ظهر إلى العلن (وجرى الترويج له) خط ملاحيٌّ تحت مسمى (شمال - جنوب)؛ لنقل الحركة التجارية من الهند إلى روسيا ثم أوروبا، عبر الموانئ والأراضي الإيرانية وبحر قزوين، وقيل: إن هذا الخط سيكون بديلاً لقناة السويس.
تبدو المنطقة العربية في وضع المستهدَف مجدداً بدفع فاتورة حساب التغييرات في
موازين القوى الدولية والإقليمية، وهذه المرة على حساب أمنها البحري الذي هو أهم
عوامل الأمن القومي العربي إستراتيجياً.
لقد دفعت المنطقة الفاتورة من قبلُ إثر انفراد الولايات المتحدة بإدارة العالم،
وكانت الفاتورة في شكل عَودةِ ظاهرةِ الاحتلال العسكري المباشر (كما حدث في غزو
العراق واحتلاله وتخريبه مجتمعياً)، ودفعت فاتورة عودة روسيا إلى وضعية القوة
الدولية الاستعمارية بعد انكسار الاتحاد السوفييتي (كما حدث في سوريا التي بات
مجتمعها مشرداً وجغرافيتها مفككة)، ودفعت فاتورة حساب ما وصف بـ (الربيع العربي)
حين ضعفت وتفككت عدة دول أو تكاد (كما هو حال اليمن مثلاً)، وقد صارت تلك الدول
خارج المساهمة في الحفاظ على الأمن القومي العربي، بل إن بعضها أصبح جسراً للاختراق
الخارجي.
الآن تبدو المنطقة العربية مطالَبة بدفع فاتورة جديدة أكبر وأخطر، أو لِنَقُل:
فاتورة جامعة لحالة ضعفها التي جرت وقائعها خلال الحقبة الماضية، وللتغييرات التي
حدثت في الإقليم ببروز معالم قوة لدول إقليمية، وللتغييرات الحادثة في التوازنات
الدولية ببروز قوى أو أقطاب دولية جديدة.
هذه المرَّة تدفع المنطقة العربية الفاتورة الجديدة على حساب أمنها الإستراتيجي في
مجال قضايا البحار والممرات والمضايق، وهي الأشد خطورة وتأثيراً؛ لارتباطها بالمجال
الحيوي لوجود الدول واقتصادياتها وحركتها التجارية تصديراً واستيراداً، ولاستمرار
قدرتها على الحفاظ على موانئها، لشمول التهديدات الوجود الجغرافي والتاريخي للكيان
العربي واستقرار دوله وعلاقاتها البينية.
يصبح المستعمر المدجج بالسلاح على بوابات الدول مراقباً (أو مانعاً) لحركة
تجارتها... إلخ.
فالبحار والمضايق والممرات البحرية والقنوات الموجودة في داخل الجغرافيا العربية،
وتلك التي تمثل نقاط تماس مع أطراف وقوى إقليمية أخرى، باتت واقعة تحت تهديدات
عسكرية وأعمال خططية للسيطرة عليها ولإعادة رسم خرائط النفوذ داخلها وحولها،
ولإعادة رسم حركة مرور التجارة البحرية الدولية والإقليمية بعيداً عن ممراتها، بما
يقلل من الاستفادة العربية من وضعها الجغرافي الإستراتيجي المميز، وهو ما سينتج عنه
تغييرات كبرى في معالم القوة والتوازنات في الإقليم وعلى الصعيد الدولي لغير مصلحة
الدول العربية.
وفي حين يبدو مضيق جبل طارق على حاله، يقوم بدوره في انتقال السفن العسكرية
والتجارية من البحر الأبيض إلى المحيط الأطلسي والعكس، تحت المظلة البريطانية وفي
ظل صراع خامد مع المغرب وإسبانيا، فإنه على العكس من ذلك تتكثف الأحداث حول مضيق
هرمز ومداخل البحر الأحمر، وصولاً إلى قناة السويس المصرية؛ إذ تتعرض جميعها دفعة
واحدة (بالجملة) لحالة صراع دولي وإقليمي ولتهديدات متصاعدة وأعمال حربية مخططة
متدرجة، كما يطرح بشأنها مشروعات سياسية واقتصادية وتحالفات عسكرية تستبعد الدور
العربي، وتغير التوازنات الدولية والإقليمية التي حافظت على استقرارها السابق. ووصل
الأمر حدَّ طرح وتبنِّي مشروعات وخطط تستهدف تغيير طرق التجارة الدولية والإقليمية
التي تمرُّ بالمنطقة.
لقد شهدت المرحلة الأخيرة إجراء مناورات بحرية عسكرية شاركت فيها قوات من الصين
وروسيا وإيران، في بحر العرب ومضيق هرمز. كما تتواصل الحركة الأمريكية لتشكيل تحالف
بحري عسكري دولي في المحيط الهادئ والخليج العربي ومضيق هرمز وخليج عُمان وبحر
العرب. كما تتحرك إيران تجاه السيطرة ليس فقط على مضيق هرمز (من الجهتين)؛ بل أيضاً
على مداخل البحر الأحمر، انطلاقاً مما حققته من وجود عسكري عبر الحوثيين في اليمن،
ومما أحدثته من حالة اضطراب لأمن الملاحة من خلال هجماتها على السفن المارة في تلك
المناطق.
وكذا شهدت منطقة باب المندب حالة بناء جرثومية للقواعد الأجنبية في المناطق
المسيطرة على الجانب الغربى لتلك المنطقة الحيوية، ولم تكن مصادفة أن تبني الصين
أول قاعدة بحرية في الخارج في جيبوتي (على مداخل البحر الأحمر) وأن يكون إلى جوارها
قواعد عسكرية لكلٍّ من الولايات المتحدة وفرنسا.
وفي حين تحركت تركيا تجاه الصومال في جنوب باب المندب، فهي تتحرك أيضاً تجاه دول
منطقة القرن الإفريقي المشرفة على هذا الممر.
وكذا فقد حقق الكيان الصهيوني اندفاعه في حركته الإستراتيجية نحو تلك المناطق
(عسكرياً وسياسياً واقتصادياً) تحت عنوان مواجهة إيران. وقد أعلن لأول مرة عن رحلات
لغواصات إسرائيلية نحو بحر العرب. كما جرت محاولات روسية وتركية، للحصول على موطئ
قدم في البحر الأحمر من خلال الموانئ البحرية السودانية.
وفي هذا التوقيت وفي ظل تلك التوترات والاضطرابات والصراعات على القواعد العسكرية
في تلك المنطقة، ظهرت للعلن مشروعات لتغيير مسار الحركة التجارية من المرور عبر
قناة السويس المصرية إلى مسارات وقنوات وخطوط أخرى، بعضها يمرُّ عبر إيران وبعضها
يمر عبر الأراضي الفلسطينية المحتلة.
لقد ظهر إلى العلن (وجرى الترويج له) خط ملاحيٌّ تحت مسمى (شمال - جنوب)؛ لنقل
الحركة التجارية من الهند إلى روسيا ثم أوروبا، عبر الموانئ والأراضي الإيرانية
وبحر قزوين، وقيل: إن هذا الخط سيكون بديلاً لقناة السويس.
كما أُعلن عن محاولات تركية لإنشاء مركز لوجيستي في ليبيا، تُنْقَل منه السلع إلى
عمق إفريقيا عبر الطرق البرية. وقيل: إن تلك الطرق ستقلِّص مدة وصول البضائع إلى
الداخل الإفريقي من 45 يوماً عبر قناة السويس، إلى ما بين 10 - 15 يوماً فقط.
ونشرت بعض وسائل الإعلام أنباءً عن توقيع مذكرات لنقل بعضٍ من النفط إلى أسواق
الاستهلاك في أوروبا، عبر أنابيب تعْبُر الأراضي الفلسطينية المحتلة لتصل إلى
الموانئ على البحر الأبيض. بديلاً أيضاً للحركة عبر قناة السويس.
وهكذا شهدت الآونة الأخيرة انتقالاً لبحر العرب ومضيق باب المندب والبحر الأحمر
وصولاً إلى قناة السويس، إلى وضعية التهافت على بناء القواعد والمناورات العسكرية
وأصبحت محلاً لمشروعات لتحويل طرق التجارة بعيداً عن مساراتها التقليدية.
فما الذي جرى؟ ولماذا كل هذا الزخم في تلك المنطقة؟ ولِم لا نجد تحركاً عربياً
موازياً؟ وما هي إمكانيات وجود تحرك عربي يتناسب مع المخاطر التي تهدد الكيان
العربي وتغيِّر ملامحه التاريخية؟
الوضع الدولي وتأثيراته:
دخلت المنطقة في أتون صراع إستراتيجي دولي، وذلك انعكاس لتبدُّل الاهتمامات
والمصالح وتوازن القوى على الصعيد الدولي، وهو أمر جرى كثيراً في حالات تبدُّل
عوامل القوى بين الدول الاستعمارية.
لقد كانت البحار والمحيطات وبشكل خاص الممرات والمضايق والقنوات البحرية، العنصرَ
الأبرز في الخطط الإستراتيجية للدول الاستعمارية. فلم يركز الاستعمار خططه فقط على
احتلال الدول (السيطرة على اليابسة) ولكنه سعى أيضاً للسيطرة على الطرق البحرية
وعمل على تأمينها عسكرياً لضمان الوصول الدائم إلى تلك المستعمرات.
وقد توسعت بعض الدول الاستعمارية للسيطرة على البحار والطرق البحرية والمضايق
والقنوات البحرية، كونها ضرورة لتحقيق ما يوصف بالسيادة العالمية، وَفْقَ نظرية أن
من يسيطر على البحار يسيطر على العالم.ولذلك كانت السيطرة على المياه إحدى أهم
جوانب الصراع بين الدول الاستعمارية نفسها.
وقد كان لتطوير السفن الحربية دور أساسي في حقبة الاستعمار الأوروبي؛ ذلك أن أهم ما
ميَّز الحركة الاستعمارية الأوروبية، وأعطى لها القدرة على التوسع والحفاظ على
علاقة دائمة متواصلة مع مستعمراتها؛ هو الانتقال عبر البحر لا البر. ولذلك أولَت
اهتماماً كبيراً بالدول الشاطئية أيضاً.
وقد استقر في الدول الاستعمارية مبدأ إستراتيجي، يقول: إن الدولة الكبرى إن أرادت
التحول إلى دولة عظمى، فالمجال الأول والأهم هو تأمين نفوذها البحري على الصعيد
العالمي.
ووَفْقاً لتلك القاعدة المستقرة، فقد سعت الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية
الثانية لفرض سيطرتها على ما يسمى بـ (أعالي البحار)، بما يحقق لها العالمية
ويمكِّنها من الدفاع عن مصالحها الإستراتيجية في كافة أنحاء العالم.
وكان أهم ما حققته الولايات المتحدة - خاصة بعد نهاية الحرب الباردة - أن تمكنت من
تحويل سيطرتها البحرية إلى نظام دولي مستقر ومعترَف به عالمياً؛ إذ أصبحت قواتها
البحرية المنتشرة في كافة المحيطات والبحار - بالتناغم مع قواعدها على اليابسة - هي
التي تؤمن استمرار تدفق الحركة التجارية الدولية في مختلف الأنحاء.
لكن، هذه الحالة تشهد تغييراً متنامياً في السنوات الأخيرة. وتتضافر في ذلك عدة
عوامل، منها: تغير اهتمامات الولايات المتحدة تحت ضغط حاجتها لحشد قواتها لمواجهة
تحديات لدورها هذا من قِبل منافسين دوليين، ومنها تراجع نسبة مساهمة الولايات
المتحدة في الإنتاج العالمي، ومنها أن زادت أهمية مناطق معيَّنة لأطراف دولية صاعدة
بحكم تنامي قوَّتها الصناعية والتجارية واحتياجاتها للمواد الخام، وهو ما دفعها
للمنافسة على السيطرة على البحار والمضايق... إلخ.
ونتيجة لكل تلك العوامل وغيرها فقدت البحرية الأمريكية بعضاً من تلك السيطرة على
أعالي البحار لصالح قوى دولية أخرى باتت تنشد السيطرة على البحار والمضايق المرتبطة
مع جغرافيتها والحيوية بالنسبة لصناعتها وتجارتها، كما هو حال الصين في غرب المحيط
الهادئ؛ إذ تذكر التقارير الأمريكية أن الصين باتت قادرة على السيطرة على بحر الصين
الجنوبي، إلى درجة من القوة تجعلها تسمح للقوات البحرية الأمريكية بالوصول إليه في
وقت السلم، وتمنعها من الوصول إليه في وقت الحرب. وهو ما يجري بطريقة أو بأخرى بشأن
البحر الأسود وبحر أوزوف من قِبَل روسيا.
ومن يتابع الوضع الدولي يجد أن بحر الصين الجنوبي والبحر الأسود، صارا في أوج
الصراعات الدولية؛ وهو مشابه لما يجري - وإن بحدة أقل - في منافذ الدخول والخروج من
البحر الأحمر وقناة السويس ومضيق هرمز.
لقد أصبحت الممرات والمضايق والقنوات والبحار والمحيطات، بمثابة الورقة الأولى على
لائحة الصراع وإعادة ترسيم النفوذ، بعد أن تبدلت وتغيرت التوازنات الإقليمية
والدولية، وبعد أن تعالت المطالبات بتأسيس نظام دولي متعدد الأقطاب بديلاً للنظام
الدولي الخاضع للسيطرة الغربية أو الأمريكية.
ارتباط المصالح بين الدولي والإقليمي:
على خلفية التغيير في المصالح والتوازنات الدولية جرت وتصاعدت محاولات إعادة تشكيل
خرائط السيطرة والنفوذ على الممرات البحرية في منطقتنا، كما في مناطق أخرى في
العالم، فلجأت القوى الكبرى إلى التحالف مع الدول الإقليمية وعملت على دعمها لتلعب
أدواراً لمصلحتها في هذا الصراع.
لقد حضرت الصين وروسيا بنفوذيهما وقواتهما، لكنهما لما كانتا دولتين صاعدتين لم
تكتمل عوامل قوتيهما الدولية، ذهبتا إلى التحالف مع إيران ودعم دورها في الصراع على
البحار وممراتها، وهو ما نقل تحالفهما من البر إلى البحر. وفي المقابل تحركت
الولايات المتحدة لدعم قوى إقليمية أخرى، بحكم تركيزها على مناطق أخرى في العالم،
وهو ما حدث مع الدور الإسرائيلي مباشرة، وعبر حركة غير مباشرة مع تركيا؛ إذ فتحت
أمامها مساحات للحركة استثمرتها تركيا لتثبيت دورها.
تحركت الصين وروسيا تجاه الاستعانة بإيران بحكم حاجتها لقوى حليفة. وفتحت الولايات
المتحدة المساحات أمام إسرائيل والفرصة أمام تركيا لانشغالها بمهددات أكبر؛ وبمعنى
آخر أدارت حلفاءها الأقوياء لمواجهة تحالف الآخرين.
والأهم أن التحركَين (الصيني - الروسي) والأمريكي، جاءا ملبيين ومتناغمين مع طموحات
تلك الدول الإقليمية وخططها الإستراتيجية. التقى التغيير الدولي مع تحولات القوة في
المنطقة مع طموح تلك الدول القوية لتوسيع دورها ونفوذذها.
لقد التقى التمدد الروسي والصيني مع الإستراتيجية الإيرانية الساعية للسيطرة على
مضيق هرمز ومضايق مدخل البحر الأحمر وصولاً إلى البحر المتوسط ضمن هدفها الأكبر؛
وهو إعادة تشكيل الإمبراطورية الفارسية.
والتقى الموقف الأمريكي مع الخطة التركية الساعية لمد نفوذها ودورها الإستراتيجي
إلى مضيق باب المندب والبحر الأحمر - بعد أن كانت قد أسست لوجود دائم في الصومال -
وهو ما رأته تركيا فرصة متاحة لتعميق دورها في القرن الإفريقي والبحر الأحمر معاً.
ووجدت إسرائيل فرصتها؛ فإذ فتحت الولايات المتحدة المجال أمامها للتقدم اقتصادياً
وسياسياً عبر اتفاقات مع بعض دول المنطقة، وإذا نقلت دورها العسكري من أوروبا إلى
القيادة المركزية المشرفة على الشرق الأوسط، فقد انطلقت إسرائيل لتطوير دورها
ونفوذها لتعزيز وجودها، فتحركت تجاه بحر العرب للوصول إلى نقطة تماس مع إيران،
وتحركت لتحويل التجارة العالمية المارة عبر قناة السويس لإنشاء طرق بديلة تحقق
وجوداً وهيمنة إستراتيجية أعلى.
ويمكن وصف ما يجري في هذا الشأن، بالحركة في ثلاثة اتجاهات:
الأول: من الدول التي تنشد التغيير وتدفع لتقليص السيطرة الأمريكية الغربية على
المياه في هذه المنطقة.
والثاني: من الدول الغربية؛ وبمعنى أدق: من الولايات المتحدة التي باتت أشد سفوراً
في الدفاع عن سيطرتها على بحار ومحيطات العالم وممراتها.
أما الثالث: فهو يجري من قِبَل دول إقليمية، وجدت فيما يجري من صراع فرصة للحركة
وَفْقَ منطق الفرص المتساقطة من الصراع بين الطرفين الأول والثاني.
وهنا يُطرَح السؤال حول الموقف والدور العربي، وما إذا كان هناك خطة لمواجهة
المخاطر.
أزمة الموقف العربي:
لقد اضطربت حالة الاستقرار التي شهدتها البحار والمضايق وطرق المرور البحرية في
العالم. وهي حالة أشدُّ وطأة في المنطقة العربية بحكم تعدُّد وتنوُّع القوى
الإقليمية وتحالفاتها مع القوى الدولية.
واقع الحال أن البحر الأحمر ومضيق هرمز وقناة السويس قد زادت أهميتُها الإستراتيجية
بالنسبة لأطراف دولية جديدة خاصة الصين؛ سواء لأنها أصبحت أهم الدول المستوردة
للنفط من المنطقة، أو لأن الممرات والبحار وقناة السويس واقعة ضمن مخططها
الإستراتيجي الشامل (طريق الحرير)، كما تغيرت توازنات القوة في المنطقة لصالح قوى
إقليمية جراء تدخلات دولية وإقليمية أضعفت القوة الكلية للمنطقة العربية، لكن الدول
العربية لم تعتمد إستراتيجية جديدة تتناسب مع تلك المتغيرات؛ بل حتى يمكن القول بأن
عدم وجود خطة جعل بعض الدول تذهب إلى ترتيب أوضاعها ومصالحها بالتوافق مع بعض الخطط
الدولية والإقليمية.
وإذا كان يقال: إن الوقت لا ينفد إلا إذا قررت الاستمرار في تأخيرك عن إنجاز
أهدافك، فيمكن للدول العربية العبور من تلك المرحلة الخطيرة واستعادة المبادرة في
مواجهة التوغل الدولي والإقليمي؛ إذا أعادت تفعيل مواقفها المشتركة، وَفْقَ خطة
إستراتيجية واضحة.
وأول ما ينبغي فعله هو التوجُّه لإنهاء المشكلات وحالات الحروب الداخلية التي تضرب
العديد من الدول، وهو ما يحقق إضعافاً للنفوذ الدولي والإقليمي على الأرض العربية،
ويقلل الانشغال العربي بالوضع الداخلي ويُضْعف محاولات الدول للسيطرة على الممرات
والبحار. وتكفى الإشارة هنا إلى أن حسم الحرب في اليمن إنما يحقق إضعافاً فورياً
لمحاولة إيران التسلل للسيطرة على باب المندب... إلخ.
كما ينبغي الذهاب إلى توحيد المواقف العربية تجاه الاختراقات الإقليمية الحادثة على
الأرض العربية، عبر إعادة تشكيل منظومة القوة العربية البحرية بشكل خاص. وهو ما
يتطلب إعادة طرح أفكار الأمن القومي العربي ضمانة لحشد الموقف وعدم توفير حاجة
للدول للجوء إلى الدول الإقليمية وخطط بعضها عدائية.كما ينبغي إعادة ترتيب
التحالفات مع الدول الكبرى لإضعاف تحالفاتها مع دول إقليمية.