البيان/متابعات: دخل البحر الأسود مرحلة جديدة من التوتر بعد إعلان وزارة النقل التركية تعرض ناقلة محمّلة بزيت عباد الشمس، مبحرة من روسيا إلى جورجيا، لهجوم على بعد 80 ميلاً من الساحل التركي، في الوقت الذي شهدت فيه المنطقة نفسها خلال الأيام الماضية سلسلة ضربات بطائرات مُسيّرة استهدفت ناقلات نفط متجهة من وإلى الموانئ الروسية. هذا التصعيد البحري يضع تركيا في قلب مواجهات لم تبدأ منها، لكنه يهدد أمنها البحري ومكانتها الإقليمية، ويكشف في الوقت نفسه عن تحوّل أوكراني واضح نحو استهداف العمق الاقتصادي الروسي عبر البحر.
الهجوم الذي أعلنت عنه أنقرة يأتي بعد 48 ساعة فقط من هجمات أخرى، فقد تعرضت ناقلة النفط Virat لهجوم بمسيّرة، بينما اندلعت النيران في ناقلة Kairos في حادث منفصل. وسبق ذلك تدمير أحد مراسي محطة “اتحاد خط أنابيب بحر قزوين” (CPC) في ميناء نوفوروسيسك، وهو أحد أهم شرايين تصدير النفط الروسي والكازاخي.
وفق تحليل أندريه ريزشيكوف ورأي الخبير الروسي في أمن الطاقة إيغور يوشكوف، فإن استهداف ناقلات قرب السواحل التركية لا يحمل بعداً عسكرياً فقط، بل يعد رهاناً سياسياً محفوفاً بالمخاطر، لأنه “يجُرّ تركيا عملياً إلى قلب الصراع”. ويشير يوشكوف إلى أن استمرار الهجمات داخل نطاق بحري قريب من الحدود التركية يعني عملياً إظهار أنقرة بمظهر العاجز عن حماية الممرات الحيوية، ومن ثم دفعها رغماً عنها إلى التورط في ردّ أو تحرك دبلوماسي واسع.
لكن البعد الأخطر هو الاقتصاد والطاقة. فالهجمات لا تستهدف روسيا وحدها، بل تضرب في عمق شبكة إمدادات إقليمية تمرّ عبرها 80% من صادرات كازاخستان النفطية، وتشترك في ملكية جزء منها شركات أوروبية وأمريكية. ومع تضرر مرافق CPC، يصبح الاستهداف فعلياً موجهاً إلى اقتصاد كازاخستان وشركائها الغربيين، أي أن أوكرانيا — من وجهة النظر الروسية — توسّع نطاق الحرب ليشمل أطرافاً جديدة لم تكن طرفاً مباشراً في الجبهة العسكرية.
ورغم أن هذه الضربات لن توقف صادرات النفط الروسية بالكامل، إلا أنها سترفع كما يؤكد يوشكوف تكلفة الشحن والتأمين في البحر الأسود، ما يؤدي إلى اضطراب أوسع في سوق الطاقة الإقليمي. وقد تضطر الناقلات إلى تغيير مساراتها أو رفع أسعار النقل، وهو ما سينعكس مباشرة على تجارة النفط بين روسيا وجورجيا وتركيا ودول أوروبا الشرقية.
التصعيد البحري الأخير، بكل مؤشراته، يظهر أن أوكرانيا تبنّت سياسة استنزاف اقتصادي عبر البحر تستهدف خطوط الإمداد الروسية ومرافق الطاقة الحساسة، حتى لو كان ذلك على مقربة من السواحل التركية. أما أنقرة، التي وجدت نفسها أمام سلسلة هجمات غير مسبوقة قرب حدودها البحرية، فقد تتحول دون رغبة إلى طرف في معادلة أمنية جديدة، مع احتمال زيادة دورها في التفاوض أو تعزيز حضورها العسكري لحماية ممرات الملاحة.
في المحصلة، يكشف الهجومان على الناقلة المحملة بزيت عباد الشمس، وعلى ناقلات النفط قبلها عن مرحلة جديدة من الحرب، تُستخدم فيها الطائرات المُسيّرة كسلاح اقتصادي وسياسي. ومع تمدد الصراع إلى بوابة تركيا البحرية، تبدو المنطقة مقبلة على مزيد من التوتر الذي قد يعيد رسم معادلات أمن الطاقة في البحر الأسود بالكامل.