استطاع
أعداء الإسلام في الغرب وعلى مر العقود الماضية إيجاد حالة من الفوضى الاجتماعية
والثقافية والسياسية في الدول الإسلامية والعربية من خلال الأوضاع السياسية
المتباينة والنزاعات الطائفية والحروب المتواصلة وعمليات الاستعمار الذي نفذت في
تلك البلدان، وتركت خلفها حركة تغريب ثقافية هدمت معالم اللغة العربية في بعض
البلدان مثل شمال إفريقيا ونشرت عادات سيئة، كما
خلفت سياسة (فرّق تسد) الذي اتبعتها بريطانيا أثناء استعمارها لبعض الأقطار
العربية حالة تمزق في تلك الأقطار.
و
أصبح العالم العربي والإسلامي أمام مزيج من الرأسمالية والاشتراكية و الأسلمة
الغير واضحة المعالم جسد ممزق لا يعرف له انتماء ثقافي، وكيانات سياسية غلب عليها
الفساد والدكتاتورية ساعدها في ذلك جهل الشعوب وضعفها وبعدها عن الإسلام، وتعلقها
بثقافات غربية .
ساعدت
تلك الحالة على البدأ في مرحلة علمنة الشعوب وإنشاء دساتير وقوانين بعيده عن الشرع
الإسلامي وكان غالبيتها قوانين وتشريعات فرنسية وبريطانية، ومنذ تلك الفترة بدأت
مرحلة علمنة المجتمع الإسلامي سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا.
فالعلمانية
تعرف اصطلاحاً "بفصل الدين والمعتقدات الدينية عن السياسة والحياة العامة،
وعدم إجبار أي أحد على اعتناق وتبني معتقد أو دين أو تقليد معين لأسباب ذاتية غير
موضوعية" وفق ما نشرته الموسوعة العالمية ويكيبيديا.
و
الكاتب الإنكليزي جورج هوليوك أول من نحت مصطلح "علمانية" عام 1851، وتقدم
دائرة المعارف البريطانية تعريف العلمانية بكونها: "حركة اجتماعية تتجه نحو
الاهتمام بالشؤون الأرضية بدلاً من الاهتمام بالشؤون الآخروية ".
وفي
الواقع الذي نعيش فيه يظهر ان الدول في هذا المضمار إنقسمت إلى اقسام فمنها من ايد
العلمانية وأعلنها كهوية للمجتمع مثل فرنسا والولايات المتحدة، وبعض الدول أعلنت أن
قوانينها مستمدة من أحد الأديان مثل مصر واليونان ولكنها لم تخلوا من بعض مبادئ
العلمانية مثل المساواة بين جميع مواطنيها، وبعض الدول التي لا يوجد هوية محددة
لها و تنص قوانينها على المساواة بين المواطنين وهي بذلك تصنف أحد الدول
العلمانية.
وفي
عالمنا الإسلامي نجد العديد من العلمانيين الذين لا يجرؤوا على المجاهرة بكونهم من
مؤيدي العلمانية ومبادئها، ويؤدون العبادات مثلهم مثل غيرهم من المسلمين.
المـــدارس الأجنبية
يقول
المنصّر الأمريكي (روبرت ماكس): "لن تتوقف جهودنا وسعينا في تنصير المسلمين حتى
يرتفع الصليب في سماء مكة، ويقام قدّاس الأحد في المدينة".
ولتحقيق
هذه الغاية توزعت طرق الغرب في تشتيت الأمة وتغريب مجتمعها تمهيدا لإعطائها السم
في مقتل، وعلى من يريد أن ينقذ نفسه من ذلك السم الذي تنفثه الأفعى أن يعلم نوعيته
وبسرعة يبحث عن الدواء لمعالجته، وكانت
الخطوة الأولى لهذا التغلغل الثقافي في المجتمع المسلم من خلال افتتاح مدرسة للبنات
في بيروت سنة 1830م، لأن البنات سيكن أمهات فإذا تربين في هذه المدارس النصرانية أثّرن
على أولادهن، وانتشرت في تلك الفترة الكثيرة من المدارس الأجنبية في الدول العربية
وكانت بداية انتشار التغريب الفكري والثقافي وضخ مبادئ العلمانية في المجتمعات المسلمة.
ونشرت
مجلة: "المجتمع" عددها/350 في 29/5/1397هـ موافقة السادات لكارتر على إنشاء
جامعة في مصر للتبشير بالدين المسيحي في الوطن العربي بشرط قيام الحكومة الأمريكية
بتمويلها!!
وفي
مقالة بعنوان طرق العلمانية من الغرب
للشرق نشرت له يسرد الدكتور عوض بن محمد
القرني بعض الأسماء يقول إنها لمدارس ومعاهد تعليمية غربية تساهم في علمنة الشعوب
منتشرة في عدد من الدول العربية.
ومن
هذه المدارس: المدرسة اليسوعية.. مدرسة المطران المارونية.. الفرير.. المعمدانية..
التراسنطا.. راهبات ماريوسف.. الراعي الصالح.. المطران.. المانويت.. راهبات الفرنسيسكان..
الكلية الأهلية.. ميتم الأرض المقدسة.. هانوميان بوزباستيان البيلار.. المدرسة الأميريكة..
والأرمن الأرثوذكس.. طاركنشاتس.. الشبان المسيحية.. الافنستت.. المخلص.. السالزيان..
الصناعية .. السبئيين.. راهبات سيدة الرسل.. الكلية البطريركية.. اللاتينية.. الناصري..
الإنجيلي.. التقارب.. المسيحي.. راهبات الوردية.. الثقافة الأرثوذكية.. السريان.. راهبات
صهيون.. القبطية.. دار الطفل.. الشهيدة دميانة.. سيدة البشارة.. السلام.. المحبة..
القدسية مريم.. القديس نقولا.. العائلة المقدسة.. المدرسة الليسية.. الراهبات الفرنسيسكان..
الكلية الفرنسية.. كلية الجيزويت.. كلية الفرير.. كلية فكتوريا الإنجليزية.. كلية سان
مارك الفرنسية.. كلية سانت كاترين.. مدارس أم الإله؟!!!!.. مدارس بنات الإحسان.. مدارس
العازاريين.. مدرسة القلب المقدس.
ويضيف
الدكتور العوضي " ولقد نجح أعداؤنا في فتح هذه المدارس أخيرا في قلب جزيرة العرب،
ولكن نظرا لاستنكار أسمائها، قامت بتغييرها للتعمية.. فمثلا : "مدارس الأفق الأمريكية"
غيرت اسمها خلال شهر إلى "مدارس الأفق العالمية".. ومن هذه المدارس:
"مدرسة نافذة المستقبل العالمية"، و"الأكاديمية الفلبينية العالمية"
وهكذا بلغت ما يزيد عن مائة وخمسين مدرسة في ظرف عام!!".
وبحسب
المقالة فإن هذه المدارس تفتتح تحت مظلتين:-
1- مدارس
تابعة للإرساليات (البعثات) التنصيرية، الكاثوليكية والبروتستانتية، مثل جمعيات التبشير"
الإيطالية، والفرنسية، والبريطانية، والألمانية، والأمريكية، واليونانية.. وكل إرسالية
تحمل لقبا.. منها: "إرسالية الفرير" و"إرسالية الجزويت" وهكذا.
2- مدارس
تابعة للسفارات الأجنبية، ولهذا تجدها مدارس: "فرنسية" و"ألمانية"
و"أمريكية" أو غيرها، وقد تسمى باسم: "المدارس القومية"، وهي مشتهرة
باسم: "مدارس الجاليات".
ويكمن
الهدف من تلك المدارس والأفعال، استغلال فقر الشعوب وتضليلها وتدمير البناء
الثقافي والمجتمعي المترابط بينها، وتدمير اللغة العربية، وتغيير القيم المستمدة
من أصالة الشريعة الإسلامية، ونشر الإباحية وتدمير الطاقة الشبابية في المجتمعات
الإسلامية، ليسهل السيطرة على تلك المجتمعات.
والاهم
من ذلك فإن هذه البنية من العادات الاجتماعية السيئة التي تنشر عبر وسائل الإعلام
من خلال البرامج والأفلام الأمريكية جزء من خطة لتدمير الإسلام ونشر الإباحية
وتعليق الجيل الناشئ بثقافات غير ثقافاتهم، وهذا يساعد في محو التاريخ من ذاكرتهم.
مكاسب المدارس الأجنبية:
-
تدمير اللغة والثقافة الاجتماعية المستمدة من الإسلام.
- بناء جيل جديد متعلق
بالثقافة الغربية .
- محو الذاكرة للأجيال
المقبلة وترسيخ مبادئ علمنة جديدة في عقولهم بدلا من الشريعة الإسلامية.
- تأهيل قيادات تعمل في
حكومات لبلدان مسلمة .
- الجيل الذي ينشأ ف
يتلك المدارس يتبنى أفكارها ويدافع عنها في المجتمع الذي يعيش فيه.
- إعداد جيل من المفكرين
المدافعين عن العلمانية والتغريب.
المنظمات الدولية
بعد
تفجيرات 11/سبتمبر في نيويورك لجأت الإدارة الأمريكية إلى حيل جديدة لاختراق
العالم الإسلامي من خلال مناداتها بدعم الديمقراطية ومحاربة (الإرهاب) وفي تقرير
نشرته مؤسسة راند عام 2007قالت فيه إن " أجندة الحرية " التي أطلقها الرئيس
بوش من " أكبر استراتيجيات " الولايات المتحدة في حربها العالمية ضد (الإرهاب)
.
وقال
القائمون على إعداد التقرير "وهدفنا من هذا التقرير أن نجعل إنشاء شبكات إسلامية
معتدلة هو الهدف الرئيسي لبرنامج حكومة الولايات المتحدة الأمريكية". وتسعى
الإدارة الأمريكية من خلال وزارة خارجيتها و الوكالة الأمريكية للتنمية بدعم
المؤسسات الأهلية التي تسعى إلى تفعيل ملفات حقوق الإنسان ودعم المرآة والطفل ونشر
المساواة وما إلى ذلك من شعارات إلى إيجاد حكومات خفية تسعى لتنفيذ أجندة
الليبرالية الأمريكية بهدف تغيير المجتمعات فكريا واجتماعيا من خلال إقامة برامج تعليمية
مختلطة والضغط من أجل تغيير مناهج التعليم .
ويقول
التقرير " إن الولايات المتحدة تنفق سنويا 700 مليون دولار على المؤسسات
الإعلامية التي تدعم برامج التغيير في العالم الإسلامي وأبرزها "قناة
الحرة" وراديو سوا " .
وينصح
معدو التقرير الإدارة الأمريكية بإتباع طريقتهم لإنشاء شبكات ما يسمى
"بالإسلام المعتدل" وتنفيذ خطة تمثلت في ما يلي :-
1) وضع معايير صارمة وحادة لتصنيف المعتدلين
الحقيقيين في العالم الإسلامي ..().
2) عمل قاعدة بيانات دولية عن شركائها (الأفراد
, الجماعات , المؤسسات , والهيئات والأحزاب إلخ ).
3) عمل آليات لإدارة وتنقيح البرامج والمشاريع والقرارات.
ويشمل ذلك حلقة استرجاعية لإدخال بيانات وعمل تصحيحات تأتي من قبل هؤلاء الشركاء الذين
تم تحديدهم على أنهم مصادر موثوق فيها .
ويضيف
التقرير إن جهود إنشاء الشبكات يركز مبدئيا على جماعة رئيسية من الشركاء الموثوق فيهم
ومعروف توجهاتهم الفكرية ويعملون بشكل خارجي في هذا الهدف ( مثل اتباع منهج المؤسسات
السرية ) وبعد التأكد من أيديولوجية المؤسسات الجديدة التي تم استهدافها تقوم الولايات
المتحدة بمنح مستويات أعلى من الاستقلالية .
وحدد
التقرير عدد من القطاعات الاجتماعية التي يمكن الاستفادة منها في تطبيق المخطط
الأمريكي لتقوية "الإسلام المعتدل" وهم
الأكاديميون الليبراليون والعلمانيون وصغار علماء الدين المعتدلين والنشطاء
في الجمعيات التي تدافع عن حقوق المرآة والتي تدعو للمساواة بين المرأة والرجل
والكتاب والصحفيون المعتدلون.
التنصير ونشر الفوضى
تقول
المبشرة الأمريكية "سيندي وايت" خلال لقاء أجرته معها صحيفة (هيرالد
يفيو) في التاسع من مايو 2007 ،"لقد سافرت في بعثات تبشيرية إلى عدد كبير من بلدان
العالم، في إفريقيا والفلبين والدول العربية، ولكنني وجدت أنني الآن مبعوثة من قبل
الرب لمهمة خاصة في الدول ذات الأغلبية المسلمة؛ لأنني متأكدة أن العرب يفتقدون الكثير
من تعليمات السيد المسيح".
المبشرة
الأمريكية لم تكن سوى واحدة من المئات من المبشرين والمنصرين الذين يأتون من خلال
مؤسسات العمل الإنساني وترسلهم الكنائس الغربية لاستغلال حالة الفقر في أفريقيا
واسيا لتنصير الناس، وفي عام 2008 اتخذت الحكومة السودانية قرارا جريئا حينما طردت
13 مؤسسة غربية كانت تعمل في الأرضي السودانية تحت ذريعة العمل الإنساني.
ويقول
محمد جمال عرفة في مقالة له :إن هناك أدلة ووثائق محددة على قيام المنظمات المطرودة
من السودان بأنشطة استخبارية لصالح دولها ولصالح الإبقاء على مشكلة النازحين لأسباب
ربحية تتعلق بتلقي موظفي هذه المنظمات رواتب خيالية تصل إلى 70% من حجم المعونة التي
يتلقونها لتوزيعها على فقراء دارفور، ولأسباب أخرى سياسية لإبقائها كورقة ضغط على السودان".
ويظهر
دور هذه المنظمات حينما تم الكشف عن تعامل الكونجرس والاستخبارات الأمريكية مع
البارونة البريطانية"كوكس" التي استغلت دورها في "منظمة التضامن
المسيحي" لدعم متمردي جنوب السودان .
وتنقل
مقالة الكاتب عن القس "جون دانفورث" المبعوث الأمريكي السابق إلى السودان
بقوله : "إن وقف الحرب الأهلية في السودان، يمكن أن يفتح الباب أمامه ليصبح دولة
نفطية كبرى في إفريقيا"!
ومن
أبرز المنظمات التي تم طردها وفق ما نشرته قناة الجزيرة القطرية ( كير أنترناشيونال)
وعملت في السودان لمدة 28 عاماً، و(لجنة الإنقاذ الدولية) وتعمل هناك منذ عام 1981
وتدير مشاريع تعليمية وصحية كبيرة، و(أطباء بلا حدود) وهي تقدم خدمات طبية في
المناطق التي يسيطر عليها الجنوبيون. و(أوكسفام) وهي بريطانية تعمل في دارفور
وأماكن المتمردين.و (تضامن) ، و (العمل ضد الجوع ) و(منظمة التمويل والتعاون )
المعروفة باسم ( (CHF وتفيد
المصادر المقربة من الحكومة أن هذه المنظمة درجت على جمع مجموعات من النساء داخل مقرها
بولاية شمال دارفور وتلقينهن ادعاءات بتعرضهن للاغتصاب والعنف الجنسي من قبل القوات
الحكومية ومليشيات الجنجويد وأن قراهن حرقت وقتل رجالهن وأطفالهن وذلك أثناء زيارات
المسؤولين الدوليين للمعسكرات بالفاشر.
و
(مجلس اللاجئين النرويجي) و يعمل في السودان منذ عام 2004، و(صندوق إنقاذ الطفولة)
و ( (PADCO وهي مؤسسة تعمل ضمن برامج المساعدات الأمريكية .
ورصدت العديد من التجاوزات لهذه المنظمات من بينها إعداد افلام فيديو مفبركة حول
عمليات اغتصاب وقتل وحرق للمنازل في الجنوب، بالإضافة إلى عمليات التنصير التي
يقوم بها أفرادها ودعم المتمردين.
ولا
تزال هذه المنظمات تنشط بكثافة في الأرضي الفلسطينية والصومال والعراق وأفغانستان
دون رقيب أو حسيب، حيث تمارس أنشطتها بحجة
تقديم المساعدة لمتضرري الحروب.
وننتهي
بالقول إن منظمات العمل الدولي التابعة للحكومات الغربية ومؤسسات الأمم المتحدة لا
تدفع أموال لمساعدة المسلمين إلا لتحقيق هدف واحد بطرق غير مباشرة وهو تمزيق جسد
الأمة، وتغريب مجتمعاتها وإيقاعها في وحل اللحاد الفكري والاجتماعي، وتشكيل منظومة
من المؤسسات التي تساعد في تدمير الأخلاق والتعليم والدين، باستغلال من الضعفاء
فكريا واجتماعيا والمنحرفين والشواذ الذين فقدوا مكانتهم في مجتمعاتهم فبحثوا عن
الغرب ليساعدهم في تكوين ذاتهم من خلال محاربتهم لأمتهم، لكنهم غفلوا جميعا بأن
الإسلام دين السماء وليس دين الأرض ومن أنزله تكفل بحفظه، لذلك مثلما فشلت حملاتهم
الصليبية سيفشل رب العزة سبحانه وتعالى مخططاتهم، لأن الناظر للأمة يجدها في هذه
الأيام توحدها قضايا كبرى وتجمعها هموم واحدة أبرزها العدو الخارجي الذي يستخدم كل
وسائله لمحاربتها، وحيثما نظر الإنسان المسلم صاحب القلب المطمئن لقدر الله سيجد
بأن جيلا جديدا ينشئ فيه أتباع الحق أكبر بكثير من أتباع الباطل.. وبشاهدتهم حينما
بدأت الثورات العربية حيث قال الرئيس الأمريكي مخاطبا (إسرائيل) في أخر اجتماع
لمنظمة آيباك " إن الشرق الأوسط أصبح يصيغه جيل جديد من الشباب يطمحون للبحث
عن الحرية"..