن بعد خمس أو
عشر سنين، أو أكثر، «كأن تؤسس قاعدة مائلة».. وأنا أعددت نموذج صك للوقفية، ومن
أراد أن يوقف يأخذ هذه الصياغة، فهي نتاج خبرة سنوات، وحينما فكر الوالد بالوقف لم
تكن هذه الصياغة موجودة، وكان الناس ليس لديهم فكر عن الوقف والمحامون قليلين.
الركن الثاني: وهو نوع الوقف
«مزارع أو عقار أو غيره»، وأنا أعرف أناساً لديهم أراض كبيرة والموقف اشترط ألا
تباع، «كيف أخططها وأنا ليس عندي مال؟!».. فيجب ألا تكون أرضاً فارغة أو عملاً
تشغيلياً معقداً؛ لأن المخاطر ستكون عالية، والناظر ليس كصاحب الشأن، وأخف إشكالية
في العقار المؤجر أو الأسهم توقِف الأسهم، عندها لا يكون لديك تشغيل ولا إيراد
سنوي تتصرف فيه.. هذه الثقافة ضحلة بشكل كبير جداً، ومشكلتنا في السعودية أن
الأسهم وصلت لمستوى جنوني ثم انهارت للطبيعي، والآن وصلت إلى مستوى مغرٍ، لكن ما
زالت الثقافة والفكر ترفض فكرة الأسهم.
الركن الثالث: نوعية مجلس
النظار واختيارهم، فإذا كان لديك صيغة جيدة، وتمتلك وقفاً جيداً، وكان مجلس النظار
ضعيفاً أو غير أمين؛ سيضيع الوقف. ومجلس النظار يجب أن يكون احترافياً ولا يشترط
أن يكون من المشايخ، ويمكن أن يكون منوعاً.
الركن الرابع: وهو الرئيس
التنفيذي للوقف، بمعنى أنه لو كان لديك مجلس نظار جيد وعقد تأسيس جيد، ولديك
إشكالية في مدير الوقف؛ ستتعطل الأعمال. أوقاف الوالد مجلس النظار فيها رسم خطة
استراتيجية بعمل مؤسسي منظم، وتم تطبيق نظام الحوكمة، بحيث إن مجلس النظار لا
يشارك في الإدارة، ويجب إحضار مدير مستقل تكون لديه خبرة في إدارة الشركات
التجارية والاستثمارية، بحيث يدير العمل استثمارياً بقبعة خيرية.. شكلنا لجنة
اسمها لجنة المراجعة الداخلية مهمتها مراقبة أعمال الإدارة التنفيذية، ومرجعيتها
للمجلس.. وشكلنا لجنة أخرى اسمها لجنة الاستثمار، ولجنة اسمها لجنة المكافآت
والترشيحات. وكان مجلس الإدارة عند تأسيس الوقف مكوناً من خمسة أشخاص، وهم لهم أن
يضيفوا ثلاثة أعضاء كل ثلاث سنوات، ويتم التجديد.
أما التوزيع الجغرافي للوقف
فكان لدى الوالد منذ عشرين سنة نقطة جيدة، وهي أن يتم استثمار ربع الغلة، فلا بد
من أن تضع جزءاً من الغلة في الاستثمار؛ لأنه مع مرور الوقت إذا لم يزد حجم الوقت
سيتقلص.. نحن لدينا 25 % من الغلة استثمارات، وبهذا علمنا بماذا يمكن أن نستثمر
خلال العشر سنوات القادمة.
البيان: هناك تجارب وممارسات متميّزة محلية وإقليمية وعالمية.. من خلال
اطلاعك ما التجارب التي ترى أنها جديرة بالاطلاع والعرض؟
اطّلعت في العالم الخارجي
على بعض التجارب البسيطة، ودعنا لا نبالغ بالغرب وننبهر بهم، فلو طبقنا النظام
التجاري الموجود عالمياً في الموضوع الخيري مثل أي منظمة تجارية؛ سنبدع فيه.
الغرفة التجارية ستنظم خطة
لعمل تجربة إما دولية أو محلية، والغرفة التجارية قريباً إن شاء الله ستعلن عن
تجارب، وتجربة أوقاف الوالد رائعة، وأدعو الجميع للاطلاع عليها، وأي شخص يريد
الاطلاع عليها نحن مستعدون لذلك، وسنعدّ نموذجاً لعرضه من خلال الغرفة التجارية.
البيان: مصارف الأوقاف تتعدّد وتتنوع في أشكالها وحجمها.. ترى ما الأثر
الذي أحدثته الأوقاف في تنمية المجتمع؟
حتى الآن الأوقاف صغيرة جداً
مقارنة بالمجتمع، لكنها تبقى ذراعاً خادمة للمجتمع بشكل كبير جداً، ولو نشط الوقف
بشكل قوي وسوقت له الدولة في الإعلام ومن خلال إجراءاتها؛ سيكون الساندَ لها
وللمجتمع؛ لأن المجتمع فيه حب للصحوة وللخير، وعلينا تشجيع الأوقاف من خلال تكريم
الموقفين وتقديرهم وشكرهم على هذا العمل، كما يجب علينا زرع أن الأوقاف هي التي
تخدم أبناء الموقفين أنفسهم وأحفادهم عند الأجيال القادمة.
الوالد أنشأ أكثر من 20
وقفاً تنوَّعت بين وقف للذرية، ووقف للفقراء، ووقف للزواج، ووقف للمساجد، ووقف
لتحفيظ القرآن الكريم. وعلى كل حال الأوقاف تتبع هوى الموقف، ففي الغرب تجد
أوقافاً للكلاب، ووقفاً للحديقة.. وعلينا ترك الأمر للموقف، لكن هذا لا يمنعنا من
محاولة إقناعه بأن يكون الوقف مرناً.. الغرب سبقنا في الأوقاف رغم أننا نحن
المسلمين أول من أسسه!