«تفجيرات لندن 2012م» بين الحقيقة والوهم
مؤسسة
روكفلر Rockefeller Foundation،
اسم لامع في عالم «العولمة الذكية» كما تسميها المؤسسة، ومن أثرى المنظمات غير
الحكومية في العالم. تأسست عام 1913م على أيدي أجيال من عائلة روكفلر القَبَّالية
الصهيونية، ومقرها نيويورك.
ليس حديثي هنا عن مؤسسة روكفلر بل عن
تقريرها الذي أصدرته بالتعاون مع «شبكة الأعمال العالمية» في شهر مايو عام 2010م
بعنوان «سيناريوهات مستقبل التقنية والتنمية الدولية». تقرير يتألف من 54 صفحة،
وهو جدير بالقراءة والتأمل. لكن الذي يعنينا منه هنا ما ورد في ص34 تحت عنوان (Hack Attack) أو «هجوم
اختراقي». يقول التقرير:
«إن الصدمات المدمرة كالحادي عشر من
سبتمبر، وتسونامي 2004م في جنوب شرق آسيا، وزلزال هايتي 2010م، قد هيَّأت العالم
فعلاً للنكبات المفاجئة. لكنَّ أحداً لم يكن متهيئاً لعالم تتوالى فيه القوارع
العظام بهذه السرعة المثيرة. لقد أطلق على الأعوام 2010م إلى 2020م اسم «عِقد
الهلاك» لأسباب وجيهة: تفجيرات أولمبياد 2012م التي ذهب ضحيتها 13 ألفاً، أعقبها
زلزال في إندونيسيا أودى بحياة 40 ألفاً، وتسونامي كاد أن يمحو نيكاراجوا، ونشوء
مجاعة الصين الغربية من جراء جفاف يحدث مرة في كل ألف سنة، مرتبط بالتغير المناخي.»[1]
هل لفت ناظريك ما لفت ناظري؟ كلا إنها
ليست خطأ مطبعياً! إنه تقرير أُعدَّ منذ عامين مِن قِبل مؤسسة روكفلر في محاولة من
قبل بعض العولميين لاستشراف المستقبل الذي لا يعلمه إلا الله - عزَّ وجلَّ - في
ذلك السياق يتحدث التقرير بصيغة الماضي عن «تفجيرات أولمبياد 2012م التي ذَهَب
ضحيتها 13 ألفاً.»
ولكن هل هذا يعني أننا نمسك بخيط
مؤامرة جديدة من قبل تنظيمات نخبوية للزجِّ بالعالم في أتون فتنة عظيمة شبيهة بما
حدث في نيويورك قبل عشرة أعوام؟ هذا ما ألمحت إليه صحيفة الـ «ديلي تلجراف»
البريطانية في نسختها الإلكترونية تحت مقالٍ نشر في الأول من مايو من العام الجاري
بعنوان «صواريخ الدفاع عن الأولمبياد لا تعمل في الأجواء السيئة».
يشير الخبر إلى حالة الاستنفار التي
تعيشها الحكومة البريطانية تحسباً لأي اعتداء على أراضيها في أثناء دورة الألعاب
الأولمبية، كما يصرِّح باحتمال الاستعانة بنظام (Starstreak and Rapier) الصاروخي إذا استدعى الأمرُ «إسقاط أي طائرة تحلق على ارتفاعات
منخفضة وتعتزم القيام بعملية انتحارية على غرار هجمات الحادي عشر من سبتمبر في أحد
مُدرَّجات الألعاب الأولمبية.»[2]
نحن إذاً أمام سيناريو «إرهابي»، وهو
الأول في سيناريوهات عدة يستعرضها تقرير وزارة الداخلية البريطانية الذي نشر في
شهر يناير 2011م ويعرف اختصاراً باسم (OSSSRA). من هذه
السيناريوهات:
• «الهجمات الإرهابية»: وتشمل
الهجمات التقليدية على الأماكن المزدحمة، أو نظام المواصلات، أو الهجمات غير
التقليدية بأسلحة كيميائية أو بيولوجية أو إشعاعية.
• الجرائم المنظمة.
• التطرف الداخلي على أيدي نشطاء يسعون
من خلال الحدث إلى تمرير أجندات معينة.
• الاضطرابات الجماهيرية: كالمسيرات
الحاشدة ونحوها.
• هجوم إلكتروني على المواقع المرتبطة
بالأولمبياد.[3]
وعلى الرغم من أهمية هذه السيناريوهات
جميعاً إلا أن السيناريو الأول – أعني «الهجمات الإرهابية» – يبقى الأكثر احتمالاً
عند كثير من المتابعين وهو الذي يحتفي به «العولميون» عادة لأن فُرص الاستفادة منه
أكبر بكثير من مجرد تظاهرة أو جريمة يمكن السيطرة عليها.
إن الذي يعنينا من تقرير «مؤسسة
روكفلر» وما يعضده من تقارير وأخبار وتحليلاتٍ أمورٌ منها:
أولاً: الأحوط لكل مسلم حصيف أن ينأى بنفسه
عن مواطن الفتنة في دينه، فلا يأتي تلك الديار في أثناء «الثورة» الأولمبية إلا
مضطراً.
ثانياً: إن صدقت هذه التقارير والأخبار ولم
تكن إرجافاً عُلِم من كان وراء «هجمات سبتمبر» التي كثر حولها لغط كبير – وأحسب
أنها من صنع أمريكا وحدها، وليس هذا موطن إيراد الأدلة – فقد تسربت حينها وثائق
وإشارات شبيهة بما ذكرتُ أعلاه تحدثت أو ألمحت إلى هجمات «إرهابية»، ولم يُتفطن
لتلك الإشارات إلا بعد التفجيرات بسنين.
ثالثاً: رداً على أحداث سبتمبر تحركت أمريكا
على الصعيدين المحلي والدولي، فأما على الصعيد المحلي فضَيقت على الحريات في
أمريكا عموماً، واتهمت المسلمين بالإرهاب إلا «المعتدلين» منهم بناء على فتاوى
مجلس «الشيوخ». أما على الصعيد الدولي فأعلنت أمريكا الرومية «حملتها الصليبية» ضد
المسلمين في العراق وأفغانستان على يد قائدها «جورج و. بوش»، الابن عُذِّب
المسلمون في محاكم التفتيش في «أبو غريب» وغيره، ولا تزال الحرب على الإسلام باسم
«الإرهاب» قائمة. فهل يمكن أن تتحول بريطانيا إلى حال مماثلة؟
يجدر بنا أن نستعيد إلى الأذهان مقالة
«ديفيد روكفلر» العولمي الباطني عندما قال في خطاب ألقاه أمام مجلس العمل التابع
للأمم المتحدة عام 1994م: «نحن على مشارف تحول عالمي. كلُّ ما نحتاجه هو الأزمةُ
الكبرى المناسبة، فتَقبلُ الأممُ النظام العالمي الجديد.»[4] فالأزمات هي التي تولد لدى الضحية استعداداً نفسياً لقبول
سياط الجلاد دون مقاومة. ويمكننا أن نشتَمَّ هذا الواقع في مقال صحيفة الـ
«جارديان» الذي يؤكد أن لندن في عام 2012م «ستشهد أكبر تعبئة
لقوات الشرطة والأمن البريطانية منذ الحرب العالمية الثانية، وأن آثار ذلك ستبقى طويلاً بعد مغادرة الرياضيين
المشاركين.» وهو يذكرنا بحديث «بوش» عن «الحرب الطويلة على الإرهاب». كما أن ألفاً
من عملاء الاستخبارات الأمريكية سيشاركون في الرقابة.
أي أن بريطانيا قد تتحول إلى حكومة
فاشية تحاكم أهلها بتهمة وبغير تهمة، كما أصبح الحال في الولايات المتحدة بعد
أحداث سبتمبر. وهذا بدوره يصيب الكثيرين بالهلع فيفرض عليهم الخنوع للنظام
الاستبدادي العالمي الذي يستفيد من الأزمات الطبيعية والمفتعلة لتمرير أجنداته كما
في إقرار «ديفيد روكفلر» أعلاه.
بقي أن أشير إلى ما قد يعدُّه بعضهم
من قبيل هوس «المؤامراتيين» وهو الرمزية الباطنية الغريبة التي يوظفها القائمون
على هذه المناسبة. من ذلك شعار الأولمبياد الذي يصور العدد 2012م أشبه ما يكون
بالكلمة الإنجليزية (ZION) أي «صهيون». كما أن الـ «ماسكوت» أو الشخصية الرمزية التي اختيرت
للأولمبياد تظهر بصورة دمية ذات عين واحدة، وهي تمثيل للعين التي تبصر الكل (All-Seeing Eye)، أو «عين
حورس» إله المصريين الذي يمجده الباطنيون من الساسة الغربيين كما فصلته في غير هذا
الموضع. وهذا ليس من قبيل المبالغة في قراءة الرموز، فصحيفة الـ «جارديان» علَّقت
على توظيف هذه الشخصية الرمزية الغريبة قائلة:
«في صورة مخيفة مقلقة تذكرنا عينه
الواحدة التي تبصر الكل وتُطل من تحت خوذة الشرطي بعين الربِّ [حورس] التي تبصر
الكلَّ وتصوَّر عادة متسنِّمةً لوحات عصر التنوير. في هذه اللوحات قامت عين الرب
بدور الرقابة الكلية على رعاياه المتمردين هناك على الأرض.»[5] فهل ستقوم العين التي تطل من تحت
خوذة الشرطي البريطاني بنفس الدور؟ إن الارتباط واضح لا يفتقر إلى تعليق.
مثل هذه التقارير والنتف الإخبارية
المهمة التي تسربها الصحف تجعل المرء يتساءل – في حال حدوث تفجيرات – عن مدى
ارتباط وسائل الإعلام الغربية بالمشروع العولمي الذي تعدُّ عائلة روكفلر الصهيونية
من أقطابه. يجيب عن هذا التساؤل تصريحٌ آخر لـ «ديفيد روكفلر» عام 1991م جاء فيه:
«نحن ممتنون لـ «واشنطن بوست»
و«نيويورك تايمز» و«تايم ماجازين» وصحف أخرى حضر مديروها اجتماعاتنا ووفَّوا بوعود الكتمان لأربعين عاماً تقريباً. لقد
كان من المحال أن نطوِّر خطتنا للعالم لو أننا تعرضنا للأضواء الإعلامية خلال تلك
الأعوام. لكن العالم الآن أكثر وعياً واستعداداً ليسير باتجاه حكومة عالمية»[6].
أخيراً فالقصد من هذا المقال تحذير
أهل الإسلام مما قد يؤول إليه الحال في بريطانيا، وهو أمر محتمل لا يجرؤ بشر على
الجزم به، ولا أقصد من ذكره التهويل والإرجاف، ولكن لئلا يُصدق أهل الإسلام هذه المرة
– إذا ما حلت قارعة – أنهم هم من قام بها أو دعمها، فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين.
وإن من المؤسف حقاً أن تجد من أحرار الغربيين من ينفي عن المسلمين تهمة تفجيرات
برجي التجارة في نيويورك، ثم يصرُّ بعض المسلمين على أنها من بطولاتهم!
:: مجلة البيان العدد 299 رجب 1433هـ –
يونيو 2012م.
[1] http://www.rockefellerfoundation.org/uploads/files/bba493f7-cc97-4da3-add6-3deb007cc719.pdf
[2] http://www.telegraph.co.uk/sport/olympics/news/9236915/Olympic-defence-missiles-dont-work-in-bad-weather.html
[3] http://www.homeoffice.gov.uk/publications/counter-terrorism/olympics/osssra-summary?view=Binary
[4] Jim Hunt. They Said What?: Astonishing Quotes on American
Democracy, Power, and Dissent (Sausalito, CA: PoliPointPress, LLC., 2009), p.
40.
[5] http://www.guardian.co.uk/sport/2012/mar/12/london-olympics-security-lockdown-london
[6] Mark
Rich. Hidden Evil (Morrisville, NC: Lulu Enterprise, Inc., 2008), p. 49.