• - الموافق2024/11/21م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
فرسان مالطا تاريخ جمعية خيرية تحولت إلى دولة خفية

انتشرت شهرتهم خاصة أثناء الحروب الصليبية؛ إذ قاموا بالعديد من الغارات والحروب الدموية ضد أجزاء من الدولة الإسلامية وأظهروا خلالها كثيراً من العدوانية والقسوة والوحشية ضد المسلمين


تعدُّ (فرسان مالطا) أو ما عُرف بـ (فرسان الهيكل) من أكثر الظواهر التاريخية والسياسية تعقيداً وغموضاً، ولقد برزت منذ العصور الوسطى وامتد وجودها إلى تاريخنا المعاصر. لقد تمكن فرسان مالطا من تأسيس دولتهم منذ أكثر من 900 سنة، وهي ما تزال قائمة تتمتع بكيان مستقل ودستور ولها علم، وينص القانون الدولي على سيادتها، ولها صفة دولةٍ عضوٍ في منظمة الأمم المتحدة؛ وذلك بالرغم من أنه ليس لها وجود فعلي على خريطة الدول في العالم وتعدُّ الدولة الوحيدة التي ليس لها شعب أو حدود ومع ذلك فإن لها سفارات وتمثيلاً دبلوماسياً كبيراً في عدة دول من العالم من بينها دول إسلامية وعربية، ومعترف بها من قبل قرابة 100 دولة.

وتؤكد المصادر التاريخية أن فرسان الهيكل قد ظهروا في مالطا منذ سنة 1070م في شكل هيئة خيرية قام بتأسيسها مجموعة من النصارى الإيطاليين بغاية رعاية المرضى في مستشفى القديس يوحنا الأورشليمي في مدينة القدس، وكذلك خدمة الحجاج النصارى القادمين من أوروبا. وظل هؤلاء الفرسان يمارسون عملهم بسلام في ظل حكم الدولة الإسلامية، وأُطلق عليهم في البداية اسم فرسان المستشفى تمييزاً لهم عن بقية هيئات الفرسان الأخرى التي كانت موجودة في مدينة القدس آنذاك.

وبمرور الزمن تحول فرسان مالطا إلى تنظيم ديني وعسكري منظم وقوي، وصار له طموحات توسعية كبرى ذات أهداف استعمارية. وتميز هذا التنظيم العسكري من حيث الشكلُ بملابس بيضاء عليها صليب أحمر، كما يضع أفراده على رؤوسهم أقنعة لا يظهر منها سوى العينين، وكانوا في أثناء تنقلاتهم يحملون المشاعل النارية.

انتشرت شهرتهم خاصة أثناء الحروب الصليبية؛ إذ قاموا بالعديد من الغارات والحروب الدموية ضد أجزاء من الدولة الإسلامية وأظهروا خلالها كثيراً من العدوانية والقسوة والوحشية ضد المسلمين؛ وخاصة أثناء الحملة الصليبية الأولى (1097/ 1099م) على منطقة المشرق الإسلامي.

وبمرور الزمن خضعت قيادة هذه المنظمة للمحاربين الأقوياء وباتت أداة عسكرية في خدمة الكيان الصليبي وخططه الاستعمارية والتوسعية؛ وهي سمة لازمتْ فرسان مالطا طوال تاريخهم. واللافت أنه قد تدفقت عليهم المساعدات والأموال والمِنَح والهبات الضخمة من كافة الدول الأوروبية وممالكها، هذا وكان لفرسان مالطا قدرة كبيرة على الوصول مباشرة إلى مراكز القرار في مختلف دول العالم؛ وذلك بفضل نجاحهم في تأسيس شبكة قوية ومعقدة من العلاقات الواسعة في جميع أنحاء العالم ضمنت لهم تلبية كافة احتياجاتهم.

كما وفَّر لهم الموقع الجغرافي الهام لمدينة مالطا وخاصة ميناءها الإستراتيجي مزيداً من القوة والنفوذ والتوسع وجعلهم بمثابة المنظمة الدولة في الحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط، كما تمكنوا من تأسيس قاعدة عسكرية بحرية ضخمة لشنِّ الغارات والأعمال العدائية ضد المِلاحة الإسلامية في المتوسط. وعلى الرغم من أنهم كانوا خاضعين مباشرة للسلطة البابوية إلا أنهم تمتعوا بقدْر كبير من الحرية والاستقلالية في رسم سياساتهم واتخاذ القرارات الحاسمة وتنفيذها؛ خاصة بعد أن تولى البابا (كليمنت السابع) عرش البابوية في سنة 1523م، وهو الذي كان ينتمي إلى فرسان مالطا.

وفي النصف الثاني من القرن 16 بقي تنظيم فرسان مالطا هيئة عسكرية قوية، كما تحولت مالطا إلى قاعدة رئيسية للقرصنة ضد السفن الإسلامية، ومارست هذه المنظمة حرباً نفسية على ممالك أوروبا؛ وذلك من خلال تحذيرها من خطر القوى الإسلامية المتنامي في شرق المتوسط؛ إذ عملوا على بثِّ الخوف والرعب في نفوس الأوروبيين لتبرير فكرة الحرب المقدسة التي اعتمدت عليها هذه المنظمة في بداية وجودها.

ولقد شن فرسان مالطا العديد من الحملات العسكرية ضد المدن الإسلامية في القرن 16، منها هجومهم على سواحل تونس في سنة 1535م في إطار تحقيق أهداف استعمارية توسعية.

وما تزال إلى اليوم فرسان مالطا منظمة ناشطة يقع مقرها داخل العاصمة الإيطالية روما، وقد حصلت على اعتراف رسمي من دولة إيطاليا، وتصنَّف دولةً اعتبارية بلا أرض وبلا شعب ومع ذلك فإن لها تمثيلاً دبلوماسياً كبيراً في أكثر من مائة دولة حول العالم، ويتمثل نشاطها الأساسي والمعلَن في تقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية عبر برامج عمل خيرية وخدمية وطبية، بالإضافة إلى حماية حقوق النصارى والإشراف على حجِّهم في القدس.

وتضم هذه المنظمة اليوم نحو 12.000 فارس و 80.000 متطوع بالإضافة إلى هيئة طبية تتكون من 20.000 من الأطباء والممرضين والمسعفين وهم يشكِّلون القاعدة الرئيسية لأنشطتها في مختلف أنحاء العالم.

وبعد مرور أكثر من 9 قرون على وجود فرسان مالطا ما زال الجدل قائماً حولها؛ ولا سيما حول طبيعة الدور الذي تقوم به في سياق العمل الدولي اليوم، وما زالت هناك كثير من الشبهات والأسئلة الغامضة والمعلَّقة في شأنها.

 

 


أعلى