لا بديل عن القراءة
تمثل القراءة عاملاً مهمّاً في بناء الشخصية
؛ فهي من أهم أدوات تحصيل العلم الشرعي ووسائله ، بل لا غنى لطالب العلم عنها ؛ إذ
بها يعرف أهلَ العلم وسيَرهم وأخبارهم ، ويتعرف مصادره ، وتصنيفه وتبويبه .
كما أنها أداة لبناء الفرد في تخصصه واستيعابه
لمجالاته ومهاراته .
وهي - علاوة على ذلك - تنمِّي خبرات القارئ ومهاراته
؛ حتى خارج حدود ما يقرأ ؛ فالقارئ المطَّلع أوسع أفقاً وأنضج في التعامل مع مواقف
الحياة الفردية والأسرية والاجتماعية ، وأقدر على حل مشكلاته وتنظيم أفكاره .
وهي تنمِّي لغته ؛ فالقارئ أقدر على الفهم السليم
، والتعبير المستقيم من غيره .
وهي من أنفع ما يُقضى به الفراغ حين يَحسُن الاختيار
.
والمتأمِّل في واقع الناشئة ، وطلبة الجامعات
، بل في واقع كثير من المنتسبين للعلم الشرعي يرى أن القراءة لم تأخذ حقها الكافي من
الاهتمام ؛ فكثير منهم يستثقل تحمُّل أعباء القراءة ويخلد إلى الكسل والراحة ، أو يميل
إلى النشاطات السلبية : كالاستماع ومشاهدة القنوات الفضائية ، أو التجول عبر صفحات
الإنترنت ، ولعل واقع سوق النشر خير شاهد على ما تعانيه القراءة من ضمور ومزاحمة .
ومهما كانت جدية المواد التي يتعرض لها المتابع
للبرامج الإعلامية ، والمتصفح لشبكة الإنترنت ؛ فهي تفتقر - في الأغلب - إلى العمق
والرصانة ، كما أن المتلقي لا يملك التركيز الكافي والتفاعل مع ما يسمع ويشاهد أو يتصفح
؛ ناهيك عن قصورها كبديل لتحقيق وظائف القراءة ؛ والجادون في بناء مجتمعاتهم يسعون
إلى توجيه الواقع ما أمكن بدلاً من الاكتفاء بالتكيف معه .
إن حجم التحديات التي يعانيها الجيل القادم يجعل
الواقع الحالي بحاجة إلى التغيير الجوهري ، ويتطلب تعزيزاً أكبر لأدوات بناء الشخصية
؛ فكيف إذا كانت أهم أدوات البناء الشخصي ( القراءة ) تعاني من نكسة وتراجع ؟ ورغم
أهمية التوظيف الفاعل للتقنية ، واستثمار المصادر التي تحظى بإقبال الجيل الجديد ،
إلا أنه لا بديل عن التفكير الجاد في تنشئة الجيل القارئ ، وإعادة
الاعتبار للقراءة .
ومن أول ما يحقق ذلك أن يكون المربُّون قدوة
في القراءة ، وأن يوظفوا ما يقرؤونه في التحفيز المباشر وغير المباشر لطلابهم على القراءة
؛ وإلا ففاقد الشيء لا يعطيه .
كما أنه مما يعزز تنشئة الجيل القارئ الاعتناء
بإنتاج مواد ناضجة وشيِّقة ومبسطة للطفل والشاب والفتاة ، وتفعيل البرامج المحفِّزة
.
كما يجدر بالمهتمين بالشأن الإعلامي توظيف البرامج
الإعلامية في تعزيز القراءة بدلاً من أن يتحول الإعلام إلى منافس يحتل مساحة أكبر من
اهتمام الجمهور على حساب القراءة ، وبقدر ما تملك البرامج الإعلامية من إثارة وجاذبية
؛ فإنه من الممكن توظيف ذلك كله في استثارة همة الجيل نحو القراءة .