البيان/صحف: يقف رئيس وزراء الدولة العبرية بنيامين نتنياهو عند مفترق حاسم لم يسبق أن واجهه خلال مسيرته السياسية الطويلة. فطلبه الرسمي للعفو من الرئيس إسحاق هرتسوغ فتح الباب أمام مرحلة جديدة من الصراع الداخلي، وعرّى حجم الضغوط القضائية والسياسية التي تحاصر الرجل الذي قدّم نفسه لعقود بوصفه “السياسي الذي لا يُقهر”. ومع انكشاف تفاصيل المقال الذي نشره الصحفي الروسي إيغور سوبوتين في “نيزافيسيمايا غازيتا”، يتضح أن نتنياهو لا يبحث فقط عن مخرج قانوني، بل يحاول أيضاً تفادي عملية محاسبة سياسية شاملة كان يتوقع أن تطيح به عاجلاً أم آجلاً.
يشير التقرير الروسي إلى أن الرئيس هرتسوغ ينظر بجدية في طلب العفو، ويواجه ضغوطاً من أنصار نتنياهو الذين يدعون إلى “إنهاء الانقسام الداخلي”. غير أن ما كشفه سوبوتين يوضح أن العفو، إن تم، لن يكون سهلاً ولا مجانياً؛ فالرئيس قد يطالب نتنياهو بالتخلي تماماً عن “الإصلاح القضائي” الذي حاول رئيس الوزراء تمريره لتقويض سلطة القضاء، وربما يطالبه بالاستقالة مقابل إغلاق الملفات، من دون منعه من خوض الانتخابات المقبلة. هذا “الثمن السياسي” يعكس ما يصفه محللون في تل أبيب بأنه محاولة لفرض “فاتورة العفو” على نتنياهو، حتى لا يتكرر مشهد الإفلات من العقاب.
من جهة أخرى، يوضح التقرير الروسي أن أي عفو دون اعتراف رسمي بالذنب سيُقوّض النظام القضائي، وأن الاعتراف شرط أساسي في كل السوابق القانونية. لكن نتنياهو، وفق سوبوتين، يسعى إلى “التهرّب الكامل من المسؤولية دون تصحيح أي من أخطائه”، معتمداً على دعم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وعلى ضعف متزايد أصاب المنظومة القانونية خلال سنوات الاستقطاب الداخلي.
في ضوء هذا الواقع، تتقاطع قراءة سوبوتين مع التحليل السياسي الأوسع لمستقبل نتنياهو، إذ يشير كلاهما إلى أن مصيره لن يُحسم بقرار قضائي فقط، بل عبر تفاعل ثلاثة مستويات متشابكة: قوة الضغط القضائي، ميزان القوى في الشارع، وقدرة الرئيس هرتسوغ على صياغة مخرج سياسي يحدّ من الشرخ الداخلي.
سيناريوهات مستقبل نتنياهو باتت واضحة في خطوطها العريضة:
أولها صفقة عفو مشروط تتضمن استقالته أو التخلي عن مشروعه القضائي، مع احتفاظه بدور رمزي داخل اليمين دون قدرة على إدارة الحكم مباشرة. ثانيها، المماطلة واستنزاف القضاء عبر إطالة أمد الإجراءات، ما يجعل نتنياهو رئيس حكومة ضعيفاً ينتظر انتخابات مبكرة قد تطيح به تدريجياً. أما السيناريو الثالث فهو الأخطر: الهروب إلى الأمام عبر التصعيد الإقليمي في غزة أو سوريا أو لبنان، لاستخدام مناخ الطوارئ للضغط على المؤسسات لتمرير عفو دون أثمان. إلا أن هذا المسار بات محفوفاً بمخاطر كبيرة، في ظل إرهاق المجتمع وتراجع ثقة المؤسسة الأمنية بالقيادة السياسية.
الخلاصة أن قراءة سوبوتين، حين تُدمج مع التحليل السياسي الأوسع، تكشف أن نتنياهو لم يعد يملك ترف المناورة كما كان يفعل لعقود. فالعفو لم يعد مسألة قانونية، بل صراعاً حول مستقبل المنظومة السياسية في الدولة العبرية. ورغم ما يبدو من دعم أمريكي، فإن مسيرة نتنياهو تتجه على الأرجح نحو نهاية مُقيّدة لا نهاية ساحقة: خروج من السلطة على وقع صفقة مُهينة، مع الاحتفاظ بدور سياسي محدود، أو سقوط تدريجي بفعل المحاكمة والشارع والمؤسسات.