• - الموافق2024/11/21م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
هل أصبح الغرب مضطرًّا للتفاوض مع روسيا؟

يمكن التأكيد على أن الغرب سيتحوّل في أقرب فرصة -وبالدقة فور تأكده من عدم اتساع الحرب على غزة لتصبح حربًا إقليمية-؛ للتركيز على الحرب الأوكرانية بدرجة أو بأخرى


شهدت الفترة الماضية تغييرًا في درجة ونمط التفاعل الغربي مع حالة الحرب المتمددة مع روسيا بشأن أوكرانيا، بعد أن تحوَّل التركيز الغربي بشكل اضطراري طارئ؛ من حماية ودعم أوكرانيا، إلى حماية ودعم الكيان الصهيوني. ووصل الأمر أن كاد الإعلام لا يَذكر شيئًا عمَّا يجري حاليًّا في حربٍ كانت هي المسيطرة على كل الصفحات والشاشات.

لقد توقفت -ولم تخفت فقط- حملة الدعاية الإعلامية الموجّهة والتركيز السياسي والدبلوماسي على روسيا، والأهم أنه لم تعد أوكرانيا تتلقَّى دفعات المال والسلاح التي كانت تجري وكأنها عربات في سلسلة قطار لا تنتهي، كما لم تعد كييف في حالة الاستقبال والوداع الدائمة بعد توقف سيل زيارات المسؤولين الغربيين إليها. وكان الأبرز ظهورًا، أن اختفت صورة الرئيس الأوكراني وأحاديثه وزياراته وخطاباته التي كانت أشبه بالمقررات الدراسية في برلمانات الغرب.

تكاثرت ملامح حالة مختلفة عمَّا كان طاغيًا قبيل وبعد الغزو الروسي لأوكرانيا، وعلى مدار ما يقرب من العامين.

وبات لافتًا أن تواترت بعض الأنباء في الفترة الأخيرة، عن ميلٍ مُتنامٍ في دوائر غربية للتوصل لحلول تفاوضية مع روسيا لإنهاء تلك الحرب، ولعل هذا ما دفَع بوتين ووزير خارجيته لتجديد التصريحات بشأن الاستعداد للتفاوض. وهو توجُّه بات مرجّحًا لدى بعض المحللين، بعد تعطُّل حركة الدعم المالي والعسكري الأمريكي والأوروبي لأوكرانيا.

فالأول بات متوقفًا أو معلقًا بسبب الصراع بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي حول ميزانية الولايات المتحدة، ويُتوقع أن يظل كذلك لعدة شهور قادمة بعد انطلاق حملة الانتخابات الرئاسية والتشريعية الأمريكية التي ستُجرَى في نوفمبر القادم.

والثاني بات مُعطلاً؛ لرفض المجر تمرير حزمة المساعدات المقررة لأوكرانيا، ولدخول سلوفاكيا على خط الاعتراض هي الأخرى؛ حيث أثَّر التغيير السياسي الذي جرى في تشكيلة الحكومة بعد الانتخابات الأخيرة. كما يلفت النظر أيضًا تنامي المشاعر الرافضة لاستمرار الدعم المالي والعسكري لأوكرانيا بين الشعوب الأوروبية.

 وهناك من بات يرجّح هذا التوجه الغربي المغاير؛ لأسباب تتعلق بتنامي احتمالات غزو الصين لتايوان وضمّها، وهو ما سيفتح أبواب الصراع الدولي الأخطر أو الأشد أهميةً للغرب، باعتبار الصين المنافس والمُهدِّد للسيطرة الغربية على «النظام الدولي».

غير أن المواقف الإستراتيجية -أو الموقف من القضايا الكلية- لا تُقاس بما جرى خلال الثلاثة أشهر الأخيرة، التي هي عمر الحرب الصهيونية على الشعب الفلسطيني -فذلك وضع طارئ-. وهي حرب يحاول الغرب مَنْع توسُّعها؛ حتى لا تصبح حربًا إقليمية واسعة بما يعني انشغال الغرب وشدة تركيزه لفترة زمنية طويلة. وكذا لأن الدوائر الغربية العليا -وحلف الأطلنطي خاصة- ترى أن انتصار روسيا أو التوقف عن خطة استنزافها لا يعني سوى فتح المجال أمام حركة روسيا باتجاه دول أوروبية أخرى. كما تخشى تلك الدوائر أن يرسل انتصار روسيا رسالة للصين بانكفاء الغرب، وعدم قدرته على خوض الحرب إذا قرَّرت الصين اجتياح تايوان.

بل إنَّ المتوقع هو أن يعود الغرب لحالة التصعيد ضد روسيا في أوكرانيا، حتى لو كان الغرب أقرب إلى فكرة التفاوض؛ إذ الذهاب للتفاوض لا يتطلب تهدئة الصراع، بل يستدعي تصعيدًا على الأرض لتحسين شروط التفاوض. وهو ما سيظهر جليًّا مع وصول طائرات إف16 الأمريكية لأوكرانيا خلال الفترة القادمة.

ولذلك يمكن التأكيد على أن الغرب سيتحوّل في أقرب فرصة -وبالدقة فور تأكده من عدم اتساع الحرب على غزة لتصبح حربًا إقليمية-؛ للتركيز على الحرب الأوكرانية بدرجة أو بأخرى. وها هي أوكرانيا قد أخذت الخطوة الأولى في تلك العودة، بالهجمة الصاروخية الكبيرة وغير المسبوقة على مدينة بيلغورود الروسية.

الغرب تحت وقع المفاجأة

كان لوقع مفاجأة التي حدثت في فلسطين، وخطورة الضربة الإستراتيجية التي تعرَّض لها الكيان الصهيوني في 7 أكتوبر الماضي، أثره في إرباك الولايات المتحدة وبريطانيا والغرب بشأن الحرب الأوكرانية.

وقد جرت عملية مستعجلة لنقل الجهد والتركيز الغربي من أوكرانيا إلى الكيان الصهيوني، وهو ما جلَب انطباعًا لدى المتابعين بتوجُّه الغرب نحو التخلي عن أوكرانيا أو الذهاب باتجاه الحلول التفاوضية القائمة على المساومة، وموازنة المصالح الغربية مع روسيا على حساب أوكرانيا.

وهو تغيير أحدث قلقًا في أوكرانيا، بقدر ما أشعر دوائر غربية ذات مواقف متشددة تجاه روسيا بخطر شديد على المصالح الأوروبية، فجرى الاندفاع للتركيز على مخاطر الحلول التفاوضية مع روسيا على مستقبل ومآلات توازن القوى بين أوروبا وروسيا.

وزاد من هذا القلق وفاقَمه، أن الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا قد اضطرت لإرسال قواتها الضاربة إلى محيط غزة، وإلى شَحْن كميات ضخمة من السلاح للكيان الصهيوني، وتمدُّد المعركة في غزة زمنيًّا على عكس كثير من التوقعات التي ما كانت تتصور أن يصمد الشعب الفلسطيني والمقاومون في غزة كل هذه الفترة؛ رغم كل هذا القصف والدمار والقتل.

وإذ كان قد صاحَب الحرب الأوكرانية حملة إعلامية غربية غير مسبوقة جرى التغني خلالها بمواقف الغرب بشأن حقوق الإنسان، ورفض استخدام القوة ضد المدنيين، وإدانة أعمال الغزو والاحتلال وارتكاب المجازر؛ فقد جاءت ضربة السابع من أكتوبر وما تلاها من عدوان صهيوني مروّع، ليجد الغرب نفسه مدافعًا عن ارتكاب المجازر، وعن استخدام حصار الماء والغذاء والدواء، لتحقيق أهداف سياسية. وهو ما أربك الدعاية الغربية على نحو خطير للغاية، فلجأت للصمت إذ لم تعد قادرة على ترديد معزوفتها السابقة بشأن أوكرانيا.

لم يكن ما حدث فقط هو أن الحرب على غزة قد جذبت جميع أشكال التركيز والحشد الإعلامي والسياسي والدبلوماسي والغربي -إضافة للدعم العسكري- على حساب الحرب الروسية الأوكرانية، بل إن الدعاية الغربية خلال العدوان على غزة جاءت متناقضة وبشكل صارخ بين المسارين؛ إذ أهال الانحياز الغربي لفاشية الكيان الصهيوني، التراب، على كل الأسس التي قامت عليها الدعاية الغربية في الحرب الأوكرانية.

وإذ بدا أن ثمة احتمال لتوسع الحرب باتجاه حزب نصر الله أو الحوثيين؛ فقد لاح في الأفق تصوُّر بأن الغرب سيجد نفسه مضطرًّا للتسليم في أوكرانيا، أو الوصول لحلول تفاوضية تعكس موازين القوى الحالية على الأرض، سواء لعدم قدرة الغرب على إدارة الحرب على جبهتين، أو بسبب الدور المحوري للكيان الصهيوني في الإستراتيجيات الغربية في العالم الإسلامي أو لخطورة الوضع الإستراتيجي الدولي للغرب في حال تراجع دوره ونفوذه في تلك البقعة من العالم.

وإذ لا تأتي المصائب فرادى في غالب الأحيان؛ فقد تواكب نقل الاهتمام -الاضطراري- من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط، مع اشتعال الأزمة بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي بشأن إقرار ميزانية مؤقتة، وإن كان الحل التوافقي بين الحزبين قد انتهى إلى إقرار ميزانية مؤقتة خلت من تقديم الدعم لأوكرانيا.

وإذ جرت الانتخابات في سلوفاكيا، وأنتجت تشكيلة حكومية جديدة بدت نموذجًا للتحول من دعم أوكرانيا إلى الدعوة لإطلاق مفاوضات سلام في أوكرانيا، حتى لا تطول الحرب وتتمدد سنوات أخرى -حتى عام 2030م- بحسب رئيس الوزراء السلوفاكي الجديد.

وإذ بنى رئيس الوزراء الجديد دعايته خلال الانتخابات على وقف برامج المساعدات المالية العسكرية لأوكرانيا التي وضعتها الحكومات السلوفاكية السابقة، وضرورة البحث عن حلول تفاوضية؛ فقد ظهر حجم التغيير الحادث في مواقف الرأي العام الأوروبي، خاصةً وقد جاء وصول التيار الشعبوي في سلوفاكيا للحكم، في أعقاب انتخابات إيطاليا التي أنتجت حكمًا شبيهًا، وإن لم يظهر مواقف شديدة الوضوح على غرار ما ظهر في سلوفاكيا بحكم خضوع إيطاليا لقيود ما تزال مفروضة عليها منذ هزيمتها في الحرب العالمية الثانية.

وقد زاد التغيير في سلوفاكيا من جرأة الموقف المجرى الرافض أصلاً لدعم أوكرانيا، وشكَّل رافدًا إضافيًّا لتقوية مواقفه التي تُعطِّل قرارات وحزم الدعم الأوروبي لأوكرانيا.

وكان الأسوأ والداعي لطرح ضرورات التفاوض مع روسيا، أن الهجوم الأوكراني المضاد لم يحقق ما كان مأمولاً منه غربيًّا وأوكرانيًّا، وتوترت العلاقات بين مؤسسة الرئاسة الأوكرانية والقيادة العسكرية، بما أدى لإقالة وزير الدفاع من جهة، مع تفجر خلاف بين الرئاسة الأوكرانية ورئاسة أركان الجيش حاليًّا.

هنا بات منطقيًّا إثارة التساؤلات حول الموقف الغربي في حرب أوكرانيا. وما إذا كان الغرب سيضطر للقبول بالتسوية في أوكرانيا على حساب جغرافيتها واستقلالها؟ أم أن الغرب سيسارع الخطى لإنهاء الحرب الصهيونية على غزة، والعودة للتفرغ مجددًا لقضية أوكرانيا؟

المأزق الغربي واحتمالات العودة لأوكرانيا

فور وقوع ضربة أكتوبر الإستراتيجية على الكيان الصهيوني، طُرح السؤال حول مصير حرب أوكرانيا؟ وهل بإمكان الغرب إدارة وخوض الحرب على جبهتين في وقت واحد؟ وماذا لو توسعت تلك الحرب الجارية بين المقاومة في غزة والكيان الصهيوني، وتمددت إلى الإقليم بطريقة أو بأخرى؟

كما جرى إطلاق أسئلة فرعية بعضها يدور حول التضارب الحادث في مواقف الغرب من الحربين وتأثيراته على نفوذ الغرب وهيمنته؟ وبعضها يدور حول افتقاد الغرب لمصداقيته الدولية بسبب الموقف المساند لعمليات إبادة وتطهير ديني وعرقي.. إلخ.

كما طرحت أسئلة حول ما إذا كانت روسيا ستنتهز فرصة انشغال الغرب بالدفاع عن الكيان الصهيوني لإنزال هزيمة أصعب بأوكرانيا. وكانت أخطر الأسئلة التي طُرحت تدور حول الصين واحتمالات غزوها لتايوان.

وقد جرى تقديم إجابات متعددة.

والظاهر أن الغرب قد توصل إلى معادلة نهائية تقوم على بذل الجهود، وتصعيد التخويف؛ لمنع توسيع الحرب في الشرق الأوسط، وعلى أن الحرب الصهيونية على غزة يجب أن تنتهي سريعًا، وأن على الغرب أن يتحرك بعد زوال الصدمة تحت عناوين وشعارات غير تلك التي أطلقها لحظة وقوع هجوم الـ7 من أكتوبر، وأنه بإمكان الغرب أن يساند الكيان الصهيوني بأقصى ما يستطيع، لكن دون الإخلال بالحفاظ على الثوابت التي اعتمدها في دعايته وحركته في أوكرانيا.

والأهم أنْ بدا أنَّ الغرب عاد للحشد والتعبئة لضمان القدرة على خوض صراعات متعددة، وإن أظهر أن بإمكانه تحقيق أهدافه في الشرق الأوسط، دون الانجرار إلى حرب، كما هو الحال في التعامل مع قصف الحوثيين للسفن التجارية الصهيونية، وفي مسألة حزب نصر الله. كما جرت العودة للتشديد على أهمية أوكرانيا لأوروبا، وعلى أن تايوان بالغة الأهمية لأمريكا؛ باعتبار أن الصين هي المنافس الرئيسي للولايات المتحدة.

وهكذا انتهت مرحلة الصدمة، وعاد الغرب لترتيب أوراقه.

سيناريوهات واحتمالات

يتوقف السلوك الغربي المقبل بشأن الحرب في أوكرانيا، على ما يحدث في ساحات الصراع الدولي الأخرى، كما يرتبط بالمستجدات الحادثة في الأوضاع في الداخل الأمريكي، وفي مواقف الدول الأوروبية بعد حدوث تغييرات في مواقف بعض الدول جراء الانتخابات، وبالموقف في داخل أوكرانيا وعلى صعيد التطورات العسكرية على الجبهات.

وإذ يمكن التأكيد على تراجع زخم دعم استمرار الحرب في أوكرانيا، وعلى فقدان الإجماع الرسمي على دعم أوكرانيا بذات الوتيرة السابقة بعد ظهور تشققات في مواقف الحكومات الأوروبية، وكذا التأكيد على تراجع الدعم الشعبي لاستمرار الحرب، فهناك في الجانب الآخر، أن الغرب يرى أن التراجع أمام روسيا ينتج عنها مخاطر شديدة على التوازن في أوروبا، وأن الأمن الإستراتيجي لأوروبا سيصبح في حالة تهديد خطرة؛ إذا انتصرت روسيا.

وفي الموازنة بين الواقع والمخاطر، ثمة سيناريوهات واحتمالات متعددة.

السيناريو الأول: أن تحافظ الدول الغربية على استمرار حالة الحرب، ضمن خطتها للاستمرار في استنزاف روسيا، ولاستمرار توفير مبررات استمرار عزلها وحصارها دوليًّا. وأن يجري ذلك دون تطوير دورها لدرجة الاستمرار في محاولة إحداث تغيير في موازين القوى على الأرض أو في الميدان. وهو ما يجري الآن -على ما يبدو- بالدعوة لتوطين إنتاج السلاح الغربي في أوكرانيا، وباستمرار الحد الأدنى من الدعم الغربي لأوكرانيا.

السيناريو الثاني: أن تتحرك دول غربية خطوات باتجاه الحل التفاوضي دون جدية الوصول إلى حلول، ويكون الهدف مشاغلة روسيا والتأثير على احتمالات استثمارها للوضع الحالي. وأن يجري استثمار الوقت لأجل إعادة ترميم المواقف الأوروبية والغربية.

وقد يكون الأنسب غربيًّا، أن تتحرك دول وأطراف أخرى، وأن تطرح تلك الدول مبادرات تفاوضية، وأن تعرض القيام بالوساطات؛ لتأخذ الدوائر الغربية فُرصتها في تقرير مواقفها اللاحقة.

السيناريو الثالث: أنْ لا يُوقف الغرب الحرب، وأن لا يذهب في اتجاه التفاوض أيضًا، وأن يكتفي بتثبيت القوات الروسية عند حدود شرق أوكرانيا؛ أي أن يقدّم من الدعم ما يكفي لمنع تطوير روسيا حربها باتجاهات أعمق في أوكرانيا أو أوسع باتجاه مناطق أخرى.

وقد يكون أحد السيناريوهات المحتملة أن تجري تحركات غربية لإجراء تغييرات في الداخل الأوكراني لخلط الأوراق وفتح مساحات للحركة المستقبلية.

 

أعلى