شكَّلت الدول الإسلامية كيانات ذات طابع حضاري -كما هو الحال في منظمة الدول الإسلامية-، كما تشكلت منظمة الجامعة العربية ككيان سياسي، لكن كلاهما لم يطرح نفسه ككيان تحالفي عسكري أو اقتصادي قادر على تلبية أهداف الحفاظ على المصالح والدفع للنمو والتطور في هذه ال
لم يَعُد ساسة العالم يُخفون دخول العلاقات الدولية حالة صراع كبرى؛ لإعادة تشكيل
التوازنات الدولية. وأغلبهم يتحدث بوضوح أن الصراع عميق المخاطر؛ باعتباره يجري حول
استمرار النظام الدولي القائم -المسيطَر عليه غربيًّا- أو تغييره إلى نظام دولي
متعدد الأقطاب. وقد وصل الأمر حد التهديد بالحرب النووية.
وبات واضحًا من تصرفات الساسة، أن العالم انتقل فعليًّا من حالة سيولة العلاقات بين
الدول، إلى وضعية الصراع بين الأحلاف والكتل والتجمعات؛ سواءٌ المُشكَّلة سابقًا أو
تلك التي جرى تشكيلها على خلفية الصراع الحالي، بما يضع الدول غير المنتمية لهذه
الأطراف المتحالفة، في وضع الخيارات الاستراتيجية.
وفي ذلك يجري التركيز على أدوار الأحلاف الدولية والتجمعات والكتل الإقليمية ذات
الطابع السياسي والأمني والعسكري -كما هو الحال بالنسبة لحلف الأطلنطي وإيكوس، ودول
ميثاق شانغهاي، ومنظمة الأمن الجماعي لروسيا ودول محيطها-، غير أن العالم يدخل هذا
الصراع أيضًا، من خلال التكتلات الاقتصادية، التي قد يكون أثرها هو الأبلغ والأشد
تأثيرًا في إحداث التغيير؛ بحكم مخاطر اندلاع حرب عالمية -عسكرية- بين الدول
الكبرى؛ إذ يوقن الجميع أنها تُفضي إلى حالة التدمير الشامل دون أن يفلت منها أحد.
ولذا، لاحظ الجميع تعاظم دور ونشاط الدول السبع الصناعية، ودور مجموعة دول بريكس،
وانعكاس الصراع بينهما في داخل مجموعة العشرين. واشتداد الصراع حول أدوار البنك
والصندوق الدوليين وبنك التنمية لدول بريكس وبنك الاستثمار والتنمية الآسيوي.. إلخ.
كما زادت أهمية دول أوبك ودول أوبك بلاس، بفعل الصراع الدولي غير المسبوق حول
إمدادات الطاقة.
كما لُوحظ اشتداد الصراع على الخامات الأولية ومنتجات الذكاء الصناعي -الذي أصبح
صراعًا استراتيجيًّا بين الولايات المتحدة والصين-، بل حتى حول السلع الغذائية
والأسمدة. وكذا صارت عمليات فرض العقوبات وسيلة شائعة في إدارة الصراع، كما تجري
أعمال حرب اقتصادية ضارية حول العملات أو حول الدولار تحديدًا، لإنهاء هيمنته، وحول
نُظُم التواصل الدولي بين البنوك. بل حتى حول السياسات الاقتصادية الداخلية؛ إذ
أصبحت جزءًا من الصراع الدولي، كما هو حادث من تهديدات أوروبية باندلاع حرب تجارية
مع الولايات المتحدة، بعد إقرارها حزم مواجهة التضخم ذات التأثير الخطير على صناعة
السيارات الأوروبية.. إلخ.
وهكذا، بات السؤال مطروحًا حول توجهات الدول التي لم تنتمِ بعدُ لأهم كتلتين أو
تحالفين اقتصاديين -الدول السبع الصناعية ومجموعة بريكس-؛ إذ تسعى المجموعتان إلى
جذب تلك الدول إلى منظوماتها أو ربط اقتصاداتها بها.
لقد بدأت الدول السبع الصناعية في دعوة دول غير منتمية لها لحضور اجتماعاتها، ونفس
الأمر مِن قِبَل مجموعة دول بريكس، التي تتناثر الأخبار والتصريحات والتكهنات حول
رغبة دول عديدة للانضمام إليها. وحول دول قدمت طلبات للانضمام فعليًّا.
وبالنظر إلى أن الدول السبع الصناعية تضم الدول الكبرى، وإلى أن دول بريكس تضم
الدول النامية صاحبة الاقتصادات الضخمة، فقد صار سؤال
«الانضمام»
موجهًا تحديدًا إلى الدول النامية -التي تطرح ذات السؤال على نفسها أيضًا-؛ لضمان
تطورها ولتقوية أوضاعها وتحصين مصالحها خلال هذا الصراع. وفي ذلك يسود التقدير
بأهمية دول بريكس مستقبليًّا؛ باعتبارها تجمعًا لدول نامية وناهضة -على عكس الدول
السبع الصناعية التي تمثل حالة استعمارية مغلقة-، وباعتبار أن تجمع دول بريكس هو
حالة سياسية-اقتصادية، وليست تكوينًا أيديولوجيًّا أو عسكريًّا، ولأنها تقف ضد
السيطرة والهيمنة الغربية التي تعاني منها الدول النامية، التي تسعى لتعديل
السياسات الاقتصادية الدولية، وإيجاد بديل لهياكل التمويل في العالم.
وقد صار السؤال مطروحًا ومُلِحًّا على دول العالم الإسلامي، باعتبارها دولاً نامية،
ولا تنتمي إلى أي من الكتلتين المتصارعتين، وحيث لم تشكل كتلة اقتصادية قادرة على
مواجهة متطلبات الصراع الدولي الحالي.
لقد شكَّلت الدول الإسلامية كيانات ذات طابع حضاري -كما هو الحال في منظمة الدول
الإسلامية-، كما تشكلت منظمة الجامعة العربية ككيان سياسي، لكن كلاهما لم يطرح نفسه
ككيان تحالفي عسكري أو اقتصادي قادر على تلبية أهداف الحفاظ على المصالح والدفع
للنمو والتطور في هذه المرحلة الخطرة.
فهل تجد الدول الإسلامية في مجموعة بريكس ما يلبّي مصالحها التنموية، ويحقق لها
أهدافها على المستوى القريب والمتوسط على الأقل؟ وهل يصلح هذا الخيار لخدمة مصالحها
على المستوى الاستراتيجي؟
الصراع الاقتصادي الدولي
تجري حركة الاقتصاد الدولي عبر شبكة شديدة التعقيد، وإلى درجة يصعب فهمها حتى لدى
بعض المتخصصين المهتمين بحركة قطاعات محددة من الاقتصاد. كما أنها حركة عمليات تحول
ضخمة بفعل الصراع الجاري في العالم، لتغيير توازنات القوى العسكرية والسياسية، وفي
قلب وسائلها أدوات الاقتصاد.
وقد أصبح بارزًا الصراع حول دور المؤسسات المالية ذات الطبيعة الدولية. وإذا كان
الصندوق والبنك الدوليان هما مَن يرسمان صورة حركة الاقتصاد الدولي، لمصلحة
الاقتصاد الغربي والدول السبع الصناعية. فقد صار بارزًا ظهور دور وتأثير البنوك
متعددة الأطراف، كما هو حال البنك الآسيوي للاستثمار وبنك التنمية التابع لمجموعة
دول بريكس؛ إذ يرسمان حركة الاقتصاد باتجاه تحقيق التنمية الاقتصادية المستقلة.
وفي ظل الصراع الدولي الراهن، ووسط شبكة شديدة التعقيد في العلاقات المالية
والتجارية، برز دور مجموعة السبع الصناعية -التي تُمارس دورها تحت ظلال الاقتصاد
والدور الأمريكي- في إدارة حركة وتوجهات الصناعة والتجارة وحركة الصراع الاقتصادي
وحركة العقوبات، لتثبيت
«التوازنات
الاقتصادية»
القائمة في العالم.
وبرز في المقابل دور مجموعة بريكس -التي تستند محوريًّا إلى قوة الاقتصاد الصيني-
لإدارة حركة التنمية والاستقلال وإعادة تشكيل التوازنات الاقتصادية لمصلحة دولها
عبر توفير هياكل بديلة للتمويل، المقدم من المؤسسات الدولية وفق شروط سياسية تعرقل
حركة نمو الدول الصاعدة.
وفى الوضع الصراعي الراهن، فالدول السبع الصناعية هي الأقوى اقتصاديًّا من مجموعة
بريكس، كما أن مجموعة السبع الصناعية لديها مدًى أوسع في التأثير وتحقيق الأهداف
بحكم استنادها إلى الدور الاستعماري الغربي، ووضعية الهيمنة الغربية على العالم؛ إذ
تضم كلاً من الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا واليابان.
فيما الدول المنضوية لمجموعة بريكس، وهي الصين والهند والبرازيل وروسيا وجنوب
إفريقيا، تتشكل في مجموعها -باستثناء روسيا- من دول كانت خاضعة للاستعمار، وحديثة
النمو، ومِن ثَم فهي تعاني من مشكلات في هياكل اقتصادها، ومن مشكلات التنمية
الاجتماعية.. إلخ.
غير أن معدلات النمو في دول بريكس أعلى بمراحل من نظيرتها في الدول السبع، كما أن
دول بريكس لديها أسواق ذاتية كبرى بحكم عدد السكان؛ إذ تضم -الدول الخمس- نحو 40%
من سكان العالم، وهو ما يشير إلى أن المستقبل يسير لمصلحة دول بريكس.
وقد أظهرت تلك الدول نشاطًا متميزًا في مجال براءات الاختراع -وهى قاطرة التنمية-؛
إذ ارتفعت نسبة مساهمة تلك الدول في الاقتصاد العالمي من 13.1% في عام 2005م إلى
45.6% عام 2015م.
ويمكن القول بأن الصراع لم يتبلور بعدُ في صيغته النهائية، وإننا في مرحلة أولى من
هذا الصراع، لكنه يبدو متسارع الخطوات؛ لتأثره بالصراعات السياسية والحربية الجارية
والمحتملة. وقد ظهرت شدّته وتسارُعه واضحة مؤخرًا مما طرحته مجموعة السبع الصناعية
من مشروع مضاد للمشروع الاستراتيجي الشامل للصين.
لقد جرى إطلاق مبادرة مناوئة أو موازية لمبادرة طريق الحرير الصينية، وتعهدت دول
مجموعة السبع بمقتضاها -في 26 يونيو 2022م- بجمع نحو 600 مليار لتمويل برنامج
«عالمي»
للبنى التحتية في البلدان النامية، وأعلنت الولايات المتحدة وحدها عن القيام بتوفير
200 مليار منها. كما بدا الصراع حادًّا، في قضية الرقائق الإلكترونية والمعادن
النادرة بين الولايات المتحدة والصين، وبينهما تايوان وكوريا الجنوبية.
والصراع الجاري لا يتعلق بفرض العقوبات فقط، فذلك مفهوم سياسي مختصر؛ إذ يرتبط
-ربما يمكن القول أساسًا- بحركة رؤوس الأموال والاستثمارات وخريطة انتشار الصناعات
بين اقتصادات الدول؛ لإضعاف بعضها وتقوية البعض الآخر، وفق خيارات استراتيجية تتعلق
بالصراع الدولي.
وتتحرك مجموعة السبع أو تبذل جهودًا حثيثة لاستقطاب الدول المنتمية لمجموعة دول
بريكس -أو بالأحرى لإضعاف ترابطها-؛ إذ دعت الهند وجنوب إفريقيا، العضوان في بريكس،
وكذلك الأرجنتين -التي تسعى للحصول على عضوية كاملة في بريكس- للمشاركة في قمة
مجموعة السبع المنعقدة في ألمانيا في منتصف عام 2022م.
وهو ما تقابله مجموعة بريكس بفتح اجتماعاتها أمام دول نامية أخرى، وببدء الحوارات
حول انضمام بعضها لعضويتها. لقد دأبت المجموعة في اجتماعاتها الأخيرة على دعوة
العشرات من الدول لحضور اجتماعاتها، كما شكَّلت منصة منتدى أعمال بريكس، وتحدثت عن
دراسة مشروع دول بريكس+، لتشكيل مجموعة أوسع حول الدول الخمس المؤسسة -وهناك من
يراها دعوة مستقلة لتشكيل قطب دولي ثالث-، كما فتحت الباب لانضمام دول جديدة إلى
بنك التنمية الذي شكَّلته المجموعة، وقد وصل عدد الدول التي شاركت في فعاليات
المؤتمرات السنوية الأخيرة للمجموعة نحو 50 دولة من غير أعضائها.
وقد طلبت 15 دولة الانضمام رسميًّا لتلك المجموعة. والمؤكَّد منها ثلاثة حتى الآن،
هي إيران والأرجنتين والجزائر.
مجموعة بريكس
تظهر حالة مجموعة الدول السبع الصناعية، كمجموعة مغلقة على الدول الصناعية ذات
التوجهات الليبرالية -الغربية، ويتضح يومًا بعد يوم أنها تحالُف اقتصادي وسياسي
غربي (ويمكن القول عسكري) تحت الهيمنة الأمريكية.
وفي المقابل، تتكون مجموعة بريكس من 5 دول نامية ذات اقتصادات ضخمة، مُوزّعة على
ثلاث قارات هي آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية. وهي تعتبر نفسها نواة لتشكيل
منظومة اقتصادية بديلة للمنظومة التي أسَّستها الدول الغربية. وهي دول ذات تأثير
اقتصادي وسياسي، غير عسكري.
لقد بدأت مفاوضات تشكيل المجموعة بين 4 دول في عام 2006م، هي الصين وروسيا والهند
والبرازيل، وعقدت تلك الدول الأربعة أول اجتماعات رسمية لها في عام 2009م، ثم انضمت
لها جنوب إفريقيا في العام التالي.
ويمكن القول: بأن أحد الأسس المهمة في قيامها هو الرغبة في الإفلات من الهيمنة
الاقتصادية الغربية، التي تُعطِّل عجلة التنمية في الدول النامية؛ إذ تُمسك الدول
الغربية بزمام مؤسسات التمويل، وتعمل على توجيه وربط الجهود التنموية في تلك الدول
لخدمة تطور الاقتصادات الغربية.
وتسهم دول بريكس الخمس في تحقيق ربع إجمالي الناتج المحلي على الصعيد العالمي. فقد
بلغ الناتج العالمي في عام 2021م نحو 96 تريليون دولار -حسب قواعد بيانات البنك
الدولي-؛ في حين بلغ الناتج المحلى الإجمالي لدول بريكس: 24.2 تريليون دولار، بما
يمثل نسبة 25% من الناتج المحلي العالمي. ويلاحظ أن الصين تحقّق وحدها ما يوازي نحو
73% من نسبة دول بريكس.
وجميع الأعضاء الخمسة هم أعضاء في مجموعة العشرين، وهو ما يشير لقدرتها على التأثير
في القرار الدولي.
وقد بلغ رأس المال المخصص للتنمية في مؤسسات مجموعة بريكس ما يقرب من ٢٠٠ مليار
دولار، مقسمة إلى ١٠٠ نحو مليار دولار، كرأسمال بنك
«بريكس»
الدولي للتنمية، إضافةً إلى ١٠٠ مليار دولار أخرى مُخصَّصة لصندوق الاحتياطي
النقدي.
وتملك تلك الدول الخمس -خاصة الصين بطبيعة الحال- احتياطيات مالية ضخمة، وتشير بعض
التقديرات إلى أنه بإمكان المجموعة تأسيس صندوق بحجم صندوق النقد الدولي وحدها، لو
خصصت سدس احتياطاتها المالية للتمويل الدولي.
كما أنه من المتوقع أن تنضم دول جديدة من مختلف دول العالم خلال السنوات الخمس
المقبلة إلى بنك التنمية، ويتوقع البنك الدولي أن يصل معدل نمو
«بريكس»
نحو ٥٫٣٪ بحلول نهاية العام الحالي.
وتنتج دول بريكس نحو ثلث الإنتاج العالمي من الحبوب، بما يجعلها مؤثرة على صعيد
الأمن الغذائي العالمي.
ومن ضمن توجهات دول بريكس: إطلاق وكالة للتصنيف الائتماني -وهو الأمر المقصور حتى
الآن على الدول الغربية- ارتكانًا على دور بنك التنمية الجديد لدول بريكس والبنك
الآسيوي للاستثمار.
كما تسعى تلك المجموعة إلى توسيع عملية التبادل التجاري بين دولها بالعملات الوطنية
دون اللجوء إلى الدولار، وهو ما سيحقّق استقلالاً اقتصاديًّا لها، بقدر ما يُغيّر
من نمط السيطرة الأمريكية على الاقتصاد العالمي، عبر الدولار الأمريكي.
مشكلات دول بريكس
تحمل تجربة دول بريكس في طياتها أنماطًا من المشكلات التي يجب فهمها لإدراك طبيعة
الظاهرة، وتحديد كيفية التعامل معها وإدراك طبيعة مستقبلها.
فالدول المنضوية للمجموعة لا تحمل نظامًا مشتركًا في طبيعة نُظمها السياسية، فنجد
الهند والبرازيل وجنوب إفريقيا تعتمد نظام الانتخابات، وإلى حد ما روسيا، فيما
الصين يحكمها الحزب الشيوعي منفردًا.
ويبدو أن ذلك هو ما دفَع لتسميتها بريكس؛ عن طريق أخذ الحرف الأول من اسم كل دولة،
حتى لا تحمل التسمية مدلولات خلافية.
وضمن مشكلات المجموعة: عدم حل الخلاف الحدودي العالق بين الهند والصين منذ حرب عام
1962م. وهو خلاف خطير يدفع الهند لتعميق علاقاتها العسكرية مع الولايات المتحدة،
التي تقود الدول السبع الصناعية، وتقود الصراع ضد دولتين من أعضاء بريكس.
وقد وصل الأمر حد انضمام الهند، إلى حلف أمنى -كواد- مع اليابان والولايات المتحدة
وأستراليا، وهو حلف يَستهدف مواجهة التحركات الصينية في شرق جنوب آسيا، والمحيط
الهندي. وتلك أمور ستؤثر لا شك على تماسك بريكس مستقبلاً.
ويلاحظ أيضًا أن الشراكات الاقتصادية (المالية والتجارية) لتلك الدول واسعة مع
الدول الغربية، بل أكثر في بعض الأحيان من تبادلاتها التجارية مع دول بريكس الأخرى.
فالبرازيل شريكها التجاري الأول هو الولايات المتحدة. والصين في شراكة عميقة مع
الولايات المتحدة؛ إذ الصين هي ثالث أكبر سوق للصادرات الأمريكية، وهي أكبر مورد
للولايات المتحدة حسب إحصاءات عام 2020م.
وقد نمت التجارة بين الولايات المتحدة والهند، حتى أصبحت الولايات المتحدة الآن
الشريك التجاري الأول للهند.
وتجمُّع بريكس لم يتم تطويره بعدُ، ليصل إلى حالة الكيان التكاملي -على غرار
الاتحاد الأوروبي مثلاً- في ظرفٍ تتجه فيه الولايات المتحدة لحَشْد حلفائها وتعميق
الارتباط معهم وفيما بينهم على كافة المستويات، كما اتضح بعد حرب روسيا على
أوكرانيا. ويسود تقدير بعدم قدرة المجموعة على توحيد مواقفها بشأن القضايا الرئيسية
في العالم لتباين أولوياتها.
كما لم تتمكن المجموعة من تدويل عملاتها الوطنية في احتساب التبادلات التجارية،
فيما بينها ولم تُشكّل نظامًا بديلاً لنظام سويفت الغربي أيضًا.
وأكثر ما يلفت النظر، أن دول مجموعة بريكس لم تتفق حتى الآن على قواعد لانضمام دول
أخرى للمجموعة، وهو ما يُعِيق عمليات الانضمام لها. ولذلك لم تنضم أيّ دولة
للمجموعة طوال أكثر من 12 عامًا؛ رغم طلب دول الانضمام.
خيارات الدول الإسلامية
يمكن القول بأن خيارات الدول الإسلامية للانضمام للتكتلات الاقتصادية الدولية
محصورة، في خيار الانضمام لمجموعة بريكس، لا غيرها في الوقت الراهن على الأقل؛
لأسباب تتعلق بكونها دولاً نامية ولأسباب تتعلق بمصالحها الآنية والمستقبلية.
فالدول الإسلامية كلها دول نامية، وهي تتشارك مع دول مجموعة بريكس في الرغبة
بالإفلات من سطوة وهيمنة الدول الغربية على الاقتصاد الدولي. كما أن تكويناتها
الحضارية تجعل من الصعب انتماءها لدول مجموعة السبع الصناعية لأبعاد أيديولوجية
وعسكرية.
وعلى صعيد المصالح، فرغم تمايز مصالح الدول الإسلامية عن غيرها، إلا أن مصالحها
أقرب بالإجمال لمصلحة الانضمام لبريكس أيضًا.
فحاجة دول بريكس للطاقة تتزايد، وهي سلعة تصديرية تلعب دورًا رئيسيًّا -حتى الآن في
ميزانيات بعض الدول العربية-، بما يوفر إمكانية إقامة علاقات مستقرَّة تتنامى مع
تنامي اقتصادات تلك الدول. كما أن الدول التي بحاجة إلى تمويل لتطوير بِنْيتها
الأساسية تجد في دول بريكس وبنك التنمية والبنك الآسيوي فرصًا أفضل للتمويل، سواء
بحكم عدم فرض شروط سياسية للإقراض أو للتسهيلات الممنوحة. كما أن دول بريكس هي دول
نامية ومتطورة فيمكن للتعامل معها أن يساعد في دَعْم خطط التنمية في الدول
الإسلامية. وكذا عدد سكان دول بريكس الضخم، يجعل سوقها واعدًا أمام الدول الإسلامية
القادرة على التصدير.
وفي حال إقرار بريكس التعامل في داخلها بالعملات الوطنية، فذلك سيفتح الطريق أمام
الدول التي تعاني من شُحّ العملات الصعبة للتخلص من الشروط الغربية بشأن القروض
بالعملات الصعبة.
كما أن التعامل بعملات غير الدولار، يُضْعف قدرة الغرب على فرض العقوبات على الدول
الإسلامية الصاعدة؛ إذ تتعرَّض الدول الصاعدة إلى محاولات غربية لتثبيط عوامل قوتها
وإضعاف قدرتها على رفض الهيمنة الغربية.
وبعيدًا عن الخيارات الممكنة الآن والمفيدة؛ يظل الخيار الاستراتيجي الأشد قدرة
للدول الإسلامية على بناء قوتها الاقتصادية وتنميتها: بناء تكتل اقتصادي خاصّ بها.
وهو أمر يتعلق بخطط البناء الاقتصادي الأفضل ولا يرتبط فقط بالأبعاد الحضارية.