تمثِّل الموارد المالية في
الظاهر عصب الحياة للمؤسسات الخيرية التي تعتمد على التبرعات من كافة شرائح
المجتمع لتمويل وتنفيذ برامجها، ويظن بعض من الناس أن الموارد المالية هي الشريان
الأوحد لرفد المؤسسة بالدعم. والحق أن هذا منافٍ للحقيقة؛ لوجود عوامل متعددة
وظواهر مختلفة تتعدى مجرد الدعم المالي للمؤسسة لتحقيق الأهداف وتنفيذ المشاريع.
ومن هذه العوامل:
أولاً: السمعة الحسنة، وهي الأخلاق
ونُـبْل الرسالة:
لا بد من الحرص كل الحرص على تقديم الصورة
الحسنة المشرقة، والالتزام بالمصداقية والشفافية العالية في التعامل مع الشريحة
المستهدَفة، الذين يطلَق عليهم مصطلح (المعنيون - Stakeholders): وهم الجهــــات أو
الأشخاص الذين يتأثرون أو يؤثرون في برامج ومشاريع وأهـداف المؤسسة، وهم أول من
يؤخذ بعين الاعتبـار في عملية التخطيط الإستراتيجي للمؤسسة. إنَّ غالبية هؤلاء
المعنيين يَنظُرون إلى أفراد وممثلي المؤسسة الخيرية نظرة تتسم بالسمو؛ وذلك
لسمُوِّ الرسالة ونُبْل الغاية التي يحملونها. وعلى هذا فإنه يجب أخذ زمام
المبادرة من قِبَل كافة المسؤولين ابتداءً، والموظفين بالعموم، للارتقاء الثقافي
والأخلاقي والاجتماعي لتكوين الصورة المشرقة والمناسبة التي تعكس عِظَم الرسالة
ونُبْل الهدف.
ثانياً: التطـوّر:
إن التطوُّر في غالب الأحايين يحمل بذور
البقاء والاستمرارية داخل رحم المؤسسة الفاعلة؛ ففي الوقت الذي تعيش فيه البشرية
كمّاً هائلاً من التسارع في كافة مجالات الحيــاة والتغييـــرات المتعــــددة، وما
تشهده الأمة من تصاعد وتيرة الأحداث وضياع الحقوق وتكالب النكبات؛ فإن الأمر يوجب
الأخذَ بزمام المبادرة والتطلعَ إلى إحداث نقلة نوعية في طريقة النظر إلى الأمور
وطريقة تحقيق الأهداف وتقديم المشاريع للمعنيين بها.
هذا الأمر يستوجب
التطوير المستمر والدائم، ورسم تصورات متعددة لتجنُّب أيَّ إخفــاقات إدارية
كانــت أو مهنية أو بيئية، كما أنه يمنح الفرصة لتقديم الحلول المناسبة وقت الحاجة
الماسة إليها.
ثالثاً: التخطـيط:
تحظى باحترام كبير تلك المؤسسة صاحبة
الرسالة الهادفة والشعار المميز. وإنَّ أكثر ما يهم المتبرع هو أن يعرف أين وكيف
تُستخدَم أمواله. ومن هذا الباب يتوجب على المؤسسة الخيرية أن تضع لها خططاً واضحة
المعالم تأخذ بعين الاعتبار رغبات المعنيين بأهدافها وتطلعاتها، وترسم الخطط
الحقيقية الواعية المبنية على الواقع لا الخيال.
ولا يكفي أن نقدِّم للجمهور والمعنيين خططاً
وطرقاً للتنفيذ؛ بل يجب أن يتقيد أيضاً مندوبو المؤسسة بخطط واضحة المعالم في
التعامل مع المتبرعين.
ويتوجب على حامل رسالة المؤسسة أن يتخطى
حدود العفوية والرتابة بأسلوب علمي متزن يتواكب وطبيعةَ الرسالة والقيم الأساسية
التي تحملها المؤسسة التي لا تتغير أبداً.
إن هذا المندوب الذي
يمثِّل المؤسسة بقيمها ورسالتها ورؤيتها ومشاريعها وخططها في شخصه أمام المتبرع،
يتحمَّل تبعة كبيرةً وهمّاً مؤرِّقاً لا يدركه سوى من عاش وتعايش في غمار هذه
التجربة الفريدة. ولهذا يتوجب على المندوب أن يتقدم للناس بأسلوب يتصف بالنموذج
المتميز والأسلوب الراقي في التعامل والتواصل والتخاطب، وهذه الصفات لا يمكن أن
تتأتَّى لأحد بدون وعي دقيق وفهم وتخطيط.
إنَّ من الحكمة أن تبدأ بنفسك؛ ففاقد الشيء
لا يعطيه، والحكيـم قال: «لا يمكنك عبور البحر بمجرد الوقوف والتحديق بالماء».
رابعاً: تجنَّب التجريح أو المغالاة:
تعجُّ الساحة اليوم بكثير من الجمعيات
الخيرية متعددة الأهداف والوسائل، ولكلٍّ منها منهج وجمهور؛ فاحذر أن تنزلق قدمك
في متاهات التفاضل والتقديم والتأخير بين هذه الجمعيات؛ فلربما سُئلتَ عن إحداها
من محسن أراد به بالونَ اختبار، فتأخذ بك الحمية بزمام الإبرة لينفجر البالون،
فتخسر موقفاً أنت في غنىً عنه؛ فإياك إياك والتسرُّع والانجرار!
إن الناس بالعموم لهم اتجاهات وميول قد لا
تنكشف لك مـن المرة الأولى، وتحتاج إلى أن تنقِّب وتتفرس فيها جيداً، فلا تترك
لعاطفتك المهنية العنان فتجرَّك إلى صراعات جانبية؛ فإن الـمِراء لا يأتي بخير.
خامساً: المثابرة والعثرات طريق النجاح:
كثيـراً ما يصـطـدم واقـع المنـدوب بصـدٍّ
وتجهُّمٍ
بسبب طبيعة عمله ودخوله على شرائح متعددة من
الناس.
تأكَّد أن الإيجابية تخرج من رحم السلبية
إذا فهمنا واستغلينا ذلك، كيف؟
يقول أديسون (مخترع المصباح الكهربائي):
أجريت أكثر من 999 تجربة لاختراع مصباح. وعند التجربة رقم 1000 نجحت، ولكنني
استفدت أن هناك 999 طريقة غير مجدية لاختراع المصباح فتجنبتها.
إنَّ الله - تعالى - خلق لنا رجلين: يسرى،
وأخرى يمنى؛ كي نسـير مرة يَمـنةً ومـرة يَسـرةً؛ فليس قَدَراً علينا أن نسير
دوماً باتجاه مستقيم. علينا أن نبحث دوماً في كافة الاتجاهـات (المستوية شرعاً) كي
نصـل إلى هـدفنا. إن النـجاح ليـس ثمرة يانعة تقطـفها بمجرد التمني، وقد قيل: لن
تبلغ المجد حتى تلعق الصَّبِرَ.
إنَّ أنجح الناس هم أكثرهم استفادة من
وقوعهم في الأخطاء، وليس كما يعتقد بعضهم أنهم أكثر الناس تجنُّباً للأخطاء.
سادساً: الاتصال الفعَّال:
أنصِت جيداً تفهم المطلوب؛ فمن أساء سمعاً
أساء فهماً، ومن أساء فهماً أساء عملاً:
تتطلب عملية التسويق الخيري مجموعة من
المبادرات الشخصية تندرج ضمن ما يسمى بذاتية التعلُّم؛ فتحتاج إلى قلب واع ٍوفكر
منفتح. والاتصال الفعَّال أحد أركانها، وهو الذي يعرَّف بأنه عملية نقل المعلومات
من شخص إلى آخر بطريقة تجعل المعْنَى الذي يفهمه المستقبِل مطابقاً إلى حدٍّ بعيد
للمعنى الذي قصده المرسل.
ولتجنُّب أخطاء الاتصال الفاشل يتحتم على
المندوب الاحتياط للأساليب المهمة التالية:
1- الإنصات الجيد.
2- الاستماع أكثر من الكلام يولِّد الثقة
بين الطرفين.
3- استلام دفة الحوار يعني إمكانية طلب
التبرُّع.
4- عدم التطرق إلى مواضيع خلافية أو جانبية.
5- انظر مباشــرة لعينــي المحســن ولا
تــزد ذلك عن 5 ثوانٍ؛ فالزيادة على ذلك تولِّد اضطراباً لدى المحسن.
6- تجنَّب إجالة النظر داخل مكتب المحسن.
7- حاول التعرُّف على أحوال المحسن قبل
الدخول عليه عبر السكرتير؛ فهو مفتاح فعَّال.
8- راقب حركات المحسن خلال الحديث معه؛ فإن
وجدته مطمئـناً ومقتـنعاً فأكـمل، وإلا فغيِّر طريقة الحديث أو الموضوع كلَّه.
9- لا تكثر من الثناء المفرط على المحسن أو
المؤسسة التي تمثِّلها؛ بل ارفق بنفسك وتجنَّب المغالاة أو التجريح.
10- تعلَّم ذِكر محاسن الناس، وكن متفائلاً
وإيجابياً تكسب الآخرين.
وتذكَّر أنك إذا فشلت في الاتصال فإن هذا
يعني أنك خسرت محسناً وتبرُّعاً.
سابعاً: تعلم مهارات القيادة:
هناك مجموعة أنماط قيادية تُحدَّد وَفْقاً
لفلسفة القائد وشخصيته وخبرته ونوع التابعين، وأهم هذه الأنماط:
أولاً: القيادة الشورية: وهو الذي يعتمد -
أساساً - على أهل الرأي والاختصاص في تسيير دفة عمله.
ثانياً:
القيادة الدكتاتورية:
وهو القائد الذي تتركز بيده السلطة، ويتخذ كافة القرارات بنفسه، ويمارس مبدأ
التخويف، ويتحكم بشكل كامل بالجماعة التي يديرها.
ثالثاً:
القيادة الديمقراطية:
القائد هنا يمارس المشاركة والتعاون وتبادل الآراء مع الجماعة التي يعمل معها.
رابعاً:
القيادة المتساهلة:
وهي قيادة تتسم بالتسيب وانخفاض الأداء.
خامساً:
القيادة غير الموجهة:
وهي أن يترك القائد سلطة اتخاذ القرار للمرؤوسين ويصبح هو في حكم المستشار.
سادساً:
أسلوب الخط المستمر في القيادة: وهذا النمط ينظر إلى القيادة باعتبارها سلسلة من النشاطات القيادية، ويسمح
بمشاركة موسَّعة في اتخاذ القرارات غير المصيرية.
لماذا عليَّ أن أتعلَّم هذه المهارات؟
إنَّ حجم شرائح المجتمع
التي يتردد عليها المندوب وطبيعتها تتكون في الأغلب من أصحاب رؤوس الأموال، ومن
ثَمَّ فإن لكلٍّ من المندوبين شخصيته القيادية وأسلوبه في التعامل مع الآخرين وهي
التي لن تخرج أبداً عمَّا ذكرناه آنفاً.
ومن هذا المنطلق ندرك أهمية معرفة أساليب
القيادة. فإياك إياك أن تجرح الأسد في عرينه بســـوء فهــــم أو سوء تصرُّف!
ثامناً: إدارة اللقاء:
كيف ترسم سياسة إدارة
اللقاء مع المحسن في ست كلمات؟
ألهمني الله بالتفكير في قوله - تعالى -: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ
يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّـمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ
شَيْءٍ إنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْـمُبِينُ} [النمل:16] ما لم أكن قد قرأت فيه من قبل،
أو توقعت أن تختزنه هذه الآية قليلة الكلمات عظيمة الشأن في الحكم والإدارة
والسياسة، مما لم يخطر على بالي أبداً.
إن من طبيعة الوراثة في الحكم والسياسة أو
الإدارة أن يقوم الوريث بإلقاء خطبة جامعة وشاملة يرسم فيها الخطوط العريضـة
لطـريـقـة حكـمه أو إدارتـه، ولن يفوته أن يـذكُـر ما يتحلَّى به من الصفات
المتميزة عن سلفه على أقل تقدير؛ ليرسـم في أذهان الجمـهور صـورة تـقريـبية
لمنهـجـه وأسلوب تعامله.
فمما أذهلني في هـذه الآية الكـريمة، أنَّ
سـليمان - عليه السلام - حين ورث الملك عن أبيه، قام في الناس خطيباً مبشراً
ومنذراً... كيف؟
لقد استهل خطبته بأنه عُلِّم منطق الطير؛
فجنوده ليسوا فقط من البشر، واستخباراته كذلك، وكفى بالهدهد مثلاً. وهذا من
التحذير للمناوئين أو المعارضين. ومن ثَمَّ فهو تنويه وطمأنة للمحبين والمناصرين
أنه يملك من الأمور كل شيء {وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءِ} [النمل: 16]. وانتهت الخطبة.
إنَّ على صاحب الرسالة الفعَّال - والمندوب
واحد من هؤلاء - أن يقدم نفسه للآخرين في بضع كلمات، هو أحوج الناس إلى فهمها
فهماً عميقاً ودقيقاً.
ولا بأس عليه ولا حرج في أن يكتبها في ورقة
ويراجعها ويحفظها عن ظهر قلب إن لزم الأمر؛ كي لا يقع فريسة لأسئلة محرجة أو
استفهامات غامضة. فمن الممكن أن تقابل محسناً متشككاً وصاحب عقلية انتقاديـة، ومـن
الوهـلة الأولى يفاجـئك بسـؤال: مـن أنتم؟ وما رؤيتكم؟ وما طبيعة رسالتكم؟
إنَّ الأمر لا يحتاج أكثر من بضع كلمات تنجي
المسؤول وتسعد السائل.
تاسعاً: أبدِعْ وستقتنع:
لمفهوم الإبداع رنَّة خاصة في الآذان ونسمة
عليلة في الأذهان؛ تُسعِد القلبَ وتٍُفرِحه، وترضي النفس وتطمئنها.
وتَطرُّقُنا للإبداع هنا ليس بدعة ولا نافلة
من القول؛ إنما هو دعامة مهمة ووسيلة من أقوى الوسائل لتحقيق الغايات وإنجاز
المهمات.
ابتداءً: تذكَّر أنك تخلق الحالة التي
تمليها عليك آلامك؛ فعندما تكون خائفاً تجد الأشياء حولك مخيفة، وعندما تكون
مجروحاً فإنك لا ترى سوى المعاناة واليأس، وعندما تكون مظلوماً فإنك ترى المؤامرات
والأعداء يتربصون بك في كل مكان، وعندما تشعر بالذنب فإنك تقبل الإحباط وتفقد
الرغبة في التقدم. وخير دليل على قولنا هذا الشعراءُ والكتَّاب والخطباء
والسياسيون.
إنَّ الإبداع يخرجك من إطار كهذا، ويحفزك
دوماً للبحث بشكل متواصل والتفكير بطريقة غير مقيدة.
1- من صفات المبدع:
2- القدرة على النظر في الأمور من زوايا مختلفة.
3- القدرة على رؤية التناقضات والنواقص في البيئة.
4- لديه أكثر من حل للمشكلات.
5- رؤية ما لا يراه الآخرون.
6- يقدِّم أفكاراً قد يعتقد الآخرون أنها غير
معقولة.
7- يسأل كثيراً.
8- بطيء في تحليل المعلومات، وسريع في الوصول إلى
حل.
9- يفكر بشكل أفضل في فترات الهدوء والفراغ.
وفي الحقيقة لو أردنا أن نورد كافة الصفات
لضاقت بنا الصفحات؛ وذلك أن الإبـــداع والتفكيـــر الإبــداعي لا حدود له ولا
قيود؛ لأنه ببساطة إبداع، ولأن المندوب ركيزة أساسية ودعامة مهمة لا غنى عنه في
العمل الخيري؛ فما الذي يقدمه الإبداع للمندوب خاصة؟
يُعِين المندوبَ على تجاوز الرتابة والروتين.
يحفز للعمل والجد والاجتهاد.
يمكِّنه من التعامل مع شرائح متعددة وأنماطٍ
مختلفة من الناس؛ وذلك يسهِّل عليه عمله.
يجنِّبه المواقف الحرجة والمنزلقات المتعددة.
أخيراً: تيـقـن أن الإبـداع ليـس حـكـراً
على أحد؛ إنـما هـو حـق لكـل أحـد.