عملياً كيف نربي أبناءنا في رمضان؟

ومما يعين الطفل على الصيام أن يلتزم بوجبة السحور مع الكبار، على أن نشرح له – ببساطة - أهمية السحور من حيث اتباع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وما فيه من البركة، وأنه من الأسباب التي تقوِّي أجسادنا على الصيام.


بقدر فرحتنا الكبيرة وإشراق نفوسنا لقدوم شهر رمضان، علينا ألا ننسى ولا للحظة واحدة واجباتنا التربوية تجاه أبنائنا في هذا الشهر المبارك، حيث يُعدُّ شهر رمضان الكريم بحق غنيمةً للمربين، قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ 185وَإذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُم يَرْشُدُونَ} [البقرة: 185 - 186].

مهمة التربية وبناء النفوس الصالحة ليست مهمة سهلة، بل تحتاج إلى جهد كبير ويقظة تربوية تجعل المربي لا يفوّت موقفاً أو حدثاً أو مناسبة تمرّ به وبأبنائه، إلا أحسن استغلالها لمصلحة تربيتهم؛ فالكلمة تـــفعــل في النفس وقت الحدث ما لا تفعله في غيره من الأوقات، وتؤدي إلى ترسيخ المعاني التربوية والعبادات المرتبطة بهــــذه المــناسبة حتى تعود هيئةً راسخةً في نفس الطفل يشبّ عليها ولا يتركها طوال حياته.

وفي رحاب هذا الشهر الكريم ننهل من عطاياه التربوية من خلال عدة محاور يجب أن يركز عليها المربي في هذا الشهر الكريم.

أهمية تدريب الطفل على أداء العبادات مبكراً

مرحلة الطفولة هي المرحلة الذهبية لتعليم الطفل والتأثير فيه، لذلك نجد الإسلام يوجّه الآباء والأمهات إلى تدريب أطفالهم على امتثال الطاعات وأداء الفرائض في طفولتهم، كالصلاة والصيام والحجاب - للبنات، حتى إذا بلغوا سن التمييز واظبوا عليها بسهولة ويسر، حيث ألفوا وتعودوا على أدائها بانتظام وأصبحت جزءاً من كيانهم.

وقد جاء عن المربي الأعظم صلى الله عليه وسلم توجيه الصحابة والصحابيات إلى تدريب الصغار على عبادة الصيام، وإعداد الأمهات لِلُعبٍ يلهّونهم بها إذا بكوا جوعاً، فعن الربيع بنت معوذ قالت: «كنا نَصُومُ ونُصوِّم صبياننا الصغار منهم، ونذهب إلى المسجد، فنجعل لهم اللعبة من العهن (أي الصوف)، فإذا بكى أحدهم من الطعام أعطيناه إياه، حتى يكون عند الإفطار» (أي أعطيناه هذا الصوف يتلهى به حتى يحين موعد الإفطار)[1].

مراعاة الرفق والتدرُّج أثناء تعويد الأطفال على الصيام

- فنبدأ مع الطفل بالصوم الجزئي بأن يتعود الإمساك إلى منتصف النهار أو إلى العصر، حتى إذا قوي على ذلك واعتاده انتقل إلى مرحلة تالية، كذلك يمكن أن يصوم الطفل يوماً كاملاً ثم يفطر أياماً ليستريح ويزيد في عدد الأيام بعد ذلك تدريجياً.

- نجنّب الطفل الصوم في الأيام شديدة الحرّ، وكذلك يمنع من الإفراط في النشاط الحركي والرياضة أثناء الصوم، وفي حالة إحساس الطفل بالجوع الشديد ينصح بالإفطار وعدم المكابرة.

- ومما يعين الطفل على الصيام أن يلتزم بوجبة السحور مع الكبار، على أن نشرح له – ببساطة - أهمية السحور من حيث اتباع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وما فيه من البركة، وأنه من الأسباب التي تقوِّي أجسادنا على الصيام.

- ومما يعينه كذلك أن نحكي له عن صوم الكائنات الأخرى غير الإنسان، كصوم العناكب، وصوم أسماك السلمون، وبإمكان المربي العثور على الكثير من هذه المعلومات من خلال البحث على شبكة الإنترنت.

- دوام تشجيع الطفل ومكافأته عند اجتيازه فترة الصوم المحددة بنجاح، بزيادة مصروفه مثلاً، أو الثناء عليه، أو منحه الألقاب الحسنة.

غرس معاني العطاء والتكافل في نفس الصغير

عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أجود الناس وَكَانَ أجود مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أجود بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ»[2].

يُعدُّ شهر رمضان من أحسن المناسبات التي يتعلم فيها الطفل معنى التكافل، والشعور بالمسؤولية نحو الفقير والمسكين، وقلوب الصغار رقيقة لينة شديدة التأثر بالبيئة الأسرية وسلوك الكبار أمامهم، فعندما يرى الأطفال آباءهم وهم يُخرِجون صدقاتهم وزكاة فطرهم ويشاركونهم هذا العمل؛ فسيتعلمون منهم حب الصدقة، والرحمة بالفقراء، ويدركون معنى التكافل وبُغض الأثرة والأنانية.. وتدريب الصغار على الممارسة العلمية للبذل ورعاية الفقراء هدي السلف الصالح رضي الله عنهم أجمعين، «فقد ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه جاءه سائل يريد صدقة، فقال لابنه: أعطه ديناراً، واجعله في يده!» تدريباً له على ذلك[3].

التربية على المعنى الكامل لتعظيم شعائر الله

قال تعالى: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32]. ورد في معنى «شعائر الله» أنها: المعالم الظاهرة من دينه التي جعل الله تبارك وتعالى بعضها مكانياً، وجعل بعضها زمانياً، ومن ذلك الأشهر الحرم وشهر رمضان الذي شرّفه الله تعالى بنزول القرآن وفرض الصيام فيه.

وتعظيم الشعائر لا يكون بالإقبال على الطاعات والاستزادة منها فقط، فهذا المعنى مبتور، ولا يكتمل تعظيم الشعائر إلا بتجنب ما حرم الله تعالى، وأن يرى المسلم أن ارتكاب المعصية في الأيام الفاضلة أشد قبحاً وأعظم جرماً منه في غيرها.

ولا يخفى على أحد تلك الحرب المعلنة من الآلة الإعلامية بهدف إفساد الشعائر لا تعظيمها في شهر رمضان المعظم، وتحويل الشهر الكريم من موسم يزداد فيه المؤمن إيماناً إلى أكبر سوق يروج فيه أهل الباطل (الفن) لبضاعتهم، الأمر الذي يختزل معنى تعظيم الشهر الكريم في أذهان الكثيرين في صورة أداء الطاعات دون أن يتلازم معها الانتهاء عن المحرمات.. ولذلك لا نبالغ إذا قلنا إن المواد الإعلامية الفاسدة التي تبثها الشاشة الصغيرة داخل البيوت تُعدُّ التحديَ الأكبر الذي يواجهه المربي في رمضان من كل عام، فالمربي المسؤولُ الأول عن وقاية أبنائه من النار بمنع تعرضهم لأسباب دخولها، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْـحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: ٦]، عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسيرها: (اعملوا بطاعة الله، واتقوا معاصي الله، ومروا أهليكم بالذكر ينجيكم الله من النار)[4].

وليعلم المربي أن مواجهة هذه الفتنة لن تأتي أبداً بإصدار الأوامر والفرمانات، أو نزع الأسلاك والكابلات، لكن تأتي أولاً: بالقدوة الحسنة التي تتمثل في موقف الوالدين الواضح من هذه البرامج موقفاً حازماً لا يعتريه تذبذب أو رَوَغَان.

ثانياً: تربية الأبناء على المراقبة لله تعالى، وتذكيرهم بالآيات والأحاديث التي تدعم هذا الجانب، مثل قول الله تعالى: {إنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْـئُـولاً} [الإسراء: 36]، ومعناه التحذير من أن تسمع ما لا يحل لك، أو تنظر إلى ما لا يحل لك، أو تعتقد ما لا يحل لك، ويردد المربي على أسماعهم الأحاديث ما يزكي معنى المراقبة، مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: «احفظ الله يحفظك»، وقوله النبي صلى الله عليه وسلم: «اتق الله حيثما كنت»، وذلك بنبرة واضحة مع الأداء الصوتي الضاغط على كل حرف وكلمة من هذه الكلمات العظيمة، يصاحبها تركيز النظر في عيني الطفل، مع ابتسامة حانية.

ثالثاً: لا بد من تصحيح وبناء فكر سليم لدى الأطفال تجاه الإعلام، وأنه ليس كل ما يُعرض فيه يرضي الله تعالى أو يصلح للمشاهدة.. لذلك لا بد أن يكون تعامل المؤمن معه انتقائياً، فلا يشاهد إلا ما يرضي ربه ويزيد في حسناته.

كنوز العشر الأواخر

وأهمها: تعويد الأبناء على تحرّي ليلة القدر، والحرص على موافقتها بالقيام والتهجد، وتعليمهم الدعاء الخاص بها، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ: قُولِي: «اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي».

- ومن كنوز العشر الأواخر أيضاً تربية الطفل على المثابرة على الطاعة، مع التنبيه على الإخلاص في أدائها، وعدم الإعجاب بكثرتها؛ فقد تعتري نفس الصغير آفة العجب كما تعتري نفس الكبير إن لم يُوجَّه ويُنَبَّه لذلك، ولقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من الوقوع في تلك الآفة عقب رمضان، فقال صلى الله عليه وسلم: «لا يقولنّ أحدكم: صُمت رمضان كلّه، ولا قُمت رمضان كلّه»[5].

ولكن نعلمهم أن يردّوا الفضل دائماً لله تعالى فيما وُفِّقُوا إليه من الطاعات، فعن أبي عمران الشيباني أنه قال: قال موسى يوم الطور: يا رب.. إن أنا صليت فمن قِبلك، وإن أنا تصدقت فمن قِبلك، وإن أنا بلّغت رسالاتك فمن قِبلك، فكيف أشكرك؟ فقال الله تعالى لموسى: الآن شكرتني..!».

وأخيراً.. أعزائي المربين

إن قوة الحدث الإيماني في شهر رمضان المبارك تسهّل على المربي مهمته في تربية أبنائه وإصلاح نفوسهم على الوجه الذي يرضاه الله تعالى؛ فلنكن إيجابيين في استثمار هذه الفرصة التربوية العظيمة.. على قدر شرف الزمان الذي نستقبله.. على مستوى شهر رمضان الكريم.

المراجع

- بناء الأجيال: د. عبد الكريم بكار.

- التربية الإيجابية من خلال إشباع الحاجات النفسية للطفل: د. مصطفى أبو سعد.

:: البيان تنشر ملف شامل لشهر رمضان المبارك (رمضان.. حكم وأحكام وآداب)


[1] أخرجه البخاري، باب: صوم الصبيان، ج/ 3، ص: 82.

[2]أخرجه البخاري. 

[3] التمهيد لابن عبد البر، 4/256.

[4] تفسير الطبري، ج: 23، ص: 491.

[5]  أخرجه أبو داود: 2415، وضعفه الألباني: 2062.

 

أعلى