• - الموافق2025/10/20م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الانحياز الأمريكي يُفقد واشنطن ثقة حلفائها في الشرق الأوسط

لطالما كانت الولايات المتحدة اللاعب الأكبر في محاولات الوساطة لحل الصراع العربي-الصهيوني، ذلك النزاع الذي يمتد جذوره لما يقرب من سبعين عامًا، ويعتبر من أكثر الصراعات تعقيدًا في العصر الحديث


البيان/وكالات: لطالما كانت الولايات المتحدة اللاعب الأكبر في محاولات الوساطة لحل الصراع العربي-الصهيوني، ذلك النزاع الذي يمتد جذوره لما يقرب من سبعين عامًا، ويعتبر من أكثر الصراعات تعقيدًا في العصر الحديث. من منظور واشنطن، لم يكن هذا الدور مجرد وساطة محايدة، بل كان امتدادًا لاستراتيجيات سياسية وجيوسياسية تهدف إلى حماية مصالحها في منطقة الشرق الأوسط.

بدأت الوساطة الأمريكية في أواخر ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، مدفوعة بعدة دوافع رئيسية، منها ضمان أمن إمدادات النفط، واحتواء النفوذ السوفيتي خلال الحرب الباردة، بالإضافة إلى إقامة تحالف قوي مع الدولة العبرية التي اعتبرتها واشنطن حليفًا استراتيجيًا لا غنى عنه. هذا التحالف القوي مع الدولة العبرية شكّل حجر الأساس في السياسة الأمريكية تجاه الصراع، وهو ما أضفى على الوساطة طابعًا غير متوازن في كثير من الأحيان.

خلال العقود الماضية، شهدت الوساطة الأمريكية بعض الإنجازات المهمة، مثل اتفاقات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، التي مثلت أول اعتراف عربي رسمي بالدولة العبرية، واتفاقات أوسلو في التسعينيات التي أرسَت إطارًا للمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، وصولًا إلى اتفاقات السلام بين الدولة العبرية وعدد من الدول العربية الحديثة المعروفة باتفاقيات الإبراهيمية. ومع ذلك، لم تكن هذه الخطوات كافية لحل القضايا الجوهرية، التي ظلّت عالقة كاللاجئين، ووضع القدس، والمستوطنات، مما جعل الصراع يتجدد كلما هدأت المواجهات لفترة قصيرة.

ومع مرور الوقت، بدأ يتضح أن الدور الأمريكي يتسم بازدواجية مقلقة: فهي من جهة تدعو إلى السلام، ومن جهة أخرى تدعم الدولة العبرية سياسيًا وعسكريًا بشكل قوي، ما قلل من مصداقية واشنطن كوسيط نزيه في أعين الفلسطينيين والعرب. هذا الموقف خلق حالة من الاستياء والشك حول إمكانية تحقيق تسوية عادلة برعاية أمريكية.

خلال الحروب المتكررة على قطاع غزة، الذي يمثل بؤرة النزاع الأشد حدة، تأرجح دور الوساطة الأمريكية بين محاولة تهدئة الأوضاع وأحيانًا المشاركة بشكل غير مباشر في عمليات عسكرية وأمنية. إحدى أبرز التجارب في هذا السياق هي التدخل عبر ما يُعرف بمؤسسة غزة، وهي جهة كانت تعمل على توزيع المساعدات الإنسانية في القطاع بدعم أمريكي.

لكن ما حدث في الواقع كان أكثر تعقيدًا ومأساوية؛ فهذه المؤسسة لم تكن فقط معنية بالإغاثة، بل اتُهمت بالتعاون مع الجيش الصهيوني في استهداف المدنيين وجرهم إلى مربع التهجير والنزوح القسري، مما أدى إلى سقوط العديد من المدنيين الأبرياء. هذه العلاقة الأمنية التي جمعت بين مؤسسات مدعومة أمريكيًا والجيش الصهيوني تعكس بوضوح ازدواجية الدور الأمريكي، حيث تتداخل جهود الوساطة مع دعم العمليات العسكرية التي تزيد من معاناة المدنيين.

هذا التدخل الأمني الأمريكي في غزة لم يساهم في بناء الثقة، بل زاد من حالة الانقسام والشك بين الفلسطينيين وواشنطن، مع تعميق حالة الحرب، وخلق معضلة أخلاقية وإنسانية حول استخدام المساعدات كغطاء أمني لإضعاف المقاومة، مما يضع علامات استفهام كبيرة حول مصداقية الوساطة الأمريكية.

ومن بين الأحداث التي تركت أثرًا عميقًا على تجربة الوساطة الأمريكية كان قصف الدوحة خلال إحدى جولات التصعيد في الصراع الفلسطيني الصهيوني. كان هذا القصف مدمرًا، وأسفر عن سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين، مما أثار غضبًا واسعًا داخل الأوساط العربية والفلسطينية، وأدى إلى تآكل كبير في ثقة الجمهور المحلي والإقليمي بالدور الأمريكي كضامن للسلام.

هذا الحدث مثل نقطة تحوّل حاسمة، إذ لم يعد بإمكان الفلسطينيين والعرب النظر إلى واشنطن كوسيط محايد أو كحليف يمكن الاعتماد عليه في حماية المدنيين أو ضمان حقوقهم. بل على العكس، أصبح قصف الدوحة مثالًا صارخًا على انحياز الولايات المتحدة ودعمها غير المشروط للدولة العبرية، حتى على حساب حلفائها العرب وأبرزهم قطر التي تعد حليف استراتيجي لواشنطن وتستضيف قاعدة العديد التي تعد أكبر قواعدها في واشنطن.

انعكس هذا فقدان الثقة بشكل مباشر على دور واشنطن كحليف في المنطقة؛ فقد تعرضت الولايات المتحدة لانتقادات حادة من قِبل الدول العربية والفصائل الفلسطينية، مما دفع بعض الأطراف إلى البحث عن بدائل للوساطة الأمريكية، سواء عبر دول أخرى أو عبر مبادرات إقليمية ودولية متعددة الأطراف. وفي الوقت ذاته، أدى هذا الانحياز الواضح إلى تعميق الانقسامات داخل المجتمع الفلسطيني نفسه، حيث ازدادت الشكوك تجاه أي جهود تُبذل تحت رعاية واشنطن.

وهكذا، شكل قصف الدوحة تجربة مأساوية أظهرت حدود الوساطة الأمريكية ووضعت علامة استفهام كبيرة على جدية واشنطن في دعم السلام العادل، لتصبح جزءًا من الأزمة وليس الحل، مع انعكاسات بعيدة المدى على استقرار التحالفات الأمريكية في المنطقة ومستقبل الدور الأمريكي في الصراع.

 

أعلى